تفادت السلطات اللبنانية الفراغ الذي كان مرتقباً في رأس هرم المؤسسة العسكرية، بتصويت مجلس النواب على قانون يقضي بتمديد السن القانونية لقادة الأجهزة الأمنية لمدة سنة، ومن بينهم قائد الجيش العماد جوزيف عون، بعد فشل الحكومة في الاجتماع للقيام بالمهمة تحت ضغط قرب انتهاء ولاية عون، في العاشر من يناير (كانون الثاني) المقبل.
وبعد أسابيع من الأخذ والرد حول الجهة التي يُفترض بها التصدي للمهمة، تصدَّى البرلمان لأزمة كانت ستهدِّد موقع قيادة الجيش، فقرَّر تمديد ولاية قائده، كما ولاية قادة الأجهزة الأمنية الأخرى لمدّة سنة.
ووصل الاشتباك السياسي إلى أوجه، في الفترة الماضية، وخصوصاً بين قوى المعارضة من جهة المؤيدة للتمديد لعون، و«التيار الوطني الحر» من جهة أخرى؛ والذي كان مؤسسه الرئيس السابق ميشال عون هو الذي اقترح اسم جوزيف عون لقيادة الجيش، فقرر رئيس «التيار» النائب جبران باسيل خوض مواجهة كبيرة لتفادي التمديد بعد اتهامات وجّهها له بخرق القوانين وبـ«قلة الوفاء».
وتقاذفت الحكومة ومجلس النواب كرة التمديد، فكان كل منهما يعتبر أن الجهة الأخرى هي التي يجب أن تصدر هذا القرار. وبعدما كان المفترض أن يعلن مجلس الوزراء، في جلسة صباحية، تأجيل تسريح عون، لم تنعقد الجلسة المرتقبة؛ لتغيُّب عدد من الوزراء ولعدم تمكن آخرين من الوصول إلى السراي الحكومي نتيجة قطع عسكريين متقاعدين عدداً من الطرق، بينها طرق تؤدي إلى السراي وإشعال الدواليب، ما دفع لتنقُّل وزراء سيراً على الأقدام أو على دراجات نارية. إلا أن ذلك لم يؤدّ لاكتمال نصاب الجلسة التي قرر رئيس الحكومة تأجيلها ليوم الثلاثاء المقبل.
وانتقلت كرة التمديد مجدداً إلى البرلمان اللبناني الذي كان يعقد جلسة بعد الظهر، فجرى التصويت على اقتراح قانون قضى بتمديد ولاية قادة الأجهزة الأمنية كافة لعام كامل. وقد حظي بعدد الأصوات اللازم لإقراره.
وقبل التصويت على الاقتراح، توجّه رئيس المجلس النيابي نبيه بري للنواب قائلاً: «كل اللبنانيين دون استثناء هم مع الجيش اللبناني ولا يزايدنّ أحدٌ على آخر. نعم الصلاحية كانت للحكومة أولاً وثانياً وثالثاً ورابعاً، والمجلس لا يستطيع سوى القيام بدوره في هذا المجال؛ لأننا قادمون على فترة أعياد وعطل قد تمتد لـ15 يوماً، وإذا لم نقم بهذا العمل، اليوم، فنخشى أن ندخل في الفراغ».
وأفادت معلومات بأن نواب «حزب الله» خرجوا من قاعة المجلس عند عرض الاقتراح على التصويت، فدخل نواب «الكتائب» وعدد من نواب «التغيير» للتصدي لتطيير النصاب.
وتتجه الأنظار، اليوم، إلى الطعن الذي قد يتقدم به «التيار الوطني الحر» الذي كان رئيسه قد استبَقَ إقرار التمديد بتأكيده أنه سيتقدم بطعن بالقرار، سواء صدر عن الحكومة أم مجلس النواب.
ويعتبر الخبير الدستوري المحامي الدكتور سعيد مالك أن «الصيغة التي أقرّ بها قانون التمديد تؤكد أنه قانون شموليّ وعموميّ لا يتسم بالشخصانية أو الفردية، ومن ثم فإن أي طعن يمكن أن يقدم بهذا القانون أمام المجلس الدستوري سيتم ردّه»، لافتاً، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «المجلس الدستوري سينطلق بأي قرار يتخذه من المصلحة العليا والظروف الاستثنائية في البلد».
في المقابل، يرى المحامي والأستاذ الجامعي الدكتور عادل يمين أنه «ما دام القانون طال رؤساء الأجهزة الأمنية فذلك يعني أنه مفصّل على قياس أشخاص، والأبرز بينهم شخص واحد، وهذا يتعارض مع مبدأ الشمولية والتجرد والعمومية التي يفترض أن يتسم بها أي قانون»، مشيراً، في تصريح، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «المجلس الدستوري في حال تقديم طعن أمامه فهو إما يتخذ قراراً بتعليق العمل بأحكام القانون حتى البتّ بأساس المراجعة وشكلها، وإما عدم التعليق. فإذا ارتأى أن هناك أسباباً جدية للطعن، وأن تطبيقه قد يلحق ضرراً، فهو يعلّق العمل به حتى إصدار قراره النهائي بمهلة تقارب الشهر».
واعتبر باسيل أن ما حصل ويحصل يهدف لإغاظته، وسأل النّواب: «كيف يمكن أن تضربوا مبدأ شموليّة التشريع وتُشرّعوا لصالح شخص، وبعد ذلك تتكلّمون عن دولة القانون والمؤسّسات؟!».
كما توجّه إلى رئيس مجلس النواب نبيه بري، سائلاً: «كيف يمكن أن تقبل بمثل هذا التشريع، وأنت تعرف أنه اختصاص الحكومة وضربة كبيرة لفصل المؤسّسات؟!»، قائلاً: «كلّكم تعرفون أنه في كل الأحوال، لا فراغ في الجيش، ولا خوف على وحدته، ولن يكون إلّا مسيحي على رأسه».
من جهته، اعتبر نائب رئيس مجلس النواب، النائب إلياس بوصعب، أن «التمديد لقائد الجيش لا يحلّ المشكلة الموجودة داخل المؤسسة العسكرية وفي البلد»، مشيراً إلى أن «القانون المصادَق عليه، والمتعلق بتأخير التسريح، تشوبه أخطاء، لذلك قد يكون هناك مكان للطعن أمام المجلس الدستوري».
أما رئيس حزب «الكتائب اللبنانية» سامي الجميل، فاعتبر أنه «كان هناك خطر على المؤسسة العسكرية، الأمر الذي دفَعَنا لحضور هذه الجلسة، واليوم أعتبر أننا حمينا لبنان بآخِر نفَس، ومن الضروري أكثر من أي وقت مضى أن يفهم الجميع أنه لا لبنان من دون دولة». وأشار إلى أنه «لو كان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل حريصاً على المؤسسة العسكرية، لكان أمّن استمرارية المؤسسة عبر تأجيل التسريح عبر وزير الدفاع».