باريس تندد بشدة بما حصل في غزة وتطالب بتحقيق مستقل

وزير الخارجية الفرنسي: ما حصل في غزة لا يمكن تبريره ولا الدفاع عنه

الرئيس إيمانويل ماكرون لدى تدشين القرية الأولمبية الخميس في مدينة سان دوني شمال باريس (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون لدى تدشين القرية الأولمبية الخميس في مدينة سان دوني شمال باريس (أ.ف.ب)
TT

باريس تندد بشدة بما حصل في غزة وتطالب بتحقيق مستقل

الرئيس إيمانويل ماكرون لدى تدشين القرية الأولمبية الخميس في مدينة سان دوني شمال باريس (أ.ف.ب)
الرئيس إيمانويل ماكرون لدى تدشين القرية الأولمبية الخميس في مدينة سان دوني شمال باريس (أ.ف.ب)

إذا كانت فرنسا تأخرت بعض الشيء في التعبير عن موقفها من المجزرة، التي حصلت في غزة، الخميس، وأوقعت لدى توزيع مساعدات إنسانية شمال غزة ما يزيد على 110 ضحايا ومئات الجرحى، فإنها لاحقاً، وبانتظار حصولها على معلومات إضافية وتفاصيل ما حصل، عبّرت عن مواقف بالغة التشدد. وجاءت الأكثر تشدداً في التغريدة التي أرسلها الرئيس إيمانويل ماكرون ليلاً على منصة «إكس»، ولاحقاً في التصريحات الصباحية التي أدلى بها وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه لإذاعة «فرانس أنتير».

وورد في حرفية ما كتبه ماكرون ما يلي: «إنني أشعر بسخط شديد من الصور التي وصلت إلينا من غزة، حيث تم استهداف المدنيين من جانب الجنود الإسرائيليين. وإنني أعرب عن إدانتي الشديدة لعمليات إطلاق النار هذه وأدعو إلى (جلاء) الحقيقة و(تحقيق) العدالة واحترام القانون الدولي. فالوضع في غزة مروّع ويجب (توفير) الحماية لجميع السكان المدنيين، كما يجب وقف إطلاق النار على الفور للسماح بتوزيع المساعدات الإنسانية».

المهم في ما جاء على لسان الرئيس الفرنسي، إضافة الى لهجته المتشددة، التي تتناقض مع تصريحاته التي أعقبت عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) التي قامت بها «حماس» وتنظيمات أخرى، أن باريس تحمل الجيش الإسرائيلي مباشرةً مسؤولية ما حصل، فيما قيادته سعت، بداية، إلى التنصل من المسؤولية وإرجاعها لتدافع الفلسطينيين.

فلسطينيون حول جثث عدد من ضحايا مجزرة توزيع المساعدات الغذائية في مستشفى الشفاء بغزة الخميس (أ.ف.ب)

وقبل ماكرون، أصدرت وزارة الخارجية الفرنسية بياناً عبرت فيه عن «صدمتها العميقة» لما حصل، وقالت إن «إطلاق الجنود الإسرائيليين النار على المدنيين الذين يحاولون الوصول إلى المواد الغذائية أمر غير مبرر»، وذلك في رد على الجانب الإسرائيلي الذي زعم أن سبب إطلاق الجنود النار المحدود يعود لشعورهم بـ«التهديد»، وتأكيده أن غالبية القتلى سقطوا نتيجة التدافع. وإذ اعتبرت الخارجية أن ما حصل «بالغ الخطورة»، فإنها أكدت على «مسؤولية إسرائيل في الامتثال لقواعد القانون الدولي وحماية توزيع المساعدات الإنسانية على السكان المدنيين» في قطاع غزة.

وكما ورد في تغريدة الرئيس ماكرون، فإن وزارة الخارجية جددت تأكيد «الحاجة الماسة إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار للسماح بإيصال المساعدات الإنسانية على نطاق واسع وحماية المدنيين في قطاع غزة»، مضيفةً أن هذا الأمر «يبقى أولويةً بالنسبة لفرنسا».

وحسب توصيفها، فإن «الوضع الإنساني في غزة واقعٌ في حالة طوارئ مطلقة، وفي وقت يعاني فيه عدد متزايد وغير محتمل من المدنيين الفلسطينيين من الجوع والمرض».

في حديثه الصحافي، وصف وزير الخارجية أن ما حصل «لا يمكن تبريره ولا يمكن الدفاع عنه»، وأنه يتعين على إسرائيل «أن تصغي لما نقوله وأن تتوقف» عن ممارساتها. وحسب سيجورنيه، فإن ما يجري في غزة يعني أننا «تجاوزنا حداً إضافياً»، ويبين أن على إسرائيل أن تقدم «تفسيراً» لما حصل. وقال في ما حرفيته: «أريد أن أكون بالغ الوضوح اليوم: نحن نطلب من إسرائيل أن تقدم لنا توضيحات، ويتعين أن يكون هناك تحقيق مستقل لجلاء ما حصل... لا يمكننا أن نعتمد في سرديتنا، إزاء ما يجري، الكيل بمكيالين... وإذا وصفنا ما قامت به (حماس) بالعمل الإرهابي، علينا أن نقول الأمور كما هي عند وقوع فظائع في غزة».

وأعرب سيجورنيه عن دعم بلاده لاقتراح الأمين العام للأمم المتحدة لتحقيق مستقل. وبكلام آخر، فإن فرنسا لم تعد تثق بما يأتي على لسان المسؤولين الإسرائيليين ولا بالتحقيقات التي تقوم بها الأجهزة الإسرائيلية، والتجارب السابقة تبين زيف تحقيقاتها.

ولدى سؤاله عما إذا يتعين سوق الجنود الإسرائيليين وقادتهم أمام القضاء، رد سيجورنيه: «نعم، تماماً. هناك عدالة دولية، هناك محكمة العدل الدولية، وبطبيعة الحال، عند توصيف ما حصل بأنه جريمة حرب، يعود للعدالة الدولية أن تصدر أحكامها».

وخلاصة الوزير الفرنسي أن تصور وجود أشخاص يموتون من الجوع، كما هو الحال في غزة، «أمر لا يطاق بالنسبة إلينا... ولا يمكن تبرير ما هو عصي على التبرير، أعني تحديداً الوضع الإنساني الكارثي» في القطاع.

يطالب الوزير الفرنسي، مرة أخرى، بوقف فوري لإطلاق النار، ويؤكد أن باريس تعمل في كل المحافل لهذا الغرض. بيد أنه يسارع إلى القول إن «من الصعب إيجاد حلول للمسألة الأمنية بعيداً عن المسألة السياسية، ومن أجل التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار، يتعين تسوية الملف السياسي»، في إشارة لحل الدولتين الذي رفضه رئيس الوزراء الإسرائيلي في اليوم الثاني الذي طالب به الرئيس الأميركي جو بايدن.

ولكن هل يعني ذلك أن فرنسا تفتقر لأي وسيلة ضاغطة، بما في ذلك الاعتراف بالدولة الفلسطينية؟ يستعيد الوزير الفرنسي في مقاربته لهذه المسألة ما أكده الرئيس ماكرون بمناسبة الزيارة التي قام بها العاهل الأردني عبد الله الثاني إلى فرنسا يوم 16 فبراير (شباط) بأن الاعتراف بالدولة الفلسطينية «ليس من الممنوعات» بالنسبة إليه.

ويقول سيجورنيه: «الاعتراف هو إحدى أدوات مسار السلام ويتعين استخدامه في الوقت المناسب»، مذكراً بأن الموقف الفرنسي الثابت بالنسبة للحل النهائي يقوم على قيام دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. لكن باريس لم تعرف يوماً ما المقصود بـ«الوقت المناسب». وسيجورنيه يرى أنه «وسيلة في خدمة السلام، ويتعين استخدامه خلال مسار السلام».

ولدى لومه على اللجوء إلى لغة دبلوماسية تشبه ما يسمى «اللغة الخشبية»، رد بقوله إنه «يقول (اليوم) ما لم يقله سابقاً أي وزير للخارجية الفرنسية... ويعني أن فرنسا جاهزة» للاعتراف.

يرى سفير فرنسي سابق عمل لسنوات في منطقة الشرق الأوسط أن مواقف باريس «متأخرة» عن مواقف دول أوروبية أخرى مثل إسبانيا أو آيرلندا أو حتى بلجيكا، وأن الذريعة التي ترفعها ومؤداها أن اعترافاً أوروبياً جماعياً «سيكون له وزن وتأثير أكبر مما لاعتراف فرنسي أحادي»، غير مقنعة.

وحسب السفير : «تستطيع باريس أن تلعب دور القاطرة التي تجر الاتحاد الأوروبي وراءها إذا كانت، حقيقة، راغبة بأن تؤدي دوراً قوياً. إلا أن حذرها يعود لاعتبارات سياسية داخلية».

ويختم السفير السابق كلامه بالإشارة إلى أن ماكرون «خلال السنوات السبع التي أمضاها في قصر الإليزيه، لم يقم بأي بادرة أو محاولة بالنسبة لملف النزاع الفلسطيني ــ الإسرائيلي، بينما سعى للعب دور بالنسبة للبنان أو ليبيا أو السودان... ولكن من يدري ربما أدرك تقاعسه وهو يريد اليوم تلافيه؟».


مقالات ذات صلة

هل تتحول الضفة الغربية إلى «غزة جديدة»؟

المشرق العربي مركبات عسكرية إسرائيلية تصطف أثناء اقتحامها مدينة جنين ومخيم جنين شمال الضفة الغربية خلال عملية عسكرية إسرائيلية... 22 يناير 2025 (د.ب.أ)

هل تتحول الضفة الغربية إلى «غزة جديدة»؟

هجمات وعمليات عسكرية واضطرابات يثيرها المستوطنون: الضفة الغربية تشهد موجة من العنف. وفي حين أن الهدنة في غزة ما تزال صامدة، فإن جبهة الضفة على وشك الاشتعال.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يحضر مراسم إحياء ذكرى جندي إسرائيلي في قاعة الذكرى بمقبرة جبل هرتزل العسكرية بالقدس في 16 يوليو 2024 (أ.ب)

لماذا مستقبل نتنياهو السياسي هشّ مثل وقف إطلاق النار؟

رغم تحقيقه مكاسب ميدانية، فإن مستقبل نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية هش مثل وقف إطلاق النار، حسب تقرير لوكالة «أسوشييتد برس».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي بيان نشره الجيش الإسرائيلي في مايو الماضي زعم خلاله اغتيال القيادي في «القسام» حسين فياض قبل ظهوره حياً (إكس)

كيف كشفت هدنة غزة إخفاقات معلوماتية إسرائيلية؟

صدم الظهور العلني للقيادي البارز في «القسام» حسين فياض المؤسسة الأمنية الإسرائيلية إذ كانت أعلنت اغتياله قبل 8 أشهر في غزة... وكشفت الواقعة إخفاقاً معلوماتياً.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطينيون نازحون أثناء عودتهم إلى وسط رفح جنوب غزة بعد سريان الهدنة الأحد الماضي (أ.ف.ب)

«تتضمن تفتيشاً للمركبات وتبدأ الأحد»... ما آلية عودة النازحين لشمال غزة؟

أعلنت «حماس» أن عودة النازحين إلى شمال غزة تبدأ الأحد المقبل وذلك ضمن ترتيبات اتفاق الهدنة مع إسرائيل... ومصادر تحدثت لـ«الشرق الأوسط» عن التفاصيل المنظمة لذلك.

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم العربي شركات أميركية خاصة ستنشر أفراداً مسلّحين بغزة لتفتيش المركبات المتجهة من جنوب القطاع إلى شماله (أ.ف.ب)

«أكسيوس»: شركات أمن أميركية خاصة ستبدأ تشغيل نقطة تفتيش رئيسية بغزة في الأيام المقبلة

قال موقع «أكسيوس» الإخباري، اليوم الخميس، نقلاً عن مسؤولين إسرائيليين، إن شركات أمن أميركية خاصة ستبدأ، خلال الأيام المقبلة، تشغيل نقطة تفتيش رئيسية بقطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

أميركا تعدّ الظروف «مهيأة» لاستمرار وقف إطلاق النار في لبنان

سيارة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) خلال دورية في جنوب لبنان بالقرب من الحدود مع إسرائيل يوم 23 يناير 2025 (رويترز)
سيارة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) خلال دورية في جنوب لبنان بالقرب من الحدود مع إسرائيل يوم 23 يناير 2025 (رويترز)
TT

أميركا تعدّ الظروف «مهيأة» لاستمرار وقف إطلاق النار في لبنان

سيارة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) خلال دورية في جنوب لبنان بالقرب من الحدود مع إسرائيل يوم 23 يناير 2025 (رويترز)
سيارة تابعة لقوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل) خلال دورية في جنوب لبنان بالقرب من الحدود مع إسرائيل يوم 23 يناير 2025 (رويترز)

نقلت شبكة «بلومبرغ»، اليوم (الجمعة)، عن مسؤول عسكري أميركي القول إن واشنطن تعدّ الظروف «مهيأة» لاستمرار وقف إطلاق النار في لبنان.

وأضاف المسؤول الأميركي، الذي لم تسمّه الوكالة، أن بلاده ملتزمة بحل دبلوماسي يسمح للمواطنين الإسرائيليين واللبنانيين بالعودة إلى منازلهم على جانبَي الخط الأزرق.

وحذّر «حزب الله»، أمس (الخميس)، من عدم انسحاب الجيش الإسرائيلي بالكامل من الأراضي اللبنانية بعد انقضاء مهلة الـ60 يوماً المحددة في اتفاق وقف إطلاق النار، ووصف ذلك بأنه سيكون «تجاوزاً فاضحاً» للاتفاق.

في سياق متصل، أقدم الجيش الإسرائيلي، منتصف ليل أمس (الخميس)، على التوغل في بلدة بني حيان في جنوب لبنان، وأحرق منازل عدة فيها.

وبحسب ما أعلنت «الوكالة الوطنية للإعلام» اللبنانية الرسمية، «توغلت عند منتصف الليل، قوة إسرائيلية داخل بلدة بني حيان الجنوبية وقامت بعملية تمشيط بالأسلحة الرشاشة، وسُمِعت أصوات الرصاص في المناطق المجاورة، وقامت بعدها بإحراق عدد من المنازل. ولا تزال هذه القوة منتشرةً داخل أحياء البلدة حتى ساعات هذا الصباح، حيث تستكمل إحراق المنازل ومبنى بلدية بني حيان».

آلية تابعة للجيش اللبناني بالقرب من مبانٍ متضررة في أحد شوارع مدينة بنت جبيل بجنوب لبنان في 20 يناير 2025 (إ.ب.أ)

يذكر أنه تم الإعلان عن اتفاق لوقف إطلاق النار بين لبنان وإسرائيل في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وبدأ تنفيذ وقف إطلاق النار فجر اليوم التالي. وتخرق إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار منذ دخوله حيز التنفيذ بشكل يومي.

وينصُّ الاتفاق على انتشار الجيش اللبناني والقوى الأمنية اللبنانية في منطقة جنوب لبنان، وسحب إسرائيل قواتها تدريجياً من الجنوب باتجاه الخط الأزرق الحدودي مع إسرائيل خلال فترة تصل إلى 60 يوماً. وتنتهي فترة اﻟ60 يوماً، فجر الاثنين المقبل.