بعد تنفيذ عملية طعن ودهس في مدينة رعنانا، شمال تل أبيب، يوم (الاثنين)، التي أسفرت عن مقتل امرأة مسنة (79 عاماً) وإصابة 18 آخرين، واعتقال الشابين الفلسطينيين منفذي العملية، عزز وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموترتش، ورفيقه في اليمين المتطرف إيتمار بن غفير، لمنع عودة نحو 150 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية إلى أشغالهم في الورش الإسرائيلية، تجاوباً مع مطلب الجيش والمخابرات ووزير الدفاع يوآف غالانت.
وقال مقرب من سموترتش إنه يأمل اليوم في أن يفهم قادة أجهزة الأمن أن القرار الذي يسعى إليه بمنع عودة العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل هو الذي يضمن الأمن للمواطنين وليس ما يقترحونه. بالمقابل، يرى قادة أجهزة الأمن أن عودة العمال الفلسطينيين هي التي تهدئ الوضع وتحد من التوتر.
يذكر أن إسرائيل تمنع، منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، خروج 150 ألف عامل فلسطيني من الضفة الغربية إلى العمل في ورش إسرائيلية، 40 ألفاً منهم في المستوطنات اليهودية و110 آلاف داخل إسرائيل. ويعمل هؤلاء بالأساس لدى شركات المقاولة في البناء أو في الزراعة أو في زرائب الماشية. ولكن يوجد منهم من يعملون أيضاً في مختلف الأعمال.
أزمة جدية
وقد تسبب غيابهم بأزمة جدية في فرعي البناء والزراعة. وحاولت إسرائيل جلب عمال أجانب بدلاً منهم، رغم معارضة المقاولين الذين يعدون العمال الفلسطينيين أكثر مهنية ونجاعة وأقل تكلفة. لكن العمال الأجانب لم يتحمسوا للقدوم إلى إسرائيل وهي في حالة حرب. ويقول قادة الأجهزة الأمنية الإسرائيلية إن عدم خروج العمال إلى العمل وقطع الرواتب عن موظفي السلطة الفلسطينية، احتجاجاً على خصم رواتب موظفي غزة، يتسبب في أزمة مالية من شأنها أن تشعل الضفة الغربية في انتفاضة مسلحة خطيرة، لذلك لا بد من تغيير هذا التوجه بشكل جذري.
وتأثر من هذا الموقف وزير الدفاع يوآف غالانت، الذي كان أيضاً يميل لموقف سموترتش، وقد أحدث انعطافاً في موقفه. وفي تصريح مفاجئ مساء الأحد، حذر غالانت من تصعيد الأوضاع الأمنية في الضفة الغربية على خلفية الموقف السلبي من السلطة الفلسطينية. وكان قد شارك في اجتماع لتقييم الوضع الأمني في مقر فرقة «يهودا والسامرة» (أي الضفة الغربية) التابعة للجيش.
وهناك تداولوا في التبعات السلبية الخطيرة لإجراءات وزير المالية سموترتش ووزير الأمن الداخلي بن غفير، لمواصلة منع إدخال عمال من الضفة للعمل في إسرائيل، وحجب أموال المقاصة عن السلطة الفلسطينية. وقال غالانت، في أعقاب التقييم، بحسب بيان رسمي صدر عن وزارة الدفاع، إن وجود «سلطة فلسطينية قوية هو مصلحة أمنية إسرائيلية»، مشدداً على ضرورة الحذر من أن تؤدي الحرب على غزة إلى تصاعد العمليات ضد قواته في أنحاء الضفة الغربية.
«القضاء على الإرهاب»
وقال إن قواته تعمل على «القضاء على الإرهاب»، في إشارة إلى مجموعات المقاومة في الضفة الغربية التي تتعرض لتصعيد إسرائيلي غير مسبوق منذ الانتفاضة الثانية، أسفر منذ 7 أكتوبر الماضي، عن مقتل 350 فلسطينياً وإصابة نحو 4 آلاف، بينهم 593 طفلاً. وقال: «هدف (حماس) في غزة هو إضرام النار في (يهودا والسامرة)، وإذا أمكن ذلك، في جبل الهيكل (أي الحرم القدسي) أيضاً، من أجل التحرر من قبضة الجيش الإسرائيلي الخانقة. هذه هي القصة، الجيش يخنقهم. لقد بنوا على الإيرانيين و(حزب الله)، وبنوا على استنزاف المجتمع الإسرائيلي، وبنوا كذلك على خلاف مع الأميركيين، لا شيء من هذا ينفعهم».
وبحسب مصادر سياسية، فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كان ينوي إقناع سموترتش بقبول رأي الجيش. لكن العملية في رعنانا لم تُتِحْ له فرصة حتى لإجراء محاولة إقناع، مع أن وجهة نظر الأجهزة الأمنية هي أن انفجار أزمة اقتصادية في الضفة الغربية هي التي تشجع الشباب الفلسطيني على تنفيذ عمليات مسلحة.
وكانت التحقيقات الأولية في الشرطة الإسرائيلية قد بينت أن الشابين الفلسطينيين اللذين يعملان في محل لغسيل السيارات من سكان قرية بني نعيم قرب الخليل؛ وهما محمد زيدات (44 عاماً)، وقريبه أحمد زيدات (24 عاماً)، هما منفذا العملية. الأول؛ تسلل إلى إسرائيل من دون تصريح، بحسب الشرطة، وادعى أنه من سكان رهط، المدينة العربية في إسرائيل. والثاني تسلل قبل بضعة أيام وانضم إليه في مكان العمل.
«حماس» ترحب
وقد قاما بطعن امرأة مسنة من الزبائن وخطفا سيارتها، وقام الثاني بخطف سيارة ثانية، وانطلقا - كل في شارع مختلف - يدهسان المواطنين الذين يسيرون في الشارع أو يقفون على محطة ركاب وتلاميذ مدرسة إعدادية قريبة، وتوقفا عندما اصطدمت السيارتان بجدار وأشجار.
وتوفيت المسنة متأثرة بجراحها، فيما أصيب نحو 20 مواطناً، على الأقل، بجراح وصفت حالة 3 منهم بالخطيرة. وأكدت منظمة الإسعاف «نجمة داود الحمراء» أن 8 من المصابين أطفال.
وقد رحبت حركة «حماس» بالعملية، لكنها لم تتحمل المسؤولية عنها. وقالت إن عملية كهذه هي رد طبيعي على جرائم الاحتلال في غزة. وبالمقابل أثارت موجة سخط في إسرائيل، ووحدت الخطاب السياسي لجميع الأحزاب ضد الفلسطينيين. وقد دان عضو الكنيست (البرلمان) ورئيس القائمة الموحدة للحركة الإسلامية، د. منصور عباس، هذه العملية وقال خلال اجتماع لكتلته البرلمانية، إن «ما يوقف سفك الدماء في منطقتنا هو وقف الحرب في غزة والذهاب إلى تسوية سياسية».