مع اقتراب رمضان «الأقسى»... السوريون غارقون في الفقر والحكومة تتطلع إلى «الجمعيات الخيرية»

وزير سابق: الوضع خطير لا تنفع فيه مهرجانات التسوق

مبادرة «خبز وملح» رمضان الماضي وفعاليات مجتمعية في حمص وسط سوريا لتوزيع مساعدات غذائية للأسر الأكثر احتياجاً (مواقع)
مبادرة «خبز وملح» رمضان الماضي وفعاليات مجتمعية في حمص وسط سوريا لتوزيع مساعدات غذائية للأسر الأكثر احتياجاً (مواقع)
TT

مع اقتراب رمضان «الأقسى»... السوريون غارقون في الفقر والحكومة تتطلع إلى «الجمعيات الخيرية»

مبادرة «خبز وملح» رمضان الماضي وفعاليات مجتمعية في حمص وسط سوريا لتوزيع مساعدات غذائية للأسر الأكثر احتياجاً (مواقع)
مبادرة «خبز وملح» رمضان الماضي وفعاليات مجتمعية في حمص وسط سوريا لتوزيع مساعدات غذائية للأسر الأكثر احتياجاً (مواقع)

وسط مخاوف أغلبية السكان السوريين في مناطق سيطرة الحكومة من عدم القدرة على تأمين احتياجات شهر رمضان، مع تزايد تدهور أوضاعهم المعيشية، انشغلت الأسر في كيفية تدبر أمورها في هذا الموسم، بين من تلح على أبنائها في المهاجر لزيادة قيمة الحوالات، وبين من تجهد بالبحث عمن يعينها على مصاريف الشهر.

وبينما يتهم البعض الحكومة بالمساهمة في مفاقمة معاناة الناس عبر قرارات رفع الأسعار، برز تركيز رسمي يدفع بالجمعيات الخيرية لمساعدة الأسر المحتاجة، والإعلان عن إقامة «مهرجانات تسوق دون ربح»، فيما وصف وزير سابق الوضع الاقتصادي في البلاد بأنه «خطير، ولا تنفع فيه المهرجانات».

يقول «أبو محمد»، وهو مدرس متقاعد خلال اتصال مع ابنه اللاجئ في ألمانيا: «الأسبوع المقبل رمضان ومصاريفه كبيرة. الأسعار نار و200 و300 دولار ما تكفي، ابعث أكثر الله يرضى عليك». يضيف الرجل بعد أن أنهى اتصاله: «إذا ما بعث 400 - 500 دولار حالنا بالويل».

لكن ليس جميع الأسر القاطنة في دمشق لديها أبناء في الخارج، وكثير منها معدمة مادياً، ومن هؤلاء (سميرا)، ربة المنزل التي تعيل أفراد عائلتها الأربعة من خلال تصنيعها في المنزل أزهاراً صغيرة تلصق على الأحذية النسائية تبيعها لجهات مصنعة.

تتوقع (سميرا) أن يكون شهر رمضان لهذا العام «الأقسى» لناحية تدبر متطلباته؛ قياسا بأشهر رمضان التي مرت خلال سنوات الحرب، بسبب جنون الأسعار، وتراجع القوة الشرائية، وتوقف مساعدات برنامج الغذاء العالمي.

ومن أجل «تذكّرها في الشهر الفضيل»، تنهمك (سميرا) في الاتصال بأقاربها ومعارفها الميسورين، وبعد أن توضح لنا أنه ليس لديها من أبناء لاجئين ولا مغتربين، تقول: «ما لنا إلا الله وأهل الخير. كل سنة يتفقّدونا. الله يمرّق الشهر على خير».

يتعمق تردي الأوضاع المعيشية للأغلبية العظمى في مناطق الحكومة، بسبب تدني الدخل الشهري، وتواصل تضخم تكاليف المعيشة، إذ يتراوح متوسط الرواتب بين 250 و450 ألف ليرة، أي ما يعادل نحو 18 - 32 دولاراً أميركياً. في حين قدرت صحيفة «قاسيون» المحلية مطلع العام الحالي، متوسط تكاليف المعيشة في الشهر لأسرة من 5 أفراد بأكثر من 12 مليون ليرة أي 857 دولاراً.

تتوفر كل المنتجات التي يحتاجها الصائمون في رمضان وقد لا يتوفر لهم المال لشرائها

الخبير الاقتصادي «محمد كوسا»، عدّ وفقاً لصحيفة لـ«الوطن» المقربة من الحكومة، أن تكلفة وجبة إفطار لخمسة أشخاص حالياً ستكون بالحد الأدنى 150 ألف ليرة، بالقياس لمعدلات الزيادة على أسعار مكوناتها منذ بداية عام 2023 حتى اليوم، حيث وصلت لما يزيد على 200 في المائة وسطياً.

داخل محل مختص ببيع التمور في حي الميدان جنوب دمشق

وخلال جولة قمنا بها على عدد من الأسواق، تبين أن نسبة الزيادة على الأسعار من شهر شعبان العام الماضي حتى الآن بلغت ما بين 250 - 300 في المائة، إذ يبلغ سعر الكيلوغرام الواحد من البطاط 8 آلاف بعدما كان 2500، وصحن البيض (30 بيضة) 50 ألفاً، في حين كان 18 ألفاً، بينما ارتفعت الجبنة الشلل من 20 ألفاً إلى 70 ألفاً.

وتتدرج أسعار التمور بين 25 ألف ليرة و100 ألف للكيلوغرام الواحد، بحسب الأصناف، على حين كان أفضل كيلوغرام في العام الماضي لا يتجاوز سعره 30 ألفاً.

سوق الهال (الزبلطاني) شرق دمشق (أرشيفية)

وعلى الرغم من التحسن في سعر صرف الليرة أمام الدولار؛ إذ سجل في السوق الموازية، صباح الثلاثاء، 14 ألفاً للشراء و14 ألفاً و100 للبيع بعدما لامس 15 ألفاً قبل بضعة أسابيع، لم تشهد عموم الأسعار انخفاضاً.

وتلقي الحكومة المسؤولية كاملة عن تدهور الوضع الاقتصادي على العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها، لا سيما «قانون قيصر» الأميركي.

ويأخذ مواطنون بعين الاعتبار أثر العقوبات في تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي في البلاد، لكنّ كثيرين يحملون الحكومة الجزء الأكبر من المسؤولية في انحدار أوضاعهم المعيشية إلى هذه الدرجة من السوء.

بسطة بيع فواكه بالقرب من مدخل سوق باب سريجة وسط دمشق

يقول شاب لنا، وهو في سوق «باب سريجة» وسط دمشق: «الحكومة تقول إن مليارات كثيرة من الموازنة مخصصة للدعم، ولكنها ذبحتنا بقرارات رفع الأسعار خصوصا المازوت والبنزين، ما يؤدي إلى ارتفاع في عموم الأسعار».

يتساءل الشاب: أين الدعم والناس بلا تدفئة ولا كهرباء ولا غاز، والبنزين أغلى من الدول المجاورة! ويضيف «صرعونا بالعقوبات و(قانون) قيصر. تأثيرات (قيصر) تطال الفقراء فقط، والدليل أن مطاعم أبو رمانة والشعلان والمزة ومحال اللحوم تعج بالمسؤولين ورؤوس الفساد وأولادهم»..

وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك محسن عبد الكريم يبحث في حلب المبادرات الخيرية برمضان (مواقع)

وكانت «رئاسة الجمهورية» قد أعلنت في حسابها على «فيسبوك»، الأحد الماضي، أن عقيلة الرئيس السوري أسماء الأسد، التقت مع مجموعة من ممثلي الجمعيات والمنظمات الأهلية الإنسانية والخيرية.

وقالت: «يأتي شهر رمضان المبارك هذا العام مختلفاً عن السنوات السابقة، حيث الأوضاع المعيشية التي نمر بها في سوريا أكثر صعوبة، والظروف الإقليمية والدولية التي يشهدها العالم تؤثر علينا وعلى عمل الخير مباشرة، خاصة في شهر الخير»، موضحة أن هذه التحديات وغيرها كانت في صلب الحوار خلال اللقاء.

ونقلت الصفحة عن أسماء الأسد قولها: «إن فعل الخير في سوريا لا ينقطع لأنه ليس واجباً فقط، بل هو تعبير عن انتمائنا لوطننا، وهويتنا وروح مجتمعنا، وهو من أسمى الأعمال، وهذا لا يتحقق إلا بتنسيق الجهود بين الجهات الأهلية ما يؤدي لتكامل النتائج، والوصول لأكبر مروحة من الأهداف، ولأوسع فئة من المحتاجين، وبالتالي العدالة في الانتشار والتوزيع جغرافياً، للمناطق الأفقر، ومجتمعياً للفئات الأكثر احتياجاً».

إعلانات ترويجية لمهرجانات التسوق في رمضان

وبحسب الإعلام المحلي، اتفق محافظ دمشق طارق كريشاتي مع رؤساء غرف الصناعة والتجارة بدمشق وريفها، على إقامة مبادرات ومهرجان تسوق خلال شهر رمضان «من دون ربح» بهدف تخفيف الأعباء المادية عن الأسر.

في المقابل، كتب وزير التجارة الداخلية السابق، عمر سالم، الذي تزايدت مؤخرا انتقاداته لسياسة الحكومة الاقتصادية، في منشور على حسابه بـ«فيسبوك»، قائلا: «مع قدوم شهر رمضان الكريم، فإن السيدة الأولى جمعت ونسقت وحاورت الجمعيات للقيام بأكبر مجهود ممكن».

ووصف سالم الوضع في سوريا من الناحية الاقتصادية، بأنه «خطير لا يحتمل الانتظار ولا التأجيل، ولا تنفع فيه الجولات والمهرجانات والتنقل بين المحافظات للاستعراض».

ولفت إلى أن أسعار المواد المنتجة محليّاً، سواء اللحوم أو الألبان أو البيض أو المواد الغذائية، هي أعلى من دول الجوار.


مقالات ذات صلة

مجموعة «أداني»: الاتهامات الأميركية مرتبطة بعقد تجاري واحد

الاقتصاد رجل يسير أمام مكتب شركة «أداني غروب» بمدينة جورجاون بالهند (رويترز)

مجموعة «أداني»: الاتهامات الأميركية مرتبطة بعقد تجاري واحد

قالت مجموعة «أداني» إن الاتهامات التي وجهتها أميركا للملياردير الهندي جوتام أداني، مرتبطة بعقد واحد لشركة «أداني غرين إنرجي» يشكل نحو 10 في المائة من أعمالها.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي)
الاقتصاد حاويات وسفن شحن في ميناء تشينغداو بمقاطعة شاندونغ الصينية (رويترز)

أميركا توسّع لائحتها السوداء ضد الشركات الصينية

وسّعت أميركا مجدداً لائحتها السوداء التي تحظر استيراد منتجات من منطقة شينجيانغ الصينية، أو التي يُشتبه في أنها صُنعت بأيدي أويغور يعملون قسراً.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
آسيا سفينة تتبع كوريا الشمالية في ميناء روسي (صورة نشرتها مجموعة «أوبن سورس سنتر»)

لقطات جوية تظهر انتهاك كوريا الشمالية للعقوبات المفروضة على النفط الروسي

خلص تحليل لصور التقطتها أقمار اصطناعية إلى ترجيح أن كوريا الشمالية تلقت أكثر من مليون برميل من النفط من روسيا على مدى ثمانية أشهر.

«الشرق الأوسط» (سيول)
الاقتصاد شعار شركة «غازبروم» الروسية على أحد الحقول في مدينة سوتشي (د.ب.أ)

في أحدث صورها بـ«غازبروم»... العقوبات الأميركية على روسيا تربك حلفاء واشنطن

تسبب إعلان واشنطن عن عقوبات ضد «غازبروم بنك» الروسي في إرباك العديد من الدول الحليفة لواشنطن حول إمدادات الغاز

«الشرق الأوسط» (عواصم)
الولايات المتحدة​ كلمة «عقوبات» أمام ألوان علمي الولايات المتحدة وروسيا في هذه الصورة الملتقطة في 28 فبراير 2022 (رويترز)

أميركا تفرض عقوبات على 50 مصرفاً روسياً بسبب الحرب في أوكرانيا

أعلنت أميركا حزمة من العقوبات تستهدف نحو 50 مؤسسة مصرفية روسية للحد من وصولها إلى النظام المالي الدولي وتقليص تمويل المجهود الحربي الروسي في أوكرانيا.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت

تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)
تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)
TT

غارات إسرائيلية عنيفة تستهدف الضاحية الجنوبية لبيروت

تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)
تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت اليوم (رويترز)

تجددت الغارات الإسرائيلية العنيفة، مساء اليوم (الأحد)، على ضاحية بيروت الجنوبية، عقب إنذارات وجّهها الجيش الإسرائيلي للسكان بإخلاء 12 موقعاً.

ووجَّه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي، أفيخاي أدرعي، إنذار إخلاء مرفقاً بخرائط إلى سكان مناطق الغبيري وشويفات العمروسية والحدث وحارة حريك وبرج البراجنة.

وقال: «أنتم توجدون بالقرب من منشآت ومصالح تابعة لـ(حزب الله)»، محذّراً من ضربات وشيكة على منطقة الغبيري.

قال أدرعي، مساء اليوم، إن الجيش شن سلسلة غارات على الضاحية الجنوبية في بيروت استهدفت 12 مقر قيادة عسكرية لـ«حزب الله».

وأضاف أن الضربات الإسرائيلية استهدفت «مقرات لاستخبارات (حزب الله) ووحدة الصواريخ البحرية والوحدة 4400 المسؤولة عن نقل الوسائل القتالية من إيران مروراً بسوريا إلى (حزب الله)».

وفي وقت سابق اليوم قال أدرعي إن إسرائيل لن تسمح بفرض أي معادلات عليها، وطالب بتجنب «أبواق (حزب الله) الإعلامية».

وأضاف أدرعي على منصة «إكس» دون توضيح: «كل من يحاول فرض المعادلات عليه أن يقوم بجولة في الضاحية الجنوبية ببيروت وسيفهم ذلك الليلة على وجه التحديد».

وارتفعت وتيرة الغارات الإسرائيلية على مناطق عدة في لبنان منذ إنهاء المبعوث الأميركي، آموس هوكستين، زيارته إلى بيروت، الأربعاء الماضي، في إطار وساطة يتولاها للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل.

وبعد تبادل القصف مع «حزب الله» مدة عام تقريباً، بدأت إسرائيل منذ 23 سبتمبر (أيلول)، حملة جوية واسعة تستهدف خصوصاً معاقل الحزب في ضاحية بيروت الجنوبية وفي جنوب البلاد وشرقها.

وأعلنت منذ نهاية الشهر نفسه بدء عمليات توغل بري في جنوب لبنان. وأحصى لبنان مقتل 3583 شخصاً على الأقل بنيران إسرائيلية منذ بدء «حزب الله» وإسرائيل تبادل القصف.