«لا أنام»... مأساة والدتي فلسطينيين قُتلوا برصاص إسرائيلي أو اعتُقلوا

الفلسطينية لطيفة أبو حميد تجلس بالقرب من صور أطفالها في منزلها برام الله في الضفة الغربية - 29 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
الفلسطينية لطيفة أبو حميد تجلس بالقرب من صور أطفالها في منزلها برام الله في الضفة الغربية - 29 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
TT

«لا أنام»... مأساة والدتي فلسطينيين قُتلوا برصاص إسرائيلي أو اعتُقلوا

الفلسطينية لطيفة أبو حميد تجلس بالقرب من صور أطفالها في منزلها برام الله في الضفة الغربية - 29 فبراير 2024 (أ.ف.ب)
الفلسطينية لطيفة أبو حميد تجلس بالقرب من صور أطفالها في منزلها برام الله في الضفة الغربية - 29 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

تروي لطيفة أبو حميد أنها رسمت طريق العِلم والدراسة لأولادها، لا طريق الموت والسجن، وتقول بحزن: «لا توجد أمّ تريد لابنها أن يقبع وراء القضبان أو أن يُقتل»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».

وللطيفة أبو حميد (74 عاماً) ابنتان و10 أبناء دخلوا جميعهم السجون الإسرائيلية، 4 منهم لا يزالون معتقَلين منذ 22 عاماً محكومين بمؤبدات عدة، وخامس توفي في السجن قبل 14 شهراً، لكن جثمانه لا يزال في حوزة الإسرائيليين.

في عام 1994، قتلت القوات الإسرائيلية ابناً آخر لها اتهمته الدولة العبرية بالمشاركة في عمليات تسببت بقتل إسرائيليين.

هُدم بيت لطيفة أبو حميد في «مخيم الأمعري» 3 مرات. وفي النهاية، صادرت السلطات الإسرائيلية الأرض التي كان المنزل مقاماً عليها؛ فأعطاها الرئيس الفلسطيني محمود عباس بيتاً في مدينة رام الله.

وتقول أبو حميد: «حلم كل أمّ أن يتعلّم أبناؤها ويهتموا بمصالحهم... ويكوّنوا أسراً... ليس هناك أم تقول لابنها: (اذهب واضرب)».

لكن الأولاد بالنسبة إليها هم أبناء مجتمعهم. «يعيشون الواقع. عندما يشاهدون أماً وأباً يُضربان أمامهم ويشاهدون مئات الجنود المدججين بالسلاح يقتحمون المخيم أو القرية أو المدينة ويعيثون فيها فساداً، فإن ذاكرتهم تختزن الأحداث أكثر من الكبار، ويرسمون طريقهم نتيجة لذلك».

الفلسطينية لطيفة أبو حامد تحمل صورة أحد أطفالها في منزلها برام الله في الضفة الغربية - 29 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

في صالون منزلها، تنتشر صور جميع أبنائها. تنظر إليها وتقول: «أنا لا أنام. أحاول أن أضع رأسي على الوسادة في التاسعة ليلاً، لكنني لا أستطيع النوم إلا مع اقتراب ساعات الفجر من كثرة التفكير».

وأصبح الوضع أكثر صعوبة منذ اندلاع الحرب في قطاع غزة بين حركة «حماس» والجيش الإسرائيلي. وتقول جمعيات تتابع أوضاع المعتقلين الفلسطينيين وعائلاتهم إن السلطات الإسرائيلية شدّدت التدابير منذ بدء الحرب، ومنعت الزيارات واستعمال الهواتف الجوالة والتلفزيون.

وتقول أبو حميد: «في هذا الوضع، أبنائي داخل السجن لا أملك أي معلومة عنهم، نحن نسمع أن أسيراً قد استُشهِد أو أن هناك أسيراً مريضاً»، وهذا يزيد من قلقها.

وتتابع: «في الصباح، أفتح غرفة الصالون، ألقي التحية على أبنائي واحداً تلو الآخر، أتكلّم معهم، أسالهم عن أحوالهم وأحدّثهم عن إخباري. وأترحّم على ابنَي».

وتضيف: «أبدو متماسكة وقوية، وإيماني بالله كبير، إنما هناك حزن وألم شديدان».

واحتلت إسرائيل الضفة الغربية في عام 1967. ورغم اتفاقات السلام التي أُبرِمَت بعد سنوات طويلة بين الفلسطينيين وإسرائيل بوساطات دولية، لم ترَ الدولة الفلسطينية التي كان يُفترض أن تؤول إليها هذه الاتفاقات والتسويات، النور. ولم تتوقف أعمال العنف يوماً. وشهدت الأراضي الفلسطينية تراجعاً في وتيرة أعمال العنف حيناً وتصعيداً غالباً. وتواصل إسرائيل عملياتها العسكرية في الضفة لملاحقة «مطلوبين» و«إرهابيين». وغالباً ما تتخلل هذه العمليات مواجهات واشتباكات مسلحة.

ويبلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين حالياً في السجون الإسرائيلية 9100 سجين، بحسب «نادي الأسير الفلسطيني». ولا يشمل الأسرى الذين اعتُقلوا في غزة بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول).

«في القلب»

وتقول ابتسام حسين هزاع (53 عاماً) إن السابع من يناير (كانون الثاني) «سيبقى يوماً موسوماً في قلبي إلى الأبد».

في ذلك اليوم، فقدت هزاع 4 من أبنائها في لحظة واحدة بصاروخ من مسيرة إسرائيلية في جنين، شمال الضفة الغربية.

تتحدث هزاع عن ذلك اليوم: «استُشهدوا عند مدخل القرية. اتصل أحد أبنائي وأبلغني بأن شقيقه استُشهد... حاولت الاتصال بهواتف أبنائي الجوالة، لم يجبني أحد. أيقظتُ ابني الصغير لنذهب معاً لنتفقّد ما حدث، لكنه سبقني. لحقتُ به، وفي الطريق أُغشي علي. ذهبت إلى المستشفى وأغشي عليّ مرة أخرى عندما رأيتهم».

وتضيف أن الخبر تسبب لها «بجلطة في الذراع اليسرى والساق اليسرى».

وتتابع: «أتضرّع إلى الله ألا يضع أي أم في نفس موقفي».

وروى شهود أن «7 أشخاص كانوا يجلسون على طاولة في مقهى يتجمّع به العمال في ساعات الصباح الباكر عندما ألقت مسيّرة إسرائيلية صاروخاً قُتِل فيه 6 فوراً، وجُرِح السابع بجروح خطرة»، وما لبث أن تُوفّي.

الفلسطينية لطيفة أبو حميد تجلس بالقرب من صور أطفالها في منزلها برام الله في الضفة الغربية - 29 فبراير 2024 (أ.ف.ب)

بين القتلى الأشقاء الأربعة: درويش (29 عاماً) وهزاع (27 عاماً) وأحمد (24 عاماً) ورامي (22 عاماً).

وقال ناطق باسم الجيش الإسرائيلي تعليقاً على هذا القصف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «ألقت مجموعة إرهابية (في ذلك اليوم) عبوات ناسفة خلال عملية لقواتنا في (مخيم جنين)، فأُصيبت سيارة تابعة لحرس الحدود الإسرائيلي؛ ما أدّى إلى مقتل جندية وإصابة عدد من الجنود».

وأضاف: «تمّ التعرّف على المجموعة واستهدفتهم مسيّرة وشلّت حركتهم».

وتقول أم علاء إن أولادها لم يتورطوا في أي عمل عسكري.

وتضيف المرأة التي قامت بتربية أبنائها وبناتها التسعة وحدها، لأن زوجها يعيش في الأردن، ولم تمنحه إسرائيل تصريح لمّ شمل، وكانت تعمل بالزراعة في إسرائيل مع أولادها قبل الحرب: «أردتهم أن يكملوا تعليمهم الجامعي، لكنهم اكتفوا بالتوجيهي. فالجامعات مكلفة جداً. علّمت فقط هزاع في (معهد كهرباء)، حسب رغبته».

ثم تقول بحسرة: «لا أعرف كيف ماتوا؟ هل تألموا كثيرا؟».

وتؤرقها هذه الأسئلة: «أنا لا أنام... بالكاد ساعتين. أصحو في الليل وأصلّي. أتذكّر كيف ودّعتهم، أفتح ألبومات صورهم، وأنظر إليها لساعات».

وتصاعدت أعمال العنف في الضفة الغربية منذ بدء الحرب في قطاع غزة، السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، إثر هجوم غير مسبوق لـ«حماس» على إسرائيل، وقتل فيه أكثر من 420 فلسطينياً، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية.

أصعب اللحظات في رمضان

وتزور أم علاء مقبرة البلدة حيث دُفن أبناؤها يومياً: «أزرع الورود على قبورهم وأتحدّث معهم وأخبرهم بكل صغيرة وكبيرة... وكيف سأفتقدهم في رمضان».

وتقول لطيفة أبو حميد التي تأمل بأن يشمل أي تبادل رهائن ومعتقلين في هدنة قريبة في غزة أبناءها: «الوضع صعب في رمضان. عندما تجتمع العائلات، أكون وحدي. أنا لا أعمل سفرة رمضان، ولا أعمل شيئاً. مجرّد صحن أضعه على الطاولة، آكل بقدر ما لي نصيب به فقط».


مقالات ذات صلة

نتنياهو: العمل لا يزال جاريا على «آخر تفاصيل اتفاق» غزة

شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

نتنياهو: العمل لا يزال جاريا على «آخر تفاصيل اتفاق» غزة

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ليل الأربعاء-الخميس أنّ العمل لا يزال جاريا على معالجة «آخر تفاصيل» الاتفاق في غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي شباب يدقون الطبول ويرقصو في شوارع دير البلح وسط قطاع غزة بعد دقائق من سماع نبأ الاتفاق الذي تم التوصل إليه في العاصمة القطرية الدوحة (أ.ب)

دموع فرح ممزوجة بألم فراق الأحبة في غزة بعد وقف إطلاق النار

عبرت غادة، وهي أم لخمسة أطفال نزحت من منزلها في مدينة غزة أثناء الصراع المستمر منذ 15 شهرا، عن سعادتها الشديدة وقالت إنها تبكي «من الفرح».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية  رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

نتنياهو يشكر ترمب وبايدن بعد التوصل لاتفاق غزة

وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأربعاء، الشكر للرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب على ضمان التوصل لاتفاق لإعادة الرهائن في غزة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
العالم العربي فلسطينيون سعداء بأنباء التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل في غزة (رويترز)

20 قتيلاً في غارات إسرائيلية على غزة عقب إعلان اتفاق وقف النار

أفاد الدفاع المدني في قطاع غزة، مساء الأربعاء، بمقتل 20 فلسطينياً في غارات إسرائيلية على قطاع غزة بعد إعلان اتفاق وقف إطلاق النار.

المشرق العربي فلسطينيون فرحون بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة (أ.ب)

الأحداث الكبرى خلال 15 شهراً من الحرب في قطاع غزة (تسلسل زمني)

قال مسؤول مطلع على المفاوضات لوكالة «رويترز»، الأربعاء، إن إسرائيل وحركة «حماس» اتفقتا على وقف القتال في غزة وتبادل الرهائن الإسرائيليين بسجناء فلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«حماس»: اتفاق وقف النار «إنجاز كبير» وثمرة صمود 15 شهراً

TT

«حماس»: اتفاق وقف النار «إنجاز كبير» وثمرة صمود 15 شهراً

فلسطينيون يحتفلون بأنباء التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل في دير البلح وسط قطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون يحتفلون بأنباء التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل في دير البلح وسط قطاع غزة (إ.ب.أ)

كشف سامي أبو زهري المسؤول في حركة «حماس» لوكالة «رويترز» اليوم (الأربعاء) إن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة «إنجاز كبير يعكس الأسطورة التي حققتها غزة بصمود شعبها وبسالة مقاومتها».

وأضاف أبو زهري أن الاتفاق «تكريس لفشل الاحتلال في تحقيق أي من أهدافه».

وكانت «حماس» قد اعتبرت ان اتفاق وقف اطلاق النار مع اسرائيل جاء نتيجة «الصمود الأسطوري» للشعب الفلسطيني و«المقاومة» في قطاع غزة.

وقالت الحركة في بيان إن «اتفاق وقف إطلاق النار هو ثمرة الصمود الأسطوري لشعبنا الفلسطيني العظيم ومقاومتنا الباسلة في قطاع غزة، على مدار أكثر من 15 شهرا».

كما اضافت أنه «إنجاز لشعبنا ومقاومتنا وأمتنا وأحرار العالم، وهو محطة فاصلة من محطات الصراع مع العدو، على طريق تحقيق أهداف شعبنا في التحرير والعودة».

من جهته، قال القيادي في «حماس» خليل الحية: «في هذه اللحظة التاريخية من جهاد شعبنا ونضاله المستمر على مدار عقود -والتي سيكون لها ما بعدها- نتوجه بكل عبارات الفخر والشموخ والثناء إليكم يا أهلنا وشعبنا في غزة الأبية».

وأكد ان «إسرائيل فشلت في تحقيق هدفها في غزة.. معركتنا مع إسرائيل لن تتوقف».

وتابع « لقد شكلت معركة (طوفان الأقصى) منعطفا مهما في تاريخ قضيتنا وستستمر آثار هذه المعركة ولن تتوقف بانتهاء هذه الحرب».

وأشار الحية إلى أن «ما قام به الاحتلال وداعموه من حرب إبادة وحشية ومعاداة للإنسانية على مدى 467 يوما سيبقى محفورا في ذاكرة شعبنا والعالم وإلى الأبد، كأبشع إبادة جماعية في العصر الحديث».

وأفاد «ما حدث في 7 أكتوبر من إعجاز وإنجاز عسكري وأمني أصاب كيان العدو في مقتل، وسيستعيد شعبُنا كامل حقوقه».