«العيش المستحيل» في العراق... مسيحيون يلخصون عام «المرارة والفواجع»

الحمدانية و«مرسوم ساكو» يعكران أعياد الميلاد في معظم الكنائس

من مراسم جنازة ضحايا الحريق في قضاء الحمدانية التابع لمحافظة نينوى في سبتمبر الماضي (رويترز)
من مراسم جنازة ضحايا الحريق في قضاء الحمدانية التابع لمحافظة نينوى في سبتمبر الماضي (رويترز)
TT

«العيش المستحيل» في العراق... مسيحيون يلخصون عام «المرارة والفواجع»

من مراسم جنازة ضحايا الحريق في قضاء الحمدانية التابع لمحافظة نينوى في سبتمبر الماضي (رويترز)
من مراسم جنازة ضحايا الحريق في قضاء الحمدانية التابع لمحافظة نينوى في سبتمبر الماضي (رويترز)

تجنب المسيحيون في العراق إظهار الفرح بأعياد الميلاد هذا العام في ظل «المرارة» التي عاشوها خلال الأشهر الماضية، وفيما اعتذر رئيس الحكومة محمد شياع السوداني عن عدم حضور القداس في إحدى الكنائس وفضّل زيارة منزل عائلة مسيحية، تحدث رعاة كنائس عما وصفوه بـ«العيش المستحيل» في بلاد مضطربة كالعراق.

وفي ليلة عيد الميلاد، الاثنين الماضي، زار رئيس الوزراء محمد شياع السوداني منزل إحدى العائلات المسيحية في بغداد لتقديم التهنئة، وشاركهم الاحتفال بالمناسبة.

واعتذر السوداني عن حضور قداس الميلاد بسبب «فاجعة الحمدانية»، لكنه أكد «حرصه على طمأنة الوجود المسيحي في بغداد والعراق بشكل عام، والتواصل مع جميع المكونات العراقية».

وقال السوداني إن «المسيحيين ملح الأرض، ومكون أصيل في بلدنا وشعبنا، وأسهموا في بناء الدولة (...) وجودهم عامل قوة للبلد».

رئيس الوزراء في منزل عائلة مسيحية ليلة الميلاد الاثنين 25 ديسمبر (الإعلام الحكومي)

العد التنازلي للمسيحيين

قبل إسقاط نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، كان من الشائع جداً وجود المسيحيين في مرافق الحياة المختلفة، لا سيما في سوق العمل، كما أن أحياء كبرى في العاصمة بغداد كانت تشهد تجمعات سكانية كبيرة لهم، إلى جانب مناطق في نينوى وأربيل، ومدن أخرى.

وعصفت الاضطرابات في العراق بالمسيحيين على مدى قرون، لكن موجة النزوح الأكبر بدأت عام 2003، وبلغت ذروتها حين اجتاح تنظيم «داعش» مناطق شاسعة في مدن كبرى شمال وغرب العراق.

وإلى جانب النزوح، داخل العراق أو الهجرة إلى خارجه، كان المسيحيون يشكون من سلب ممتلكاتهم وأموالهم من قبل جماعات مسلحة، لطالما أفلتت من العقاب، وفقاً لحقوقيين وناشطين مسيحيين.

وشكلت السلطات العراقية المتعاقبة لجان تحقيق بـ«التجاوزات والاعتداءات التي طالت المسيحيين وأملاكهم»، ورغم أن التيار الصدري، الذي يقوده مقتدى الصدر، أطلق حملة لاسترجاع منازل ومحال تجارية تعود لمسيحيين عراقيين وأسهم في حسم 200 منزل منها داخل بغداد، لكن مخاوف المسيحيين ظلت قائمة، واستمروا في الانتقال نحو مدن إقليم كردستان أو دول المهجر.

وبحسب رئيس أساقفة أربيل، المطران بشار متى وردة، فإن عدد المسيحيين تضاءل بنسبة 83 في المائة، من نحو 1.5 مليون إلى 250 ألفاً فقط، وإن الكنيسة العراقية الأقدم في العالم تقترب من الانقراض بشكل متسارع، ويجب أن تكون البقية الباقية على استعداد لمواجهة الأسوأ، وفقاً لخطاب بثه المطران عام 2019 من العاصمة البريطانية لندن، عام 2019.

جانب من جنازة بعض ضحايا حريق الحمدانية يوم 29 سبتمبر الماضي (أ.ف.ب)

الحمدانية ومرسوم جمهوري

وشهد عام 2023 حدثين كبيرين كان لهما أبلغ الأثر في تعميق مشاعر القلق والغضب داخل الأوساط المسيحية، ففي نهاية أيلول (سبتمبر) الماضي، شب حريق هائل في قاعة «الهيثم» للمناسبات والأعراس في قضاء الحمدانية في محافظة نينوى، أودى بحياة ما لا يقل عن 130 شخصاً من الأطفال والنساء والرجال.

وقالت السلطات بعد تحقيق استمر يومين بعد الحادثة، إن «الحريق نشب نتيجة ملامسة مصدر ناري بمواد سريعة الاشتعال تم استخدامها خلال بناء المنشأة الترفيهية»، لكن الناشطين المسيحيين طالبوا بتحقيق معمق، بسبب شكوك بأن النيران اندلعت «بفعل فاعل».

قبل ذلك بنحو شهرين، اتخذ رئيس الجمهورية عبد اللطيف رشيد قراراً بسحب مرسوم جمهوري خاص كان قد أقره الرئيس الراحل جلال الطالباني عام 2013، ويقضي بتعيين البطريرك لويس ساكو، بطريرك بابل على الكلدان في العراق والعالم، ومتولياً على أوقافها، ما أثار غضب البطريرك الشديد وغضب المسيحيين بشكل عام، وأتباعه والمرتبطين بمرجعيته الدينية بشكل خاص.

وانقسمت الأوساط المسيحية جراء قرار سحب المرسوم، لكن البطريرك ساكو وجه انتقادات متكررة لجهات قال إنها «تحاول الاستحواذ على ممتلكات الكنيسة العراقية، وتوريطها بالنزاع السياسي».

«البلاد المستحيلة»

وتحدثت «الشرق الأوسط» مع لويس مرقص، رئيس منظمة «حمورابي» للدفاع عن حقوق الإنسان في قضاء الحمدانية، وسألته عن الطريقة التي استقبل بها المسيحيون أعياد الميلاد ورأس السنة.

يقول مرقص: «يبدو إننا نعيش بالفعل في بلاد مستحيلة، لقد استقبلنا العام وتلاحقنا فاجعة الحمدانية، وكارثة سحب المرسوم الظالمة من البطريرك».

ويواصل مرقص سرد المزيد عن ظروف الحياة في الحمدانية: «تصور أن عوائل كاملة مؤلفة من 5 - 10 أشخاص اختفت من الوجود في الحادث (...) ما زاد من الفاجعة هو الإجراءات واللجان التحقيقية اللاحقة التي شكلتها السلطات، كانت ضعيفة وغير مهنية، ولم تقف على الأسباب الحقيقة التي أدت إلى الحادث».

ويضيف: «لن أبالغ في القول إن غالبية المسيحيين الذين بقوا في العراق سيغادرون لو سنحت لهم الظروف».

مظاهرة مسيحية مؤيدة لساكو في أربيل خلال يوليو الماضي (مواقع كردية)

وعن إجمالي ما تبقى من المسيحيين في العراق، يؤكد مرقص أنه «قبل عام 2003، كان العدد يصل إلى نحو مليون وأربعمائة ألف، لكنه لا يتجاوز اليوم 250 ألفاً فقط، معظمهم في سهل نينوى وإقليم كردستان».

وتشير تقديرات مرقص إلى أن عدد المسيحيين الذين يسكنون العاصمة بغداد لا يتجاوز أكثر من 10 آلاف مسيحي، بعد أن كان يناهز 400 ألف، ويقتصر وجودهم في البصرة على نحو 300 نسمة فقط.

ويقول مرقص: «أكثر من 85 في المائة من الكنائس والأديرة العراقية خالية من المصلين، جراء تراكم الظروف التي أسهمت في استمرار موجة النزوح والهجرة».

ويتهكم مرقص على الحديث السياسي الذي يصف المسيحيين في العراق بأنهم «ملح الأرض»، ويقول إن «هذا الوجود لا يحظى بالاحترام، ولم تعد القوانين النافذة تحمي هذا المكون، رغم أن الدستور ينص على حماية التنوع وضمان حرية التعبير».

في بغداد، وصف راعي كنيسة الأرمن الأرثوذكس في بغداد، كيفورك أرشاكيان، الأجواء في الكنائس خلال أعياد الميلاد، وقال إن «الحزن خيم على الجميع»، بسبب ما جرى في الحمدانية، وما يجري هذه الأيام في قطاع غزة.

ويعتقد الأب أرشاكيان، وفقاً لمنا نقله تلفزيون محلي، أن «هناك مخططاً لتفريغ البلدان العربية من المسيحيين»، مشيراً إلى أن مَن بقي في العراق حتى الآن لا يملك الموارد المالية الكافية لمغادرته.

وأضاف أن «حكومة السوداني لديها فكرة كافية عن هذا المخطط، وأطالب رئيس الوزراء بحماية ما تبقى من المسيحيين».

اقرأ أيضاً


مقالات ذات صلة

العراق يحقق في اختفاء 50 ألف باكستاني

المشرق العربي إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)

العراق يحقق في اختفاء 50 ألف باكستاني

أعلن العراق، أمس الجمعة، فتح تحقيق في اختفاء آلاف الباكستانيين، كانوا قد دخلوا البلاد لزيارة المراقد الدينية خلال شهر محرم.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي باكستانيون خلال مشاركتهم في طقوس «عاشوراء» بمدينة كراتشي (إ.ب.أ)

50 ألف باكستاني اختفوا في العراق

فجر وزير باكستاني مفاجأة مدوية حين أعلن اختفاء 50 ألفاً من مواطنيه في العراق، ودفع حكومة بغداد سريعاً إلى فتح تحقيق في تسربهم إلى سوق العمل.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي مسؤولون عسكريون أميركيون وعراقيون في قاعدة عين الأسد (أرشيفية - الجيش الأميركي)

فصائل مسلحة تنهي الهدنة مع الأميركيين في العراق

استأنفت فصائل موالية لإيران هجماتها ضد قواعد أميركية في العراق وسوريا، بعد أيام من اتفاق أمني شمل تعهد بغداد بحماية المستشارين والقوافل الأميركية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي 
الأحزاب العراقية فشلت مرات كثيرة في اختيار بديل لرئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي (إعلام حكومي)

الحلبوسي يفرض «شروطاً صعبة» على التحالف الحاكم

فرض رئيس حزب «تقدم» العراقي محمد الحلبوسي «شروطاً صعبة» على قادة «الإطار التنسيقي» مقابل حل أزمة رئيس البرلمان الشاغر منذ نحو 7 أشهر. وقالت مصادر مطلعة لـ…

«الشرق الأوسط» (بغداد)
المشرق العربي الأحزاب العراقية فشلت مرات كثيرة في اختيار بديل لرئيس البرلمان المقال محمد الحلبوسي (رويترز)

الحلبوسي يضع «شروطاً صعبة» لحسم أزمة البرلمان في العراق

للمرة الأولى منذ إقالة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، عقدت قوى «الإطار التنسيقي» اجتماعاً حول أزمة المرشح البديل دون الإعلان عن مخرجات.

حمزة مصطفى (بغداد)

العراق يحقق في اختفاء 50 ألف باكستاني

إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)
إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)
TT

العراق يحقق في اختفاء 50 ألف باكستاني

إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)
إسلام آباد تعتزم تنظيم الزيارات الدينية بعد اختفاء 50 ألف باكستاني في العراق (إ.ب.أ)

أعلن العراق، أمس الجمعة، فتح تحقيق في اختفاء آلاف الباكستانيين، كانوا قد دخلوا البلاد لزيارة المراقد الدينية خلال شهر محرم.

ونقلت صحيفة «الأمة» الباكستانية عن وزير الشؤون الدينية، شودري حسين، أن 50 ألف مواطن باكستاني اختفوا في العراق خلال السنوات الماضية.

وأعرب وزير العمل العراقي، أحمد الأسدي، عن قلقه واستنكاره لتزايد عدد العمالة غير القانونية في البلاد، مؤكداً أن وزارته ستحقق في اختفاء آلاف الباكستانيين في العراق، وأن هذا الأمر «سيكون محل اهتمام للتحقق واتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة بحقهم».

وأعلنت الشرطة العراقية اعتقال العشرات من الباكستانيين، يبدو أنهم من الذين تسربوا خلال زيارتهم المراقد الدينية.