العراق يأمل «ردع الفصائل» بعد اعتقال منفذي هجوم السفارة الأميركية

العناصر «المتورطة» على صلة بالأمن... «وربما بالمسلحين»

اللواء يحيى رسول المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة في العراق (الإعلام الحكومي)
اللواء يحيى رسول المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة في العراق (الإعلام الحكومي)
TT

العراق يأمل «ردع الفصائل» بعد اعتقال منفذي هجوم السفارة الأميركية

اللواء يحيى رسول المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة في العراق (الإعلام الحكومي)
اللواء يحيى رسول المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة في العراق (الإعلام الحكومي)

يأمل مسؤولون عراقيون أن تتوقف أو تتراجع أنشطة الفصائل المسلحة ضد البعثات الدبلوماسية، بعد اعتقال «منفذي الهجوم» على السفارة الأميركية ومقر أمني، في المنطقة الخضراء، وسط بغداد، وفيما أكد عسكري عراقي بارز ارتباط «عدد منهم بالأجهزة الأمنية»، توقع خبير أمني «صلتهم على الأغلب بفصائل مسلحة متورطة بالتصعيد ضد المصالح الأميركية في البلاد».

وخلال الأسبوع المنصرم، ضغط مسؤولون في البيت الأبيض والخارجية الأميركية على حكومة محمد شياع السوداني «لفعل شيء ميداني يردع منفذي الهجوم الأخير على مبنى السفارة»، وكررت واشنطن مراراً تهديدها باستخدام «حق الدفاع عن النفس».

وشن مسلحون، فجر الجمعة الماضي، هجوماً بسبعة صواريخ، استهدف اثنان منها مقر السفارة، وضربت مجموعة أخرى مقر جهاز الأمن الوطني في بغداد، ولم يسجل الطرفان أي خسائر بشرية. وتحدثت السفارة الأميركية عقب الهجوم عن «مؤشرات تشير إلى أن الهجمات شنتها ميليشيات متحالفة مع إيران، تعمل بحرية في العراق».

وقال اللواء يحيى رسول، الناطق باسم القائد العام للقوات المسلحة، إن الأجهزة الأمنية تمكنت من القبض على عناصر شنت هجوماً على السفارة الأميركية ومقر الأمن الوطني». ووصف رسول الهجوم بأنه «اعتداء على أمن العراق وسيادته، لا يمكن السكوت أو التغاضي عنه».

«تهديد جدّي» للعراق

وقال اللواء: «كنا أمام تهديد جدّي لأمن البلاد واستقرارها، وما تسببه من ضرر بسمعة العراق وكرامته، وتشكيك في مصداقيته بوصفه دولة ذات سيادة قادرة على الإيفاء بالتزاماتها الدولية وضمان سلامة مواطنيها والمقيمين فيها، لا سيما البعثات الدبلوماسية».

وبحسب المتحدث العسكري، فإن «الأجهزة الأمنية باشرت بالتحقيق في الهجوم بهدف التوصل إلى الجناة وتقديمهم إلى العدالة، وأشار إلى أن «الأجهزة الأمنية، باشرت بالتحقيق في الحادث للوصول، بتوجيه مباشر من رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني».

وتحدث الناطق العسكري عن أن «الأجهزة الأمنية، تمكنت بعد جهد فني واستخباري مكثّف، من تحديد هوية الفاعلين». وتأسف اللواء رسول بعدما تأكد المحققون من أن «بعض المتورطين (بالهجمات) على صلة بأجهزة أمنية، وبعد أن أصدرت الجهات القضائية أوامر تحرٍّ وقبض بحقهم، قامت الأجهزة الأمنية بإلقاء القبض على عدد منهم، وما زالت جهود البحث والتحري متواصلة للوصول إلى كل من أسهم في الاعتداء».

ورغم هجمات الفصائل المتكررة على السفارة الأميركية والمواقع والمعسكرات التي توجد فيها قوات أميركية، خلال السنوات الماضية، فإن القوات الأمنية لم تتمكن من إلقاء القبض على معظم العناصر المنفذة، وغالباً ما تعيقها الخلافات السياسية.

وأكد رسول أن «الجهات المختصة نجحت قبل ذلك، بالتوصّل إلى من ساعد الجناة وقدّم لهم الدعم اللوجيستي للوصول إلى منطقة التنفيذ وإخلائهم منها، وتم إيداعهم التوقيف، بغية اتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم».

وشدد رئيس الوزراء محمد السوداني، خلال اتصال هاتفي تلقاه من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، مساء الثلاثاء، على «التزام العراق بحماية البعثات الدبلوماسية والمستشارين»، وأكد «قدرة القوات الأمنية العراقية على ملاحقة منفذي الهجمات على البعثات الدبلوماسية، من دون تدخل أي جهة خارجية»، وفقاً لبيان حكومي.

وفي وقت سابق، هاجم المسؤول الأمني لحركة «كتائب حزب الله»، أبو علي العسكري، من وصفهم بـ«المعترضين» على قصف السفارة بـ«المنبطحين»، مؤكداً أن التصعيد الذي نفذته الفصائل بسلسلة عمليات مكثفة، يمثل «قاعدة الاشتباك الجديدة».

ويعتقد خبراء عراقيون أن بيان اللواء يحيى رسول عن اعتقال متورطين على صلة بالأجهزة الأمنية قد يعني أنهم «ربما على صلة بالفصائل المسلحة».

صورة وزعتها جهة أمنية لمنصة صواريخ عثرت عليها الأسبوع الماضي بعد استهداف السفارة الأميركية

شبهة الفصائل «واردة»

وقال الخبير في الشأن الأمني العراقي، فاضل أبو رغيف، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «ارتباط هذه المجموعة بالفصائل المسلحة أمر وارد، بسبب تأثر منتسبي الأجهزة الأمنية بالوضع العام، وبالاستقطاب السياسي».

ومن الممكن أن يسهم اعتقال المتورطين في «ردع الجماعات المسلحة التي تستهدف المصالح الأميركية»، لكن إنهاء الهجمات بحاجة إلى «إطار عمل سياسي تقوده الفعاليات السياسية المتنفذة»، وفقاً للخبير أبو رغيف.

ويميل الخبير إلى الاعتقاد بأن «الفصل بين الجماعات المسلحة وأحزاب نشطة في الإطار التنسيقي أمر صعب للغاية، خصوصاً أن بعض الأطراف تخوض مواجهة مباشرة مع واشنطن بغض النطر عن السياسية الحكومية».

وتواجه القوات العراقية جملة عوامل ميدانية تعيق اعتقال منفذي الهجمات، وتعكس تطور أساليب عمل الفصائل العراقية، من بينها اختيار أماكن بعيدة عن كاميرات المراقبة، إلى جانب استخدام أجهزة التحكم عن بعد لإطلاق الصواريخ.

ومع ذلك، فإن الخبير أبو رغيف يعتقد أن العملية الأمنية الأخيرة «تسجل نقطة لصالح الحكومة العراقية مع واشنطن التي ضغطت كثيراً في هذا الملف، وقد تساعد بغداد على تجنب سيناريو متوتر كان متوقعاً خلال الفترة المقبلة».

وأشارت تقارير محلية، الأسبوع الماضي، إلى أجواء «متوترة» في الاتصالات المتواترة بين السوداني والمسؤولين الأميركيين، بسبب خلاف حول حق الأميركيين في «الدفاع عن النفس» داخل العراق.

العراق يشتري «مسيّرات»

بالتزامن، قررت وزارة الداخلية العراقية، الخميس، شراء طائرات مسيرة لدعم العمل الأمني في البلاد.

وكشفت الوزارة عن قرار الشراء، بعدما اجتمع الوزير عبد الأمير الشمري مع لجنة «التسليح» بمناقشة إمكانية تطوير القدرات القتالية لجميع التشكيلات الأمنية، وفقاً لبيان صحافي.

وقالت الوزارة، إن الشمري منح الإذن «للتعاقد مع هيئة التصنيع الحربي لشراء طائرات مسيرة».

وشدد الوزير العراقي على «تزويد الأجهزة الأمنية بأسلحة ذات مواصفات متطورة والشروع بجرد التشكيلات التي هي بحاجة إلى تعزيزها بالأسلحة وسد أي نقص فيها».

وازدادت أهمية المسيرات لدى الأجهزة الأمنية العراقية بعدما لجأت إليها بوصفها سلاحاً تكتيكياً، خلال المعارك ضد تنظيم «داعش» بعد عام 2014، وكانت تستخدم غالباً لرصد المسلحين في نطاق حرب الشوارع المعقدة.


مقالات ذات صلة

الإمارات والعراق يؤكدان أهمية إيجاد تسويات سلمية لنزاعات المنطقة

الخليج الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات ومحمد شياع السوداني رئيس وزراء العراق (وام)

الإمارات والعراق يؤكدان أهمية إيجاد تسويات سلمية لنزاعات المنطقة

الإمارات والعراق أكدا أهمية إيجاد تسويات سلمية للنزاعات والأزمات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط ودعم كل ما من شأنه تحقيق الاستقرار والازدهار لشعوبها

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
تحليل إخباري السوداني خلال حديثه عن مبادرته لإرساء الأمن في سوريا أول من أمس في الموصل (رئاسة الوزراء)

تحليل إخباري العراق... انكفاء أم خشية من الحدث السوري الجديد؟

رغم تسارع وتيرة الزيارات الدبلوماسية العربية والإقليمية والأجنبية إلى دمشق بعد إطاحة نظام الأسد، خصوصاً في الأيام الأخيرة، ما زالت الحكومة العراقية «مترددة».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يترأس اجتماعاً لقيادات الأجهزة الأمنية والعسكرية في محافظة نينوى (رئاسة الوزراء)

السلطات العراقية تراقب محاولات لتسويق «داعش»

بعد أيام من رفع علم تنظيم «داعش» في إحدى قرى محافظة كركوك شمال بغداد، رصدت القوات الأمنية الاثنين في بغداد عبارات تمجد التنظيم الإرهابي.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي عرض عسكري للجيش العراقي و«الحشد الشعبي» في الموصل مؤخراً (أ.ف.ب)

العراق: «كتائب سيد الشهداء» توقف عملياتها و«الفتح» يرفض حل «الحشد»

في حين أكدت كتائب «سيد الشهداء»، أحد الفصائل المسلحة المنضوية في «محور المقاومة»، توقف هجماتها ضد إسرائيل، رفض تحالف «الفتح» الذي يقوده هادي العامري حل «الحشد».

فاضل النشمي (بغداد)
المشرق العربي المشهداني لدى استقباله السفير السعودي في بغداد (البرلمان العراقي)

المشهداني يدعو إلى تعزيز التعاون بين بغداد والرياض

دعا رئيس البرلمان العراقي الدكتور محمود المشهداني إلى إيلاء التعاون مع المملكة العربية السعودية أهمية قصوى في هذه المرحلة.

حمزة مصطفى (بغداد)

العراق... انكفاء أم خشية من الحدث السوري الجديد؟

السوداني خلال حديثه عن مبادرته لإرساء الأمن في سوريا أول من أمس في الموصل (رئاسة الوزراء)
السوداني خلال حديثه عن مبادرته لإرساء الأمن في سوريا أول من أمس في الموصل (رئاسة الوزراء)
TT

العراق... انكفاء أم خشية من الحدث السوري الجديد؟

السوداني خلال حديثه عن مبادرته لإرساء الأمن في سوريا أول من أمس في الموصل (رئاسة الوزراء)
السوداني خلال حديثه عن مبادرته لإرساء الأمن في سوريا أول من أمس في الموصل (رئاسة الوزراء)

مع تسارع وتيرة الزيارات الدبلوماسية العربية والإقليمية والأجنبية إلى دمشق بعد إطاحة نظام بشار الأسد، خصوصاً في الأيام الأخيرة، ما زالت الحكومة العراقية «مترددة» في إرسال وفد رسمي إلى سوريا، رغم حالة الجوار الجغرافي والتقارب الاجتماعي بين البلدين الشقيقين.

وبينما تتواصل مواقف حكومة رئيس الوزراء محمد السوداني بشأن الحرص على «مساعدة الشعب السوري»، وتأكيدها على هذا المسار، خلال اتصالاته ببعض المسؤولين والزعماء العرب، فإن عدداً غير قليل من المراقبين المحليين لاحظوا أن حكومة السوداني «ما زالت تمارس نوعاً من الانكفاء»، أو تتعاطى «بحذر وخشية» لجهة الانخراط في الحدث السوري.

وقال السوداني، الأحد، إن حكومته «بادرت بإجراء اتصالات وزيارات مع الدول الشقيقة، وأطلقنا مبادرة لإرساء الأمن في سوريا، وقدمنا ورقة عراقية في مؤتمر العقبة بالأردن بشأن سوريا، وحظيت بترحيب جميع الأشقاء».

غير أن المسؤولين الحكوميين، سواء في وزارة الخارجية، أو على مستوى الشخصيات المقربة من رئيس الوزراء، لم يتحدثوا عن طبيعة تلك المبادرة، واقتصروا على التصريحات العمومية، وكذلك الأمر مع ما ورد في ورقة العقبة، وهو ما يؤكد طبيعة «الحذر» الذي تمارسه بغداد حيال الحدث السوري.

ويقرّ الباحث والمحلل نزار حيدر بـ«الحذر والانكفاء» العراقي حتى الآن، ويتوقع أن يستمر لفترة غير معروفة.

ويعزو حيدر أحد أسباب ذلك، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «عدداً من عناصر الفصائل السورية المسلحة كانوا يقاتلون في العراق بعد عام 2003 ضمن جماعات أصولية»، لذا «تتأنى السلطات العراقية في التواصل مع الحكم الجديد في سوريا، ولا أظنها ستتخذ خطوة إيجابية قبل أن تجد مخرجاً لهذا الملف لتسويقه أمام الرأي العام العراقي الذي ينظر بعين الريبة لهذه الفصائل».

ويتابع حيدر أن «انتظار العراق لا يمكن أن يطول كثيراً، إذ لا بد أن يتخذ خطوة إيجابية لمد جسور العلاقات مع دمشق بعد عديد البيانات والتغريدات الإيجابية التي صدرت عن عدد من المسؤولين العراقيين بشأن التغيير الذي تشهده سوريا».

ويعتقد أن «انخراط العراق في فترة من الفترات في القتال ضد تنظيمات هذه الزعامات على الأراضي السورية عندما كانت طهران تقاتل كتفاً لكتف في سوريا لحماية نظام الطاغية المخلوع بشار الأسد، له تداعيات أيضاً على ملف العراق بين بغداد ودمشق ينبغي تفكيكها».

ويتفق رئيس «مركز التفكير السياسي» إحسان الشمري على أن الموقف العراقي بشكل عام «يتعاطى بحذر شديد جداً مع التطورات السورية لاعتبارات عديدة»، حسبما قال لـ«الشرق الأوسط».

وضمن تلك الاعتبارات «القناعات المسبقة لدى العراق، واتجاهات الفصائل السورية المسلحة و(هيئة تحرير الشام) واحدة منها، وتالياً يسعى إلى وضع هذه الجماعات في لحظات ترقب واختبار».

ويعتقد الشمري أن من بين أسباب الانكفاء العراقي «حالة الانقسام الحادة داخل (الإطار الشيعي) بين الراغبين في مد العلاقة مع الإدارة السورية الجديدة والرافضين لذلك التي تمثلها الفصائل المسلحة، لذلك أعاق هذا الانقسام داخل حاضنة السوداني جهود أن يكون هناك تواصل رسمي أو ذهاب وفد عراقي لدمشق».

ويعد رئيس الوزراء الأسبق وعضو «الإطار التنسيقي»، حيدر العبادي، من بين المؤيدين للوضع السوري الجديد، وأطلق قبل أيام «مبادرة الرافدين» لإغاثة الشعب السوري، وطالب بجهد سياسي مواز للانخراط في الحدث السوري.

ولا يستبعد الشمري أن يكون «الفاعل الإيراني وراء التأثير الأكبر في التردد والانكفاء العراقي، فلا تزال حكومة السوداني تنظر إلى الموقف الإيراني تجاه الملف السوري، ويبدو أن طهران رافضةٌ للحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا، وهذا باعتقادي أثر على موقف حكومة السوداني».

ويضيف سبباً آخر لحالة الانكفاء والتردد يتمثل في أن «المواقف السابقة لرئيس الوزراء، خصوصاً حين أشار في وقت سابق إلى عدم إمكانية التعامل مع الجماعات الإرهابية، قد تدفع باتجاه عدم التواصل بشكل سريع مع الحدث السوري لأنه سيكون بمثابة تناقض كبير في المواقف».