هل يحارب نتنياهو السلطة بعد «حماس» وينقل المواجهة إلى الضفة؟

قال إن «أوسلو» خطأ إسرائيل الأكبر... و«حماس» تطالب السلطة بالانضمام للمقاومة

الأهالي يتفقدون الموقع الذي قُتل فيه 4 فلسطينيين بطائرة مسيرة في جنين الثلاثاء (رويترز)
الأهالي يتفقدون الموقع الذي قُتل فيه 4 فلسطينيين بطائرة مسيرة في جنين الثلاثاء (رويترز)
TT

هل يحارب نتنياهو السلطة بعد «حماس» وينقل المواجهة إلى الضفة؟

الأهالي يتفقدون الموقع الذي قُتل فيه 4 فلسطينيين بطائرة مسيرة في جنين الثلاثاء (رويترز)
الأهالي يتفقدون الموقع الذي قُتل فيه 4 فلسطينيين بطائرة مسيرة في جنين الثلاثاء (رويترز)

وضعت الحرب الإسرائيلية الدموية على قطاع غزة، السلطة الفلسطينية في عين العاصفة، وأشعلت توترات في الضفة الغربية التي تخشى إسرائيل أن تتحول إلى جبهة ثالثة، وهو تخوف يبدو أحيانا أن الإسرائيليين يدفعون باتجاهه، مع فرضهم أجواء حرب يومية مستمرة هناك، بدأ يرافقها في الأسابيع القليلة الأخيرة، تحريض مباشر وواضح على الرئيس الفلسطيني محمود عباس والسلطة الفلسطينية.

وعلى الرغم من أنه لا بوادر لتحرك داخل الضفة، تهاجم إسرائيل الفلسطينيين هناك، وتقتل مسلحين وغير مسلحين وتعتقل مسلحين وناشطين وأطباء وصحافيين ومتضامنين. وعلى الرغم من أن أي أحد في السلطة لم يقدم على أي فعل، خرج رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ليقول إن جيشه يستعد لقتال محتمل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية.

فهل يريد نتنياهو استكمال الحرب على الفلسطينيين من خلال السلطة بعد «حماس» في الضفة بعد القطاع؟

الناطق الرسمي باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة، قال إن التصريحات التي أدلى بها نتنياهو وقال فيها إن جيشه يستعد لاحتمال المواجهة مع أجهزة أمن السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، تعبر بشكل واضح عن نياته المبيتة بوجود قرار إسرائيلي لإشعال الضفة الغربية، وذلك استكمالاً للحرب الشاملة التي تشنها سلطات الاحتلال الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، وأرضه، ومقدساته في قطاع غزة، والضفة الغربية، بما فيها القدس.

أحد أفراد قوات الأمن الإسرائيلية يتابع من داخل عربة عسكرية مداهمة في جنين قتل فيها 4 فلسطينيين الثلاثاء (رويترز)

واتهم أبو ردينة، الحكومة الإسرائيلية بشن حرب إبادة جماعية على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وفي الضفة الغربية، عبر القتل والاعتقال واقتحامات للمدن والقرى والمخيمات، وتهجير قسري للسكان، وحجز أموال المقاصة الفلسطينية. وقال الناطق الرسمي باسم الرئاسة، إن سلطات الاحتلال الإسرائيلي ستجر المنطقة إلى حروب لا تنتهي، وهي تهدد الأمن والسلم الدوليين.

وفي إطار هجوم مزدوج ليس جديدا، لم ينس أبو ردينة أن يحمل الولايات المتحدة الأميركية، المسؤولية عن استمرار الحرب والعدوان والجرائم، قائلا إن استعمالها لحق النقض «الفيتو»، هو الذي أعطى الضوء الأخضر للاحتلال الإسرائيلي بالاستمرار في كل هذا.

وكان أبو ردينة يرد على تصريحات نتنياهو، التي قال فيها بأن جيشه يستعد لوضع يغير فيه اتجاه بنادقه نحو السلطة.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أ.ب)

قتال السلطة الفلسطينية

نتنياهو قال خلال جلسة مغلقة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، إن هذا السيناريو ليس جديدا، وإن جيشه يستعد لاحتمال قتال السلطة الفلسطينية، وهو يعمل على وضع تكون فيه الطائرات في الجو «مستعدة وقادرة على التدخل وحسم المسألة». وهاجم نتنياهو السلطة، وقال إن الفارق بينها وبين «حماس» أن «(حماس) تريد إبادتنا حالا، أما السلطة فتخطط لتنفيذ ذلك على مراحل».

وعد نتنياهو أن اتفاق أوسلو «كان خطأ إسرائيل الأكبر»، موضحاً أن عدد القتلى الإسرائيليين نتيجة «أوسلو» منذ عام 1993 هو عدد القتلى نفسه في عملية «طوفان الأقصى» يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول)، والبالغ 1200 شخص. وأعاد نتنياهو التأكيد على أن السلطة لن تحكم قطاع غزة بعد الحرب، وإنما سلطة مدنية لم يحددها.

هجوم نتنياهو على السلطة ليس جديداً، لكنه الأوضح الذي يكشف جزءاً من خطته التي قد تكون قائمة على تقويض السلطة.

الرئيس محمود عباس أثناء اجتماعه بالقيادة الفلسطينية برام الله في الثاني من ديسمبر الحالي (وفا)

عباس مدرك للمؤامرة

ولا يبدو أن تقويض السلطة سيتم من خلال استبعادها عن غزة فقط، بل عبر زجها في مواجهة بالضفة التي تشهد منذ بدأت إسرائيل الحرب على قطاع غزة توترات متصاعدة. وأكدت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«الشرق الأوسط»، أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس مدرك لوجود مؤامرة كبيرة على القضية الفلسطينية.

وأخبر الرئيس الفلسطيني محمود عباس أعضاء القيادة الفلسطينية، في اجتماع عقد في الثاني من الشهر الحالي، أنه لن يسمح بتمرير المؤامرة، وقال لهم إنه «يوجد عنوان واضح لكل شيء، وهو منظمة التحرير بمن فيها، لا سلطة جديدة ولا متجددة ولا أي شيء آخر». في إشارة إلى رفضه لما يطرحه الأميركيون.

ويؤمن عباس وأركان القيادة الفلسطينية، أن ثمة مؤامرة على السلطة تحاك في ذروة الحرب المدمرة على قطاع غزة، وهي قناعة عبر عنها رئيس الوزراء الفلسطيني محمد أشتية، في وقت سابق عندما قال إن إسرائيل تشن حربا على السلطة الفلسطينية وعلى كل الفلسطينيين لأن السلطة هي رمز الوطنية الفلسطينية، ورمز الدولة، ورمز وحدة العنوان السياسي، ورمز وحدة الأراضي الفلسطينية، وهو لا يريد ذلك.

الحرب التي يشنها نتنياهو على السلطة ليست متعلقة بدورها فقط، بل إنه يحرض على عباس شخصياً، ويقول إنه منكر «للمحرقة» و«للمجزرة» و «يمول الإرهاب»، وسلطته ضعيفة في الضفة واختبر سابقا في غزة.

مقتل أربعة في جنين

يأتي ذلك في وقت تفرض فيه إسرائيل أجواء حرب على الضفة تقتل معها وتعتقل الفلسطينيين كل يوم، بمن فيهم أعضاء في السلطة الفلسطينية التي حجبت أموال المقاصة عنها وتركتها عاجزة عن دفع الرواتب.

وقصفت إسرائيل، الثلاثاء، مطلوبين في جنين شمال الضفة وقتلت 4 فلسطينيين.

وأعلنت وزارة الصحة، أن رفيق الدبوس، ومحمود أبو سرور، وبكر زكارنة، وثائر أبو التين (18 عاما)، قضوا بقصف مسيرات إسرائيلية.

إيقاف صحافيين في مخيم جنين للاجئين خلال هجوم إسرائيلي (إ.ب.أ)

وخاض الجيش الإسرائيلي اشتباكات واسعة في جنين طيلة ساعات، خلفت جرحى ومعتقلين ودمارا كبيرا في البنية التحتية. والاقتحام كان جزءا من اقتحام أوسع في مناطق أخرى في الضفة، حيث اعتقلت إسرائيل 50 فلسطينيا.

وأمام هذا الوضع، عدت حركة «حماس» أن تصريحات نتنياهو، التي أشار فيها إلى جهوزية جيش الاحتلال لمهاجمة السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية في الضفة الغربية، «تؤكّد نيات الاحتلال الرامية لاستهداف شعبنا الفلسطيني سواء في غزة أو الضفة، وأنه لا يكترث حتى بمن قبل بالتسوية السياسية معه، وأنه يسعى لترسيخ الاحتلال في أراضينا المحتلة وفي مقدمتها القدس والمسجد الأقصى». ودعت «حماس» السلطة الفلسطينية وأجهزتها الأمنية، إلى «تجاوز مفاعيل اتفاقيات أوسلو، ووقف أشكال التنسيق الأمني كافة مع الاحتلال، والانتقال إلى مربع المقاومة الشاملة وحشد الطاقات كافة لمواجهة الاحتلال حتى تحرير الأرض والمقدسات، وتحقيق تطلعات شعبنا بانتزاع حقوقنا الوطنية كاملة من احتلال لا يفهم إلا لغة القوة».


مقالات ذات صلة

شؤون إقليمية المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (الموقع الرسمي للمحكمة) play-circle 02:06

ما حيثيات اتهامات «الجنائية الدولية» لنتنياهو وغالانت والضيف؟

مع إصدار الجنائية الدولية مذكرات اعتقال لرئيس وزراء إسرائيل نتنياهو ووزير دفاعه السابق غالانت والقيادي في «حماس» محمد الضيف، إليكم أبرز ما جاء في نص المذكرات.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
شؤون إقليمية عناصر من حركتي «حماس» و«الجهاد» يسلمون رهائن إسرائيليين للصليب الأحمر في نوفمبر 2023 (د.ب.أ)

انتقادات من الجيش لنتنياهو: عرقلة الاتفاق مع «حماس» سيقويها

حذر عسكريون إسرائيليون، في تسريبات لوسائل إعلام عبرية، من أن عرقلة نتنياهو لصفقة تبادل أسرى، تؤدي إلى تقوية حركة «حماس»، وتمنع الجيش من إتمام مهماته القتالية.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي «كتائب القسام» تعلن أن مقاتليها تمكنوا من قتل 15 جندياً إسرائيلياً في اشتباك ببلدة بيت لاهيا (رويترز)

«كتائب القسام» تقول إنها قتلت 15 جندياً إسرائيلياً في اشتباك بشمال قطاع غزة

أعلنت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، الخميس، أن مقاتليها تمكّنوا من قتل 15 جندياً إسرائيلياً في اشتباك ببلدة بيت لاهيا شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
العالم العربي رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت (أرشيفية - رويترز)

«حماس» تُرحّب بمذكرتي توقيف نتنياهو وغالانت وتصفهما بخطوة «تاريخية»

رحّبت حركة «حماس»، اليوم (الخميس)، بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (غزة)

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.