«ماذا سنقدم لأبنائنا على الإفطار والسحور؟»... الجوع يفتك بنازحي غزّة قبيل رمضان

أطفال فلسطينيون يحملون أواني وهم يصطفون للحصول على الطعام المطبوخ في مطبخ خيري (رويترز)
أطفال فلسطينيون يحملون أواني وهم يصطفون للحصول على الطعام المطبوخ في مطبخ خيري (رويترز)
TT

«ماذا سنقدم لأبنائنا على الإفطار والسحور؟»... الجوع يفتك بنازحي غزّة قبيل رمضان

أطفال فلسطينيون يحملون أواني وهم يصطفون للحصول على الطعام المطبوخ في مطبخ خيري (رويترز)
أطفال فلسطينيون يحملون أواني وهم يصطفون للحصول على الطعام المطبوخ في مطبخ خيري (رويترز)

يجلس الفلسطيني محمد الهسي (64 عاماً) على كرسيّ متحرك أمام خيمته في مواصي خان يونس جنوب قطاع غزة محتضناً حفيده علاء (15 شهراً) وهو يفكّر في كيفيّة تدبير شؤون حياته مع دخول شهر رمضان، لعدم قدرته على شراء أي من الاحتياجات الغذائيّة الأساسيّة لأبنائه وأحفاده، وفق «وكالة أنباء العالم العربي».

عبثاً يُحاوِل المسن البحث عن وسائل أو بدائل تمكّنه من توفير ما يسدّ رمق عائلته المكونة من 15 فرداً خلال شهر الصيام، خصوصاً أن ما يحصل عليه من مساعدات محدودة كل عدة أسابيع لا يكفيهم بضعة أيام.

محمد، الذي أصيب في قدمه بسبب قصف إسرائيلي خلال نزوح عائلته من حي الأمل غرب خان يونس، يصف حياته بالعصيبة جداً في هذه الأيّام، التي بالكاد يتوافر فيها القليل ما يسدّ الجوع كالمعلّبات أو الدقّة والزعتر، إن وُجِد، معتبراً أن أيّام رمضان ستكون أكثر قسوة إذا استمرت المؤسسات الأممية والمحلية في تقدم القليل للنازحين.

وتساءل: «في الأوضاع المعتادة، نُرضى أبناءنا بتناول أي شيء، فماذا سنقدم لهم عند الإفطار والسحور في رمضان؟ وكيف سيصوم النازحون رمضان وهم صيام عن كثير من الطعام خلال أشهر الحرب؟ وهل ستقوى أجساد كبار السنّ أو الأطفال التي ضعفت على تحمّل الصيام دون تناول طعام كافٍ خصوصاً الصحي منه؟».

أطفال فلسطينيون ينتظرون الحصول على الطعام وسط نقص الإمدادات الغذائية في رفح بجنوب قطاع غزة (رويترز)

يسيطر القلق على ملامح المسن وهو يتحدّث عن دخول شهر رمضان هذا العام بحزن عميق وأوضاع معيشية أقرب إلى الموت منها للحياة، في ظل حرمان من الحدّ الأدنى من مقوّمات الحياة الآدمية.

يتلعثم المسنّ في حديثه، بعد أن بكى حزناً على أحواله وأحوال كل الفلسطينيين، موارياً وجهه ليُخفي دموعه، وطالباً من ابنه الأكبر تغيير وجهة مقعده المتحرّك حتى يهدأ قليلاً، قبل أن يستأنف حديثه عن الجوع الذي يضرب أطنابه بين العائلات النازحة، فضلاً عن العوَز والفاقة والحرمان من معظم الاحتياجات وقسوة الحياة إلى حد لا يتحمّله بشر.

وقال: «عذاب النزوح لا يتصوّره عقل، ولا يحتمله أي إنسان؛ لكنّه يتضاعف مع دخول شهر رمضان وحالة الحرمان غير المسبوقة من الطعام والاحتياجات الأساسيّة المفقودة كلها تقريباً».

أضاف: «لا أعلم ما الطعام الممكن تقديمه لأبنائي عند الإفطار أو السحور؛ وأنا لا أمتلك منه إلا بعض المعلّبات التي لا تُسمن ولا تُغني من جوع؛ فنحن نوفّر الطعام يوماً بيوم، وتمر بعض الليالي التي لا نمتلك فيها ما نتناوله في اليوم التالي لولا ستر الله علينا».

وتؤكّد مؤسسات أممية ودولية ومحلية تعمّق حالة الجوع في مختلف مناطق قطاع غزة، مع تراجع حجم المساعدات المُدخلة خلال شهر فبراير (شباط) الماضي إلى النصف مقارنة مع شهر يناير (كانون الثاني) الذي سبقه.

وفي رفح جنوباً، المدينة الأكثر اكتظاظاً بالنازحين في قطاع غزة، تتكرّر مشاهد البؤس والعوَز والقلق الشديد ذاتها من عدم قدرة العائلات النازحة على توفير أقل القليل من متطلّبات شهر رمضان لأبنائها.

أم طارق (46 عاماً)، النازحة من شمال القطاع قبل 4 أشهر، أوضحت أن زوجها وابنها الأكبر لم يتركا باباً إلا طرقاه طلباً لبعض المساعدات الغذائية، ولم يحصلا إلّا على وعود بالمساعدة فقط، مشيرة إلى أنها وغيرها من الأمّهات لم يغمض لهن جفن خلال هذه الأيام وهن يفكّرن في كيفيّة تدبير أيام الصيام.

وتؤكّد الأم لستّة أبناء أن المساعدات تقلّصت بصورة كبيرة خلال الأسابيع القليلة الماضية قياساً بما كانوا يتلقونه قبلها، ما أثّر مباشرة على كميّة الطعام المقدم لعائلتها بشكل واضح، حتّى اضطرت في أغلب الأيام إلى تجاوز بعض الوجبات، لافتة إلى أن الأمر لا يتعلّق بنقص الطعام فحسب ولكن في نوعيته كذلك.

وقالت إنّ ما يُقدّم عبارة عن معلّبات متنوعة تفتقر وفق وصفها للاحتياجات الغذائيّة الأساسية، خصوصاً للأطفال الذين هم بحاجة ماسة للحفاظ على أجسادهم من الهزل.

وتصف الأم حال أسرتها مع قدوم شهر رمضان بالأكثر بؤساً وحرماناً من أي وقت مضى، على الرغم من أنّها توقّعت انحسار أزمة الطعام ولو قليلاً مع تصاعد الحديث عن الجوع في غزّة، واصفة الحديث عن المساعدات بأنه «لا يتجاوز كلام السياسيين ووعودهم بزيادتها، لكن الأمر مختلف تماماً على أرض الواقع».

وحذّر داود الأسطل، المشرف بجمعية «الفجر الشبابي»، من الوصول إلى مرحلة يتوزّع فيها الفلسطينيون بين الوفاة جوعاً أو جراء القصف إذا استمرّ التباطؤ في إدخال المساعدات من خارج القطاع، خصوصاً أنّ الزيادة في أعداد الشاحنات التي يدور الحديث عنها «محدودة، ولن تُحدِث تغييراً جوهرياً في واقع التجويع القائم».

وبيّن الناشط الإغاثي أن جمعيته تُقدّم حزماً كبيرة من المساعدات المتنوعة من سلال غذائيّة وخضار وأغطية وملابس... وغيرها لعشرات آلاف الأسر؛ لكنّه قال إن الحاجة أكبر كثيراً من قدرات هذه المؤسسات، ما يتطلب تدخّلاً دوليّاً عاجلاً وكبيراً لإنقاذ الفلسطينيين من براثن الجوع، خصوصاً في شهر رمضان.

وأوضح أنّ العائلات تتلقى مساعدات متفرّقة كل 3 أسابيع أو أكثر؛ لكنه ذكر أن ما تحصُل عليه تلك الأسر قليل مقارنة مع حاجاتها وأعداد أفراد أسرها، بشكل لا يكفيها أكثر من يومين أو 3 أيّام فقط، مشيراً إلى أنّ أزمة نقص الطعام تتعلق بالكميّة المحدودة جداً والنوعيّة «غير الصحيّة» التي لا تتوافر فيها الاحتياجات من البروتين والكربوهيدرات والاحتياجات الغذائية الأساسية.

ولم يستبعد الأسطل تعمق سوء التغذية خلال رمضان، كون السكان يصومون ساعات طويلة دون الحصول على ما يكفيهم من طعام.

وقال: «وفق المعطيات الحالية، سيكون لدينا أصعب شهر رمضان يمرّ على قطاع غزة؛ وقد ينتهي هذا الشهر بمشاهد تجويع لن يحتملها العالم إذا لم يتدخّل على عجل، ويجري إدخال مساعدات بكميّات كبيرة ومتتالية عبر قوافل شاحنات من المعابر».


مقالات ذات صلة

الجيش الإسرائيلي: اعتقال نحو 100 من «حماس» في مستشفى بشمال غزة

المشرق العربي الجيش الإسرائيلي اعتقل نحو 100 من المشتبه في انتمائهم لـ«حماس» خلال مداهمة لـ«مستشفى كمال عدوان» في غزة (أ.ب)

الجيش الإسرائيلي: اعتقال نحو 100 من «حماس» في مستشفى بشمال غزة

قال الجيش الإسرائيلي اليوم (الاثنين) إن جنوده اعتقلوا نحو 100 من المشتبه في انتمائهم لحركة «حماس» خلال مداهمة لـ«مستشفى كمال عدوان» في غزة.

«الشرق الأوسط» (القدس)
الخليج وزير الخارجية السعودي يتحدث إلى الصحافيين في نيويورك سبتمبر الماضي (د.ب.أ)

الرياض تحتضن اجتماعاً رفيعاً لتحالف «حل الدولتين»

تحتضن الرياض يومَي الأربعاء والخميس المقبلين، اجتماعاً رفيع المستوى للتحالف العالمي لتنفيذ حل الدولتين، يضم دبلوماسيين ومبعوثين من دول عدة.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
الخليج وزيرا خارجية السعودية واليابان يبحثان المستجدات في غزة والجهود المبذولة بشأنها

وزيرا خارجية السعودية واليابان يبحثان المستجدات في غزة والجهود المبذولة بشأنها

 تلقى الأمير فيصل بن فرحان بن عبد الله، وزير الخارجية السعودي، الاثنين، اتصالاً هاتفياً من وزير خارجية اليابان إيوايا تاكيشي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الولايات المتحدة​ تمثال ذهبي لترمب على هيئة بطل خارق خلال تجمع لأنصاره بفلوريدا في 27 أكتوبر 2024 (رويترز)

السياسة الخارجية في عهدة ترمب... هز الثوابت في العالم مجدداً؟

في ظل احتمالات فوز المرشح الجمهوري دونالد ترمب بالانتخابات، فإن المخاوف تزداد من قدرته على هز الثوابت والقواعد في السياسة الخارجية الأميركية.

هبة القدسي (واشنطن)
شؤون إقليمية موظف بـ«أونروا» يتفقّد مدرسة مدمّرة تابعة للأمم المتحدة في أعقاب غارة جوية على مخيم النصيرات للاجئين الشهر الماضي (إ.ب.أ)

الكنيست الإسرائيلي يصوّت على مشروعيْ قانونين لتقييد «الأونروا»

من المقرر أن يصوّت البرلمان الإسرائيلي، اليوم الاثنين، على مشروعيْ قانونين مثيرين للجدل، من شأنهما أن يتسببا في فرض قيود هائلة على وكالة «الأونروا».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب )

البحر يلفظ 15 جثة على سواحل تونس الشرقية

مهاجرون اعتُرض قاربهم من طرف خفر السواحل التونسي (أرشيفية - أ.ف.ب)
مهاجرون اعتُرض قاربهم من طرف خفر السواحل التونسي (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

البحر يلفظ 15 جثة على سواحل تونس الشرقية

مهاجرون اعتُرض قاربهم من طرف خفر السواحل التونسي (أرشيفية - أ.ف.ب)
مهاجرون اعتُرض قاربهم من طرف خفر السواحل التونسي (أرشيفية - أ.ف.ب)

انتشل خفر السواحل التونسي نهاية الأسبوع 15 جثة لفظها البحر على شواطئ محافظة المهدية في شرق تونس التي تشهد عمليات هجرة غير نظامية كثيرة، على ما أفاد به متحدث قضائي «وكالة الصحافة الفرنسية» اليوم (الاثنين).

وأوضح المتحدث الرسمي باسم محكمة المهدية والمستير، فريد بن جحا: «انتُشلت الجثث السبت والأحد، وأُخذت عينات منها للتعرف عليها؛ لأنها متآكلة».

وفُتح بحث قضائي لتحديد جنسيات أصحاب الجثث؛ «لأنه لا يمكن التعرف عليها نظراً إلى أنها متآكلة جداً، ومجهولة المعالم»، وفقاً لفريد بن جحا.

تعدّ تونس إلى جانب ليبيا نقطتَي الانطلاق الرئيسيتين في شمال أفريقيا للمهاجرين الساعين إلى عبور البحر الأبيض المتوسط إلى إيطاليا.

ولقي 12 مهاجراً تونسياً حتفهم في 30 سبتمبر (أيلول) الماضي، وأُنقذ 29 آخرون إثر غرق مركب كان يقلهم قبالة جزيرة جربة جنوب شرقي تونس.

ويبعد أقرب السواحل الإيطالية نحو 150 كيلومتراً عن سواحل تونس.

وكان قضى وفُقد أكثر من 1300 مهاجر خلال عام 2023 في غرق قوارب قبالة الساحل التونسي، وفق «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية».

ومنذ مطلع العام حتى منتصف مايو (أيار) الماضي، غرق 103 قوارب هجرة وفق وزارة الداخلية التونسية. وخلال الأشهر الأربعة الأولى من العام، قال الحرس الوطني إنه «اعترض أو أنقذ» 21545 مهاجراً، بزيادة تناهز 22.5 في المائة على أساس سنوي.

ووفق آخر الأرقام الصادرة عن «المنظمة الدولية للهجرة»، وخلال السنوات العشر الماضية، لقي أكثر من 30 ألف مهاجر حتفهم في البحر الأبيض المتوسط؛ أكثر من 3 آلاف منهم خلال العام الماضي فقط.

وقال وزير الداخلية الإيطالي، ماتيو بيانتيدوسي، في نهاية سبتمبر الماضي على منصة «إكس»، إن تونس «منعت منذ بداية العام خروج أكثر من 61 ألف مهاجر كانوا يريدون الوصول إلى الشواطئ الأوروبية».

وتبين إحصاءات منظمة «المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية» غير الحكومية أن 400 شخص على الأقل لقوا حتفهم أو فُقدوا قبالة السواحل التونسية منذ يناير (كانون الثاني) حتى يونيو (حزيران) من العام الحالي.