لبنان يحاول «توطين» زراعة القمح لتمتين الأمن الغذائي

وزير الزراعة لـ«الشرق الأوسط»: لدينا آلاف الهكتارات غير المستثمرة

وزير الزراعة خلال جولة على حقول القمح برفقة خبراء من منظمة «أكساد» في الصيف الماضي (وزارة الزراعة)
وزير الزراعة خلال جولة على حقول القمح برفقة خبراء من منظمة «أكساد» في الصيف الماضي (وزارة الزراعة)
TT

لبنان يحاول «توطين» زراعة القمح لتمتين الأمن الغذائي

وزير الزراعة خلال جولة على حقول القمح برفقة خبراء من منظمة «أكساد» في الصيف الماضي (وزارة الزراعة)
وزير الزراعة خلال جولة على حقول القمح برفقة خبراء من منظمة «أكساد» في الصيف الماضي (وزارة الزراعة)

أطلقت وزارة الزراعة اللبنانية الحملة الوطنية لتوزيع القمح الطري على المزارعين اللبنانيين، في محطّة تعدّ الثانية بعد العام الماضي، وذلك «لتمتين الأمن الغذائي اللبناني»، حسبما قال وزير الزراعة في حكومة تصريف الأعمال عباس الحاج حسن لـ«الشرق الأوسط».

ويعاني لبنان في تأمين القمح الطري الذي يستعمل لإنتاج الطحين اللازم لصناعة الخبز، وهو يعتمد على الاستيراد بشكل كامل، ما جعل الأمن الغذائي في خطر بعد الانهيار المالي، وأزمة أوكرانيا التي أثرت على إمدادات القمح عالمياً.

والحملة هي جزء من خطة، وضعتها وزارة الزراعة وتبنّتها الحكومة اللبنانية منذ أكثر من عامين، لتنطلق بوتيرة متسارعة خلال العامين الأخيرين، حسب ما أشار وزير الزراعة، لافتاً إلى أن الهدف الأساسي يتمثل في «الوصول إلى إنتاج كامل للقمح الطري الذي نحتاجه لإنتاج الطحين لصناعة الخبز».

وعرض الوزير الحاج حسن لعناوين هذه الخطة التي تتمحور حول «مساعدة المزارعين في كيفية الوصول إلى إنتاجية أعلى وبتكلفة أقل، والتوصّل إلى أمن غذائي وسلامة غذاء مستقرة ومستدامة».

وأكد الحاج حسن أن هذه الخطّة «تساعد في تمتين الأمن الغذائي اللبناني وبالتالي تجعله قادراً على مواجهة أي عاصفة هوجاء في المنطقة»، قائلاً: «إننا نعيش في خضمّ الأعاصير وليس عواصف فقط»، مضيفاً: «بهذه الآلية وبهذه الإمكانات وبهذه الرؤية، شكّلت زراعة القمح المعد لصناعة الخبز أولى أولويّاتنا»، كاشفاً عن أن «لدى الدولة اللبنانية مساحات شاسعة، آلاف بل عشرات آلاف الهكتارات التي لم تُستثمر بعد، ونحن سنعمل على تفعيل زراعتها على أكمل وجه حتى نصل إلى اكتفاء ذاتي من القمح الطري الذي نستورده اليوم بالكامل، وذلك خلال السنوات الخمس المقبلة».

شراكات دولية

انطلقت وزارة الزراعة بهذه الخطة، من خلال رؤية وطنية جامعة تستهدف القطاع الزراعي بكل تفاصيله، وعندما تمّ إطلاقها إلى جانب مشاريع مستدامة أخرى تؤسس لنهضة زراعية اقتصادية من بوابة الزراعة والأمن الغذائي، تم الاعتماد على مساعدات وشراكات الهيئات المانحة الموجودة والمنظمات الدولية الشريكة للوزارة، كما أكد الوزير الحاج حسن، «ومنها الفاو (منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة)، وWFP (برنامج الغذاء العالمي)، وUNDP (برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) وباقي الشركاء الدوليين، كالألمان، والاتحاد الأوروبي، والفرنسيين، والبلجيك، والهولنديين، والدنماركيين، واليابانيين والصينيين وغيرهم»، كما تم الاعتماد على المساعدة «سواء بالكادرات الفنية أو المساعدات الفنية المالية التي تقدمها هذه الهيئات المانحة»، ويشير إلى «أننا داخلياً وضعنا أولوية للشراكات مع عدد من المؤسسات منها الجيش اللبناني وغرف التجارة والصناعة والزراعة».

ويستهلك اللبنانيون وكل من يوجد على الأراضي اللبنانية من نازحين، ما لا يقل عن 23 ألف طن شهرياً من الدقيق. من هنا استهدفت وزارة الزراعة القمح اللّين الذي يُنتج لتصنيع الخبز والذي يتمّ استيراده بالكامل؛ وذلك «لأن القمح القاسي يُزرع، ولدينا إنتاج لا يقل عن 160 ألف طن سنوياً من القمح القاسي للاستهلاك المحلي، كما نصدّر ما يفيض منه إلى الخارج».

ومن خلال هذه الخطة، تقوم وزارة الزراعة بتوزيع بذور القمح على المزارعين، وبلغ هذا العام ضعفي ما تم توزيعه العام الماضي. وأكد الحاج حسن أنه في العام الماضي «كان لدينا 1645 مزارعاً، أما هذا العام فقد تقدم ما لا يقل عن 5000 مزارع بطلبات للحصول على البذور، ولكن مَن تسلّم كميات بذور القمح هم من يتمتّعون بالمواصفات والشروط الموضوعة من الفاو ووزارة الزراعة»، لافتاً إلى أن «هذا الأمر يُتابع من خلال إجراء تدقيق عبر كافة المراكز الزراعية في لبنان لمعرفة من زرع القمح ومن لم يزرعه، من أجل الشفافية؛ لأن هذا الأمر يترافق مع مساعدات عينية مالية، مع الإشارة إلى أن الأولوية للمزارعين المسجلين في السجل الزراعي».

وتم توزيع بذور القمح على المناطق اللبنانية كافة، ولكن محافظة جبل لبنان ليس لديها مساحات زراعية شاسعة مثل محافظة عكار (شمال لبنان) أو محافظة بعلبك - الهرمل (شرق)، وبالتالي هذا الأمر يؤسس إلى مرحلة جديدة، هي مرحلة توسيع المساحات.

وأكد وزير الزراعة أن هذا العام «زُرع ضعف المساحات التي كانت مزروعة في السابق، وفي العام المقبل نتوخى أن يكون هناك أضعاف ما زُرع هذا العام، خصوصاً أننا بدأنا في صياغة شراكات داخلية مع القطاع الخاص». وأشار إلى شراكة عقدتها وزارة الزراعة مع الجيش اللبناني في هذا العام لزراعة القمح لصالح وزارة الزراعة لإكثار البذور، وأيضاً مع غرفة التجارة والزراعة في زحلة، وغرفة التجارة والصناعة والزراعة في الشمال، واتحاد الغرف الزراعة والصناعية.

نهوض بقطاع الزراعة

يطمح وزير الزراعة لأنْ تكون هذه الخطة كافية للنهوض بقطاع الزراعة، «إلا أننا لسنا مستعجلين، فقد بدأنا العام الماضي بالتأسيس لهذا العام، وفيما سنطور في العام المقبل، للعام الذي يليه، وسنلبي جزءاً من الحاجة الاستهلاكية»، وأضاف: «أعتقد أننا سنكون مثل كل الدول النامية وكل الدول المتقدمة وكل الدول المتطورة، نبدأ رويداً رويداً حتى نصل إلى مرحلة الإشباع أو مرحلة يصبح فيها الإنتاج يساوي الاستهلاك».

في المقابل أكد «أننا نحتاج دائماً لاستيراد القمح الطري حتى نصل إلى الاكتفاء الذاتي»، مضيفاً: «حتى لو لم نصل إلى الاكتفاء الذاتي المطلق، فإن مجرد الوصول مستقبلاً إلى الـ50 في المائة من تلبية احتياجات السوق، فأعتقد أنه سيكون إنجازاً وطنياً بامتياز». وأضاف: «لطالما القمح ملأ سهول لبنان، وعرف البقاع بأنه إهراءات روما، ونحن نطمح لأن نعود إهراءات العالم من خلال هذه المساحات والمسطحات الموجودة حالياً والتي تعرف بمعظمها بالأراضي البعل، هذه المناطق التي تحتاج فقط للزراعة».

وحول موضوع التخزين بعد تدمير انفجار مرفأ بيروت لإهراءات القمح، كشف الوزير الحاج حسن عن أن لدى وزارة الزراعة خطة وطموحاً «لأن تكون لدينا مخازن تابعة لوزارة الزراعة، في كل من الشمال والبقاع». أما المخازن والإهراءات التي كانت في مرفأ بيروت قبل انفجاره، «فهي في عهدة وزارات مختصة أخرى، وأعتقد أن لديها خططاً في هذا المجال، ولكن الزراعة في لبنان لا تتحمل أن ننتظر طويلاً». وقال: «نحن سننطلق، سنبدأ، وأيضاً دائماً برعاية ومساعدة من الهيئات المانحة والمنظمات الدولية بما يخدم مصالحنا الوطنية. ولأننا نطمح لأن يكون المستقبل هو للشراكات مع دول الجوار العربي، فإننا نتطلع للتكامل العربي لما فيه مصلحة دولنا وأمننا الغذائي وسلامة الغذاء».


مقالات ذات صلة

بري لـ«الشرق الأوسط»: ننتظر اقتراحات ملموسة... والـ1701 وحده المطروح

المشرق العربي نبيه بري والمبعوث الأميركي آموس هوكستين في بيروت (أ.ف.ب)

بري لـ«الشرق الأوسط»: ننتظر اقتراحات ملموسة... والـ1701 وحده المطروح

نبيه بري يقول لـ«الشرق الأوسط» إنه «لم يتبلغ شيئاً رسمياً» عن إحياء مساعي وقف النار... ومعلومات عن اعتراضه على رقابة بريطانيا وألمانيا على الـ1701.

ثائر عباس (بيروت)
المشرق العربي نازحون لجأوا إلى دير الأحمر من بعلبك بعد اشتداد القصف الإسرائيلي (أ.ف.ب)

الشتاء يفاقم معاناة النازحين في لبنان

تتفاقم معاناة النازحين، كلما انخفضت درجات الحرارة، حيث تفتقد غالبية مراكز الإيواء لمستلزمات التدفئة الضروريّة

حنان حمدان
المشرق العربي قرية لبنانية مُدمَّرة كما بدت في صورة من جبل أدير بشمال إسرائيل يوم الاثنين (رويترز)

فصل الشتاء يعوق الحرب في لبنان ولا يوقفها: التأثير الأكبر على المعركة البرية

تتفاوت حدّة المواجهات بين إسرائيل و«حزب الله» اللذين سيكونان أمام تغيرات في الطقس مع بدء فصل الشتاء الذي لا يوقف المعركة إنما يعوقها.

كارولين عاكوم (بيروت)
المشرق العربي دخان يتصاعد فوق ضاحية بيروت الجنوبية بعد ضربة إسرائيلية (رويترز) play-circle 00:39

غارات إسرائيلية عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية

شن الطيران الحربي الإسرائيلي، الثلاثاء، 13 غارة على ضاحية بيروت الجنوبية، بعد أن استبعد وزير الدفاع الإسرائيلي أي وقف لإطلاق النار في لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي صورة مركبة للرئيس المنتخب دونالد ترمب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ف.ب)

«صفقة نتنياهو»: السيادة على المستوطنات مقابل إنهاء الحرب

تُعِدّ حكومة نتنياهو خطة استراتيجية لإجهاض حل الدولتين بفرض السيادة الإسرائيلية على أجزاء واسعة من الضفة الغربية وقطاع غزة وتعزيز الاستيطان.

نظير مجلي (تل أبيب)

دمشق: «آستانة» ساهمتْ في الحفاظ على وحدة أراضينا... ونتطلع للمزيد

أعضاء من بعثة الأمم المتحدة إلى إدلب السورية تنفيذاً لخطة «التعافي المبكر» التي انطلقت عشية مؤتمر «كوب 29» للتغير المناخي (أ.ف.ب)
أعضاء من بعثة الأمم المتحدة إلى إدلب السورية تنفيذاً لخطة «التعافي المبكر» التي انطلقت عشية مؤتمر «كوب 29» للتغير المناخي (أ.ف.ب)
TT

دمشق: «آستانة» ساهمتْ في الحفاظ على وحدة أراضينا... ونتطلع للمزيد

أعضاء من بعثة الأمم المتحدة إلى إدلب السورية تنفيذاً لخطة «التعافي المبكر» التي انطلقت عشية مؤتمر «كوب 29» للتغير المناخي (أ.ف.ب)
أعضاء من بعثة الأمم المتحدة إلى إدلب السورية تنفيذاً لخطة «التعافي المبكر» التي انطلقت عشية مؤتمر «كوب 29» للتغير المناخي (أ.ف.ب)

قالت دمشق إن نتائج «مسار آستانة» أسهمت في «الحفاظ على وحدة سوريا وسلامة أراضيها»، معربةً عن تطلعها إلى المزيد من النتائج في «مجال مكافحة الإرهاب والقضاء عليه»، وفي تحرير أرضها من «الاحتلال الأميركي والتركي»، وفق تعبير رئيس وفد سوريا إلى الاجتماع الدولي الـ22، معاون وزير الخارجية السوري أيمن رعد، في مؤتمر صُحافي عقد الثلاثاء في ختام الاجتماع في العاصمة الكازاخية.

وكان لافتاً تجنب رعد التطرق لمسار التقارب بين دمشق وأنقرة، علماً بأن البيان المشترك الصادر عن روسيا وإيران وتركيا أكد على «استمرار الجهود لتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق».

وقال رعد إن «منطقتنا تمر بوضع بالغ الخطورة بسبب عدوان الكيان الصهيوني على الشعبين الفلسطيني واللبناني، وما يرتكبه من جرائم همجية وإبادة جماعية، إضافة إلى اعتداءاته المتكررة على الأراضي السورية واستهدافه المدنيين العزل، وما تشكله هذه الاعتداءات من إرهاب للمواطنين السوريين، وقصفه المناطق السكنية وتدمير المنشآت المدنية، وغيرها من الانتهاكات المستمرة للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني».

ولفت رعد إلى أنه تم التشديد خلال الاجتماعات على «الآثار الكارثية» الناجمة عن العقوبات الاقتصادية الدولية على الشعب السوري، مطالباً «بالرفع الفوري وغير المشروط لها»، لأنها تفاقم المعاناة وتعوق العمل الإنساني، وتعرقل الجهود المبذولة لإعادة اللاجئين، كما تم التأكيد على الحاجة إلى تعزيز وتوسيع مشاريع التعافي المبكر، لما لها من أثر مهم على إعادة الاستقرار ومساعدة الشعب السوري على تجاوز المعاناة التي يعيشها.

التعافي المبكر

ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على لبنان وفد إلى سوريا أكثر من نصف مليون شخص بين 23 سبتمبر (أيلول) الماضي ولغاية بداية الشهر الحالي، منهم 361 ألف لاجئ سوري عائد ونحو 177 ألفاً و864 لبنانياً، معظمهم من النساء والأطفال، إذ فتحت سوريا حدودها وقدمت التسهيلات لاستقبالهم بالتنسيق والتعاون مع الأمم المتحدة والهلال الأحمر العربي السوري ومنظمات وجهات أهلية، وذلك في الوقت الذي تعاني فيه كلا البلدين من أوضاع اقتصادية صعبة.

كانت الأمم المتحدة أطلقت مطلع الشهر الحالي «استراتيجية التعافي المبكر» في سوريا لمدة 5 سنوات، وحضت الدول المانحة على تمويل صندوق مخصص لدعم هذه الاستراتيجية، محذرةً من تأثير حالة عدم الاستقرار في سوريا على العالم، وانتعاش تنظيم «داعش» من جديد، وعرقلة عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.