بعد شهرين من الزيارة التي قام بها إلى المنطقة، التي قادته إلى إسرائيل والضفة الغربية والأردن ومصر، وذلك بعد 3 أسابيع من العملية العسكرية الواسعة التي قامت بها «حماس» في محيط قطاع غزة، وانطلاق الحرب الإسرائيلية على القطاع، يعود الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، اليوم (الخميس)، مجدداً إلى المنطقة وتحديداً إلى الأردن، ولكن هذه المرة في إطار الزيارات التقليدية التي يقوم بها إلى القوات الفرنسية المنتشرة في الخارج، بمناسبة أعياد رأس السنة. ويغادر ماكرون الأردن يوم الجمعة عائداً إلى فرنسا بعد أن يكون قد التقى، بعد ظهر الخميس، العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني.
وبينما كان مرتقباً أن تكون وجهة ماكرون إلى جنوب لبنان للقاء الكتيبة الفرنسية العاملة في إطار قوة «اليونيفيل» الدولية المنتشرة على الجانب اللبناني من الحدود المشتركة مع إسرائيل، فإن قصر الإليزيه عدّل خططه، ورسا الخيار على التوجه إلى القاعدة الجوية التي تشغّلها فرنسا في الأردن منذ نهاية عام 2014، في إطار عملية «الشمال» لمحاربة تنظيم «داعش» في العراق ثم في سوريا، ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة.
ومحلياً، يسمى الموقع المذكور «قاعدة الأمير حسن الجوية - الصفاوي» الواقعة شمال شرقي العاصمة عمان، وفيها ترابط قوة جوية فرنسية مشكّلة من 4 طائرات «رافال» و350 عنصراً بشرياً. وأكدت مصادر قصر الإليزيه أن خيار القاعدة الجوية في الأردن يهدف أيضاً إلى «تسليط الضوء على التزام فرنسا الدائم بمحاربة الإرهاب».
التخلي عن خيار جنوب لبنان
خلال عرض الزيارة، لم تقدم مصادر الإليزيه تفسيراً واضحاً عن الأسباب التي حملت الرئاسة على التخلي عن خيار جنوب لبنان، علماً بأنها كانت قد أبلغت الصحافيين المرافقين بأن عليهم تقديم جواز سفر خالٍ من أي ختم إسرائيلي للحصول على تأشيرة. والحال، أن لبنان الذي هو، رسمياً وقانونياً، في حالة حرب مع إسرائيل منذ عام 1948، يمنع دخول أراضيه لأي مسافر يحمل جوازه إشارة إسرائيلية.
وثمة أسباب عدة تقف وراء عدول الإليزيه عن خياره الأول، أولها المناوشات الدائرة منذ أكتوبر (تشرين الأول) بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي؛ ما دفع وزيرة الخارجية كاترين كولونا للتخلي عن زيارة القوة الفرنسية في الجنوب اللبناني، ولقاء قائد القوة الدولية، وقيادة الكتيبة الفرنسية في قصر الصنوبر، مقر السفير في العاصمة اللبنانية.
يضاف إلى ذلك أن لبنان ما زال من غير رئيس للجمهورية، وأن زيارة ماكرون يفترض أن تفضي إلى تحقيق شيء بهذا الصدد، في حين تزداد المخاوف ومعها التحذيرات من خروج المناوشات اليومية عن السيطرة. ودأبت باريس، التي استقبلت في الأسابيع الأخيرة وزيرة الخارجية مرتين، ووزير الدفاع والمبعوث الرئاسي الوزير السابق جان إيف لو دريان، ورئيس المخابرات الخارجية، وفداً مشتركا أمنياً ودبلوماسياً، على تحذير السلطات اللبنانية من انفلات الوضع، وتدفع باتجاه بلورة آلية لتنفيذ مضمون القرار الدولي رقم 1701 الصادر عن مجلس الأمن في عام 2007.
موقف منتقد لإسرائيل
واستبق الرئيس الفرنسي وصوله بالتعبير عن موقف منتقد لإسرائيل، وذلك في لقاء تلفزيوني مطول دار أساساً على الشؤون الفرنسية الداخلية. وقال ماكرون: «لا يمكننا أن نسمح بترسيخ فكرة أن محاربة الإرهاب بشكل فعال تعني تدمير كل شيء في غزة، أو مهاجمة السكان المدنيين بشكل عشوائي والتسبب في سقوط ضحايا مدنيين».
واستطرد الرئيس الفرنسي: «لذلك، ومع الاعتراف بحق إسرائيل في حماية نفسها خلال محاربة الإرهاب، نطالب بحماية هؤلاء الأشخاص المدنيين، وبهدنة تؤدي إلى وقف إطلاق نار لأسباب إنسانية»، مضيفاً أنه يتعين على إسرائيل أن «تضع حداً لهذا الرد لأنه غير مناسب، ولأن كل الأرواح البشرية متساوية، ويجب الدفاع عنها».
وأنهى كلامه بالدفاع عن المواقف التي عبّرت عنها فرنسا، عادّاً إياها «متسقةً وعادلةً» رغم أنها «لا ترضي أحداً من الطرفين، لكنها تتوافق مع تاريخنا الدبلوماسي وقيمنا ومصالحنا». وبذلك كان الرئيس الفرنسي يرد على الانتقادات التي تعرّض لها، ليس فقط في الإعلام ولكن أيضاً من داخل المؤسسة الدبلوماسية ومن غالبية السفراء العاملين في الدول العربية الذين يرون أن مواقفه «منحازة لإسرائيل». ويوم (الأربعاء)، خصصت صحيفة «لو موند» المستقلة موضوعاً مطولاً فنّدت فيه تذبذب المواقف الرئاسية، والتماهي إلى حد كبير مع السياسة الإسرائيلية، والهوة التي قامت بين الإليزيه من جهة ووزارة الخارجية الفرنسية من جهة أخرى، وفقدان فرنسا مصداقيتها لدى العرب بسبب تحيزها. وبين الحين والآخر، تخرج تصريحات تعكس الرغبة في تصحيح المسار الدبلوماسي.
بحث غزة والبحر الأحمر
في لقائه العاهل الأردني، سيدور البحث، كما تقول مصادر الإليزيه، حول تطورات الحرب في غزة، التي ارتفع عدد ضحاياها إلى ما يزيد على 20 ألفاً، وفق وزارة الصحة الفلسطينية في القطاع. ودعوة فرنسا لـ«هدنة إنسانية دائمة يمكن أن تقود إلى وقف لإطلاق النار» ولكن أيضاً الحاجة إلى العودة إلى المسار الدبلوماسي ــ السياسي، والمساعدات الإنسانية الواجب توفيرها لسكان القطاع، ورغبة باريس في التعاون مع عمّان، وتحويل العاصمة الأردنية إلى نقطة تجمع لهذه المساعدات.
وإضافة إلى ما سبق، سيتم النظر في التطورات الجارية في خليج عدن والبحر الأحمر، والرد على الهجمات التي يقوم بها الحوثيون. وأعلنت مصادر وزارة الدفاع الفرنسية أن باريس ستستمر في التحكم بالعمليات العسكرية التي يمكن أن تقوم بها فرنسا. وكان وزير الدفاع الأميركي قد أعلن أخيراً قيام تحالف جديد لمواجهة تهديدات الحوثيين والرد عليها.