التهديدات الإسرائيلية تحدد مسار الأنشطة الاقتصادية اللبنانية

الأوراق المالية اللبنانية «سجينة» تطورات الحرب والإرباكات الداخلية

جندي إسرائيلي يعاين رشاشاً في موقع بالجولان المحتل الخميس (أ.ف.ب)
جندي إسرائيلي يعاين رشاشاً في موقع بالجولان المحتل الخميس (أ.ف.ب)
TT

التهديدات الإسرائيلية تحدد مسار الأنشطة الاقتصادية اللبنانية

جندي إسرائيلي يعاين رشاشاً في موقع بالجولان المحتل الخميس (أ.ف.ب)
جندي إسرائيلي يعاين رشاشاً في موقع بالجولان المحتل الخميس (أ.ف.ب)

تمثّل التطورات اليومية على جبهة الجنوب اللبناني والمخاوف من توسّع مفاجئ للعمليات العسكرية ربطاً بتوالي التهديدات الإسرائيلية، قيد المتابعة الحثيثة لدى المستثمرين والأوساط المالية، كونها تشكل المرتكز لتحديد مسار كامل منظومة الأنشطة الاقتصادية مع بدء العام الجديد، فيما تلقفت الأسواق المالية بإيجابية حفظ الانتظام في قيادة الجيش عبر تمديد مهام قائد الجيش العماد جوزف عون.

وتعكس التبدلات المستمرّة في أداء الأوراق المالية اللبنانية، الخاصة منها والحكومية على حد سواء، مدى تعمّق حال «عدم اليقين» في ختام عام مالي جديد حافل بالإرباكات التي تسيطر على قرارات المستثمرين محلياً وخارجياً، ولا سيما بعد انقلاب التوقعات العامة من عودة خجولة للنمو الإيجابي في حسابات الناتج المحلي بنسبة تناهز 2 في المائة هذا العام إلى حدود «الصفر» أو السلبي بنسبة ضئيلة جراء الانكماش المستجد في مؤشرات القطاعات الواعدة وفي مقدمها الأنشطة السياحية جراء التوترات الأمنية.

وريثما تنجلي وجهة التطورات الميدانية، رصدت «الشرق الأوسط»، وعبر مصادر مالية ومصرفية معنيّة، تبايناً صريحاً في الأسعار وإحجام عن الطلب، إذ سجلت تداولات الأسهم في بورصة بيروت تقدماً نوعياً لجهة ارتفاع القيم التبادلية للعمليات المنفَّذة، ولو بالدولار المحلّي بقيادة شركة «سوليدير» (إعمارية وسط بيروت)، في حين استقرت أسعار سندات الدين الدولية (حكومية) عند أدنى مستوياتها البالغة 6 سنتات لكل دولار، مكرسةً فقدان المكاسب التي سجلتها قبل اندلاع حرب غزة، والتي أوصلت متوسط القيمة إلى نحو 9 سنتات.

وبالفعل، بقيت أسعار سندات «اليوروبوندز» اللبنانية عند أدنى مستوياتها التاريخية أواخر العام، إذ استقرت قريباً من مستوى 6 سنتات للدولار الواحد، وذلك رغم التقرير المحدَّث، لمؤسسة التصنيف العالمية «موديز» الصادر منتصف الشهر الأخير من السنة، والذي تضمن تعديل نظرتها المستقبلية من درجة «لا آفاق» إلى «مستقر»، مع إبقاء تصنيفها الائتماني للبنان عند الدرجة «C» الأدنى قبل بلوغ التعثر الكامل في سداد مستحقات السندات الدولية، بعدما علّقت الحكومة السابقة في ربيع عام 2020 دفع كامل مستحقات هذه السندات من أصول وفوائد.

أما لجهة البُعد الإيجابي لأداء الأسواق، فقد احتفظت سوق القطع باستقرار الليرة عند مستوى قريب من 90 ألف ليرة لكل دولار، رغم المخاوف من تصعيد العمليات العسكرية. كما نجح البنك المركزي في زيادة احتياطياته لتتخطى مجدداً عتبة 9 مليارات دولار، بعدما راكم زيادات بنحو 500 مليون دولار خلال الأشهر الماضية، في ظل إصرار الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، على عدم تمويل الدولة، خصوصاً بالعملات الأجنبية، بُغية الحفاظ على ما تبقى من الاحتياطيات من النقد الأجنبي.

نمو الاحتياطيات السائلة

ووفق تقديرات مصرفية وتحليلية، فإنّ النمو في الاحتياطيات السائلة من النقد الأجنبي يوفر نوعاً ما أرضية لتلبية الطلب على الدولار النقدي خلال الأشهر المقبلة، بانتظار التوصل إلى حلول جذرية للأزمة المالية والاقتصادية التي يرزح تحتها لبنان، وتطبيق الإصلاحات المطلوبة لانتشال لبنان من وابل كبواته.

وبالفعل، فإن التصنيف المتدني، حسب التقارير الصادرة عن مؤسسات مالية دولية، يعود أساساً إلى الجمود السياسي وحالة عدم الاستقرار والمؤسّسات الضعيفة. بالإضافة إلى انكشاف لبنان على الحرب في غزة التي عرقلت النشاط السياحي والاقتصادي، فيما يعكس إضفاء صفة المستقر على النظرة المستقبلية وفق «موديز»، بأن التصنيف الائتماني سيبقى مستقراً عند مستوى «C» في المدى المنظور، مع التنويه الصريح إلى أنّها لا ترتقب أي تحسّن في تصنيف لبنان في المدى القريب. وهذا ما يعزز الاحتماليّة الكبيرة بأن تتخطّى خسائر حاملي السندات نسبة 65 في المائة من القيمة الاسمية.

ضعف المؤسسات

وبما يتعدّى تسليط الضوء على درجة التصنيف والنظرة المستقبلية، يبقى لبنان عالقاً في أتون أزمات اقتصاديّة وماليّة واجتماعيّة متداخلة، وتظل مؤسّسات الدولة الضعيفة غير قادرة على معالجتها، فيما تبدو فرص الحصول على الدعم الخارجي ضئيلة، ربطاً بتمادي السلطات في الاستجابة للموجبات الشرطية عبر الشروع في تنفيذ مجموعة إصلاحات هيكلية وتشريعية.

وبتوثيق البيانات ذات الصلة، يتبيّن أنّ مستوى الدين العام الذي كان سائداً قبل الأزمة عند نسبة 170 في المائة من الناتج المحلّي الإجمالي، قد تدهور إلى نسبة تقارب 320 في المائة بنهاية العام الماضي، ومن دون رصد أي جهود تصحيحية لوقف الانكماش الاقتصادي. وبالتوازي، تقدّمت أرقام التضخّم السنوي من نسبة 122 في المائة المحقَّقة في العام الماضي، إلى نحو 215.4 في المائة بنهاية الشهر العاشر من العام الحالي.

وعلى صعيد ضعف المؤسّسات، تبرز تأثيرات سلسلة الفراغات التي يعيشها لبنان، بدءاً من الفراغ الرئاسي السائد منذ نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، وحصر مهام وعمل الحكومة ضمن نطاق تصريف الأعمال، وتسلّم النائب السابق لحاكم مصرف لبنان الدكتور وسيم منصوري، مهام الحاكم بالإنابة منذ نهاية شهر يوليو (تموز) الماضي.

ولم يَفُت «موديز» التنويه إلى أنّ التصنيف «C» هو أدنى تصنيف على سلّمها الائتماني، مشيرةً إلى أنّ أي تحسين في تصنيف لبنان يعتمد على تطبيق إصلاحات جوهريّة على مدى سنوات عدّة من جهة، وحصول تقدّم ملحوظ في ديناميكيّة الدين، كالنموّ الاقتصادي ومستويات الفوائد وإيرادات الخصخصة والقدرة على تسجيل فوائض أوّلية كبيرة، من جهةٍ موازية، وذلك لضمان الاستدامة الائتمانية في المستقبل.



العراق... فقدان 5500 ميغاواط من إمدادات الكهرباء

السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)
السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)
TT

العراق... فقدان 5500 ميغاواط من إمدادات الكهرباء

السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)
السوداني مع الرئيس الإيراني خلال زيارة في سبتمبر الماضي (رئاسة الوزراء العراقية)

أعلنت وزارة الكهرباء العراقية، الأحد، عن فقدان المنظومة الكهربائية 5500 ميغاواط نتيجة توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل، ما سيؤدي إلى تراجع توفير الطاقة الكهربائية للمؤسسات الحكومية والمواطنين بنحو 20 في المائة. وأوضحت الوزارة أن إنتاجها من الكهرباء تجاوز 27 ألف ميغاواط في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

ورغم أن الوزارة عزت «التوقف المفاجئ» إلى «أغراض الصيانة»، فإن مصادر مطلعة على ملف الكهرباء ترجح أن السبب الرئيسي يعود إلى «أسباب مالية»، حيث إن بغداد مدينة لطهران بأكثر من 10 مليارات دولار، لكنها تجد نفسها غير قادرة على سدادها بسبب العقوبات الأميركية المفروضة على إيران.

وأكدت وزارة الكهرباء في بيان، الأحد، «توقف إمدادات الغاز الإيراني بالكامل لأغراض الصيانة لمدة 15 يوماً (وفقاً للجانب الإيراني) عن بغداد والمنطقة الوسطى ومحافظات الفرات الأوسط، مما أدى إلى فقدان المنظومة 5500 ميغاواط».

وأضافت الوزارة أنه «كان من المتفق عليه أن تكون إمدادات الغاز اليوم الأحد بواقع 25 مليون متر مكعب يومياً، ولكن الكمية المدفوعة حالياً هي 7 ملايين متر مكعب، تم تحويلها من بغداد والوسط إلى المنطقة الجنوبية».

أكدت الوزارة أنها «ستعزز التنسيق مع وزارة النفط لتعويض ما فقدته المنظومة من الغاز، وأنها تنفذ حالياً خططها الاستراتيجية والطارئة لرفع قدرات المنظومة الكهربائية الوطنية في جميع قطاعاتها (الإنتاج، والنقل، والتوزيع)».

كما أشارت الوزارة إلى أنها «تعيد العمل بالمشاريع المتلكئة والمتوقفة منذ سنوات عديدة لاستحصال طاقات توليدية كانت ضائعة وغير مستغلة لتحسين الإنتاج ورفع معدلاته بما يناسب استقرار التجهيز، معتمدة في ذلك على جزء من تشغيل محطاتها الإنتاجية بالغاز الوطني، وجزء آخر بالوقود الوطني، وآخر بالغاز المستورد، ريثما تكتمل مشاريع الحكومة العاملة على تأهيل حقول الغاز الوطنية».

وتحدثت عن أنها «ستنسق مع وزارة النفط بشكل أكبر لتعويض ما خسرته المنظومة من غاز». ومعروف أن الغاز المستثمر في الحقول العراقية لا يغطي حاجة محطات توليد الكهرباء.

العقوبات الأميركية

ويميل مصدر مطلع على ملف الكهرباء إلى «الاعتقاد بأن القرار الإيراني المفاجئ مرتبط بمطالبات إيران المالية من العراق».

ويقول لـ«الشرق الأوسط» إن «إيران لا تقوم بإيقاف إمدادات الغاز في هذه الأوقات من السنة في العادة، لأنها ليست أوقات الذروة والأحمال بسبب اعتدال الأجواء المناخية حتى الآن، أغلب الظن أن الأمر مرتبط بالأموال، خاصة ونحن نعلم أن زيارة الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان الأخيرة إلى العراق لم تنجح في حل هذه المشكلة».

ولا يستبعد المصدر أن «يرتبط الضغط الإيراني الجديد على العراق بهدف الحصول على أموالها لمواجهة أزمتها الاقتصادية واستثمارها في الحرب مع إسرائيل، وكذلك مواجهة تداعيات عملتها الأخيرة».

كانت أخبار تحدثت عن مفاوضات صعبة خاضها بزشكيان خلال زيارة إلى بغداد في سبتمبر (أيلول) الماضي، وذكرت أنه «عرض على العراق أن يتم تسليم الديون عبر عُملة مشتركة»؛ الأمر الذي رفضته بغداد لخشيتها من العقوبات الأميركية، وجراء هذه الخشية يلتزم العراق بالاتفاقيات السابقة التي تتضمن تسليم الديون، من خلال «شراء سلع غير خاضعة للعقوبات مثل النفط الأسود ومنتجات أخرى».

وتراكمت ديون إيران بذمة العراق، التي تتراوح بين 10 و15 مليار دولار منذ أعادت الولايات المتحدة فرض عقوبات على إيران نهاية عام 2018، إثر انسحاب إدارة الرئيس دونالد ترمب من الاتفاق النووي، لكن واشنطن أعطت بعض الاستثناءات للجانب العراقي خلال السنوات الماضية لتسديد بعض من تلك الديون وخاصة في فترات الصيف التي يتصاعد فيها الطلب على الكهرباء، ومع عدم قدرة المحطات العراقية العمل من دون الغاز الإيراني.

وبهدف التغلب على مشكلة العقوبات المفروضة ضد إيران وتنويع العراق لمصادر استيراده للغاز، أعلنت وزارة الكهرباء في أكتوبر الماضي أنها «وقعت عقداً مع تركمانستان لتوريد 20 مليون متر مكعب من الغاز إلى العراق يومياً، بيد أن العقد لم يدخل حيز التنفيذ حتى الآن».

وقال وزير الكهرباء، زياد علي فاضل، نهاية أكتوبر الماضي، إن «كميات الغاز المستوردة تصل إلى 50 مليون متر مكعب يومياً خلال فصل الصيف، سوف تؤمن من تركمانستان 20 مليون متر مكعب يومياً، والمتبقي من ضمن عقد الغاز الإيراني الذي مدته 5 سنوات».

نقص إمدادات الطاقة بإيران

في 10 نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، أعلنت السلطات الإيرانية عن خطة لترشيد استهلاك الكهرباء في طهران وعدة محافظات أخرى، بسبب نقص الوقود اللازم لتشغيل المحطات. وتشمل الخطة قطع الكهرباء في مناطق مختلفة من العاصمة لمدة ساعتين يومياً بين الساعة السابعة صباحاً والخامسة مساءً، حسبما أوردت وكالة «إرنا» الرسمية.

وأوضحت الشركة العامة لتوزيع الكهرباء أن القرار جاء نتيجة «محدودية إمدادات الغاز المستخدم وقوداً في المحطات»، إضافة إلى مرسوم حكومي يمنع استخدام المازوت في بعض المحطات الكهربائية. ولم تُحدّد السلطات مدة تطبيق الخطة.

على مدى السنوات الأخيرة، واجهت العديد من المدن الإيرانية الكبرى مشكلة التلوث الناتج عن رداءة المازوت المستخدم في المحطات، وفقاً لخبراء. وللحد من هذه الأضرار، أمرت الحكومة بوقف استخدام المازوت في ثلاث محطات كهرباء في أراك وأصفهان (وسط البلاد) وكرج (غرب طهران) حفاظاً على صحة المواطنين.

يُذكر أن الانقطاعات المتكررة للكهرباء، خاصة خلال فصل الصيف، أثارت استياءً شعبياً واسعاً. ففي يوليو (تموز) الماضي، أعلنت السلطات عن تقليص ساعات العمل في المؤسسات العامة إلى النصف لعدة أيام لتوفير الطاقة.