لبنان: المبادرة الرئاسية لكتلة «الاعتدال» تواجه مشهداً سياسياً لم يتبدّل

هل من متغيرات تُعبّد الطريق أمامها لترى النور؟

جعجع يتوسط أعضاء من «كتلة الاعتدال الوطني» بعد استقبالهم في معراب (القوات اللبنانية)
جعجع يتوسط أعضاء من «كتلة الاعتدال الوطني» بعد استقبالهم في معراب (القوات اللبنانية)
TT

لبنان: المبادرة الرئاسية لكتلة «الاعتدال» تواجه مشهداً سياسياً لم يتبدّل

جعجع يتوسط أعضاء من «كتلة الاعتدال الوطني» بعد استقبالهم في معراب (القوات اللبنانية)
جعجع يتوسط أعضاء من «كتلة الاعتدال الوطني» بعد استقبالهم في معراب (القوات اللبنانية)

المرونة التي أبدتها معظم الكتل النيابية اللبنانية في تعاطيها مع المبادرة التشاورية التي أطلقتها كتلة «الاعتدال الوطني» لإخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزم بانتخاب رئيس للجمهورية، لا تعني أن الطريق سالكة سياسياً أمام انتخابه، ما لم تتخذ قرارها بضرورة التلاقي في منتصف الطريق بتقديمها التنازلات المطلوبة لتسهيل انتخابه، وهذا لا يزال متعذّراً، على الأقل في المدى المنظور. ولا يبدو أن المعنيين بانتخابه على استعداد لإعادة النظر في شروطهم التي يمكن أن تفتح الباب بالمفهوم السياسي للكلمة، لصالح وقف التمديد للشغور الرئاسي، وهذا ما يضع الكتلة أمام مهمة صعبة تكمن في تعطيلها المطبات والأفخاخ المنصوبة لها.

فالإيجابية التي أبدتها معظم الكتل النيابية في تعاطيها مع المبادرة لا تفي بالغرض المطلوب، خصوصاً أن من أيّدها يريد أن ينزع عنه التهمة بتعطيل انتخاب الرئيس، على الأقل أمام الرأي العام اللبناني، وصولاً إلى تبرئة ذمتهم، رغم أن الكتل تعاملت معها من موقع الاختلاف في مقاربتها الملف الرئاسي على قاعدة تمسُّك كل فريق بمرشحه بغياب التوافق على ترجيح كفة الخيار الرئاسي الثالث باستبعاد مرشح محور الممانعة رئيس تيار «المردة»، النائب السابق سليمان فرنجية، ومُنافسه الوزير السابق جهاد أزعور، المدعوم من المعارضة التي تقاطعت مع «التيار الوطني الحر» على ترشيحه من لائحة المرشحين.

ويُفترض أن تستكمل كتلة «الاعتدال» لقاءاتها التي تتطلع من خلالها إلى تسويق مبادرتها بلقاءٍ تعقده، اليوم، مع كتلتي «الوفاء للمقاومة»، وحزب «الطاشناق»، ليكون في وسعها أن تبني على الشيء مقتضاه، رغم أن «حزب الله» استبَق اللقاء بدعوته للاتفاق على اسم المرشح لرئاسة الجمهورية قبل انتخابه.

كما أن كتلة «الاعتدال» التي كانت قد التقت ثلاثة من سفراء الدول الأعضاء باللجنة «الخماسية» هم: السعودي وليد البخاري، والفرنسي هرفيه ماغرو، والمصري علاء موسى، فإنها ستلتقي السفير القطري عبد الرحمن بن سعود آل ثاني، والمستشار السياسي في السفارة الأميركية، فإن مصادرها تُبدي ارتياحها للأجواء التي سادت اللقاء، وتقول، لـ«الشرق الأوسط»، إنها تلقّت منهم الدعم المطلوب؛ لأن «الخماسية» تشكل مجموعة دعم ومساندة لتسهيل انتخاب الرئيس، وهي تُعوّل على أي تحرك لبناني يُراد من خلاله وقف التمديد للشغور الرئاسي.

الجدول التشاوري

وتلفت المصادر نفسها إلى أن جدول أعمال المبادرة التشاوري يتألف من نقاط ثلاث: الحوار، وتأمين النصاب النيابي المطلوب، ودعوة النواب لانتخاب الرئيس، وتؤكد أنها على تفاهم مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري، وستحمل إليه لاحقاً الحصيلة النهائية للمشاورات؛ تمهيداً لتحديد الخطوة المقبلة.

لكن كتلة «الاعتدال» لا تجد، حتى الساعة، ما تقوله في ردّها على الأسئلة والاستيضاحات التي طُرحت عليها سوى رفض الشروط المسبقة من جهة، وسعيها للتوافق على مرشح واحد. وفي حال استعصى عليها التوفيق بين الكتل النيابية لا بد من الذهاب إلى جلسة الانتخاب، ويُترك لكل فريق التصويت لمصلحة مرشحه.

في هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن اجتماع الكتلة مع كتلتي «المردة» و«التوافق الوطني» التي تضم النواب فيصل كرامي، وحسن مراد، وطه ناجي، وعدنان الطرابلسي، ومحمد يحيى، لم ينته إلى حصولها على أجوبة قاطعة، بذريعة أنهما بحاجة لدرسِ ما عُرض عليهما، تمهيداً لتحديد موقفهما بصورة نهائية، رغم أنهما أبدتا تمسكاً بتأييدهما فرنجية.

وتردَّد أن تريُّث هاتين الكتلتين يعود بشكل أساسي إلى أنهما تتشاوران مع حلفائهما في محور الممانعة، ليأتي جوابهما نُسخة طِبق الأصل من حلفائهما في الثنائي الشيعي، وهذا ما يفسر إصرار «حزب الله» على تحديد موعد للقاء كتلة «الاعتدال»، بعد أن تكون قد انتهت من جولتها على الكتل النيابية، ليكون بوسع كتلة «الوفاء للمقاومة» أن تبني موقفها بما ينسجم مع موقف حلفائها.

دعم فرنجية

واستباقاً لما سيؤول إليه الاجتماع، المقرَّر اليوم، بين كتلتي «الاعتدال» و«الوفاء للمقاومة»، فإن الثنائي الشيعي يتمسك بدعم ترشيح فرنجية للرئاسة، ويؤيد ما طرحه المعاون السياسي لرئيس المجلس النيابي، النائب علي حسن خليل، من ملاحظات وتساؤلات تستوجب من صاحب المبادرة الإجابة عليها، رغم أن قوى المعارضة تعاملت مع ما طرحه على أنه يؤدي إلى نسف المبادرة التشاورية.

فالنائب خليل لا يؤيد الفكرة القائلة بتداعي النواب للتشاور، ويقترح أن تأتي الدعوة من أصحاب المبادرة كي يتحمّلوا مسؤولية حيال ما يمكن أن تنتهي إليه، إضافة إلى أنه يؤيد ترك الحرية للنواب لحضور جلسة الانتخاب أو الغياب عنها؛ لأنه لا شيء في الدستور يُلزم النواب بوجوب مشاركتهم في الجلسة؛ لأن مجرد إلزامه يعني تقييداً لحرية النائب.

كما أن كتلة «الاعتدال» لا تملك أجوبة واضحة حيال جلسة انتخاب الرئيس، في ظل وجود رأيين؛ الأول تتمسك به المعارضة بدعوتها للإبقاء على الجلسة مفتوحة إلى حين انتخاب الرئيس، والثاني يتصدره محور الممانعة ويربط جلسة الانتخاب بدورات متتالية؛ أي أن تُختتم كل جلسة في حال تعذُّر انتخاب الرئيس، ما يسمح للبرلمان، كما تقول مصادرها، بالانعقاد في جلسات تشريعية، وبالتالي لا يؤخذ بذريعة المعارضة بتحويلها البرلمان إلى هيئة ناخبة تبقى في حال انعقاد إلى حين انتخابه؛ لأنه لا مصلحة في تعطيل مبدأ التشريع أو تعليق العمل به إلا إذا نضجت الظروف الخارجية والداخلية لإطلاق الضوء الأخضر لإنهاء الشغور الرئاسي.

الخيار الثالث

وفي المقابل، فإن المعارضة تتمسك ببقاء المجلس النيابي في حال انعقاد إلى حين انتخاب الرئيس، وذلك التزاماً بما هو وارد في الدستور اللبناني، وتطالب أيضاً بترجيح كفة الخيار الرئاسي الثالث، مشترطة إبعاد فرنجية وأزعور عن المنافسة، وكانت قد سجّلت موقفها في هذا الخصوص، وأبلغت كتلة «الاعتدال» به دون أن تُبدي انفتاحاً على مبادرتها لئلا تعطي ذريعة لخصومها لتقف وراء تعطيل الجلسات لانتخاب الرئيس، مع أن رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل ذهب بعيداً في مقاربته للمبادرة التشاورية، من زاوية أنها لا تتمايز عن الدعوة الحوارية التي أطلقها الرئيس بري في أغسطس (آب) الماضي.

ويبقى السؤال: هل من معطيات لدى كتلة «الاعتدال» تحتفظ بها لنفسها، كانت وراء اندفاعها لطرح مبادرتها؟ أم أنها قررت ضمّها إلى ما سبقها من مبادرات بقيت تحت سقف ملء الفراغ في الوقت الضائع؟ خصوصاً أن أحداً لا يبيع موقفه مجاناً بلا أي ثمن سياسي، وهذا ما يفسر تراجع منسوب التفاؤل بأن المبادرة ستفي بالغرض المطلوب منها بإخراج لبنان من التأزم الرئاسي، في حين ينتظر الجميع بفارغ الصبر عودة الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت لعلّه يعيد تحريك الملف الرئاسي بغطاء من «الخماسية»!


مقالات ذات صلة

«حزب الله» يؤكد مقتل علي كركي مع نصر الله... ويكشف قيادته جبهة الجنوب

المشرق العربي فتاة لبنانية تلتقط صوراً لمكان الغارة الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية لبيروت (د.ب.أ)

«حزب الله» يؤكد مقتل علي كركي مع نصر الله... ويكشف قيادته جبهة الجنوب

أكد «حزب الله» اللبناني، الأحد، مقتل القيادي علي كركي في غارة إسرائيلية استهدفت بعض قياديي الجماعة في لبنان وعلى رأسهم أمينها العام حسن نصر الله.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان نجيب ميقاتي (رويترز)

رئيس الوزراء اللبناني: لا خيار لدينا سوى الحل الدبلوماسي

قال رئيس حكومة تصريف الأعمال في لبنان، الأحد، إنه ليس لديه خيار سوى الخيار الدبلوماسي، رداً على سؤال بشأن الجهود الدبلوماسية لوقف تصعيد إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أنصار الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله يحملون صوره أثناء تجمعهم في صيدا بعد مقتله في غارة جوية إسرائيلية على الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

بطريرك الموارنة: قتل إسرائيل لنصر الله جرح قلوب الشعب اللبناني

دعا بطريرك الموارنة في لبنان بشارة بطرس الراعي، وهو أكبر رجل دين مسيحي في البلاد، إلى الدبلوماسية في الصراع بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (بيروت )
المشرق العربي عناصر من «حزب الله» يستقلون دراجة داخل إحدى القواعد بينما تظهر صور حسن نصر الله وقاسم سليماني على الجدار خلفهم (لقطة من فيديو لـ«حزب الله»)

«حزب الله» أمام مفترق طرق: رد حازم أو الهزيمة الكاملة

بعد مقتل أمينه العام حسن نصر الله، يبدو «حزب الله» أمام مفترق طرق، فإما أن يردّ بشكل غير مسبوق على إسرائيل، أو أن يكرّس صورة العاجز عن مقارعتها.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
آسيا وزير الخارجية الصيني وانغ يي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة 28 سبتمبر 2024 (رويترز)

وزير خارجية الصين يطالب بوقف شامل لإطلاق النار في الشرق الأوسط دون تأخير

قال وزير الخارجية الصيني، وانغ يي، اليوم (السبت)، إنه يجب ألا يكون هناك أي تأخير في التوصل إلى «وقف شامل لإطلاق النار» في الشرق الأوسط.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

الجيش اللبناني يعزِّز انتشاره في عدد من المناطق خشية فتنةٍ داخلية

دورية للجيش اللبناني في أحد شوارع بيروت الأحد (رويترز)
دورية للجيش اللبناني في أحد شوارع بيروت الأحد (رويترز)
TT

الجيش اللبناني يعزِّز انتشاره في عدد من المناطق خشية فتنةٍ داخلية

دورية للجيش اللبناني في أحد شوارع بيروت الأحد (رويترز)
دورية للجيش اللبناني في أحد شوارع بيروت الأحد (رويترز)

بالتوازي مع إعطاء الحكومة اللبنانية الأولوية لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله»، وإغاثة الجرحى في المستشفيات، وتأمين أماكن إيواء للنازحين، تُستنفَر الأجهزة الأمنية، وعلى رأسها الجيش اللبناني، للتصدي للإشكالات الداخلية، على خلفية موجات النزوح العارمة، كما نتيجة الغضب الكبير المسيطر على نفوس مناصري «حزب الله» بعد اغتيال إسرائيل أمينه العام حسن نصر الله يوم الجمعة الماضي.

ولم يمنع فتح معظم المناطق أبوابها لمئات آلاف النازحين، ومعظمهم من الشيعة، بمشهد وطني جامع، حصول عدد من الإشكالات في بعض المناطق بين أهاليها ونازحين، نتيجة مشاجرات ذات طابع سياسي، كذلك سُجّلت احتكاكات بُعَيد الإعلان عن اغتيال نصر الله نجحت الأجهزة المعنية باستيعابها سريعاً.

مخاوف «المناطق الآمنة»

ولعل أبرز ما يخلق إشكالات مع النازحين هو خشية سكان المناطق التي تُعدّ نسبياً آمنة أن تصبح هدفاً للطيران الإسرائيلي في حال تبيّن أن من بين النازحين عناصر أو كوادر من «حزب الله»، وتصل مئات الشكاوى إلى بلديات قرى وبلدات تطالبها بالتأكد من هوية النازحين حديثاً إلى شقة ما.

وتقول نسرين ن (40 عاماً)، وهي من سكان منطقة بعبدا في جبل لبنان، إنها تواصلت مع البلدية طلباً منها لإخراج النازحين من شقة استأجروها في المبنى الذي تقطن فيه، خشية أن يكون بينهم هدف إسرائيلي، ما يؤدي لمقتلها وعائلتها بغارة ما. وتضيف نسرين لـ«الشرق الأوسط»: «ندرك أن وضع النازحين الإنساني صعب جداً، لكن سلامتي وعائلتي هي أولويتي راهناً».

انتشار عسكري

وينفّذ الجيش اللبناني منذ أيام عمليات انتشار واسعة، في عدد كبير من المناطق، وخصوصاً في تلك حيث اختلاط مذهبي وطائفي، ويوضح مصدر أمني أن «الهدف من هذا الانتشار تَفادي الإشكالات، وردّات الفعل بين أبناء الطائفة الشيعية وباقي المكوّنات اللبنانية، حتى لا تحصل فتنة مذهبية وطائفية»، لافتاً إلى أن «الجيش عزّز انتشاره في أماكن محدّدة، ويقيم دوريات ونقاطاً مستحدَثة، كما أنه متأهّب لحصول أي تطوّر».

ويشير المصدر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «الجيش يتدخّل حيث تحصل إشكالات، لكن ليس لديه عدد كافٍ من العناصر لينتشروا في كل مناطق ومراكز النزوح والإيواء».

وأصدرت قيادة الجيش، الأحد، بياناً حثّت فيه المواطنين على «الحفاظ على الوحدة الوطنية، وعدم الانجرار وراء أفعال قد تمسّ بالسلم الأهلي في هذه المرحلة الخطيرة والدقيقة من تاريخ وطننا»، منبّهة إلى أن «العدو الإسرائيلي يعمل على تنفيذ مخططاته التخريبية، وبث الانقسام بين اللبنانيين».

وأكّدت قيادة الجيش استمرارها في اتخاذ «التدابير الأمنية اللازمة، والقيام بواجبها الوطني؛ للحفاظ على السلم الأهلي»، داعيةً المواطنين لـ«التجاوب مع هذه التدابير، والعمل بمقتضى الوحدة الوطنية التي تبقى الضمانة الوحيدة للبنان».

خشية الفتنة

ولا ينفي العميد المتقاعد جورج نادر أن هناك «خوفاً من استخدام إسرائيل عملاءها في محاولة لإشعال فتنة داخلية تشكّل أكبر خدمة لها في المرحلة الراهنة»، مشدّداً على أنه «لا يمكن النوم على حرير والمسؤولية الأكبر تبقى على القوى الأمنية والجيش اللذَين يفترض أن يتنبّها للتصدي لأي محاولة لإشعال هكذا فتنة».

ويشدّد نادر في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، على أن «المطلوب الوعي من البيئة التي احتضنت النازحين، فلا يمكن احتضانهم وبنفس الوقت شتم رموزهم الدينية والسياسية، كما لا يمكن إجبارهم على إزالة صور أولادهم الشهداء عن سياراتهم»، لافتاً إلى أنه «وبنفس الوقت يجب أن يدرك (حزب الله) أن البيئة التي أدّى لتهجيرها يُفترض أن تحترم الآراء السياسية للبيئة التي احتضنتها، بمعنى أنه لا يمكن أن أكون مهجّراً إلى مكان معين وأسعى لفرض رأيي، وأضع ما يستفز البيئة التي استضافتني».