انسحاب أم شراكة... تضارب بين واشنطن وبغداد حول مستقبل التحالف الدولي

البيت الأبيض: سندافع عن جنودنا... وبايدن وجّه دعوة للسوداني

المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني في ميونيخ السبت (أ.ف.ب)
المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني في ميونيخ السبت (أ.ف.ب)
TT

انسحاب أم شراكة... تضارب بين واشنطن وبغداد حول مستقبل التحالف الدولي

المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني في ميونيخ السبت (أ.ف.ب)
المستشار الألماني أولاف شولتس ورئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني في ميونيخ السبت (أ.ف.ب)

رغم أن رئيس الحكومة العراقية كان يبلغ المسؤولين الغربيين الذين التقى بهم خلال الساعات الماضية في ميونخ أن بلاده تسعى إلى إنهاء وجود التحالف الدولي، تحدثت واشنطن في الوقت نفسه عن «شراكة أمنية ثنائية دائمة».

وأبلغ السوداني كلاً من وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، والأمين العام لحلف «الناتو» ينس ستولتنبرغ، وأعضاء في الكونغرس الأميركي، أن العراق ماضٍ نحو مراجعة العلاقة مع التحالف الدولي على طريق إنهاء وجوده.

وأكد ستولتنبرغ، عقب لقاء السوداني «توسعة التعاون في تقديم المشورة والتدريب للقوات الأمنية العراقية لتشمل تشكيلات وزارة الداخلية».

وغالباً ما تتباين المواقف الرسمية بين واشنطن وبغداد كلما اجتمع المسؤولون فيهما لبحث الأزمة المشتعلة منذ 3 أشهر، على خلفية هجمات الفصائل ضد القواعد الأميركية في العراق وسوريا.

وأعلنت بغداد الشهر الماضي أنها اتفقت مع واشنطن على بدء محادثات حول مستقبل التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة في العراق من أجل وضع جدول زمني لانسحاب القوات وإنهاء مهام التحالف.

وانطلقت في أواخر الشهر الماضي الاجتماعات العراقية الأميركية التي تتمحور على مستوى التهديد الذي يمثله تنظيم «داعش» والمتطلبات العملياتية وتعزيز قدرات القوات الأمنية العراقية.

ويرى العراق أن وجود التحالف الدولي أصبح عاملاً لعدم الاستقرار بسبب الضربات التي تشنّها الولايات المتحدة على الجماعات المسلحة العراقية التي تهاجم قواعدها، وهي هجمات زادت وتيرتها منذ بدأت إسرائيل حربها على قطاع غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول).

ونفت وزارة الدفاع الأميركية، في مناسبتين خلال الشهرين الماضيين، أن تكون المباحثات الجارية منذ شهر بين البلدين بشأن الانسحاب.

وقال المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء إن السوداني التقى، الجمعة، بكاميلا هاريسون، نائبة الرئيس الأميركي، وأكد على موقف بلاده الثابت إزاء سيادتها على أراضيها، «كونه من المبادئ التي لا يمكن التهاون بشأنها أو التفريط بها تحت مختلف الأسباب والظروف».

وأشار المكتب، في بيان صحافي، إلى أن اللقاء شهد «التأكيد على استمرار الحوار عبر اللجنة العليا المشتركة لإنهاء مهام التحالف الدولي لمحاربة (داعش) في العراق بعد تنامي قدرات القوات العراقية المسلحة وانحسار خطر فلول الإرهاب».

رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يلتقي نائبة الرئيس الأميركي كامالا هاريس في ميونيخ بألمانيا (رويترز)

سلامة الأميركيين

لكن البيت الأبيض قال إن هاريس نائبة الرئيس الأميركي التقت مع السوداني في ميونيخ، لحثّه على منع الهجمات التي تستهدف العسكريين الأميركيين، وشدّدت على أن سلامة الأميركيين في العراق أولوية قصوى لواشنطن التي «ستتصرف دفاعاً عن النفس عند الضرورة»، دون أن تتطرق إلى موضوع الانسحاب العسكري.

وبحسب البيان، فإن الجانبين بحثا «الاهتمام المتبادل بشراكة قوية ودائمة وفق اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين البلدين»، بينما «جدّدت هاريس دعوة الرئيس الأميركي جو بايدن رئيس الوزراء العراقي لزيارة البيت الأبيض».

ومنذ توليه المنصب في أكتوبر 2022، لم يقم السوداني بزيارة البيت الأبيض، كما جرت العادة مع رؤساء الحكومة السابقين، فيما يعتقد أن البيت الأبيض يتحفظ على تمثل جماعات موالية لإيران في هذه الحكومة.

وعقب لقاء السوداني بهاريس، قالت السفيرة الأميركية في بغداد، إلينا رومانوسكس، إن المسؤولين أكدا على «الشراكة القوية والدائمة كما هو منصوص عليه في اتفاقية الإطار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق».

وجاء في بيان للسفيرة، نشرته في منصة «إكس»، أن هاريس «حثّت الحكومة العراقية على منع الهجمات ضد الأفراد الأميركيين، وأعربت عن تقديرها لجهود رئيس الوزراء في هذا الصدد إلى الآن، وشددت على أن سلامة الأفراد الأميركيين تمثل أولوية قصوى للولايات المتحدة، وأنها ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة للدفاع عن النفس عند الضرورة». وبحسب الدبلوماسية الأميركية، فإن هاريس والسوداني ناقشا «استمرار عمل اللجنة العسكرية العليا الأميركية العراقية، التي ستمهد الطريق للانتقال إلى شراكة أمنية ثنائية دائمة بين الولايات المتحدة والعراق، وهي الخطوة الطبيعية التالية للبناء على التعاون الناجح للغاية خلال السنوات العشر الماضية بين العراق والتحالف الدولي لهزيمة (داعش)»، دون أن تشير إلى الانسحاب.

وفي لقاء منفصل، ناقش السوداني مع أعضاء من الكونغرس الأميركي على هامش مؤتمر الأمن في ميونيخ، الحوار الجاري بشأن إنهاء مهمة التحالف الدولي في العراق، والانتقال إلى علاقات ثنائية واسعة مع الولايات المتحدة وباقي دول التحالف.

وأفاد بيان حكومي أن رئيس الوزراء استعرض مع المشرعين الأميركيين حالة التعافي في العراق والإصلاحات في مختلف القطاعات الاقتصادية والمالية وعقد شراكات اقتصادية متكاملة مع دول المنطقة والعالم بما يسهم في تعزيز التنمية وتحقيق الاستقرار.


مقالات ذات صلة

تراجع «خطير» في خزين أنهر العراق وسدوده

المشرق العربي تراجع «خطير» في خزين أنهر العراق وسدوده

تراجع «خطير» في خزين أنهر العراق وسدوده

ترسم بيانات ومعلومات متداولة عن واقع الخزين المائي في العراق صورة خطيرة لما يمكن أن تمر به البلاد خلال هذا العام والأعوام اللاحقة من جفاف شديد.

فاضل النشمي (بغداد)
شؤون إقليمية رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترمب والمرشد الإيراني علي خامنئي (أ.ف.ب)

تقرير: النقاش الأميركي حول قصف إيران يُعيد إلى الأذهان معاناة حرب العراق

يتصاعد النقاش داخل الولايات المتحدة وخارجها بشأن احتمالية مشاركة إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب في توجيه ضربات مع إسرائيل ضد إيران.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي مشايخ عراقيون يشاركون في مظاهرة تضامنية مع إيران على طريق مؤدٍ إلى المنطقة الخضراء حيث السفارة العراقية في بغداد الثلاثاء (أ.ب)

السيستاني يحذر من استهداف خامنئي

حذّر المرجع الشيعي الأعلى في العراق، علي السيستاني، من استهداف المرشد الإيراني علي خامنئي. ودعا السيستاني، في بيان، أمس (الخميس)، الجهات الدولية وبلدان العالم.

حمزة مصطفى (بغداد) نذير رضا (بيروت)
شؤون إقليمية صورة ملتقَطة في 19 يونيو 2025 تُظهر أعضاء فِرق الإنقاذ وهم يقومون بإزالة الأنقاض من مبنى دُمر خلال هجوم إسرائيلي بطهران (أ.ف.ب) play-circle

العراق يعرب عن قلقه من خطر انتشار مواد إشعاعية جراء الحرب بين إسرائيل وإيران

حذّر قاسم الأعرجي، مستشار الأمن القومي العراقي، اليوم الخميس، من مخاطر انتشار المواد الإشعاعية في المنطقة نتيجة التصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي لافتة تحذر من المساس بخامنئي في أحد شوارع بغداد (أ.ف.ب)

السيستاني يحذر من استهداف خامنئي والصدر يدعو أنصاره إلى مظاهرات مليونية

مع توعد القضاء العراقي بإيقاع عقوبات رادعة على كل من يعمل على زعزعة الجبهة الداخلية في البلاد، أعلنت أبرز الفصائل المسلحة العراقية استعدادها لحمل السلاح

حمزة مصطفى (بغداد)

تراجع «خطير» في خزين أنهر العراق وسدوده

تراجع «خطير» في خزين أنهر العراق وسدوده
TT

تراجع «خطير» في خزين أنهر العراق وسدوده

تراجع «خطير» في خزين أنهر العراق وسدوده

ترسم بيانات ومعلومات متداولة عن واقع الخزين المائي في العراق صورة خطيرة لما يمكن أن تمر به البلاد خلال هذا العام والأعوام اللاحقة من جفاف شديد، في حال استمرت معدلات الهطول المطري بالتراجع.

وفي نهاية شهر مايو (أيار) الماضي، أعلنت وزارة المواد المائية أن البلاد تواجه أدنى مستويات مخزون مياه في البلاد منذ 80 عاماً، وذلك بسبب موسم الأمطار الضعيف للغاية، إلى جانب قلة الإيرادات في نهري دجلة والفرات نتيجة السياسات المائية التي تتبعها تركيا في المقام الأول حيال العراق، إلى جانب إيران.

وتشهد معظم أنهر وسدود البلاد تراجعاً كبيراً في مناسيب المياه، ويمكن للعين المجردة رصد ذلك التراجع بسهولة، حيث تصل في نهري دجلة والفرات في بعض المناطق إلى بضعة سنتيمترات، وكذلك الحال في سدوده الرئيسية المتمركزة في شمال وغرب البلاد.

ويقر مدير سد دوكان، كوجر جمال، بالتراجع الكبير في الحزين المائي للسد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «كميات الخزن انخفضت إلى ربع الطاقة الاستيعابية للسد نتيجة قلة الإيرادات المائية الناجمة عن مشكلة الجفاف، حيث لم تشهد البلاد جفافاً مماثلاً منذ نحو 50 عاماً».

وإلى جانب مشكلة الجفاف الرئيسية التي قللت من إيرادات المياه، والكلام لمدير السد، «تأتي مشكلة السدود الإيرانية على نهر الزاب الأسفل، وهي سدود خزنية صغيرة تكون أكثر فاعلية في سنوات الجفاف، أما في سنوات الوفرة فإنها لا تستوعب كميات المياه النازلة، وبالتالي فإن الجانب الإيراني لا يتمكن من الحيلولة دون وصولها إلى الأراضي والسدود العراقية، إنهم يعانون من مشكلة الجفاف أيضاً».

وتحدث جمال عن أن «كمية المياه الحالية ستكفي لسد الحاجة إلى المياه حتى بداية فصل الخريف المقبل». وأشار إلى أن «مياه سد دوكان تنزل إلى محافظة كركوك وصولاً إلى نهر دجلة شمال مدينة تكريت مركز محافظة صلاح الدين».

انخفاض مستوى أغمار الأهوار

جنوباً، رسم «المدير التنفيذي لمنظمة طبيعة العراق»، جاسم الأسدي، صورة قاتمة جداً لحالة الجفاف في الأهوار الجنوبية. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن « مناسيب نهر الفرات في جنوب العراق بدأت بالانخفاض في المناطق المغذية للأهوار، وخاصة هور الحّمار الغربي والأهوار الوسطى ابتداءً من أبريل (نيسان) الماضي، بعد أن وصل في مارس (آذار) منسوب الفرات تقريباً إلى متر و6 سم عن مستوى سطح البحر».

ويضيف أن «منسوب الفرات انخفض إلى حدود سنتيمتر عن مستوى سطح البحر، وهو بانخفاض مستمر بحدود النص سنتيمتر يومياً تقريباً، يبدو أن هذا الانخفاض قد أثر بشكل كبير على مستويات الأغمار في الأهوار الوسطى وهور الحمار الغربي، كذلك الحال بالنسبة لهور الحويزة».

الهور تحول إلى صحراء

يؤكد الأسدي أن هور «الحويزة يشكو اليوم من الجفاف بشكل كبير، وأصبحت مناطق كبيرة فيه عبارة عن صحراء قاحلة ومناطق لإنبات الأثل (أشجار الطرفة البرية)، وحتى إن بحيرة مثل (أم النعاج) في هور الحويزة لم يعد فيها من المياه ما هو مهم للتنوع الأحيائي ولصيد الأسماك ولتربية الجاموس».

وكذلك الحال بالنسبة لهور الحمار الغربي في محافظة ذي قار، والكلام للأسدي، حيث يعتمد الهور على المصب العام من جهة وعلى الفرات من جهة أخرى.

وتابع الأسدي: «هنالك كميات من المياه المالحة من المصب العام لملوح حتى تفوق 15 ألف في المائة من المليون في هذا الهور، وهناك قلة من الإطلاقات من الفرات باتجاه الهور، حيث إن المنافذ الذيلية في كرمة بني سعيد والتي تغذي الأهوار الوسطى وهور الحمار الغربي لا يزيد إطلاقها اليوم على 16 متراً مكعباً بالثانية، علماً بأننا نخسر في التبخر أكثر من هذه الكمية، حيث إن خسارة الأهوار في التبخر السنوي نحو 2.8 متر سنوياً».

وذات الأمر ينطبق على الأهوار الوسطى؛ حيث أشار الأسدي إلى أن هناك انحساراً كبيراً بالمياه، وخاصة في أعماقها، ونستطيع القول إن «هناك تغييراً لأماكن مرّبي الجاموس داخل الهور نفسه، بنوع من الهجرة الداخلية، حيث ينتقل المربون من منطقة الحمارة باتجاه المنطقة العميقة في نهر أبو صوبال داخل الأهوار الوسطى نفسها».

صورة من الأعلى لمرور نهر الفرات في مدينة النجف جنوب العراق (رويترز)

القادم أخطر

يؤكد الأسدي تراجع المخزون السمكي بشكل كبير في مناطق الأهوار الوسطى، وذكر أن «هذا التراجع تسبب بعدم وجود الأسماك المهمة، بل يوجد في الغالب أسماك غريبة عن البيئة، مثل أسماك الشانك وغيرها، كما أننا نجد نبات الطرفة الصحراوي نجدها أينما نولّي وجوهنا في الأهوار».

ويعتقد الأسدي أن «هذا الصيف سيكون ثقيلاً على الأهوار العراقية؛ لأن كميات المياه الواصلة إلى سد الموصل في انخفاض مستمر وصلت إلى غاية 130 متراً مكعباً على الثانية فقط، كما أن نهر الزاب الذي يغذي بحيرة دوكان وسدها قد انخفض كثيراً».

ويخلص الأسدي إلى أن «الخزين المائي في السدود الرئيسية الثلاثة (دوكان والموصل وحديثه وكذلك بحيرة الثرثار) قد لا يتجاوز العشرة مليارات متر مكعب في هذا العام، ما أدى في النتيجة إلى تقليص الخطة الزراعية بشكل كبير لعدم وجود المياه، وبكل الأحوال وضع جفاف هذا العام لا يبشر بخير وأعتقد أن القادم أخطر».