خطتان في إسرائيل لإنهاء الحرب تشملان هجوماً أكيداً على رفح

نتنياهو يريد نصراً كاملاً وغانتس يدعم توقفاً طويلاً... والقتال في خان يونس يشتد

فلسطينيون في مركز لتوزيع المساعدات الغذائية برفح الثلاثاء (رويترز)
فلسطينيون في مركز لتوزيع المساعدات الغذائية برفح الثلاثاء (رويترز)
TT

خطتان في إسرائيل لإنهاء الحرب تشملان هجوماً أكيداً على رفح

فلسطينيون في مركز لتوزيع المساعدات الغذائية برفح الثلاثاء (رويترز)
فلسطينيون في مركز لتوزيع المساعدات الغذائية برفح الثلاثاء (رويترز)

بدأ المسؤولون الإسرائيليون ببلورة خطة لإنهاء الحرب على قطاع غزة تحدد جدولاً زمنياً مقبولاً لكل من تل أبيب وواشنطن، وتشمل في كل الأحوال مهاجمة مدينة رفح الحدودية، بغض النظر عن اتفاق محتمل مع «حماس» حول صفقة تبادل أسرى ومحتجزين.

وقالت صحيفة «يديعوت أحرنوت» إن صنّاع القرار في إسرائيل يعملون على وضع خطة استراتيجية لإنهاء الحرب، ومن بين أعضاء الحكومة المحدودة (مجلس الحرب)، يتم وضع خطتين على الأقل من هذا القبيل، من المفترض أن تضمنا تحقيق جميع أهداف الحرب أو الأغلبية المطلقة منها، الأولى هي خطة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومبعوثه إلى الولايات المتحدة وزير الشؤون الاستراتيجية وعضو مجلس الحرب كذلك رون ديرمر، والثانية هي خطة الوزيرين في مجلس الحرب، رئيسي الأركان السابقين بيني غانتس وغادي آيزنكوت.

ووفق «يديعوت أحرنوت» فإنه لا توجد اختلافات كبيرة بين الخطتين باستثناء الجداول الزمنية، وحقيقة أن غانتس وآيزنكوت مستعدان من حيث المبدأ للكشف عن موقفهما ومناقشته في مجلس الوزراء، بينما يخشى نتنياهو من رد فعل شركائه في الائتلاف، وبالتالي فهو غير مستعد لمناقشة خطته حتى في الحكومة المحدودة، ويكتفي بالتفاوض سراً حولها مع كبار المسؤولين بإدارة جو بايدن، من خلال ديرمر.

فلسطينية وشقيقها في مخيم البريج بقطاع غزة الثلاثاء (إ.ب.أ)

ومن المفترض أن تحقق الخطة الاستراتيجية التي اقترحها غانتس وآيزنكوت «النصر» على مراحل بحيث توافق إسرائيل على وقف طويل للقتال لغرض صفقة الرهائن، ثم تستأنفه من أجل مواصلة تفكيك قدرات «حماس» العسكرية والحكومية.

ويقول غانتس وآيزنكوت: «نعم» للصفقة، ولكن «لا» لمطلب الالتزام بإنهاء الحرب نهائياً.

ومن بين أشياء أخرى، تهدف خطة غانتس وآيزنكوت للحفاظ على المساعدة العسكرية والسياسية من الحكومة الأميركية وتعزيزها، ويعتقدان أن الإعلان الإسرائيلي عن هدنة طويلة في القتال بغرض تنفيذ صفقة الرهائن سيخفف بشكل كبير الضغطين الداخلي والخارجي على الرئيس بايدن، وسوف يكون بوسعه أن يدّعي بدرجة كبيرة أنه نجح في وقف الأعمال العدائية.

أبنية مدمرة في مخيم البريج بقطاع غزة (إ.ب.أ)

ووفق خطة غانتس وآيزنكوت فإنه خلال فترة توقف طويلة في غزة، يستعد الجيش بشكل مكثف لاستئناف القتال، على أن يقوم بتدريب قواته، وتجديد مخزون الأسلحة وتحديث أساليب وخطط القتال، على أن تنتهي الحرب بحلول شهر يونيو (حزيران)، أي حوالي خمسة أشهر قبل انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) الرئاسية الأميركية.

وتشمل خطة رئيسي الأركان السابقين إقامة حكم مدني في غزة، والاحتفاظ بالسيطرة الأمنية هناك، وتعزيز التطبيع العربي، وفي رأيهما، هذا هو أقرب شيء يمكن تحقيقه من أجل «النصر» بعد أهوال 7 أكتوبر (تشرين الأول). أما نتنياهو فيريد «نصراً كاملاً» خلال وقت قصير.

فلسطينيون يشاركون في جنازة قتيلين جراء الضربات الإسرائيلية على دير البلح بقطاع غزة الثلاثاء (أ.ب)

وقالت «يديعوت أحرنوت» إن نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت يأملان في تحقيق هزيمة عسكرية كاملة لـ«حماس»، والقضاء على زعيم الحركة يحيى السنوار وقيادة المنظمة في غزة من خلال الاستيلاء على رفح قبل شهر رمضان أو خلاله.

ويعتقد نتنياهو وغالانت أن الدخول إلى رفح، حتى لو لم يؤد على الفور إلى تصفية السنوار، فسوف يلين موقف قيادة «حماس»، ويسمح بصفقة «معقولة» لإطلاق سراح الرهائن. كما أنه سيمكن إسرائيل من اتخاذ قرارات من موقع قوة بخصوص اليوم التالي، بما في ذلك محور فيلادلفيا مع مصر وفي الشمال مع لبنان.

دمار في مخيم البريج الثلاثاء (إ.ب.أ)

ويضغط نتنياهو على رئيس الأركان هرتسي هاليفي من أجل استكمال تفكيك «حماس» في خان يونس والبدء في الاستيلاء على رفح. لكن مشكلة نتنياهو أن هاليفي لا يزال يحتاج إلى وقت لإنهاء العمل في خان يونس، وبضعة أسابيع أخرى لتنفيذ خطة إخلاء رفح قبل الهجوم.

ووفق خطة نتنياهو، فإن القتال سينتهي بحدود شهر أبريل (نيسان)، بعد شهر رمضان، ثم سيتم الانتقال للمرحلة الرابعة وهي السيطرة الأمنية على قطاع غزة.

والكشف عن الخطط الإسرائيلية لإنهاء الحرب، جاءت في وقت عمّقت فيه إسرائيل أكثر هجومها في خان يونس (جنوب القطاع)، والتي تشهد قتالاً ضارياً منذ أكثر من 70 يوماً.

نازحون فلسطينيون في رفح الثلاثاء (أ.ف.ب)

وقصفت إسرائيل مناطق واسعة في خان يونس، ونسفت مربعاً سكنياً وسط المدينة، فيما حاصرت الثلاثاء مستشفى ناصر، وطالبت بإخلائه.

وقال ناطق باسم الجيش الإسرائيلي إن قوات الفرقة 98 رسخت سيطرتها العملياتية غرب خان يونس، وقتلت مقاتلين من «حماس»، ونفّذت عمليات مداهمة لبنى تحتية وكمائن قناصة ودوريات، ودمّرت مستودعات لتخزين الوسائل القتالية، فيما قام مقاتلو «اللواء 646» (قوات من المظليين في الاحتياط) بخوض قتال عنيف في منطقة عبسان في خان يونس، وقتلوا مسلحين، وداهموا الكثير من البنى التحتية، واكتشفوا مساراً تحت الأرض، كما صادروا قطع سلاح، وجوالات، وقنابل يدوية، وأمشاط ذخيرة، وملابس عسكرية وكراسات قتالية.

خيم ومراكز إيواء للنازحين الفلسطينيين في رفح الثلاثاء (رويترز)

ومقابل ذلك، قالت «كتائب القسام» التابعة لـ«حركة حماس» إن مقاتليها اشتبكوا «مع قوة صهيونية راجلة مكونة من 7 جنود من مسافة صفر في منطقة عبسان الكبيرة شرق مدينة خان يونس، وأوقعوها بين قتيل وجريح، كما تمكنوا من تفجير عبوة مضادة للأفراد في قوة صهيونية مكونة من 5 جنود تحصنت داخل أحد المنازل في منطقة عبسان الكبيرة».

واعترف الجيش الإسرائيلي بمقتل 3 في تفجير عبسان.

وقال الناطق العسكري إنه خلال نشاط المقاتلين انفجرت عبوة ناسفة في عمارة مفخخة، وسقط نتيجة الانفجار قائد «كتيبة 630»، اللفتنانت كولونيل (احتياط) نتانئيل ألكوبي، والقائم بأعمال قائد إحدى سرايا «كتيبة 630»، الميجر (احتياط) يائير كوهين، ومقاتل احتياط تابع لـ«كتيبة 630»، المساعد (احتياط) زيف تشين، بينما أصيب مقاتلون آخرون بجروح.

وتركز إسرائيل منذ بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي على القتال في خان يونس، على أمل الوصول إلى قادة هجوم 7 أكتوبر الماضي، قائد «حماس» في غزة يحيى السنوار، وشقيقه محمد، قائد لواء خان يونس، وقائد «القسام» العام محمد الضيف، ونائبه مروان عيسى.

وتحتاج إسرائيل إلى الانتهاء من معركة خان يونس، قبل الانتقال إلى الهجوم على مدينة رفح الحدودية، آخر معاقل «حماس».

وأكد قادة إسرائيل أنهم ماضون في الهجوم على رفح المكتظة بالسكان، والتي يعيش فيها مليون ونصف المليون فلسطيني، غالبيتهم نازحون، على الرغم من كل التحذيرات الدولية والمطالبات بالامتناع عن الهجوم الذي سيخلف بحراً من الدماء.

وقال وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي، الثلاثاء، إنه مع تصميم إسرائيل على الهجوم على رفح فإن «المطلوب منا جميعاً كيفية حماية المدنيين، وتوفير ممرات آمنة لهم للخروج، وضمانات أن تكون ممرات آمنة لا يجب الاعتداء عليها».


مقالات ذات صلة

غوتيريش يندد بمداهمة إسرائيل مقر «الأونروا»

العالم شعار وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» (رويترز)

غوتيريش يندد بمداهمة إسرائيل مقر «الأونروا»

ندد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بشدة اليوم الاثنين بمداهمة إسرائيل مقر وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في القدس.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
العالم العربي رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير (أرشيفية - أ.ف.ب)

تقرير: استبعاد توني بلير من قائمة المرشحين لعضوية «مجلس السلام» في غزة

ذكرت صحيفة «فاينانشال تايمز» نقلاً عن مصادر مطلعة اليوم الاثنين أنه تم استبعاد رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، من قائمة المرشحين لعضوية «مجلس السلام».

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شمال افريقيا فلسطينيون يسيرون أمام الخيام الممتدة على طول الشوارع وسط أنقاض المباني المدمرة في جباليا بقطاع غزة (أ.ف.ب)

«فتح» لـ«الشرق الأوسط»: إعلان تشكيل لجنة إدارة غزة «محتمل قريباً»

قال متحدث حركة «فتح» الفلسطينية، عبد الفتاح دولة لـ«الشرق الأوسط»، الاثنين، إن إعلان تشكيل لجنة إدارة قطاع غزة «محتمل قريباً».

محمد محمود (القاهرة)
العالم العربي رئيس منظمة أطباء بلا حدود جاويد عبد المنعم (أ.ف.ب) play-circle

«أطباء بلا حدود»: وضع الأطباء في غزة «لا يزال صعباً جداً» رغم الهدنة

أكَّد رئيس منظمة أطباء بلا حدود، الأحد، أن ظروف المسعفين والمرضى في غزة لا تزال على حالها رغم الهدنة الهشة التي تسري منذ نحو شهرين في القطاع.

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي جانب من الدمار جراء الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة (أ.ب)

مسؤول في حركة «حماس»: مستعدون لمناقشة مسألة «تجميد أو تخزين» الأسلحة

قال مسؤول رفيع في حركة «حماس»، اليوم (الأحد)، إن الحركة مستعدة لمناقشة مسألة «تجميد أو تخزين» ترسانتها من الأسلحة ضمن اتفاقها لوقف إطلاق النار مع إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (الدوحة )

الرئيس اللبناني: نرحب بأي دور فرنسي في لجنة مراقبة وقف إطلاق النار

قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان يوم 28 نوفمبر الماضي (أ.ب)
قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان يوم 28 نوفمبر الماضي (أ.ب)
TT

الرئيس اللبناني: نرحب بأي دور فرنسي في لجنة مراقبة وقف إطلاق النار

قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان يوم 28 نوفمبر الماضي (أ.ب)
قافلة من الآليات العسكرية اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل في بلدة علما الشعب بجنوب لبنان يوم 28 نوفمبر الماضي (أ.ب)

أفادت الرئاسة اللبنانية بأن رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون أبلغ المبعوث الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، اليوم الاثنين، بأن لبنان يرحب بأي دور فرنسي في إطار لجنة مراقبة وقف إطلاق النار (الميكانيزم)، يساهم في تحقيق الأهداف الأساسية للمفاوضات التي تجري في إطار اللجنة.

وأكد عون رفضه للاتهامات التي تدعي عدم قيام الجيش اللبناني بدوره كاملاً في جنوب الليطاني، قائلاً إن «هذا ما أكدته قيادة (اليونيفيل) و(الميكانيزم) ولمسه سفراء دول مجلس الأمن».

وشدد الرئيس اللبناني على أن بلاده «تؤيد أي تدقيق تقوم به لجنة (الميكانيزم) في الإجراءات المطبقة جنوب الليطاني وفق القرار 1701».

رجل يتفقد الدمار في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت قرية جباع جنوب لبنان 4 ديسمبر الحالي (أ.ف.ب)

وذكرت «الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام» في وقت سابق أن اللقاء شهد بحث التطورات الميدانية في الجنوب والمستجدات الداخلية إلى جانب الملفات المرتبطة بالإصلاحات.

وأضافت الوكالة الرسمية أنه تمت أيضاً مناقشة التحضيرات لإمكانية انعقاد مؤتمر دعم الجيش اللبناني، والمفترض عقده بداية العام المقبل.


دمشق تستعيد لحظات الفرح الأولى بسقوط الأسد

TT

دمشق تستعيد لحظات الفرح الأولى بسقوط الأسد

حشود ضخمة في «ساحة الأمويين» يوم الاثنين احتفالاً بعام على سقوط الأسد (أ.ب)
حشود ضخمة في «ساحة الأمويين» يوم الاثنين احتفالاً بعام على سقوط الأسد (أ.ب)

استعادت دمشق فرحة الأيام الأولى لسقوط نظام الأسد، ومضى المحتفلون بالذكرى الأولى للتحرير في الشوارع والساحات رافعين الأعلام الوطنية وأعلام التوحيد البيضاء وأعلام الدول العربية التي ساندت قضية الشعب السوري.

المحتفلون عبّروا، الاثنين، ولأول مرة منذ 6 عقود عن أنفسهم بعفوية دون رقابة أو قبضة حديدية، ولأول مرة يظهر تنوع السوريين في الشارع بكامل اختلافاته دون أن يؤدي إلى تصادمات على الأرض، في تحد كبير بذلت السلطات الأمنية الجديدة جهوداً شاقة لمواجهته، في معادلة صعبة ضمن ظرف داخلي وإقليمي حرج وحساس.

وعلى الرغم من مُضي أكثر من يومين على بدء الاحتفالات، فإن المشاركين من محافظات عدة ما زالوا يتوافدون إلى «ساحة الأمويين» في دمشق، بوصفها ساحة الاحتفال المركزية. والتقت «الشرق الأوسط» مشاركين من الحسكة والرقة ودير الزور وإدلب وحلب، ومن عشائر السويداء ودرعا، ومن القرى القريبة من الحدود مع الجولان المحتل في محافظة القنيطرة، بالإضافة إلى سكان دمشق العاصمة.

سوريون في «ساحة الأمويين» وسط دمشق بينما يمر عرض عسكري ضخم للجيش السوري احتفالاً بالذكرى السنوية الأولى لسقوط نظام الأسد (د.ب.أ)

بدا المشهد شديد التنوع من حيث الشكل، بين لباس عصري ولباس تقليدي؛ وبين منتقبات ومحجبات وسفور بملابس رياضية. كما كان هناك تباين في الشعارات والهتافات؛ من مجموعات تهتف: «واحد واحد واحد... الشعب السوري واحد»، وأخرى تهتف: «قائدنا للأبد سيدنا محمد»، وثالثة تحمل مجسماً لموقوف بلباس السجن معلق على مشنقة، في مطالبة للسلطة السياسة بمحاسبة المجرمين، ومجموعات ترقص وتنشد أغاني الثورة والأغاني التقليدية، وتشتم النظام السابق.

طائرة شراعية تحلق فوق تجمع خلال احتفالات الذكرى الأولى لإطاحة الرئيس السابق بشار الأسد ويظهر جبل قاسيون في الخلفية بدمشق، سوريا (إ.ب)

سيدة من خان أرنبة بمحافظة القنيطرة بدت في غاية القلق بعد إضاعة طفلتها في الزحام وسط الساحة... دقائق وظهرت الطفلة، فقد عثر عليها والدها بمساعدة الأمن داخل الزحام الشديد. وقالت والدتها: «جئنا بالأولاد لنشارك بالفرح في دمشق. لم نتخيل هذا الحجم من الازدحام... (الفرح كبير جداً بالتحرير)»، فيما تمنت شقيقتها «أن يكتمل الفرح بالخلاص من احتلال إسرائيل».

شاب من عشائر السويداء، قال إنه «لا شيء ينغص الفرحة سوى التدخل الإسرائيلي»، بينما تمنت شابة في مقتبل العمر، أصولها من الحسكة، أن تتوحد سوريا لتتمكن من زيارة مدينتها في شمال شرقي البلاد. أما قصي، وهو فتى في الـ20 من العمر، فقال: «فرحتي لا توصف»، متمنياً «تحسن الوضع الاقتصادي لتكتمل الفرحة».

وردة في فوهة بندقية عنصر أمن داخل «ساحة الأمويين» (الشرق الأوسط)

وسط الازدحام الشديد وجد باعة الأعلام والورود والقهوة والبسكويت مكاناً لبسطاتهم. شاب من دير الزور كان يبيع القهوة وقد حمد الله «على الرزق في هذا اليوم»، فقد كان «وفيراً». إلى جانبه طفلة تبيع الورود للمشاركين يهدونها لعناصر الحراسة والأمن والمسؤولين عن تنظيم الساحة، الذين بدا عليهم الإرهاق الشديد، وقال أحدهم إنه لم ينم منذ أيام، فيما كان آخر يضع وردة حمراء في فوهة البندقية ورفض التصوير والتصريح مكتفياً بالابتسام.

وبالقرب منهم وقف شاب من ريف الحسكة عمره 20 عاماً ومعه أخوه الصغير، وعروسه التي لم تتجاوز الـ16 من عمرها... بدوا فخورين بلباسهم التقليدي، وهو يلتقط صورة مع عروسه المنتقبة. وفي مكان آخر، جلست سيدة مع ابنها وابنتها تحت شجرة، وكانت تضفر شعر الصغيرة المتحمسة للمشاركة في الاحتفال.

تكريم شهداء الغوطة وسط «ساحة الأمويين» في دمشق (الشرق الأوسط)

بالإضافة إلى حشود المتجمهرين في «ساحة الأمويين» والشوارع التي تصب فيها، أقامت محافظة دمشق معرضاً لـ«تنسيقيات أحياء دمشق» خلال فترة الثورة، واستعادت أساليب الحراك السلمي لنشطاء مدينة دمشق عام 2011، مثل رمي الكرات المرسوم عليها علم الثورة في الشوارع، وإخفاء ميكروفونات تصدح بأغاني الثورة وإسقاط الأسد في المناطق المزدحمة وتشغيلها من بعد، وصبغ مياه البحيرات باللون الأحمر، كما تضمن المعرض قوائم بأسماء الشهداء في كل حي من أحياء دمشق.

لافتات من الثورة في «معرض التنسيقيات السورية» (الشرق الأوسط)

المراقب للمشهد السوري من قلب دمشق والعارف بتباينات هذا المشهد يدرك حجم التحدي الأمني الذي تواجهه السلطة كي تنجح هذه الاحتفالات. ووفق مصدر أمني في دمشق، فإن السلطات الأمنية مستنفرة منذ أسابيع، وتُعِدّ لتأمين وحماية الأنشطة والفعاليات والتجمعات، مشيراً إلى أن الجو العام في دمشق متعاون وداعم للسلطة.

وكان الرئيس أحمد الشرع، وعشية الاحتفال بـ«يوم التحرير»، التقى في «فندق الشام» ممثلين عن أحياء دمشق، واستمع منهم إلى مطالبهم ورؤيتهم لمستقبل المدينة وملاحظاتهم.

وقال أحد المشاركين في الاجتماع لـ«الشرق الأوسط» إن «الاجتماع كان ودياً للغاية، ولمسنا من الرئيس تقديراً خاصة للعاصمة وسكانها، بوصفها ممثلة لكل السوريين، ومدينةً يفد إليها الجميع من مختلف المحافظات»، وإنه طلب منهم «الصبر والتحمل؛ فدمشق العاصمة قلب سوريا».


ما مصير أركان نظام بشار الأسد؟

عدد كبير من المسؤولين والضباط في النظام السابق استقر في روسيا (أرشيفية-رويترز)
عدد كبير من المسؤولين والضباط في النظام السابق استقر في روسيا (أرشيفية-رويترز)
TT

ما مصير أركان نظام بشار الأسد؟

عدد كبير من المسؤولين والضباط في النظام السابق استقر في روسيا (أرشيفية-رويترز)
عدد كبير من المسؤولين والضباط في النظام السابق استقر في روسيا (أرشيفية-رويترز)

بعد مرور سنة على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، تتزايد الأسئلة حول مصير أبرز أركان حكمه المتهمين بارتكاب انتهاكات واسعة بحق ملايين السوريين خلال 14 عاماً من الحرب.

ووفق تحقيق لصحيفة «نيويورك تايمز»، فإن 55 من كبار المسؤولين والضباط في النظام السابق فرّوا من البلاد بطرق متعددة، وإن عدداً كبيراً منهم استقر في روسيا.

كان من بين الفارين قائد «الفرقة الرابعة» ماهر الأسد ومدير استخبارات سلاح الجو السوري قحطان خليل، المتَّهَم بالمسؤولية المباشرة عن واحدة من أكثر المجازر دموية في الحرب الأهلية. ولحق به علي عباس وعلي أيوب، وهما وزيرا دفاع سابقان يخضعان لعقوبات بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم ارتُكبت خلال سنوات النزاع ورئيس هيئة الأركان عبد الكريم إبراهيم المتهم بتسهيل عمليات تعذيب وعنف جنسي ضد المدنيين ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية كمال الحسن ومدير مكتب الأمن الوطني علي المملوك واللواء بسام الحسن المتهم بالإشراف على الهجمات الكيميائية واختطاف الصحافي الأميركي أوستن تايس ومدير المخابرات العامة حسام لوقا.

ماهر الأسد

كان ماهر الأسد، قائد «الفرقة الرابعة» التي تُعدّ من أكثر وحدات النظام رهبة، يسابق الوقت لترتيب عملية فراره. وبحسب اثنين من المقرّبين، اتصل ماهر بصديق للعائلة وأحد رجال الأعمال المقرّبين منه، محذّراً إياهما من البقاء في منزليهما، وداعياً إلى الخروج فوراً وانتظاره في الخارج. وبعد دقائق، ظهر بسيارته المسرعة في الشارع، وتوقّف للحظات لاصطحابهما قبل أن ينطلق بهما بسرعة للحاق برحلته إلى موسكو. ووفق الصحيفة، يعيش ماهر الأسد حياة مترفة في منفاه، برفقة بعض قادته الكبار السابقين مثل جمال يونس.

كمال الحسن

يُتهم كمال الحسن، الذي تولّى رئاسة شعبة الاستخبارات العسكرية، بالإشراف على حملات اعتقال واسعة وتعذيب وإعدام معتقلين. غير أن عملية فراره لم تسر بسهولة. فقد أُصيب خلال تبادل لإطلاق النار مع مقاتلين من المعارضة أثناء محاولته مغادرة منزله في ضاحية قرب دمشق كانت تُعرف سابقاً بـ«قرى الأسد»؛ المنطقة التي أقام فيها عدد من كبار مسؤولي النظام في فلل فخمة. ووفق الصحيفة، اضطر الحسن إلى الانتقال متخفّياً من منزل إلى آخر قبل أن يتمكن في النهاية من الوصول إلى السفارة الروسية التي وفّرت له الحماية.

علي المملوك

ولجأ مسؤول آخر إلى السفارة الروسية هو علي مملوك، المدير السابق لمكتب الأمن الوطني، والذراع الأبرز في بناء منظومة الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري التي طبعت عقود حكم آل الأسد. وقال صديق مقرّب منه وأحد أقاربه إن مملوك علم بانهيار النظام عند الرابعة فجراً عبر اتصال هاتفي. وحين حاول اللحاق بمسؤولين آخرين في طريقهم إلى المطار، تعرّض موكبه لكمين. ورغم عدم التأكد من الجهة التي هاجمته، فإن مصادره قالت إن «أعداءه كُثر».

ومملوك، الذي خدم مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد ثم مع بشار الأسد، كان يُنظر إليه باعتباره «الصندوق الأسود للنظام». وقال أحد أصدقائه: «لم يكن فقط شاهداً على كل شيء... كان يعرف كل شيء».

وتقول ثلاثة مصادر مطلعة إن مملوك تمكن من الفرار دون إصابة، ووصل إلى السفارة الروسية. وهناك بقي مع كمال الحسن إلى أن نظّم الجانب الروسي موكباً محمياً نقلهما إلى قاعدة حميميم، قبل أن يغادرا لاحقاً إلى روسيا.

بسام الحسن

نجح اللواء بسام الحسن في الهرب دون أن يلفت الأنظار، رغم أنه كان نائماً خلال الساعات الأولى المضطربة من سقوط النظام. وتقول ثلاثة مصادر مطّلعة إن أحد كبار قادته أيقظه قبل الخامسة فجراً بقليل لتنبيهه إلى انهيار الوضع.

وبحسب مصدرين على دراية بتفاصيل فراره، سارع حسن إلى تجهيز موكب من ثلاث سيارات تقلّ زوجته وأولاده البالغين وحقائب مكدّسة بالأموال. وكان قلقه من التعرّض لهجوم كبيراً إلى حد أنه وزّع أفراد أسرته على سيارات مختلفة، لضمان عدم إصابتهم جميعاً في حال تعرضت إحدى المركبات لكمين.

وعندما اقترب الموكب من مدينة حمص، على بعد نحو 160 كيلومتراً شمال دمشق، أوقف مقاتلون السيارة الأولى، وهي رباعية الدفع، وأجبروا زوجة حسن وابنته على النزول منها، آمِرين بترك كل ما بحوزتهما داخل السيارة، بما في ذلك الحقائب اليدوية، وفق شهادة أحد الحاضرين. ويبدو أن المقاتلين اكتفوا بالغنيمة، إذ لم ينتبهوا إلى أن المرأتين استقلّتا السيارة الثانية التي كان يجلس فيها أحد أبرز رجال النظام سمعةً ورُعباً.

وبعد تجاوزه الحاجز، تمكّن حسن من الوصول إلى لبنان ثم إلى إيران بمساعدة مسؤولين إيرانيين.

وبحسب «نيويورك تايمز»، عاد الحسن لاحقاً إلى بيروت في إطار صفقة يزوّد بموجبها أجهزة الاستخبارات الأميركية بمعلومات. ويقول مقربون إنه يمضي وقته حالياً في المقاهي والمطاعم الراقية برفقة زوجته.

حسام لوقا

وقال صديق مقرّب من لوقا إنه اتصل به مراراً ليلة 7 ديسمبر للاطمئنان على الوضع، وكان يتلقى في كل مرّة تطمينات بأن «لا شيء يدعو للقلق». ولكن عند الثانية فجراً، أجاب لوقا على الهاتف على عجل ليقول فقط إنه «يجهّز نفسه للفرار».

وبعد ساعة، دخل ضباطه إلى مكتبه ليكتشفوا أنه غادر دون أن ينبس بكلمة، وأنه - وخلال خروجه - أمر محاسب الجهاز بفتح خزنة المقر، وفق ما أفاد به أحد ضباطه الذين حضروا الواقعة. وقد أخذ لوقا كل ما في داخلها من أموال، والتي قُدّرت بنحو 1.36 مليون دولار. وتقول ثلاثة مصادر من مسؤولين سابقين في النظام إنهم يعتقدون أن لوقا وصل إلى روسيا منذ ذلك الحين.