في غزة: السفر للأغنياء فقط

أموال طائلة مقابل تنسيق سفر إلى مصر... واليد العليا لإسرائيل

معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (أ.ف.ب)
معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

في غزة: السفر للأغنياء فقط

معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (أ.ف.ب)
معبر رفح الحدودي بين مصر وقطاع غزة (أ.ف.ب)

10 آلاف دولار دفعها رفعت شكشك مقابل خروجه من قطاع غزة، للالتحاق بباقي أفراد عائلته في تركيا، وهو مبلغ يؤمّن لأي غزي الهرب من جحيم الحرب، إذا لم تعارض ذلك إسرائيل بطبيعة الحال.

وقال شكشك الذي مكث في مصر 3 أيام قبل أن يغادرها إلى تركيا برفقة نجله الأكبر، في اليوم الـ47 للحرب، إنه فوجئ بالمبالغ التي طلبت منه من أجل تسهيل سفره، وهي تناهز 10 آلاف دولار عنه، و6 عن نجله.

وأكد شكشك لـ«الشرق الأوسط» إنه دفع فعلاً 16 ألف دولار ونجح في المغادرة. ولدى سؤاله عن الجهات التي تقاضت المبالغ، اكتفى بالقول إنهم «متنفذون»، متفادياً أي مشاكل.

وأضاف: «قالوا هذا المبلغ من أجل عبور بوابة معبر رفح البري. فعلاً لا أعرف أين تذهب الأموال، لكن هذا ما حدث».

وكان يفترض أن يسافر شكشك إلى عائلته قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول) لكن الحرب منعته، ثم وجد نفسه مع نجله وسط كل هذا الموت والدمار، فقرر التضحية بأي مبلغ يملكه مقابل نجاته.

وينوي شكشك الاستقرار في الخارج، وبدء حياة جديدة، بعدما خسر منزله وتدمرت معظم أملاكه بما في ذلك محال تجارية كان يملكها. وقال: «لم يعد في غزة شيء سوى الموت والدمار».

وبدأت هذه التجارة في غزة بعد السماح بفتح معبر رفح لسفر الجرحى وأصحاب الجنسيات المزدوجة.

وقالت مصادر مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه التنسيقات المدفوعة يقوم عليها «سماسرة» نافذون، لهم علاقات داخل قطاع غزة وخارجه، وإن دفع الأموال لا يشمل جرحى الحرب الذين تقدم أسماؤهم عبر وزارة الصحة للجانب المصري، ويخضعون لموافقة إسرائيلية.

وكما علمت «الشرق الأوسط»، وأكدت ذلك شهادات مسافرين، فإن التنسيق للشخص الواحد يتراوح بين 6 و10 آلاف دولار.

وقالت «سيلين.م» من سكان مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، إنها دفعت مبلغ 6 آلاف دولار لأحد الأشخاص من أجل وضعها في قائمة المسافرين الذين يتم التنسيق لهم. وأشارت «م» التي فضلت عدم الكشف عن اسمها الكامل، خشية حرمانها من السفر، إلى أنها ما زالت تنتظر الحصول على موافقة للالتحاق بزوجها الذي يعيش في إسطنبول منذ 4 سنوات. ولا تعرف «م» مبرراً لهذا المبلغ، لكنها تدرك أنه في كل الحروب هناك «تجار حروب» كما تقول.

وأضافت لـ«الشرق الأوسط»: «ما يحصل معي ومع آخرين جزء من التجارة التي يقوم عليها أباطرة الحرب. لا يأبهون سوى بالمال، وليس بالدم أو المعاناة أو أي شيء آخر». وهي أيضاً لا تعرف أين تذهب المبالغ.

وقال مسؤول في إدارة معبر رفح من الجانب الفلسطيني ويتبع حكومة «حماس»، إن دورهم يقتصر فقط على تقديم الكشوفات للجانب المصري، وتسلم ردود الموافقة من عدمها عليها.

وقال لـ«الشرق الأوسط»، مفضلاً عدم الكشف عن هويته: «لا علاقة لنا بفرض أي رسوم على المواطنين للسفر، ونستمع للشكاوى، لكن ليس لدينا أي سلطة في هذا الأمر». كذلك نفت مصر فرض أي رسوم إضافية.

وقال رئيس الهيئة العامة للاستعلامات المصرية، ضياء رشوان، قبل أيام، إنه لم يتم فرض أي رسوم إضافية على سفر الفلسطينيين، مؤكداً أن أي جهة رسمية وغير رسمية في مصر لا تتقاضى أي مقابل مادي نظير العبور إلى الأراضي المصرية.

وأضاف رشوان: «ما يتم تحصيله من الجهات الرسمية هو فقط الرسوم المقررة طبقاً للقوانين المصرية المنظمة لعمل المعبر من قبل هيئة الموانئ البرية، وهي ثابتة ولم تطرأ عليها أي زيادة مطلقاً».

وتابع: «في إطار قيام مصر بواجبها القومي المتواصل تجاه القضية الفلسطينية والأشقاء الفلسطينيين، فهي لم تحصل أي رسوم تحت أي بند منهم بعد دخولهم البلاد، سواء للعلاج أو الإقامة، أو حتى خلال انتقالاتهم داخل البلاد، وحتى سفر البعض منهم إلى الخارج».

وناشد رشوان الفلسطينيين في حال تعرضهم للابتزاز أو الضغط في معبر رفح، من أي متربح بقضيتهم الإخطار الفوري للجهات الأمنية المصرية الموجودة في المعبر، لاتخاذ الإجراءات القانونية الحاسمة والفورية تجاه هذه الوقائع والقائمين عليها. لكن الفلسطينيين يخشون من أن التبليغ قد يفوت عليهم فرصة السفر، ويفضلون دفع هذه المبالغ.

ووفق ما علمت «الشرق الأوسط»، فإن الأموال تدفع لأكثر من وسيط، وذلك لتسهيل سفر المسافرين ووضعهم في كشوفات التنسيق، علماً بأن توفر الأموال لا يعني بالضرورة السماح بالسفر.

فارّون من غزة ينتظرون في الجانب المصري لاجتياز معبر رفح (أرشيفية - أ.ف.ب)

وأكدت مصادر مطلعة على التفاصيل أن جميع الأسماء؛ سواء أكانوا المرضى أم الجرحى أم حتى المسافرين العاديين، تخضع لتدقيق إسرائيلي، وأنه لا يسمح لأي أحد بالسفر دون موافقة إسرائيلية.

وقال محمد الأشقر، من سكان مدينة غزة، وهو نازح إلى جنوبها، إن الجهات التي حاولت وضعه في كشوفات التنسيق بعد أن اتفق معهم على دفع مبلغ 6 آلاف دولار، أبلغوه أن إسرائيل ترفض سفره لأسباب لم تتضح، رغم أنه لا علاقة له بأي منظمة فلسطينية، كما قال. وأضاف: «لا أعلم سبب رفضي من قبل الاحتلال، لكن كانت هناك موافقة مصرية في المقابل».

وكثيراً ما لمّحت إسرائيل في الآونة الأخيرة إلى وجود خطة للسيطرة على محور فيلادلفيا (حدود غزة مع مصر، بما يشمل معبر رفح)، بحجة منع سفر قيادات وعناصر «حماس»، وكذلك منع تهريب الأسلحة وغيرها.

وعبرت مصر عن رفضها الواضح لمثل هذا الطرح، مؤكدة أنها تقوم بواجبها السيادي وفق الاتفاقات الموقعة.

وإذا كان كثيرون يملكون مالاً يسمح لهم بالسفر، فإن عائلات أكثر لا تملك ذلك، فمثلاً عائلة من 6 أفراد تحتاج إلى نحو 50 ألف دولار للسفر، وهو رقم لا يملكه معظم الغزيين الذين يعيش بغالبيتهم تحت خط الفقر وعلى المساعدات.


مقالات ذات صلة

إسرائيل تدرس خيارات الرد على الحوثيين

شؤون إقليمية خدمات الطوارئ الإسرائيلية جنوب تل أبيب في موقع سقوط صاروخ حوثي أطلق على إسرائيل فجر السبت (رويترز)

إسرائيل تدرس خيارات الرد على الحوثيين

تجاوز صاروخ أطلقه الحوثيون الدفاعات الإسرائيلية التي فشلت في اعتراضه وسقط في تل أبيب أمس. وقال مسعفون إنَّ 16 شخصاً أصيبوا بجروح طفيفة نتيجة شظايا الزجاج،

علي ربيع (عدن) كفاح زبون (رام الله)
المشرق العربي إسماعيل هنية ويحيى السنوار (لقطة من فيديو لـ«كتائب القسام»)

لأول مرة... «القسام» تنشر فيديو يجمع هنية والسنوار والعاروري

نشرت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، (السبت)، فيديو يُظهِر عدداً من قادتها الراحلين لمصانع ومخارط تصنيع الصواريخ.

أحمد سمير يوسف (القاهرة)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلاً في موقع غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

مقتل 5 في غارة جوية على منزل بمخيم النصيرات وسط غزة

قال مسعفون لـ«رويترز»، اليوم السبت، إن خمسة أشخاص، بينهم طفلان، قتلوا في غارة جوية إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي فلسطيني يبكي طفله الذي قتل في غارة إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

فصائل فلسطينية: وقف إطلاق النار في غزة بات «أقرب من أي وقت مضى»

أعلنت ثلاثة فصائل فلسطينية أنّ التوصّل لاتفاق مع إسرائيل على وقف لإطلاق النار في قطاع غزة بات «أقرب من أيّ وقت مضى».

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
شؤون إقليمية فلسطينيون يفرون من مخيم البريج للاجئين في وسط قطاع غزة (أرشيفية)

«هدنة غزة»... مساعٍ إلى «حل وسط» لإبرام الاتفاق

جهود مكثفة للوسطاء لتقريب وجهات النظر خلال مفاوضات الهدنة بقطاع غزة، في ظل حديث إعلامي عن «شروط جديدة» أخرت إعلان الاتفاق.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )

إيران تدين مقتل أحد موظفي سفارتها في دمشق

اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (مهر)
اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (مهر)
TT

إيران تدين مقتل أحد موظفي سفارتها في دمشق

اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (مهر)
اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (مهر)

أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، مقتل سيد داوود بيطرف، الموظف في سفارة إيران بدمشق. وقال بقائي إنَّ «داوود بيطرف استُشهد قبل ظهر يوم الأحد الماضي جرّاء هجوم إرهابي لعناصر أطلقوا النار على سيارته في دمشق»، حسب وكالة «مهر» للأنباء. وأشار بقائي إلى أنَّه «تمّ اكتشاف جثمان بيطرف والتعرف عليه ونقله إلى إيران في الأيام الأخيرة»، مشدداً على «مسؤولية الحكومة السورية الانتقالية في تحديد مرتكبي هذه الجريمة ومحاكمتهم ومعاقبتهم»، وأكَّد أنَّ وزارة الخارجية تتابع الموضوع بالشكل المناسب عبر مختلف القنوات الدبلوماسية والدولية.

يأتي ذلك فيما تسعى طهران إلى بناء علاقات مع القيادة الجديدة في دمشق، لتعويض فقدان سلطتها المفاجئ، عقب انهيار نظام بشار الأسد، الذي أصبح أكبر همومها الحالية.