شكوك حول استخدام إسرائيل الذكاء الاصطناعي «عشوائياً» في غزة

مع ازدياد عدد القتلى المدنيين

دمار ناتج عن القصف الإسرائيلي في غزة (أ.ب)
دمار ناتج عن القصف الإسرائيلي في غزة (أ.ب)
TT

شكوك حول استخدام إسرائيل الذكاء الاصطناعي «عشوائياً» في غزة

دمار ناتج عن القصف الإسرائيلي في غزة (أ.ب)
دمار ناتج عن القصف الإسرائيلي في غزة (أ.ب)

تستخدم إسرائيل تقنيات ذكاء اصطناعي جديدة ومتطورة على نطاق واسع في هجومها على غزة، الأمر الذي أثار التساؤلات والمخاوف بين نشطاء وجماعات حقوق الإنسان بشأن احتمالية «استخدام إسرائيل العشوائي» لهذه التكنولوجيا في الحرب، خصوصاً مع ازدياد عدد القتلى المدنيين.

وفي غاراته على غزة، اعتمد الجيش الإسرائيلي على نظام مدعوم بالذكاء الاصطناعي يسمى «غوسبل»، للمساعدة في تحديد الأهداف، والتي شملت المدارس ومكاتب منظمات الإغاثة وأماكن العبادة والمرافق الطبية، وفق مجلة «بوليتيكو» الأميركية.

وتقدّر وزارة الصحة في قطاع غزة أن أكثر من 30 ألف فلسطيني قُتلوا في الصراع، غالبيتهم العظمى من المدنيين؛ النساء والأطفال.

ومن غير الواضح ما إذا كان جزء من حصيلة الضحايا المدنيين في غزة هو نتيجة مباشرة لاستخدام إسرائيل الذكاء الاصطناعي، لكن النشطاء في المنطقة يطالبون بمزيد من الشفافية في هذا الشأن، مشيرين إلى الأخطاء المحتملة التي يمكن أن ترتكبها أنظمة الذكاء الاصطناعي، ويجادلون بأن نظام الاستهداف السريع الخاص الذي تتميز به هذه التقنية هو ما سمح لإسرائيل بقصف أجزاء كبيرة من غزة.

وقالت مجموعة «حملة» الفلسطينية للحقوق الرقمية، في ورقة حديثة، إن استخدام الأسلحة المُشغلة آلياً «automated weapons» في الحرب «يشكل التهديد الأكثر بشاعة للفلسطينيين».

فلسطينيون ينظرون إلى الدمار بعد غارة إسرائيلية على مبانٍ سكنية ومسجد في رفح (أ.ب)

وقدّمت أقدم وأكبر منظمة لحقوق الإنسان في إسرائيل؛ وهي جمعية الحقوق المدنية في إسرائيل، طلباً إلى القسم القانوني في الجيش الإسرائيلي، خلال ديسمبر (كانون الأول)، تطالب فيه بمزيد من الشفافية بشأن استخدام أنظمة الاستهداف الآلي في غزة.

وقالت هايدي خلاف، المديرة الهندسية للتعلم الآلي بشركة «Trail of Bits» للأمن السيبراني، ومقرُّها المملكة المتحدة: «بالنظر إلى سِجل معدلات الأخطاء المرتفعة في أنظمة الذكاء الاصطناعي، فإن الاعتماد على الاستهداف الآلي في الحرب سيؤدي إلى نتائج غير دقيقة ومتحيزة، ويصبح أقرب للاستهداف العشوائي».

استخدام الأسلحة المُشغلة آلياً في الحرب يشكل التهديد الأكثر بشاعة للفلسطينيين

مجموعة «حملة» الفلسطينية للحقوق الرقمية

ويستخدم نظام «غوسبل»، الذي قدّم الجيش الإسرائيلي قليلاً من التفاصيل عنه، التعلم الآلي لتحليل كميات هائلة من البيانات بسرعة لإنشاء أهداف هجومية محتملة.

ورفض الجيش الإسرائيلي التعليق على استخدامه القنابل الموجهة بالذكاء الاصطناعي في غزة، أو أي استخدام آخر لهذه التقنية في الصراع.

وقال متحدث باسم الجيش، في بيان، خلال فبراير(شباط)، إنه بينما يجري استخدام «غوسبل» لتحديد الأهداف المحتملة، فإن القرار النهائي بتوجيه ضربةٍ ما يتخذه دائماً إنسان ويوافق عليه شخص آخر، على الأقل، في سلسلة القيادة.

ومع ذلك، أشار الجيش الإسرائيلي، في نوفمبر (تشرين الثاني)، إلى أنه «بالإضافة إلى زيادة الدقة، فإن نظام غوسبل يسمح باستخدام الأدوات الآلية لتحديد الأهداف بوتيرة سريعة». وجاء في البيان نفسه أن إسرائيل ضربت أكثر من 12 ألف هدف، في أول 27 يوماً من القتال.

وقال رون رايتر، المؤسس المشارك وكبير مسؤولي التكنولوجيا بشركة «سينترا» السيبرانية، ومقرُّها إسرائيل، وضابط المخابرات الإسرائيلي السابق، إنه لا يستطيع التحدث عن نسب أو احتمالات وجود أخطاء بنظام «غوسبل»، لكنه أكد أن «أنظمة الاستهداف الإسرائيلية بشكل عام دقيقة جداً، ويجري تنفيذها بدقة لغرض وحيد هو تقليل الخسائر في صفوف المدنيين».

وقال تقرير «بوليتيكو» إن الضغط من أجل الحصول على مزيد من الإجابات حول حرب الذكاء الاصطناعي التي تخوضها إسرائيل، من شأنه أن يتردد صداه في الولايات المتحدة، ويزيد المطالبات لأميركا بمراقبة كيفية استخدام حلفائها للتكنولوجيا، كما يضع مزيداً من العقبات أمام المُشرّعين الأميركيين الذين يتطلعون إلى استخدام الذكاء الاصطناعي في ساحات القتال المستقبلية.
 

نظام «غوسبل» يسمح باستخدام الأدوات الآلية لتحديد الأهداف بوتيرة سريعة

الجيش الإسرائيلي

ويقول بعض النشطاء، الذين يتابعون سياسة حرب الذكاء الاصطناعي بالولايات المتحدة، إن إسرائيل تُشوّه غرض التكنولوجيا، حيث تستخدمها لتوسيع قوائم الأهداف، بدلاً من حماية المدنيين. ويؤكد أولئك النشطاء أن الولايات المتحدة يجب أن تُدين الجيش الإسرائيلي بسبب هذا الانتهاك الأخلاقي.

وقالت نانسي عقيل، رئيسة مركز السياسة الدولية بواشنطن: «لقد كان من الواضح أن إسرائيل تستخدم الذكاء الاصطناعي للحصول على ما يسمونه (أهداف القوة)، لذا فهم يستخدمونه عمداً لاستهداف المدنيين، وذلك على عكس استخدامه ودوره المزعوم؛ وهو زيادة الدقة في تحديد الأهداف».

وأضافت أن الجيش الإسرائيلي قام بتوسيع تعريف «أهداف القوة» هذه، والتي تُعرّفها شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية بأنها «أهداف ذات أهمية أمنية تابعة لحماس أو حركة (الجهاد الإسلامي) الفلسطينية».

من جهته، قال شان شيخ، نائب مدير مشروع الدفاع الصاروخي في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن: «مع وجود أكثر من 30 ألف ضحية في غزة، من الصعب معرفة ما إذا كان الجيش الإسرائيلي يستخدم الذكاء الاصطناعي عالي التقنية لتحديد الأهداف، أو لتوسيع رقعة هجومه في غزة».

وتابع: «يجب على الولايات المتحدة استخدام نفوذها غير المستغل للتحكم في هذه العمليات، لكن حتى الآن، يبدو أن إدارة الرئيس جو بايدن لم تكن مستعدة للقيام بذلك».

وذكرت «بوليتيكو» أن منظمات الإغاثة والمرافق الطبية في غزة تعرضت للقصف، حتى بعد تقديم إحداثيات نظام تحديد المواقع العالمي «GPS» الخاصة بها إلى السلطات الإسرائيلية. وقالت إسرائيل إنها تعد البنية التحتية المدنية، مثل المستشفيات والمدارس، «هدفاً عادلاً لأن (حماس) تُخفي مقاتلين وأسلحة في هذه المباني».
 

نحن قلقون حقاً بشأن أنظمة الذكاء الاصطناعي

آن نويبرغر كبيرة مستشاري البيت الأبيض لقضايا الأمن السيبراني

ويقول البعض إن عدم حصول هذه التكنولوجيا على الاهتمام اللازم في واشنطن يرجع إلى «الطبيعة الغامضة للعمليات العسكرية الإسرائيلية».

وقالت سارة ياغر، مديرة مكتب «هيومن رايتس ووتش» في واشنطن: «لا أحد لديه أي فكرة، بما في ذلك صُناع السياسة الأميركيون، عن كيفية إدارة إسرائيل هذه الحرب».

وأضافت: «نحن نرى نتائج القصف في الضحايا المدنيين والمباني المدمرة، لكن فيما يتعلق بالتكنولوجيا المستخدَمة، ليس لدينا أي فكرة بشأنها، إنها مثل الصندوق الأسود».

ولم تُوقّع إسرائيل على معاهدة تدعمها الولايات المتحدة تدعو إلى الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي في الحرب، والتي وقّعتها أكثر من 50 دولة؛ من بينها المملكة المتحدة، وألمانيا، وأوكرانيا.

وتجنّب المسؤولون الأميركيون إلى حد كبير التطرق إلى استخدام إسرائيل الذكاء الاصطناعي.

وعند سؤالها عن حجم استخدام إسرائيل لاستهداف الذكاء الاصطناعي في الحرب، سارعت كبيرة مستشاري البيت الأبيض لقضايا الأمن السيبراني، آن نويبرغر، إلى التركيز على سرد مخاطر التكنولوجيا في الحرب بشكل عام.

وقالت نويبرغر: «نحن قلقون حقاً بشأن أنظمة الذكاء الاصطناعي، لهذا السبب عمل الرئيس بايدن بسرعة كبيرة لإصدار أمره التنفيذي بشأن الذكاء الاصطناعي».

ووقّع الرئيس الأميركي أمراً تنفيذياً في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لفرض رقابة حاسمة على شركات الذكاء الاصطناعي، في خطوة قال إنها تستهدف مواجهة المخاوف المتزايدة التي تشكلها التكنولوجيا على القوى العاملة الأميركية والخصوصية والأمن القومي.

ويقول البعض إن عدم حصول هذه التكنولوجيا على الاهتمام اللازم في واشنطن يرجع إلى «الطبيعة الغامضة للعمليات العسكرية الإسرائيلية».

وقالت سارة ياغر، مديرة مكتب «هيومن رايتس ووتش» في واشنطن: «لا أحد لديه أي فكرة، بما في ذلك صُناع السياسة الأميركيون، عن كيفية إدارة إسرائيل هذه الحرب».

وأضافت: «نحن نرى نتائج القصف في الضحايا المدنيين والمباني المدمرة، لكن فيما يتعلق بالتكنولوجيا المستخدَمة، ليس لدينا أي فكرة بشأنها، إنها مثل الصندوق الأسود».

ولم تُوقّع إسرائيل على معاهدة تدعمها الولايات المتحدة تدعو إلى الاستخدام المسؤول للذكاء الاصطناعي في الحرب، والتي وقّعتها أكثر من 50 دولة؛ من بينها المملكة المتحدة، وألمانيا، وأوكرانيا.


مقالات ذات صلة

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

المشرق العربي الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

قضى الفلسطيني نعمان أبو جراد وزوجته ماجدة وبناتهما الست العام الماضي بأكمله في نزوح على طول قطاع غزة، محاولين البقاء على قيد الحياة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون يفحصون أنقاض مسجد شهداء الأقصى في دير البلح بعدما تعرض للتدمير في غارة إسرائيلية (إ.ب.أ)

الجيش الإسرائيلي يعلن «تطويق» جباليا في شمال قطاع غزة

أعلن الجيش الإسرائيلي، الأحد، أن قواته «تطوق» منطقة جباليا في شمال قطاع غزة بعد تقييم يفيد بأن حركة «حماس» تعيد بناء قدراتها هناك بعد أشهر من القتال.

«الشرق الأوسط» (غزة)
أوروبا فلسطينيون يحملون أعلاماً ولافتات في سيدني بأستراليا خلال مظاهرة تطالب بوقف إطلاق النار في غزة (أ.ف.ب)

الآلاف يتظاهرون في أوروبا دعماً لغزة بعد عام على اندلاع الحرب

تظاهر آلاف الأشخاص دعما لغزة في أوروبا وجنوب أفريقيا ومئات في فنزويلا في الذكرى السنوية الأولى لبدء الحرب بين إسرائيل وحركة «حماس».

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال اجتماع لمجلس الأمن الأربعاء (أ.ب)

غوتيريش يدعو للإفراج الفوري وغير المشروط عن الرهائن الإسرائيليين

دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش السبت، إلى إنهاء «أعمال العنف المروعة» و«سفك الدماء» في غزة ولبنان، بعد عام من الحرب الإسرائيلية على غزة.

«الشرق الأوسط» (الأمم المتحدة (الولايات المتحدة))
المشرق العربي فلسطينيون بجوار جثث أقاربهم الذين قتلوا في غارة إسرائيلية بمستشفى شهداء الأقصى بدير البلح (أرشيفية - رويترز)

24 قتيلاً في قصف إسرائيلي على دير البلح وسط غزة

قال مكتب الإعلام الحكومي في غزة إن 24 شخصاً على الأقل لقوا حتفهم وأصيب 93 آخرون في ضربات جوية إسرائيلية على مسجد ومدرسة يؤويان مئات النازحين.

«الشرق الأوسط» (غزة)

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)
الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)
TT

«من الحياة المريحة إلى الخراب»... قصة أسرة فلسطينية وعام من النزوح

الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)
الفلسطيني نعمان أبو جراد وأسرته (أ.ب)

قضى الفلسطيني نعمان أبو جراد وزوجته ماجدة وبناتهما الست العام الماضي بأكمله في نزوح على طول قطاع غزة، محاولين البقاء على قيد الحياة، في حين كانت القوات الإسرائيلية تلحق الدمار من حولهم.

وأدى القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى نزوح 1.9 مليون من أصل 2.3 مليون فلسطيني من سكان القطاع، ومقتل أكثر من 41 ألف شخص، وفقاً لوزارة الصحة في غزة.

ومنذ بدء الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، فرت أسرة أبو جراد سبع مرات، وانتقلت من «حياة الطبقة المتوسطة المريحة إلى الخراب»، وفقاً لوصفها.

وقال أبو جراد لوكالة أنباء «أسوشييتد برس»: «حياتنا الآن تختلف تماماً عن حياتنا في منزلنا في بيت حانون بشمال غزة. منزلنا كان مليئاً بالراحة والحب والعاطفة والأمان. كان المكان الذي يجتمع فيه الأحباء حول طاولة المطبخ أو على السطح في أمسيات الصيف وسط رائحة الورود وأزهار الياسمين».

وأضاف: «إن منزلك هو وطنك. كل شيء جيد في حياتنا كان في المنزل، كل شيء، الأسرة، والجيران، وإخوتي الذين كانوا حولي. إننا نفتقد كل ذلك».

قبل الحرب: حياة مريحة

كانت حياة أسرة أبو جراد في بيت حانون هادئة قبل الحرب. فقد كان أبو جراد يخرج كل صباح للعمل سائق تاكسي. وكانت زوجته تقضي معظم يومها في الأعمال المنزلية. وكانت أصغر بناتهما، لانا، قد بدأت الصف الأول الابتدائي، في حين أن هدى، التي تبلغ من العمر 18 عاماً، كانت في سنتها الأولى في الجامعة. أما أكبرهن، بلسم، فقد أنجبت طفلها الأول قبل بدء الحرب مباشرة.

7 أكتوبر: الهجوم

في صباح يوم 7 أكتوبر، سمعت الأسرة أخبار هجوم «حماس» على إسرائيل، الذي قُتل فيه نحو 1200 شخص واختُطف 250.

وأدركت الأسرة حينها أن الرد الإسرائيلي سيكون سريعاً وأن منزلهم، الذي يبعد نحو 2 كيلومتر فقط عن السياج الحدودي مع إسرائيل، سيكون على خط المواجهة.

وبحلول الساعة 9 صباحاً، حزم أبو جراد وزوجته وبناتهما وشقيقته ما في وسعهم وهربوا، حيث أصدر الجيش الإسرائيلي أحد أوامره الأولى بالإخلاء.

أدى القصف الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى نزوح 1.9 مليون شخص (أ.ب)

7 - 13 أكتوبر: الإقامة مع والدي الزوجة

مثل العديد من الأسر الفلسطينية التي نزحت من منازلها، حاولت أسرة أبو جراد في البداية البقاء بالقرب من البيت. وذهبوا للإقامة مع والدي الزوجة، في بيت لاهيا على بعد كيلومتر واحد.

وقالت الزوجة: «كان المكان مريحاً للغاية، لأكون صادقة. شعرت وكأنني في المنزل. لكننا كنا نعيش في خوف ورعب».

وبالفعل، تعرضت بيت لاهيا لقصف كثيف. على مدار الأيام الستة التي قضوها هناك، فقد قامت إسرائيل بـ9 غارات على البلدة على الأقل، مما أسفر عن مقتل العشرات.

واخترقت الشظايا خزانات المياه في منزل والدي الزوجة. وتحطمت النوافذ بينما تجمعت العائلة في الداخل، الأمر الذي دفع الأسرة للنزوح مرة أخرى.

13- 15 أكتوبر: اللجوء إلى المستشفى

توجهت الأسرة إلى مستشفى القدس للإقامة بها بعد ترك منزل أسرة الزوجة.

وكان المبنى ومحيطه مكتظاً بآلاف الأشخاص. ففي جميع أنحاء شمال غزة، لجأت الأسر إلى المستشفيات، على أمل أن يكونوا في مأمن.

ووجدت الأسرة مساحة صغيرة على الأرض، بالكاد يكفي للنوم ​​وسط الطاقم الطبي المحموم الذي يكافح مع الجرحى.

وقالت الزوجة: «كانت ليلة سوداء وكانت هناك ضربات إسرائيلية متواصلة، ورأينا القتلى والجرحى متناثرين على الأرض».

وفي اليوم التالي لوصولهم، أصابت ضربة إسرائيلية منزلاً على بعد بضع مئات من الأمتار من المستشفى، مما أسفر عن مقتل طبيب بارز وحوالي عشرين فرداً من عائلته، الكثير منهم من الأطفال.

وأمر الجيش الإسرائيلي جميع المدنيين بعد ذلك بمغادرة شمال غزة، مما أدى إلى توجه مئات الآلاف من الأشخاص جنوباً، من بينهم أسرة أبو جراد.

15 أكتوبر - 26 ديسمبر (كانون الأول): مدرسة مكتظة

سارت الأسرة 10 كيلومترات حتى وصلت إلى مدرسة إعدادية للبنات تديرها الأمم المتحدة في مخيم النصيرات للاجئين.

وكان كل فصل دراسي وممر مكتظاً بالعائلات القادمة من الشمال. ووجدت الأسرة مساحة صغيرة في فصل دراسي يضم بالفعل أكثر من 100 امرأة وطفل. وللحفاظ على الخصوصية، انتقل أبو جراد للعيش مع الرجال في خيام بالخارج، في ساحة المدرسة.

كان هذا مكان إقامتهم لأكثر من 10 أسابيع. كانت الزوجة وبناتها ينمن على الأرض، دون مساحة كافية حتى لتمديد أرجلهن. ومع حلول الشتاء، لم يكن هناك ما يكفي من البطانيات.

وقالت الزوجة إن الحمامات كانت أسوأ شيء في الأمر. فلم يكن هناك سوى عدد قليل من المراحيض التي يستخدمها الآلاف من الناس.

وأشارت إلى أن الاستحمام كان بمثابة «معجزة». فقد ظل الناس عاجزين عن الاستحمام لأسابيع. وانتشرت الأمراض الجلدية على نطاق واسع.

ويومياً، كانت البنات يذهبن عند الفجر للانتظار في الطوابير أمام المخابز القليلة الموجودة بالمنطقة، ويعدن بعد الظهر، وفي بعض الأحيان يحملن رغيف خبز واحداً فقط. وفي أحد الأيام، سار أبو جراد وبناته مسافة 5 كيلومترات إلى مدينة دير البلح، بحثاً عن مياه صالحة للشرب.

وقال أبو جراد: «لولا أهل دير البلح الطيبين الذين أشفقوا علينا وأعطونا نصف غالون من المياه، لكنا عدنا بلا شيء».

ومع استمرار الضربات، قررت الأسرة الذهاب إلى أبعد مدى ممكن، فساروا مسافة 20 كيلومتراً إلى رفح، في أقصى جنوب غزة.

26 ديسمبر - 14 مايو (أيار): الحياة في خيمة

ذاقت أسرة أبو جراد طعم العيش في خيمة لأول مرة في رفح، وقد أقامت خيمتها وسط عشرات الآلاف من الخيام على مشارف المدينة.

وقالت الزوجة: «في الشتاء، كان الأمر أشبه بالجحيم، حيث غمرتنا المياه. وكنا ننام على الأرض، لا شيء تحتنا، ولا أغطية».

وأضافت: «لم يكن لدينا المال لشراء الطعام من الأسواق، حيث ارتفعت الأسعار. وأصيبت بناتنا بنزلات البرد والإسهال، ولم تكن هناك صيدلية قريبة لشراء الدواء. وعشنا بالكامل على المساعدات التي تقدمها الأمم المتحدة من الدقيق وغيره من المواد الأساسية».

وقال أبو جراد: «كان شراء حبة طماطم أو خيارة أشبه بالحلم».

ومثل كثيرين غيرهم، كانوا يعتقدون أن رفح هي آخر مكان آمن في غزة. ولكنها لم تكن كذلك.

وفي الأسبوع الأول من شهر مايو، أمرت إسرائيل بإخلاء رفح بالكامل. ثم توغلت قواتها في المدينة. واشتد القصف.

وحاولت الأسرة البقاء لأطول فترة ممكنة هناك. ولكن غارة جوية ضربت مكاناً قريباً، فقتلت أربعة من أبناء عم أبو جراد وفتاة صغيرة.

أسرة فلسطينية تحمل أغراضها أثناء النزوح من قطاع غزة (أ.ب)

16 مايو - 16 أغسطس (آب): «منطقة إنسانية»

نزح أكثر من مليون شخص من رفح هرباً من الهجوم الإسرائيلي، وتفرقوا في جنوب ووسط غزة. وملأت الخيام شواطئ المدن والحقول والأراضي الفارغة وساحات المدارس والمقابر وحتى مكبات النفايات.

وتوجهت أسرة أبو جراد إلى المواصي، التي كانت في السابق بلدة ساحلية، بعد أن أعلنت إسرائيل إنها «منطقة إنسانية» ـ رغم قلة المساعدات أو الغذاء أو الماء.

وفي هذا المكان، كانت الأسرة تستخدم أكواماً من العصي لإشعال النار وطهي الطعام، واستخدموا دلواً من الماء للاستحمام من حين لآخر. وكان الصابون باهظ الثمن. وتسللت العناكب الكبيرة والصراصير والحشرات الأخرى إلى الخيمة.

16 - 26 أغسطس: الفرار إلى البحر

أجبرت غارة شنتها إسرائيل على بعد أقل من كيلومتر أسرة أبو جراد على النزوح مرة أخرى. وتوجهت الأسرة نحو ساحل البحر الأبيض المتوسط، دون أن تعرف أين ستقيم.

لكن، لحسن الحظ، وجدت الأسرة بعض المعارف في إحدى الخيام.

وقال أبو جراد: «باركهم الله، لقد فتحوا خيمتهم لنا وسمحوا لنا بالعيش معهم لمدة 10 أيام».

أواخر أغسطس: لا نهاية في الأفق

عندما عادت الأسر إلى المواصي، وجدت أسرة أبو جراد أن خيمتها قد سُرِقَت وأن طعامها وملابسها اختفت بالكامل.

ومنذ ذلك الحين، تتكرر الأيام دون أي جديد. وتجد الأسرة أن البقاء على قيد الحياة يفقد معناه في صراع يبدو أنه لا نهاية له.

وأصبح العثور على الطعام أكثر صعوبة مع انخفاض الإمدادات التي تدخل غزة إلى أدنى مستوياتها خلال الحرب.

أصبح العثور على الطعام أكثر صعوبة مع انخفاض الإمدادات التي تدخل غزة (أ.ب)

وتحلق الطائرات المسيرة الإسرائيلية فوق رؤوس الأسرة باستمرار، حيث يعيش الجميع في رعب وضغط نفسي مستمر.

وتحلم الأسرة بالعودة إلى منزلها. وقال أبو جراد إنه علم أن منزل شقيقه المجاور دُمر في غارة، وأن منزله تضرر، لكنه لا يعرف حجم الضرر الذي لحق به.