لبنان... «الخماسية» تتبنى الخيار الرئاسي الثالث وتكلف لودريان تسويقه نيابياً

سفراؤها يستعدون لمواكبة انطلاقتها اللبنانية

رئيس المجلس النيابي نبيه بري خلال لقائه السفير السعودي وليد البخاري (الوكالة الوطنية للإعلام)
رئيس المجلس النيابي نبيه بري خلال لقائه السفير السعودي وليد البخاري (الوكالة الوطنية للإعلام)
TT

لبنان... «الخماسية» تتبنى الخيار الرئاسي الثالث وتكلف لودريان تسويقه نيابياً

رئيس المجلس النيابي نبيه بري خلال لقائه السفير السعودي وليد البخاري (الوكالة الوطنية للإعلام)
رئيس المجلس النيابي نبيه بري خلال لقائه السفير السعودي وليد البخاري (الوكالة الوطنية للإعلام)

يأتي لقاء سفراء الدول الأعضاء في «اللجنة الخماسية» المعتمدين لدى لبنان، بمبادرة من سفير المملكة العربية السعودية، وليد البخاري، في سياق التحضير العملاني لمواكبة اجتماع «الخماسية» على مستوى ممثليها في اللجنة، والتي تضم، إضافةً إلى السعودية، الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ومصر وقطر، التي يُفترض أن تعقد اجتماعها قبل نهاية الشهر الحالي، للتوافق على مقاربة موحدة لإخراج انتخاب رئيس للجمهورية من التأزم، قاعدتها ترجيح الخيار الرئاسي الثالث للوصول بانتخابه إلى بر الأمان، وتفادي الانقسام داخل البرلمان اللبناني بين المعارضة ومحور الممانعة، الذي لا يزال يعطّل انتخاب الرئيس، لأن المرشحَين المنتميين إليهما يواجهان صعوبة في تأمين عدد النواب المطلوب لانتخابه.

فالاجتماع التحضيري لسفراء «الخماسية» في لبنان أكثر من ضروري، لقطع الطريق على مَن ذهب بعيداً في تفسيره لتأجيل اجتماعهم برئيس المجلس النيابي، نبيه بري، والتعامل معه على أنه ينمّ عن وجود تباين استدعى تأجيله من جهة، ولتأكيد الدور المتقدم للسعودية في تهيئة الظروف السياسية لوضع حد للتمادي في الشغور الرئاسي، خصوصاً أن المشهد السياسي الذي رسمته الجلسة التشريعية للبرلمان اللبناني لمناقشة الموازنة العامة لعام 2024 لا يدعو للتفاؤل، في ظل تصاعد وتيرة الانقسام بين النواب للمصادقة على موازنة الضرورة في الوقت الضائع، ريثما يستعيد لبنان عافيته، وباتت الحاجة ملحة لـ«الخماسية» لحثهم على ترحيل خلافاتهم لصالح إعادة الانتظام للمؤسسات الدستورية بانتخاب رئيس للجمهورية، بدلاً من إقحام لبنان في نزاعات داخلية، أُضيف إليها التباين في العمق في مقاربتهم للوضع المشتعل في جنوب لبنان.

ولا بد من التوقف ملياً أمام سير المناقشات الخاصة بالموازنة، التي أقل ما يقال فيها إنها لم تكن في مستوى التحديات التي تهدد الكيان اللبناني، مع اختلاط الحابل بالنابل، خصوصاً أن الكثيرين من النواب تطرقوا إلى كل شاردة وواردة، ما عدا مناقشتهم للموازنة، وكادت الجلسات تتحول إلى «هايدبارك» جمع تحت سقفه كل التناقضات، وهذا من شأنه أن يرفع منسوب المهام الملقاة على عاتق «اللجنة الخماسية» في مساعدتها اللبنانيين لانتخاب رئيس للجمهورية، شرط أن يبادر النواب إلى مساعدة أنفسهم، لأن «الخماسية» لن تنوب عنهم في إخراج الاستحقاق الرئاسي من التأزم مع اقتراب الفراغ من دخول شهره السادس عشر.

هل تلاقي الكتل النيابية موقف «الخماسية»؟

ويبقى على الكتل النيابية أن تُلاقي «الخماسية» في منتصف الطريق، لترجيح كفة الخيار الرئاسي الثالث على الخيارات الأخرى، وهذا ما سيعمل من أجله الموفد الرئاسي الفرنسي، جان إيف لودريان، الذي يستعد للقيام بجولة رابعة من لقاءاته مع رؤساء الكتل النيابية، فور انتهاء الاجتماع المرتقب لـ«الخماسية»، التي ما زالت تراهن على فصل انتخاب الرئيس عن الحرب الدائرة في غزة وامتداداتها إلى الجبهة الشمالية في جنوب لبنان.

ويشكل عدم الربط بين جبهتَي غزة وجنوب لبنان وبين انتخاب الرئيس، أول اختبار لـ«حزب الله» للتأكد، كما تقول مصادر نيابية لـ«الشرق الأوسط»، من مدى استعداده لأن يعيد النظر في أولوياته لصالح الانفتاح على الجهود الرامية لإنهاء الشغور الرئاسي من جهة، ولتطبيق القرار الدولي 1701 الذي يسعى له الموفد الرئاسي الأميركي، أموس هوكستين، الذي تقدّم بعرض أمني لإعادة الهدوء إلى الجبهة الشمالية، تعاطى معه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، بإيجابية، كما قال على هامش الجلسات النيابية المخصصة لمناقشة الموازنة.

ولم تستبعد المصادر النيابية أن يكون لهوكستين دور إلى جانب «الخماسية» في مقاربتها للخيار الرئاسي الثالث، شرط أن يتمتع هذا الخيار بالمواصفات التي خلص إليها لودريان، آخذاً في الاعتبار ردود الفعل التي أودعته إياها الكتل النيابية في إجابتها عن الأسئلة التي طرحها عليها.

وفي هذا السياق، تستبعد المصادر نفسها ما كان قد تردد سابقاً من أن «الخماسية» ستتحول إلى «سداسية» بانضمام ممثل لإيران إليها، وتقول إن التواصل مع الأخيرة لم ينقطع، وتتولاه قطر وفرنسا التي تتواصل أيضاً عبر سفيرها لدى لبنان هيرفيه ماغرو، بقيادة «حزب الله»، في إطار الجهود الدولية والعربية المبذولة لمنع توسعة الحرب في غزة لتشمل جنوب لبنان وإعطاء الأولويات لانتخاب الرئيس.

تساؤلات حول موقف «حزب الله»

وتؤكد المصادر أنه من غير الجائز إدراج انتخاب الرئيس على لائحة الانتظار إلى ما لا نهاية، وبالتالي ربطه بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة، وتسأل: هل يصر أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله على أن تبقى الكلمة للميدان في غزة، ويستمر في مساندته لحركة «حماس»؟ أم أنه سيقرر الاستدارة نحو الداخل لتسهيل انتخاب الرئيس من البرلمان الحالي، قبل أن يستعصي عليه انتخابه، وبذلك يكون نائب رئيس المجلس النيابي إلياس بوصعب على حق في قوله إن انتخاب الرئيس سيرحَّل إلى البرلمان الجديد، رغم أن هناك صعوبة في تقديم الانتخابات النيابية على الرئاسية؟

لكنّ ترجيح كفة الخيار الرئاسي الثالث الذي يستعد لودريان لطرحه بالإنابة عن «الخماسية»، لا يعني، حسب المصادر النيابية، أن الطريق سالكة سياسياً أمام رؤيته النور، ما لم يبادر الناخبون الكبار، بمن فيهم محور الممانعة، إلى «تنعيم» موقفه بما يسمح بالتوافق على رئيس من خارج الانقسامات في البرلمان، مع أن المنافسة ما زالت في المربع الأول، ولم تغادره، وتدور بين رئيس تيار «المردة»، النائب السابق سليمان فرنجية، وقائد الجيش، العماد جوزف عون، بعد التمديد له، الذي كان وراء إبقاء اسمه في عداد المرشحين، رغم أن فرنجية ليس في وارد عزوفه عن الترشح حتى لو بقي وحيداً في المعركة.

ويبقى السؤال: كيف ستتعامل «الخماسية» لمساعدة النواب لإخراج الاستحقاق الرئاسي من الحلقة المفرغة التي يدور فيها؟ وأين يقف بري في تدويره للزوايا لما له من دور، وكعادته، في ابتداع المخارج؟ وماذا سيقول لودريان للكتل النيابية بالإنابة عن الخماسية؟ وهل من «كلمة سر» سيحملها معه في زيارته الرابعة التي قد تكون حاسمة هذه المرة بخلاف المرات السابقة؟



ميقاتي: حرص أميركي وفرنسي على معالجة الخروقات الإسرائيلية

الدخان يتصاعد من قرية حولا في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي (إ.ب.أ)
الدخان يتصاعد من قرية حولا في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي (إ.ب.أ)
TT

ميقاتي: حرص أميركي وفرنسي على معالجة الخروقات الإسرائيلية

الدخان يتصاعد من قرية حولا في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي (إ.ب.أ)
الدخان يتصاعد من قرية حولا في جنوب لبنان إثر استهدافها بقصف إسرائيلي (إ.ب.أ)

تعقد الحكومة اللبنانية جلسة خاصة السبت في مدينة صور الساحلية بجنوب لبنان، في خطوة رمزية تهدف إلى التضامن مع المناطق المتضررة من الهجمات الإسرائيلية، ومن ضمنها صور التي تبعد كيلومترات قليلة عن خطوط المواجهة مع الجيش الإسرائيلي، فيما أكد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي أن هناك حرصاً من الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا على معالجة الخروقات الإسرائيلية.

وستبحث الحكومة في جلستها التي ستعقد في ثكنة عسكرية بحضور قائد الجيش العماد جوزاف عون، في خطة انتشار الجيش في الجنوب، وفق ما قالت مصادر عسكرية، لـ«الشرق الأوسط».

وجاءت مواقف ميقاتي في مستهل جلسة الحكومة التي عقدت الأربعاء، حيث قال: «مضى أسبوع على وقف إطلاق النار وما زلنا نرى الخروقات الإسرائيلية التي تحصل، وقد لمست من خلال اتصالاتي مع الدول التي شاركت في التوصل إلى وقف إطلاق النار، وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا، حرصاً على معالجة هذا الموضوع»، مشيراً إلى أنه «حصل في اليومين الأخيرين تثبيت أكيد لوقف إطلاق النار، ونأمل أن يتحول إلى استقرار دائم، رغم أننا نتخوف ونحذر من خروقات تعيدنا إلى أجواء القلق».

وتوجه إلى النازحين بالقول: «الحكومة ستواكب عودتكم الكريمة وتبذل جهدها لتحصين وجودكم ودعم صمودكم الاجتماعي والعمراني في بلداتكم»، وإلى أصدقاء لبنان: «كل الشكر والتقدير لجهودكم ودعمكم المعنوي والإغاثي، متطلعين معاً إلى مزيد من التفاعل والتضامن»، ودعا اللبنانيين المنتشرين «للإسهام في ورشة النهوض وبناء الأمل». وأكد: «كلنا ثقة، بأن يكون للقرار العربي الداعم لوقف إطلاق النار نتيجة مباشرة على الدور الدبلوماسي الموازي للدور السياسي في التعاطي مع التطورات بعقلانية وواقعية سياسية».

لجنة المراقبة تبدأ عملها خلال أيام

ويترقّب لبنان بدء عمل لجنة المراقبة التي يعوّل عليها لبدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وتوقف الخروقات التي تجاوزت المائة حتى في وقت يستكمل الجيش اللبناني إعادة تمركزه على مراحل في الجنوب.

واكتمل عقد اللجنة بوصول المندوب الفرنسي الجنرال غيوم بونشان إلى بيروت الأربعاء، فيما يزور رئيس اللجنة الجنرال الأميركي جاسبر جيفري رئيس البرلمان نبيه بري، الذي قاد مفاوضات وقف النار مع الأميركيين. في حين يستكمل الجيش انتشاره في الجنوب، وسجّل الأربعاء إعادة تمركزه في مواقعه السابقة في بلدة شبعا الحدودية بعد تراجع القوات الإسرائيلية.

وفي هذا الإطار، تقول المصادر العسكرية إنه «من المتوقع أن تعقد اللجنة الخميس اجتماعها الأول، بعد وصول الضابط الفرنسي، على أن تبدأ عملها الفعلي بين نهاية الأسبوع الحالي وبداية الأسبوع المقبل، بعد وضع آلية وخطة عمل تبدأ بانتشار الجيش اللبناني مع انسحاب الجيش الإسرائيلي من القرى التي تمركز فيها».

وتنفي المصادر العسكرية المعلومات التي أشارت إلى أنه سيتم انتشار جنود أميركيين عند الحدود، مشيرة إلى أن عمل اللجنة سيرتكز، وفق الاتفاق، على مراقبة الحدود ومنع حدوث خروقات، بحيث تقوم كل جهة (لبنان وإسرائيل) بتبليغ اللجنة عن أي تهديد يتعلق به، وتقول: «هناك فريق عمل صغير يرافق كلاً من الضابطين الأميركي والفرنسي لمساعدتهما بعملهما وليس للانتشار على الأرض».

والتعويل على عمل اللجنة، عبّر عنه نائب رئيس البرلمان نبيه بري، النائب إلياس بو صعب، بعد لقائه بري، وقال: «ما سمعته من دولة الرئيس أنه في الأيام القليلة المقبلة سينطلق عمل لجنة المراقبة، ومع انطلاق عملها الأمور سوف تنضبط بشكل أفضل، وهذا الاتفاق أنجز من أجل أن يبقى، وأنجز من أجل أن ينجح»، مضيفاً: «أعتقد أنه في الأيام القادمة سوف تتغير هذه المعطيات، واللجنة تصبح فعالة، وتنعدم الخروقات والاعتداءات على اللبنانيين».

ولفت إلى أنه بحث مع رئيس البرلمان «الأعمال العدائية والاعتداءات التي يقوم بها العدو الإسرائيلي بشكل فاضح وخارق للاتفاق الذي تم. هذه الاعتداءات ليس لها سبب أو تبرير، إنما هي تبين كذب العدو الإسرائيلي حيث يدعي أنه يقوم بها مدافعاً عن نفسه، فالاتفاق الذي تم لا يسمح له القيام بما يقوم به وهو يحاول تبرير نفسه أمام المجتمع الدولي تحت ذريعة الدفاع عن نفسه، إنما في الحقيقة هي أعمال عدائية وخرق للاتفاق، والاتفاق كما هو موجود لا يسمح له القيام بهذه الاعتداءات».

خروقات مستمرة والجيش يستكمل انتشاره

في غضون ذلك، استكمل الجيش اللبناني انتشاره في الجنوب، حيث يقوم أيضاً «بتفجير ذخائر غير منفجرة، وقنابل عنقودية من مخلفات العدوان الإسرائيلي في عدد من قرى الجنوب».

وأفادت قناة «المنار» التابعة لـ«حزب الله» بأن «الجيش اللبناني أعاد تمركزه في مواقعه السابقة في بلدة شبعا، وصولاً إلى المدرسة الرسمية جنوب البلدة»، مشيرة كذلك إلى أنه تم «رصد توغل قوة إسرائيلية معززة بدبابات (ميركافا) إلى أحياء داخل يارون بالتزامن مع تحرك للقوات الإسرائيلية داخل مارون الرأس، وتمشيط بالأسلحة الرشاشة المتوسطة بشكل متقطع باتجاه مدينة بنت جبيل».

هذا واستمرت الخروقات الإسرائيلية، وإن بوتيرة منخفضة، عما كانت عليه في الأيام السابقة، بحيث تجاوزت المائة خرق في الأسبوع الأول لبدء اتفاق وقف إطلاق النار، بحسب المصادر العسكرية.

وأفادت «الوكالة الوطنية للإعلام» بأن مسيرة معادية استهدفت آلية مدنية في بلدة مجدل زون في قضاء صور كانت قد استهدفتها سابقاً كما سقطت قذيفة مدفعية على سهل مرجعيون. وبعد منتصف الليل، كان الجيش الإسرائيلي «قد نسف منازل ومباني في بلدة الخيام، حيث سمع دوي الانفجار في أنحاء الجنوب، كما نفذ عمليات تمشيط بالأسلحة الرشاشة الثقيلة والمتوسطة على الخيام وكفركلا، بالإضافة إلى قصف مدفعي على كفركلا»، بحسب «الوطنية».

جانب من بلدة كفركلا في جنوب لبنان التي يتم استهدافها بقصف إسرائيلي (أ.ب)

أكثر من 4047 قتيلاً و16638 جريحاً في الحرب

وفي حين تستمر أعمال رفع الأنقاض في عدد من القرى، حيث لا يزال هناك قتلى يتم انتشالهم، أعلن وزير الصحة اللبناني فراس الأبيض، الأربعاء، أن 4047 شخصاً على الأقل قتلوا في لبنان خلال أكثر من عام من الحرب. وقال الأبيض في مؤتمر صحافي: «حتى الآن سجلنا 4047 شهيداً و16638 جريحاً»، مشيراً إلى أن غالبية الضحايا سقطوا بعد 15 سبتمبر (أيلول)، مضيفاً: «لكن نعتبر أن الأرقام الحقيقية ربما ستكون أعلى لأن ثمة شهداء سقطوا ولم نعرف بهم».