«مشروع أميركي» لتهجير الفلسطينيين يُفاقم قلقاً مصرياً

يتضمن محاولات جديدة لـ«إغراء» دول عربية بشأن استضافة لاجئي غزة

مواطنون ينزحون من مدينة غزة إلى الجنوب في بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع (أ.ف.ب)
مواطنون ينزحون من مدينة غزة إلى الجنوب في بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع (أ.ف.ب)
TT

«مشروع أميركي» لتهجير الفلسطينيين يُفاقم قلقاً مصرياً

مواطنون ينزحون من مدينة غزة إلى الجنوب في بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع (أ.ف.ب)
مواطنون ينزحون من مدينة غزة إلى الجنوب في بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع (أ.ف.ب)

عززت معلومات قيل إنها لمشروع قُدم إلى مسؤولين بارزين في الكونغرس الأميركي بشأن تهجير سكان غزة إلى دول الجوار، مخاوف مصر من استمرار إسرائيل في مساعيها الرامية إلى تهجير سكان القطاع الفلسطيني، ودفعهم بوسائل شتى نحو الأراضي المصرية. ولا تزال مصر ترى أن سياسة «التهجير القسري» والنقل الجماعي لسكان غزة الفلسطينيين «هدف إسرائيلي» على الرغم من رفضها من دول العالم.

وكشفت صحيفة «يسرائيل هيوم» الإسرائيلية أن خطة إسرائيلية عُرضت على مسؤولين كبار من الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مجلسي النواب والشيوخ الأميركيين، و«نالت مباركتهم»، وفق الصحيفة، سيُرَوَّج لها مباشرة عقب الموافقة عليها.

وتشمل الخطة 4 مبادرات اقتصادية لـ 4 دول في المنطقة، هي مصر والعراق واليمن وتركيا، بحيث تقبل «هجرة طوعية وليس بالإكراه» للفلسطينيين إلى أراضيها.

وأكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي مِراراً رفض بلاده «التهجير القسري» لسكان غزة، مشدداً على أن مصر «لم ولن تسمح بتصفية القضية على حساب دول الجوار».

وفي استعراض عسكري لإحدى فرق الجيش المصري في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، حذر السيسي من خطورة المساس بالأمن القومي المصري، مؤكداً أنه «لا تهاون في حماية الأمن القومي لمصر»، وأضاف في مناسبة أخرى أن «مصر دولة قوية ولا تُمس».

وفي جلسة مجلس الأمن الدولي حول الوضع في الشرق الأوسط، الأربعاء، أكد وزير الخارجية المصري سامح شكري أن «سياسة التهجير القسري والنقل الجماعي التي رفضها العالم ويعدها انتهاكاً للقانون الدولي، ما زالت هدفاً لإسرائيل، ليس فقط من خلال التصريحات والدعوات التي صدرت عن مسؤولين إسرائيليين، وإنما من خلال خلق واقع مرير على الأرض يستهدف طرد سكان غزة الفلسطينيين من أرضهم، وتصفية قضيتهم من خلال عزل الشعب عن أرضه والاستحواذ عليها».

وقال إن المجتمع الدولي لم ينهض للحيلولة دون تلك الممارسات، كما «تقاعس من قبل عن مواجهة الضم والهدم والاستيطان والقتل خارج القانون، فتم تكريس تلك الممارسات غير الشرعية، وتمادت، وأمعنت فيها دولة الاحتلال».

وأعلنت الإدارة الأميركية في المراحل الأولى من الحرب أنها ستعارض التهجير القسري لسكان غزة من القطاع، لكن التصريحات الرسمية لم تشر إلى موقفها بشأن ما وصفه المقترح الإسرائيلي بـ«المغادرة الطوعية».

معبر رفح بين مصر وقطاع غزة يوم الخميس (رويترز)

تهجير لـ 4 دول

وأوضحت «يسرائيل هيوم» أن المبادرة يرعاها علناً عضو مجلس النواب الأميركي جوي ويلسون، وتقضي بأن الولايات المتحدة ستشترط استمرار مساعداتها الاقتصادية لمصر وتركيا واليمن بشرط خروج السكان من غزة من أجل الاستقرار في أراضي تلك الدول. ووصف ويلسون المقترح بأنه «الحل الأخلاقي الوحيد لضمان أن تفتح مصر حدودها، وتسمح للاجئين بالهروب من سيطرة إسرائيل و(حماس)».

وتقدم الحكومة الأميركية لمصر ما يقرب من 1.3 مليار دولار من المساعدات الخارجية سنوياً.

وأضاف ويلسون في تصريحات واكبت دعمه للمشروع أنه «لا ينبغي أن تكون مصر الدولة الوحيدة التي تستقبل اللاجئين، فالعراق واليمن يتلقيان نحو مليار دولار من المساعدات الخارجية الأميركية، وتتلقى تركيا أكثر من 150 مليون دولار، وتتلقى كل دولة من هذه الدول ما يكفي من المساعدات الخارجية، ولديها عدد كبير من السكان بما يكفي لتكون قادرة على امتصاص اللاجئين الذين يشكلون ما لا يقل عن واحد في المائة من سكانها».

«هلوسة سياسية»

ويصف وزير الخارجية المصري السابق نبيل فهمي، المشروع المقترح بأنه «هلوسة سياسية»، مشيراً إلى أن المساعي الإسرائيلية لتخفيف الكثافة السكانية الفلسطينية في غزة والضفة الغربية تمثل «توجهاً استراتيجياً لدولة الاحتلال منذ سنوات طويلة»، لكنه أضاف أن ذلك «لا يُلزم مصر في شيء».

وأضاف فهمي لـ«الشرق الأوسط» أن تقديم المقترح الإسرائيلي للكونغرس أو حتى مناقشته داخل أروقة المؤسسة التشريعية الأميركية «لا يجعله ذا جدوى»، لافتاً إلى أن الإدارة الأميركية لا تتبنى مثل هذه الأفكار، بل أعلنت علناً رفضها فكرة التهجير، وحتى لو تبنته فإن ذلك «لا يغير من الموقف المصري الحاسم رسمياً وشعبياً» برفض أي إجراءات من شأنها تصفية القضية الفلسطينية، ومنها التهجير القسري لسكان غزة.

وشدد وزير الخارجية المصري السابق على أن مصر لا تؤسس مواقفها على تصريحات أو مشاريع من جهات أخرى، لكنها تتحرك وفق بوصلة مصالحها العليا وحماية أمنها القومي وثوابتها والتزاماتها الإقليمية والدولية، مجدداً وصف أي أفكار إسرائيلية بشأن التهجير بأنها «هلوسة»، ومنوهاً بأن إسرائيل لم تسمح يوماً بعودة لاجئ فلسطيني إلى أرضه منذ عام 1948، وأن ما تروجه من حجج بشأن حماية المدنيين مؤقتاً من تداعيات الحرب هي «خدعة لا تنطلي على أحد».

الدخان يتصاعد عقب غارة إسرائيلية قرب رفح على الحدود بين مصر وقطاع غزة الجمعة (أ.ف.ب)

إلحاح إسرائيلي

كانت مصر قد انتقدت الشهر الماضي تصريحات لوزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتس، تعليقاً على مقال نشره عضو الكنيست رام بن باراك وداني دانون في صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، اقترحا فيه خطة هجرة طوعية للاجئي غزة، قائلاً: «هذا هو الحل الإنساني الصحيح لسكان غزة والمنطقة بأكملها بعد 75 عاماً من اللجوء والفقر والمخاطر».

وقال الوزير الإسرائيلي إن «قبول اللاجئين من قبل دول العالم بدعم ومساعدة مالية سخية من المجتمع الدولي، بما في ذلك دولة إسرائيل، هو الحل الوحيد الذي سيضع حداً لمعاناة وألم اليهود والعرب على حد سواء»، مشدداً على أن «إسرائيل لن تكون قادرة بعد الآن على تحمل وجود كيان مستقل في غزة، يقوم بطبيعته على كراهية إسرائيل والرغبة في تدميرها».

قضية أمن قومي

بدوره، وصف السفير رخا أحمد حسن، مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، رداً على الخطة الجديدة التي أشارت إليها صحيفة «يسرائيل هيوم» بأنها «أفكار غير واقعية»، مشدداً على موقف مصر الرافض على مدى عقود فكرة تهجير الفلسطينيين إلى سيناء.

ورفض حسن في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» المقارنة بين تهجير الفلسطينيين وبين استيعاب مصر ودول أخرى للاجئين السوريين، مؤكداً أن الأزمة السورية مؤقتة وستنتهي يوماً ما، وسيعود النازحون إلى أراضيهم، بينما خروج الفلسطينيين يعنى تصفية القضية الفلسطينية إلى الأبد، وانتهاء فكرة إقامة دولة مستقلة.

وشدد مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق على أن مصر رفضت على مدى العقود الماضية أي أفكار لتهجير الفلسطينيين إلى أراضيها، رغم ما قدمته الولايات المتحدة وإسرائيل من أفكار تتضمن تبادلاً للأراضي أو مشروعات اقتصادية مغرية، مجدداً التأكيد على أن القضية ترتبط بالأمن القومي المصري، وهذه المسألة «ليست محل نقاش».

وكان الجيش الإسرائيلي قد أصدر منذ بداية عملياته العسكرية تحذيرات لسكان شمال قطاع غزة بضرورة إخلاء منازلهم فوراً والتوجه نحو الجنوب (باتجاه الحدود المصرية)، كما قطع خدمات المياه والكهرباء عن معظم مناطق القطاع لدفعهم إلى النزوح.

وتعددت مشروعات تهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار، بصيغ وأفكار متباينة، جاء أولها في خمسينات القرن الماضي، بعد فرار 200 ألف لاجئ فلسطيني من فلسطين التاريخية إلى غزة بحلول مارس (آذار) 1949، عندما وُضع مخطط أمني بواجهة اقتصادية واجتماعية لتوطين عشرات الآلاف من الفلسطينيين في مشاريع التنمية الزراعية الجديدة بسيناء، وخصصت الولايات المتحدة الجزء الأكبر من التمويل للمشروع، والذي قُدر بنحو 30 مليون دولار في عام 1955، ونوقشت الفكرة مع الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، لكن انتفاضة الفلسطينيين في ما عُرف بـ«هبّة مارس» أجهضت المشروع قبل أن ترفضه مصر.

وخلال احتلال إسرائيل لسيناء (1967 - 1973) حاولت إسرائيل استغلال سيطرتها على الأرض، في تهجير آلاف الفلسطينيين إلى الأراضي المصرية المحتلة آنذاك، في ما عُرف بـ«مشروع العريش» عام 1970.

كما تكرر الطرح الإسرائيلي المدعوم أميركياً مرات عدة عقب توقيع اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل، إذ تراجعت إسرائيل عن مقترح لتبادل الأراضي بين مناطق في سيناء تخصص لسكان غزة مقابل حصول مصر على أراضٍ في صحراء النقب بعدما اشترط الرئيس المصري الراحل أنور السادات الحصول على المنطقة التي يقع بها ميناء إيلات، المنفذ الوحيد لإسرائيل على البحر الأحمر.

وتكرر طرح فكرة التهجير أكثر من مرة على الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، والذي رفضها جميعاً، سواء تلك التي اقترحتها دول وسيطة مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، أو جاء من إسرائيل مباشرة، مثل مشروع عام 2000، عندما قدم اللواء في الاحتياط الذي ترأس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي «غيورا أيلاند» مشروعاً أطلق عليه «البدائل الإقليمية لفكرة دولتين لشعبين»، ونشرت أوراقه في مركز بيغن - السادات للدراسات الاستراتيجية.

ومع وصول تنظيم «الإخوان» إلى الحكم عام 2013، أشارت مجلة أميركية إلى أن الرئيس الأسبق محمد مرسي ناقش عرضاً أميركياً حمله وزير الخارجية آنذاك جون كيري، يقضي بموافقة كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وبعض دول الاتحاد الأوروبي على شطب الديون الخارجية لمصر مقابل توطين الفلسطينيين في سيناء.


مقالات ذات صلة

«حماس»: الفصائل أعادت التموضع في كل مكان بغزة

المشرق العربي جنود غسرائيليون في غزة (أ.ف.ب)

«حماس»: الفصائل أعادت التموضع في كل مكان بغزة

قال رئيس حركة «حماس» في الخارج خالد مشعل، اليوم (السبت)، إن الفصائل الفلسطينية في غزة «أعادت تموضعها» بجميع أنحاء القطاع.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)
شؤون إقليمية جنود إسرائيليون يتحركون فوق دبابة بالقرب من الحدود بين إسرائيل وغزة كما يُرى من جنوب إسرائيل الخميس 16 مايو 2024 (أ.ب)

تقرير إسرائيلي: تشكيل حكومة عسكرية في غزة يتطلب بقاء 5 ألوية للجيش في القطاع

أشار تقرير رسمي إسرائيلي إلى أنه إضافة لتكلفة إنشاء حكومة عسكرية، فإن إسرائيل سيكون عليها دفع تكلفة لم تتحدد حتى الآن لعمليات إعادة بناء البنية التحتية في غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
تحليل إخباري شاحنات تحمل مساعدات إنسانية لقطاع غزة تعبر بوابة رفح الحدودية (إ.ب.أ)

تحليل إخباري خلاف معبر رفح ... مصر وإسرائيل لترتيبات جديدة أو توتر أعمق

تقف العلاقات المصرية - الإسرائيلية عند مفترق طرق صعب، مع تصاعد الخلافات، إثر سيطرة تل أبيب على معبر رفح من الجانب الفلسطيني، ورفض القاهرة التنسيق معها بشأنه.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
المشرق العربي نتنياهو مع وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة (أرشيفية - رويترز)

«أموال الفلسطينيين» سبب في مواجهة جديدة بين تل أبيب وواشنطن

تصاعدت حدة أزمة جديدة بين واشنطن وتل أبيب على خلفية احتجاز وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش، أموال العوائد الضريبية عن السلطة الفلسطينية.

كفاح زبون (رام الله)
الخليج ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يلتقي أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش في المنامة (واس)

محمد بن سلمان وغوتيريش يستعرضان جهود السلام والاستقرار

استعرض ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، مع أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الأوضاع في غزة، والجهود المبذولة بما يحقق السلام والاستقرار.

«الشرق الأوسط» (المنامة)

إسرائيل تستهدف طريق دمشق - بيروت... عمليتا اغتيال خلال 24 ساعة

جنود ومواطنون يعاينون سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة مجدل عنجر الجمعة (أ.ف.ب)
جنود ومواطنون يعاينون سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة مجدل عنجر الجمعة (أ.ف.ب)
TT

إسرائيل تستهدف طريق دمشق - بيروت... عمليتا اغتيال خلال 24 ساعة

جنود ومواطنون يعاينون سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة مجدل عنجر الجمعة (أ.ف.ب)
جنود ومواطنون يعاينون سيارة استهدفتها غارة إسرائيلية في بلدة مجدل عنجر الجمعة (أ.ف.ب)

تواصل التصعيد على جبهة جنوب لبنان، مع استمرار تسجيل عمليات الاغتيال التي تنفذها إسرائيل ضد عناصر وقياديين في «حزب الله» وحركة «حماس»، بحيث باتت طريق دمشق - بيروت هدفاً للقصف الإسرائيلي مع تسجيل عمليتي اغتيال خلال 24 ساعة.

وأفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان السبت، بأن مسيرة إسرائيلية استهدفت سيارة قرب حاجز للفرقة الرابعة بمنطقة الديماس بريف دمشق، على الطريق الواصلة بين دمشق - بيروت، ما أدى لتدميرها واحتراقها وسط مصير مجهول يلاحق شخصين؛ هما قيادي بـ«حزب الله» ومرافقه، كانا يستقلان السيارة.

وهذا الاستهداف هو الثاني من نوعه في هذه المنطقة خلال 24 ساعة، بعدما كان القصف الإسرائيلي استهدف مساء الجمعة، القيادي في «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» شرحبيل علي السيد، في بلدة مجدل عنجر على بعد 5 كيلومترات من الحدود مع سوريا.

وتشكّل هذه الطريق معبراً أساسياً لقياديي «حزب الله» وخط إمداد ينقل عبره شاحنات الأسلحة والذخائر.

دخان يتصاعد من مكان استهدف بالقصف الإسرائيلي في خراج بلدة راميا الجنوبية السبت (أ.ف.ب)

وصباح السبت، استهدفت مسيرة إسرائيلية دراجة نارية في الناقورة حيث أصيب الراكب وهو صياد سمك، بجروح، نقل على أثرها إلى المستشفى، في وقت طال فيه القصف بلدات جنوبية عدة.

في المقابل، أعلن «حزب الله» تنفيذه عمليات عدة، وقال في بيانات متفرقة إنه استهدف «تجمعاً ‏لجنود الجيش الإسرائيلي في محيط ثكنة برانيت بالأسلحة الصاروخية»، ورد على استهداف صياد في الناقورة بقضف موقع رأس الناقورة البحري بقذائف المدفعية.

وبعد الظهر أعلن «حزب الله» استهدافه ‏التجهيزات التجسسية في موقع الرمثا بالأسلحة المناسبة، ومن ثم المنظومات الفنية والتجهيزات التجسسية في موقع الراهب بالأسلحة المناسبة، كما أعلن استهداف تموضع لجنود إسرائيليين داخل غرفة في ثكنة راميم بمحلقة هجومية انقضاضية أصابتها بشكل مباشر.

ترتيبات لدفن القتلى

في غضون ذلك، ومع التصعيد المستمر في الجنوب، بات الأهالي يستفيدون من هذه الفترات للمشاركة في تشييع قتلاهم وتفقد منازلهم، بينما لا يزال بعضهم الآخر لا يتجرأ على الذهاب إلى بلداتهم رغم أنه يتم التنسيق بين الجيش اللبناني وقوات «اليونيفيل» التي تنسق بدورها مع الجيش الإسرائيلي لتأمين الهدوء في المنطقة.

مقاتلة إسرائيلية تطلق بالونات حرارية في سماء جنوب لبنان الحميس الماضي (أ.ف.ب)

ويؤكد مصدر عسكري لـ«الشرق الأوسط» أنه عند تحديد موعد لتشييع القتلى في الجنوب يبلغ المعنيون الجيش اللبناني بالمكان والزمان، وهو بدوره يبلغ قوات «اليونيفيل» التي تبلغ بدورها الجيش الإسرائيلي، وهو ما يؤكد عليه أيضاً مصدر في قوات «اليونيفيل» لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

وتشكّل مراسم تشييع أشخاص قتلوا في المواجهات بين إسرائيل و«حزب الله»، الفرصة لسكان ميس الجبل الحدودية لزيارة قريتهم المدمّرة بناء على هذا الهدوء المؤقت، لكن في المقابل، لا يزال آخرون يخشون من هذه المغامرة منطلقين في ذلك من وقائع سابقة، حيث سجّل قصف إسرائيلي على مقربة من تشييع أحد قتلى «حزب الله».

وتقول إحدى السيدات التي تعيش في بيروت واعتادت أن تنتقل في الصيف إلى عيتا الشعب لقضاء العطلة، لـ«الشرق الأوسط»: «في الأسابيع الأولى للحرب، ذهبت مرات عدة إلى القرية وتفقدت المنزل، لكن منذ ما بعد الهدنة في شهر نوفمبر (تشرين الأول) الماضي، لم أغامر بذلك، لا سيما أن بعض الأحيان يتم استهداف التشييع كما حصل سابقاً في قريتنا». وتلفت إلى أنه ورغم أن قريباً لها قتل في الحرب فإنها لم تشارك في التشييع.

تشييع أحد قتلى «حزب الله» في بلدة ميس الجبل الجنوبية الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)

وكان الجيش الإسرائيلي قد استهدف أحد المنازل في بلدة عيتا الشعب، على مقربة من موقع تشييع أحد عناصر «حزب الله»، في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

والأمر نفسه حصل في 5 الشهر الحالي، حيث قتلت عائلة كاملة مؤلفة من 4 أشخاص، بضربة إسرائيلية في ميس الجبل، بينما كانت تقام مراسم تشييع. وكان فادي حنيكة، الوالد، قد استغل فترة تشييع أحد القتلى لإخراج أغراض له من منزله، لكن الطيران الإسرائيلي استهدفه بصواريخ، ما أدى إلى مقتله وزوجته وولديه وتدمير منزلهم.

بدورها، تبدو ميس الجبل أشبه بساحة معركة، أما سكانها النازحون بمعظمهم فيستغلّون الهدوء النسبي المؤقت الذي يسجّل خلال مراسم تشييع لتفقّد منازلهم والإتيان بأغراض لم يفكّروا بحملها معهم عندما هربوا تحت وطأة القصف الإسرائيلي، من دون أن يدركوا أن غيابهم عن منزلهم سيطول كل هذا الوقت.

وأمام ركام منزله الذي لم ينجُ منه إلا خزان مياه بلاستيكي، يقول عبد العزيز عمار (60 عاماً) لوكالة «الصحافة الفرنسية»: «البيت سوّي بالأرض»، موضحاً: «منازل أهلي وأخي وابن أخي دمّرت كلياً».

ويقول: «يأتي الشخص إلى القرية للمشاركة في تشييع، ولا بدّ أن يستغلّ الفرصة للاطمئنان على منزله لإلقاء نظرة عليه، وإذا لم يكن مدمّراً، فلأخذ أغراض يحتاجها في مكان إقامته».

وعلى مرأى من نقاط عسكرية في الجانب الإسرائيلي، يشارك غالباً مئات من أهالي البلدات والقرى الحدودية في تشييع القتلى، وغالبيتهم من مقاتلي «حزب الله» الذي ينظّم مراسم عسكرية ويرفع راياته ويردّد عناصره ومناصروه هتافات الولاء له، بينما طائرات الاستطلاع الإسرائيلية لا تفارق الأجواء.

وأمام منزل مدمّر جزئياً، امتلأت شاحنة بمقتنيات نجت من القصف بينها غسالة وعربة طفل ودراجة نارية وكراسي بلاستيكية، يقول عبد العزيز عمار: «بغض النظر عمّا إذا كنت أحمل السلاح أم لا، فإن مجرّد وجودي في بلدتي يعني أنني هدف أمام الإسرائيلي»، مشيراً إلى مقتل 4 مدنيين من عائلة واحدة خلال الشهر الحالي.


نواب تمردوا على أحزابهم... البرلمان العراقي يفشل ثانيةً في انتخاب رئيسه

جانب من تحضيرات البرلمان العراقي لجلسة انتخاب رئيسه (إعلام المجلس)
جانب من تحضيرات البرلمان العراقي لجلسة انتخاب رئيسه (إعلام المجلس)
TT

نواب تمردوا على أحزابهم... البرلمان العراقي يفشل ثانيةً في انتخاب رئيسه

جانب من تحضيرات البرلمان العراقي لجلسة انتخاب رئيسه (إعلام المجلس)
جانب من تحضيرات البرلمان العراقي لجلسة انتخاب رئيسه (إعلام المجلس)

بعد تنافس شديد بين مرشحين بارزين وانقسام حاد بين القوى السياسية المتنفذة، أخفق البرلمان العراقي في اختيار رئيسه الجديد.

وعقد البرلمان، اليوم (السبت)، جلسة وصفت بـ«السلسة»، لانتخاب رئيس جديد، تنافس فيها 3 مرشحين.

وقبل بدء عملية الانتخاب، صوت البرلمان بالموافقة على تمديد فصله التشريعي لمدة 30 يوماً أخرى تأكيداً لقرار اتخذته رئاسة المجلس، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية.

جولة ثانية غير حاسمة

وكما الجولة الأولى في يناير (كانون الثاني) الماضي، انتهت جولة التصويت الثانية إلى نتيجة غير حاسمة، إذ حصل سالم العيساوي على 158 صوتاً، ومحمود المشهداني 137 صوتاً، وعامر عبد الجبار على 3 أصوات، بينما بلغت عدد الأصوات الباطلة 13، وفقاً لبيان الدائرة الإعلامية.

وأدلى 311 نائباً (من إجمالي 329) بأصواتهم في الجولة الأولى التي انطلقت في الساعة الرابعة عصراً بالتوقيت المحلي في بغداد.

وكانت الدائرة الإعلامية للبرلمان قالت إن إجراءات انتخاب رئيس البرلمان بدأت بمشاركة 258 نائباً.

ويفترض بالفائز أن يحصل على 167 صوتاً (النصف + واحد) ليضمن منصب الرئيس.

لوحة احتساب أصوات النواب المتنافسين على منصب رئيس البرلمان (إعلام المجلس)

وبعد الجولة الثانية، قال رئيس البرلمان بالوكالة، محسن المندلاوي، إنه «يأذن للنواب بأخذ استراحة، وبعدها يتخذ القرار بالذهاب إلى جولة ثالثة أو رفع الجلسة إلى إشعار آخر»، وتابع: «ربما نرفع الجلسة».

واتهم حزب «تقدم»، الحكومة، «بالتدخل في انتخاب رئيس البرلمان، خلافاً للدستور العراقي»، على حد تعبير النائب يحيى المحمدي.

وقالت مصادر سياسية لـ«الشرق الأوسط» إن اتصالات مكثفة أجريت بين قادة الكتل السياسية لبحث الخيار المناسب، وطالب عدد منهم بتأجيل جلسة الانتخاب إلى موعد آخر، خصوصاً مع المنافسة الشديدة بين العيساوي والمشهداني.

وفسر مراقبون النتائج المتقاربة بين المتنافسين بأن عشرات النواب تمردوا على اتفاقات قادة الأحزاب، لا سيما النواب الشيعة الذين صوتوا للعيساوي على حساب المشهداني.

وقبل يوم من الجلسة، رجح النائب السابق، مشعان، فوز المرشح سالم العيساوي على حساب محمود المشهداني، وقال إن فوز الأخير يفتح الباب أمام عودة نوري المالكي إلى منصب رئيس الوزراء من جديد.

محمود المشهداني (يمين) وسالم العيساوي في جلسة انتخاب رئيس البرلمان (إكس)

ماذا حدث قبل جلسة الانتخاب؟

عقدت القوى السياسية مداولات قبل ساعات من عقد الجلسة (مساء السبت) للتوافق على مرشح نهائي، لكن الأمور ذهبت إلى تقديم ترشيح 4 نواب وترك الأمر لأصوات الكتل السياسية.

ونقلت «وكالة أنباء العالم العربي» عن مصادر أن الآراء كانت متأرجحة بين محمود المشهداني (مرشح «تحالف تقدم - الصدارة»)، وسالم العيساوي (مرشح «تحالف السيادة» بقيادة خميس الخنجر)».

وزعمت المصادر أن الانقسام يعود بسبب «مخاوف لدى حركة (عصائب أهل الحق) و(تيار الحكمة) و(منظمة بدر) من تولي المشهداني، ويرون أحقية العيساوي بالمنصب».

وكان من المفترض أن تصوت لصالح المشهداني كتل «تقدم» و«الصادقون» و«بدر» و«دولة القانون» و«الاتحاد الوطني»، ونواب محافظة كركوك، ونواب «بابليون» التي يتزعمها ريان الكلداني، وفقاً لمصادر برلمانية.

وقالت كتلة «الإطار التركماني» في البرلمان إنها منحت صوتها لمرشح «ينصف المكون التركماني ويسعى لنيل حقوقه المشروعة أسوة بباقي المكونات».

وقال عزام الحمداني، المتحدث باسم «تحالف عزم» السُني بقيادة النائب مثنى السامرائي، لوسائل إعلام محلية، إن «القوى السياسية خاضت اجتماعات واتصالات مكثفة قبل عقد الجلسة، وهذا أمر طبيعي، فكل جهة تريد كسب الأصوات لمرشحيها لهذا المنصب... بعد أن اقتصرت المنافسة على العيساوي والمشهداني».

وتأجلت عدة مرات جلسات لاختيار رئيس جديد للبرلمان منذ نوفمبر (تشرين الثاني).

نواب عراقيون خلال فرز أصوات انتخاب رئيس جديد للبرلمان (إعلام المجلس)

وأعلن حزب «تقدم»، الذي يتزعمه الحلبوسي، الأسبوع الماضي، تأييده ترشيح المشهداني لمنصب رئيس البرلمان.

وعشية انعقاد جلسة اختيار رئيس البرلمان، قال المرشح سالم العيساوي: «ينبغي على أي رئيس للسلطة النيابية... الحفاظ على وحدة العراق أرضاً وشعباً، وعدم السماح أو القبول أو التساهل مع أي مشاريع تهدد كيان البلاد»، في إشارة إلى رفضه مشروع الإقليم السُني الذي يواجه الحلبوسي اتهامات بدعمه.

من جانبه، قال محمود المشهداني إنه «حريص على مصلحة الشعب العراقي، وتعهد «بالعمل على تفعيل وتنشيط الدور الرقابي لمجلس النواب وتسريع عجلة تشريع القوانين».

وفي جلسة صاخبة استمرت أكثر من 10 ساعات في يناير (كانون الثاني) لاختيار رئيس للبرلمان، حصل مرشح «تقدم» في ذلك الوقت شعلان الكريم على 152 صوتاً مقابل 97 صوتاً للعيساوي، و48 صوتاً للمشهداني، و6 أصوات للنائب المستقل عامر عبد الجبار، وصوت واحد لطلال الزوبعي.

ووفقاً للدستور، يحتاج الفوز بالمنصب إلى نسبة 50 بالمائة زائد واحد، وتأجلت الجلسة لعدم حصول أي من المرشحين على العدد الكافي من الأصوات للفوز من الجولة الأولى.

ما أهمية منصب رئيس البرلمان؟

بموجب عرف سياسي اتبع بعد أول انتخابات تشريعية وفق دستور دائم في العراق عام 2006، يسند منصب رئاسة البرلمان العراقي إلى السُنة، بينما يتولى الكرد منصب رئيس الجمهورية، والشيعة رئاسة الوزراء.

وعلى مدار عقدين، تنظر الأحزاب السنية إلى هذا المنصب على أنه مرجعيتهم السياسية، وموقع رمزي يضمن حضورهم في العملية السياسية منذ سقوط نظام صدام حسين.

ومن المفترض أن يكون رئيس البرلمان مسؤولاً عن مسار تشريع القوانين في البلاد، لكن اقتراحها والتصويت عليها دائماً يخضعان لنفوذ القوى الشيعية التي تمتلك أغلبية في مجلس النواب.

ومع مجيء محمد الحلبوسي إلى المنصب، في سبتمبر (أيلول) 2018، بات ينظر إلى رئيس البرلمان كزعامة موازية للزعامات الشيعية في البلاد، وذلك بعدما طرح الحلبوسي نفسه لاعباً قوياً في الساحة المحلية.

وانتخب الحلبوسي نائباً في البرلمان خلال الدورة البرلمانية 2014 إلى 2018، وشغل عضوية لجنة حقوق الإنسان في 2014-2015 واللجنة المالية في 2015-2016 ثم رئيس اللجنة المالية في 2016 -2017.

نواب يدلون بأصواتهم في جلسة انتخاب رئيس البرلمان 18 يوليو 2024 (إعلام المجلس)

وبينما كان الحلبوسي (أصغر رئيس برلمان في تاريخ البلاد) يُوصف بالسياسي المناور والمفاوض البراغماتي، اكتسب منصب رئيس البرلمان في حالته بعداً سياسياً أكثر أهمية، قبل أن يتعرض الرجل إلى قرار قضائي أخرجه من قبة البرلمان.

وقضت المحكمة الاتحادية العليا في العراق، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بإنهاء عضوية الحلبوسي بعد النظر في دعوى قضائية اتهمته بتزوير تأريخ استقالة النائب ليث الدليمي.

ورفض الحلبوسي القرار، وقال إنه لا يحق للمحكمة النظر بصحة عضوية نائب إلا بعد قرار من مجلس النواب.

وحينها، قال مقربون من الحلبوسي إن «الإطار التنسيقي» لا يرغب في صعود بزعامة سنية منافسة، فيما كان المراقبون يميلون إلى الاعتقاد بأن إيران تشاطرهم هذا المسار في العراق.


«كتائب القسام»: قتلنا 5 جنود إسرائيليين في كمين برفح

مقاتلون من «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
مقاتلون من «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
TT

«كتائب القسام»: قتلنا 5 جنود إسرائيليين في كمين برفح

مقاتلون من «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)
مقاتلون من «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

قالت «كتائب القسام» الذراع العسكرية لحركة «حماس»، السبت، إنها قتلت 5 جنود إسرائيليين، وأصابت آخرين في رفح.

وأوضحت «القسام»، في بيان عبر «تلغرام»، أنها فجرت عبوة ناسفة مضادة للأفراد في قوة من الجيش الإسرائيلي بعد استدراجها للمكان في محيط مسجد «التابعين» شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة؛ ما أدى لمقتل 5 جنود، وإصابة آخرين.

وأعلنت «كتائب القسام» استهداف عدة آليات عسكرية إسرائيلية بقذائف وعبوات ناسفة، السبت، خلال المعارك الدائرة شرق مدينة رفح جنوب قطاع غزة.

وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، الخميس، أن قوات إضافية «ستدخل رفح»، متعهداً بـ«تكثيف» العمليات.

وقال، في بيان، إن العملية العسكرية في رفح «ستتواصل مع دخول قوات إضافية (المنطقة)»، مضيفاً: «دمرت قواتنا كثيراً من الأنفاق في المنطقة... سوف يجري تكثيف هذا النشاط».


«أعنف» المعارك منذ بداية حرب غزة في جباليا وشرق رفح

فلسطينيون بين ملاجئ مؤقتة بعد أن طلب منهم الجيش الإسرائيلي إخلاء مدينة رفح جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون بين ملاجئ مؤقتة بعد أن طلب منهم الجيش الإسرائيلي إخلاء مدينة رفح جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

«أعنف» المعارك منذ بداية حرب غزة في جباليا وشرق رفح

فلسطينيون بين ملاجئ مؤقتة بعد أن طلب منهم الجيش الإسرائيلي إخلاء مدينة رفح جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيون بين ملاجئ مؤقتة بعد أن طلب منهم الجيش الإسرائيلي إخلاء مدينة رفح جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

صبت إسرائيل غضبها على مخيم جباليا للاجئين الفلسطينيين في شمال قطاع غزة، مع احتدام الاشتباكات التي وصفتها وسائل إعلام إسرائيلية بأنها الأعنف منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عندما هاجمت «حماس» إسرائيل، وقتلت نحو 1200 إسرائيلياً، قبل أن تندلع الحرب الحالية.

وقصف الجيش الإسرائيلي مخيم جباليا من الجو والبر بالطائرات والمدفعية، ودمر مئات المنازل، وقتل العشرات في محاولة منه لتمهيد الأرض من أجل تقدم القوات البرية التي تواجه منذ أكثر من أسبوع مقاومة شرسة داخل المخيم الذي يعد أحد أهم معاقل حركة «حماس» في قطاع غزة.

وقالت مصادر طبية في القطاع إن الجيش الإسرائيلي قتل نحو 50 فلسطينياً في جباليا، يوم السبت، في القصف العنيف هناك، وهو عدد مرشح للارتفاع مع عدم تمكن الطواقم الطبية وطواقم الدفاع المدني من الوصول إلى عمق المخيم الذي تحول إلى ساحة حرب.

وقال محمد بصل الناطق باسم الدفاع المدني في القطاع: «إن الاحتلال دمر 300 منزل بشكل كامل في مخيم جباليا الذي يعد من أكثر المخيمات اكتظاظاً بالسكان في القطاع»، واصفاً الدمار في المنطقة بـ«الهائل».

نازحون فلسطينيون فرّوا من جباليا بعد أن دعا الجيش الإسرائيلي السكان إلى الإخلاء (رويترز)

مخيم جباليا

وكانت إسرائيل قد بدأت عملية واسعة في مخيم جباليا قبل نحو 8 أيام، بعدما فشلت في اقتحام المخيم في بداية الحرب. وحاولت إسرائيل في بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، اقتحام المخيم من الجهة الغربية، لكنها لم تستطع الدخول إلى عمقه بسبب المقاومة الضارية آنذاك والتي كبَّدت الجيش الإسرائيلي 9 قتلى في 5 أيام، والأعداد الكبيرة للسكان في المخيم، وأزقة شوارعه الضيقة، واكتفت بهجمات جوية.

وتحاول إسرائيل، اليوم، إنجاز العملية التي ظلت عالقة، لكنها تواجه مقاومة غير مسبوقة وشرسة ترد عليها بقوة نيران مدمرة.

وقال ناطق باسم الجيش الإسرائيلي إن «الفرقة 98» تواصل خوض القتال في منطقة جباليا، وخاضت معارك وجهاً لوجه، وقتلت مسلحين، ودمرت منصات صواريخ، وعثرت على عدة فتحات أنفاق.

ووفق بيان الجيش «داهم مقاتلو (اللواء 460) بنى تحتية مسلحة ومجمعات قتالية تابعة لحركة (حماس) في ضواحي مدينة جباليا شمال قطاع غزة، ودمروا مخرطة لإنتاج الأسلحة والصواريخ بعيدة المدى والقنابل اليدوية والقنابل المتفجرة والهواتف وأجهزة الكمبيوتر».

دخان يتصاعد خلال القصف الإسرائيلي على جباليا في شمال قطاع غزة (أرشيفية أ.ف.ب)

15 جندياً إسرائيلياً

وفي المقابل، أكدت «كتائب القسام» أنها قتلت جنوداً، واستهدفتهم وكمنت لهم، كما دمرت دبابات وناقلات جند في مخيم جباليا، وأطلقت صاروخاً من نوع «سام 7» تجاه طائرة مروحية إسرائيلية من طراز «أباتشي» شمال المخيم. واحتدمت المعركة في جباليا في اليوم 225، بينما زادت ضراوتها في المنطقة الشرقية لرفح.

وأعلنت «كتائب القسام» و«سريا القدس» التابعة لتنظيم «الجهاد الإسلامي» أن مقاتليهم يخوضون معارك ضارية في شرق رفح مع القوات الإسرائيلية. وأصدرت «القسام» بياناً، يوم السبت، قالت فيه إن «(مجاهدي القسام) تمكنوا من الإجهاز على 15 جندياً إسرائيلياً في شرق رفح». وأضافت: «استهدفت مجموعة قسامية منزلاً تحصن فيه عدد كبير من الجنود بعبوة مضادة للأفراد (رعدية)، وبعدها اقتحم مجاهدونا عليهم المنزل، واشتبكوا مع من تبقى من الجنود من مسافة الصفر بالرشاشات الخفيفة والقنابل اليدوية في حي التنور شرق مدينة رفح جنوب القطاع».

وأعلنت «القسام» استهداف جنود، وتدمير دبابات وناقلات جند، وقصف الجنود الإسرائيليين داخل معبر رفح وفي مناطق قيادة وسيطرة. وفي وقت لاحق، قصفت «سرايا القدس» منطقة عسقلان بعدة صواريخ. وكانت إسرائيل قد اقتحمت شرق رفح قبل نحو 12 يوماً في عملية سبقت عملية مخيم جباليا، وتعارضها الولايات المتحدة.

مقاتلون من «كتائب القسام» الجناح العسكري لحركة «حماس» في قطاع غزة (أرشيفية - رويترز)

مقتل قيادي فلسطيني

وسيطرت إسرائيل على معبر رفح في الجهة الشرقية، وتسعى إلى السيطرة على كل المدينة. وقال رئيس بلدية رفح أحمد الصوفي إن 650 ألف مواطن اضطُروا للنزوح من المدينة بسبب العملية الإسرائيلية. ومع مواصلة العملية في رفح، قال الجيش الإسرائيلي إنه اغتال عنصراً بارزاً لـ«الجهاد الإسلامي» في منطقة رفح، كان مسؤولًا عن الشؤون اللوجيستية في لواء رفح، وكان مسؤولًا عن الاستعداد للتعامل مع مناورة الجيش في المنطقة.

كما أعلن أنه قتل مسلحين، ونفَّذ عدة عمليات مداهمة دقيقة في المنطقة، وعثر على عبوات ناسفة وقطع أسلحة وصواريخ وقاذفات. وقال بيان للجيش حول العملية في شرق رفح إنه «حتى الآن جرى القضاء على أكثر من 80 مسلحاً، وجرى العثور على عشرات الأسلحة والقنابل اليدوية والخراطيش، بالإضافة إلى بنية تحتية تحت الأرض». وتعد معارك رفح وجباليا، المعارك الأساسية في قطاع غزة حالياً، وهي الأكثر ضراوة خلال الأسبوعين الماضيين.

وكان أبو عبيدة الناطق باسم «القسام»، قد قال، يوم الجمعة، إن مقاتلي «القسام» استهدفوا خلال 10 أيام 100 آلية عسكرية للاحتلال الإسرائيلي، مؤكداً استعداد المقاومة لـ«معركة استنزاف طويلة مع العدو». ونقلت صحيفة «معاريف» عن مسؤول إسرائيلي قوله إن الإدارة الأميركية توصلت إلى حقيقة مفادها أن حركة «حماس» لن تختفي من قطاع غزة بعد انتهاء الحرب. وقال المسؤول إن الهدف الأميركي أصبح إضعاف «حماس»؛ حتى لا تكون قادرة على شن هجوم عسكري مماثل للذي شنته في 7 أكتوبر.

وقتلت إسرائيل في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 35386 فلسطينياً، وجرحت 79366.


دمشق تتهم «هيئة تحرير الشام» بمنع خروج الطلاب لتقديم الامتحانات

رغم تحذيرات الجولاني... احتجاجات للمعلمين أمام مبنى رئاسة «حكومة الإنقاذ» في مدينة إدلب (أرشيفية - «المرصد السوري لحقوق الإنسان»)
رغم تحذيرات الجولاني... احتجاجات للمعلمين أمام مبنى رئاسة «حكومة الإنقاذ» في مدينة إدلب (أرشيفية - «المرصد السوري لحقوق الإنسان»)
TT

دمشق تتهم «هيئة تحرير الشام» بمنع خروج الطلاب لتقديم الامتحانات

رغم تحذيرات الجولاني... احتجاجات للمعلمين أمام مبنى رئاسة «حكومة الإنقاذ» في مدينة إدلب (أرشيفية - «المرصد السوري لحقوق الإنسان»)
رغم تحذيرات الجولاني... احتجاجات للمعلمين أمام مبنى رئاسة «حكومة الإنقاذ» في مدينة إدلب (أرشيفية - «المرصد السوري لحقوق الإنسان»)

اتهم محافظ إدلب، ثائر سلهب، التابع لدمشق، «هيئة تحرير الشام» الموجودة في محافظة إدلب شمال - غرب سوريا بمنع الطلاب من الخروج إلى مناطق سيطرة الحكومة للتقدم لامتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوية العامة.

وقال سلهب إن «التنظيمات الإرهابية» لم تسمح خلال فترة افتتاح «ممر ترنبة» في ناحية سراقب بريف إدلب من 11 وحتى 15 الشهر الحالي بمرور أي طالب.

وافتتحت محافظة إدلب «ممر ترنبة» لاستقبال طلاب المحافظة الراغبين بالتقدم لامتحانات شهادتي التعليم الأساسي والثانوية العامة، تمهيداً لنقلهم إلى منطقة خان شيخون بريف إدلب التي تسيطر عليها الحكومة حتى يتمكنوا من تقديم امتحاناتهم في المراكز الامتحانية بمحافظة حماة.

ونقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) عن المحافظ ثائر سلهب قوله اليوم السبت: «إن الجهات المعنية في وزارات الداخلية والتربية والصحة والهلال الأحمر العربي السوري جاهزة لاستقبال طلاب محافظة إدلب الموجودين في مناطق انتشار التنظيمات الإرهابية حتى اليوم الذي ستبدأ فيه الامتحانات حرصاً على مصلحتهم ومتابعة تحصيلهم العلمي».

وحسب محافظة إدلب، هناك عشرات الطلاب ممن تقدموا بطلبات بغية تقديم امتحاناتهم في مراكز الامتحانات الحكومية، وكان من المفترض وصولهم الممر ليصار إلى نقلهم لمراكز الاستضافة التي تم تجهيزها في منطقة خان شيخون.

كان «المرصد السوري لحقوق الإنسان» أفاد في تقرير له بعد أيام من فتح الممر بعدم عبور الطلاب من مناطق سيطرة الفصائل المعارضة إلى مناطق الحكومة، وأكد «المرصد» أن افتتاح الممر ترافق مع انطلاق فرق من الهلال الأحمر السوري، وأخرى طبية وأمنية وعسكرية من مدينة خان شيخون، إلى منطقة سراقب، لمتابعة إجراءات افتتاح الممر بين مناطق نفوذ «هيئة تحرير الشام» والقوات الحكومية، قرب بلدة الترنبة، ونقل الراغبين من الطلاب إلى مراكز إيواء في مدارس خان شيخون، من أجل تقديم امتحاناتهم.

وترفض الحكومة المؤقتة التابعة لـ«هيئة تحرير الشام» الشهادات العلمية الصادرة عن المؤسسات العلمية الحكومية السورية، فيما يظهر كثيرٌ من السوريين في مناطق سيطرة «هيئة تحرير الشام» رغبتهم بالحصول على شهادات الحكومة السورية، وفق ما قالته مصادر في إدلب، وذلك لقناعة الأهالي بأن الشهادات الحكومية معترفٌ بها دولياً، كما لا يحبذ كثيرٌ منهم المناهج الخاصة التي فرضتها «هيئة تحرير الشام» وأقرتها الحكومة المؤقتة التابعة لها. وذلك رغم مساعي الحكومة المؤقتة لجعل الشهادات الصادرة عنها مقبولة دولياً، حيث تعتبر بها تركيا وبعض الدول الأوروبية، وأشارت المصادر إلى أن الطلاب في مناطق الحكومة المؤقتة يمتنعون عن الذهاب إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، خوفاً من الاعتقال والتعرض للمساءلة الأمنية.

يُشار إلى أن الحكومة السورية قامت العام الماضي بفتح معبر سراقب للسماح لطلاب شهادتي التعليم الأساسي والثانوي بالتقدم للامتحانات في مناطق سيطرتها.

وبدأ يوم الأربعاء الماضي نحو 3097850 تلميذاً وطالباً من الصفوف الانتقالية في مناطق سيطرة الحكومة السورية في جميع المحافظات في التقدم لامتحانات الفصل الدراسي الثاني للعام الدراسي 2023 - 2024. وبلغ عدد التلاميذ في الصفوف من الأول حتى الثامن 2745902 تلميذ وتلميذة، فيما بلغ عدد طلاب الصفين الأول والثاني الثانوي العام 294964 طالباً وطالبةً، وعدد طلاب التعليم الثانوي المهني للصفين الأول والثاني الثانوي 56985 طالباً وطالبةً. فيما لا يتوفر رقمٌ حكوميٌّ حول أعداد الطلاب في مناطق الحكومة المؤقتة الواقعة تحت سيطرة «هيئة تحرير الشام».


«صحة غزة»: ارتفاع ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 35 ألفاً و386 قتيلاً

دمار جراء غارات إسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)
دمار جراء غارات إسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)
TT

«صحة غزة»: ارتفاع ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 35 ألفاً و386 قتيلاً

دمار جراء غارات إسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)
دمار جراء غارات إسرائيلية على مدينة غزة (أ.ف.ب)

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية في قطاع غزة، اليوم السبت، ارتفاع حصيلة ضحايا القصف الإسرائيلي إلى 35 ألفاً و386 قتيلاً و79 ألفاً و366 مصاباً منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وقالت الوزارة، في بيان صحافي اليوم، إن «الاحتلال الإسرائيلي ارتكب 9 مجازر ضد العائلات في قطاع غزة، ووصل منها للمستشفيات 83 شهيداً و105 إصابات خلال الـ24 ساعة الماضية».

وأضافت أنه في «اليوم الـ225 للعدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة ما زال عدد من الضحايا تحت الركام وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم».


«حماس»: الفصائل أعادت التموضع في كل مكان بغزة

جنود غسرائيليون في غزة (أ.ف.ب)
جنود غسرائيليون في غزة (أ.ف.ب)
TT

«حماس»: الفصائل أعادت التموضع في كل مكان بغزة

جنود غسرائيليون في غزة (أ.ف.ب)
جنود غسرائيليون في غزة (أ.ف.ب)

قال رئيس حركة «حماس» في الخارج خالد مشعل، اليوم (السبت)، إن الفصائل الفلسطينية في غزة «أعادت تموضعها» بجميع أنحاء القطاع.

وأضاف، في كلمة ضمن مؤتمر «طوفان الأحرار» بمدينة إسطنبول التركية: «تأتينا الرسالة من غزة... كما سمعتموها بالأمس وسمعتموها من قبل... المقاومة بخير بفضل الله، أعادت التموضع في كل مكان».

وطالب مشعل بإنشاء «جبهة سياسية عريضة» تواجه إسرائيل والإدارة الأميركية وتسعى لإنهاء الحرب، وفق ما نقلته «وكالة أنباء العالم العربي».

وقال خلال كلمته: «نحن أمام فرصة لهزيمة إسرائيل، نحن أمام فرصة لتفكيك المشروع الصهيوني، نحن أمام فرصة لأن نضع أقدامنا على طريق التحرير وحسم الصراع من أجل استنقاذ فلسطين والقدس والأقصى».

من جهة أخرى، قال أبو عبيدة المتحدث باسم «كتائب القسام»، الجناح العسكري لـ«حماس»، اليوم ، إن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يفضل مقتل جنوده في غزة على الذهاب إلى صفقة لتبادل المحتجزين لا تخدم مصالحه السياسية والشخصية.واتهم الحكومة الإسرائيلية بالزج بجنودها «في أزقة غزة ليعودوا في نُعوشٍ من أجل البحث عن رفات بعض الأسرى الذين تعمدت استهدافهم وقتلهم سابقا».


حركة نزوح سورية جديدة داخل لبنان

نازحون سوريون يتجمعون في عرسال استعداداً للعودة إلى سوريا (أرشيفية - إ.ب.أ)
نازحون سوريون يتجمعون في عرسال استعداداً للعودة إلى سوريا (أرشيفية - إ.ب.أ)
TT

حركة نزوح سورية جديدة داخل لبنان

نازحون سوريون يتجمعون في عرسال استعداداً للعودة إلى سوريا (أرشيفية - إ.ب.أ)
نازحون سوريون يتجمعون في عرسال استعداداً للعودة إلى سوريا (أرشيفية - إ.ب.أ)

أدت الإجراءات والتدابير المشددة بوجه المخالفين لنظام الإقامة والعمالة من النازحين السوريين في كثير من المناطق اللبنانية، بخاصة بعد خطف وقتل منسّق حزب «القوات اللبنانية» في قضاء جبيل، باسكال سليمان، مطلع أبريل (نيسان) الماضي، إلى موجة نزوح جديدة داخل الأراضي اللبنانية، بشكل خاص من مناطق ذات غالبية مسيحية إلى أخرى ذات غالبية سنية، تقع بشكل رئيسي في شمال البلاد.

بدأت هذه الموجة قبل أشهر مع اندلاع المواجهات بين إسرائيل و«حزب الله» على الحدود الجنوبية، مع قرار الأخير فتح هذه الجبهة دعماً لغزة، ما دفع بمئات النازحين السوريين لترك القرى والبلدات الحدودية اللبنانية التي كانوا يعيشون فيها، متجهين إلى مناطق أخرى أكثر أماناً. ومع مقتل المسؤول «القواتي» على يد عصابة خطف معظم أفرادها من السوريين، أقدم عدد من القرى والمدن ذات الغالبية المسيحية على طرد النازحين وإقفال محالهم التجارية، ما دفع معظمهم للانتقال إلى مناطق في طرابلس وعكار والمنية والضنية شمال البلاد، حيث الغالبية السنية.

ويؤكد أحمد الخير، النائب في تكتل «الاعتدال الوطني» عن دائرة الشمال الثانية (طرابلس - المنية - الضنية) هذه المعطيات، متحدثاً عن «سببين رئيسيين لموجة النزوح الجديدة، الأول هو الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان، ما تسبب بنزوح السوريين من قرى الجنوب باتجاه الشمال، والثاني بفعل التحريض والممارسات العنصرية والاعتداءات التي حصلت ضد السوريين في مناطق أخرى»، مضيفاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «نسبة هؤلاء كبيرة، وقد بات واضحاً اليوم، بفعل هذا الواقع المستجد، أن مناطق البقاع والشمال أكثر من يتحمل أعباء النزوح السوري، اقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، ولا بد للدولة اللبنانية من أن تسارع بكل أجهزتها إلى رسم خريطة طريق واضحة لكيفية التعامل مع أزمة النزوح السوري بشكل عام، والنزوح السوري المستجد بالداخل اللبناني إلى مناطق الشمال والبقاع بشكل خاص».

ويشير الخير إلى أن «التعويل في هذا السياق هو على ما برز في الأيام الماضية، وخلال جلسة مجلس النواب، من تقاطع وطني كنا جزءاً منه، على توحيد الموقف والمقاربة في كيفية التعاطي مع واقع النزوح السوري في كل لبنان، تحديداً الواقع المستجد في مناطق الشمال والبقاع».

من احتجاج نُظم أمام مقر الأمم المتحدة ضد النازحين السوريين (أرشيفية - أ.ب)

ويقول «مازن د.» (55 عاماً)، أحد سكان عكار، إن «الكثير من النازحين غادروا مناطق البترون وبشري وجبيل، واتجهوا إلى طرابلس وعكار، لأنهم يعدّون أن المناطق السنية بيئات أكثر أماناً لهم اليوم، ويمكن الحديث عن ارتفاع عدد النازحين في هذه المناطق بما نسبته 12 في المائة»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى «تراجع وجود السوريين على الطرقات وفي الأسواق، كما إلى تراجع احتكاكهم مع اللبنانيين، وإغلاقهم أغلب محالهم غير الشرعية، واقتصار أعمالهم على الحرف وفي الورش». ويضيف: «إن قسماً كبيراً منهم أعلن الإضراب لأيام، ولم يتوجه إلى العمل، استنكاراً للتضييق الكبير الذي يتعرض له».

ويبدو أن القسم الأكبر من النازحين الجدد توجهوا إلى الشمال، لا إلى البقاع، كما يؤكد مصدر رسمي مسؤول، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أنه لم تُسجل أي حركة جدية في هذا الإطار في المناطق شرق البلاد، ولا في المخيمات القائمة هناك.

من جهته، يتحدث النائب في دائرة البقاع الأوسط، الدكتور بلال الحشيمي، عن بعض الحركة باتجاه المنطقة، بالتحديد إلى البلدات والقرى ذات الغالبية السنية، «بحيث يعدها النازحون أكثر أماناً بعد الخطابات الطائفية والشعبوية والعنصرية غير المقبولة بحقهم». ويقر الحشيمي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بوجود مشكلة بسبب النزوح، «لكن حلها يكون بطريقة عقلانية، ومن خلال تنظيم الوجود ومسار العودة ضمن مهل محددة، وليس كما يحصل اليوم». ويسأل الحشيمي: «لماذا في التوصيات التي صدرت مؤخراً عن مجلس النواب لم تتم دعوة (حزب الله) للانسحاب من المناطق السورية الحدودية التي يوجد فيها، وهي بلدات وقرى لحوالي 400 ألف من النازحين السوريين الموجودين في لبنان؟».


النمسا ستستأنف تمويل «الأونروا»

موظف في «الأونروا» يتفقد مدرسة تابعة للأمم المتحدة دمرتها غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة (إ.ب.أ)
موظف في «الأونروا» يتفقد مدرسة تابعة للأمم المتحدة دمرتها غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

النمسا ستستأنف تمويل «الأونروا»

موظف في «الأونروا» يتفقد مدرسة تابعة للأمم المتحدة دمرتها غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة (إ.ب.أ)
موظف في «الأونروا» يتفقد مدرسة تابعة للأمم المتحدة دمرتها غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة (إ.ب.أ)

أعلنت النمسا، السبت، أنها ستستأنف تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) الذي عُلِّق بعد اتهامات إسرائيلية بأن موظفيها ربما تورطوا في هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

وفي يناير (كانون الثاني) اتهمت إسرائيل نحو 12 موظفاً من أصل 13 ألفاً في غزة من «الأونروا» التي تنسق جميع المساعدات في القطاع، بالمشاركة في الهجوم غير المسبوق الذي شنته حركة «حماس» في جنوب إسرائيل.

ونهاية أبريل (نيسان) خلصت مجموعة تقييم مستقلة إلى أن إسرائيل لم تقدم «دليلاً» على الاتهامات المزعومة، مشددة على أن «الأونروا» تفتقر إلى «الحياد» في غزة، وفق ما نقلته «وكالة الصحافة الفرنسية».

وفي الأسابيع التي تلت الاتهامات الإسرائيلية، علّقت نحو 15 دولة بينها النمسا بالإضافة إلى المانحين الرئيسيين كالولايات المتحدة وألمانيا والسويد واليابان، مبلغ 450 مليون دولار لتمويل الوكالة.

واستأنفت كثير من الدول منها ألمانيا والسويد وكندا واليابان مساعداتها، في حين لا تزال دول أخرى تعلقها.

وجاء في بيان لوزارة الخارجية النمساوية أنه «بعد تحليل تفصيلي لخطة العمل (المقدمة من الأونروا) لتحسين أداء المنظمة» قررت النمسا «صرف الأموال».

وأضافت الوزارة أنه جرى تخصيص تمويل بقيمة 3.4 مليون يورو في موازنة 2024، ويجب سداد الدفعة الأولى خلال الصيف.

وتابعت: «سيجري استخدام جزء من الأموال النمساوية في المستقبل لتحسين آليات الرقابة الداخلية في (الأونروا)».

وذكرت النمسا أنها «ستراقب من كثب» تنفيذ خطة العمل مع الشركاء الدوليين الآخرين، مشددة على أن «الثقة فُقدت».

وأضاف البيان أن النمسا زادت بشكل كبير دعمها للفلسطينيين في غزة ومنطقتها منذ 7 أكتوبر، حيث قدمت مساعدة إنسانية بقيمة 32 مليون يورو لمنظمات أخرى للإغاثة.


برّي: مستعد لعقد جلسات بدورات متتالية لانتخاب رئيس للبنان

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبِلاً سفراء «الخماسية» في مقر رئاسة النواب (أرشيفية - مجلس النواب)
رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبِلاً سفراء «الخماسية» في مقر رئاسة النواب (أرشيفية - مجلس النواب)
TT

برّي: مستعد لعقد جلسات بدورات متتالية لانتخاب رئيس للبنان

رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبِلاً سفراء «الخماسية» في مقر رئاسة النواب (أرشيفية - مجلس النواب)
رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري مستقبِلاً سفراء «الخماسية» في مقر رئاسة النواب (أرشيفية - مجلس النواب)

يقف البرلمان اللبناني على مسافة أقل من أسبوعين من حلول نهاية شهر (مايو) أيار 2024، وهي المهلة الزمنية التي حددها سفراء «اللجنة الخماسية» لانتخاب رئيس للجمهورية، بعد انقضاء أكثر من 17 شهراً على الشغور في سدة الرئاسة الأولى، من دون أن تلوح في الأفق بوادر انفراج تدعو للتفاؤل بأن الظروف السياسية أصبحت مواتية لإخراج الاستحقاق الرئاسي من الحلقة المفرغة.

ومع أن سفراء «الخماسية»؛ الأميركية ليزا جونسون، والسعودي وليد البخاري، والفرنسي هيرفيه ماغرو، والمصري علاء موسى، والقطري عبد الرحمن بن سعود آل ثاني، ارتأوا الانتقال من التقريب في وجهات النظر بين الكتل النيابية لتسهيل انتخاب الرئيس، إلى مرحلة حثها وتحفيزها لإنجاز الاستحقاق الرئاسي انطلاقاً من خريطة الطريق التي وضعوها، وأوصوا فيها بدعوة الكتل النيابية للدخول في مشاورات لإنهاء الجمود السياسي، بشرط أن تكون محدودة النطاق والمدة، وتهدف إلى تحديد مرشح يُتفق عليه، أو قائمة قصيرة من المرشحين، يذهب بعدها النواب إلى جلسة انتخابية مفتوحة مع جولات متعددة.

ردود إيجابية على دعوة «الخماسية»

وقوبلت دعوة سفراء «الخماسية» هذه بردود فعل إيجابية، تصدّرها رئيس المجلس النيابي نبيه بري بقوله لـ«الشرق الأوسط» إن «الخماسية» قد «تبنّت موقفنا بدعوتي منذ أكثر من سنة ونصف للحوار والتشاور من دون شروط مسبقة، لعلنا نتوصل إلى توافق لإخراج انتخاب الرئيس من الحلقة المفرغة»، وبتأكيده ضرورة عقد جلسات انتخابية متتالية، على أن تُعقد كل جلسة لـ4 أو 5 دورات، وفي حال تعذّر انتخاب الرئيس «ندعو لجلسة بعد انقضاء 24 ساعة، وهكذا دواليك، إلى أن يتمكن النواب من انتخابه».

وشدد الرئيس بري على أنه يؤيد عقد جلسات متتالية وبدورات متتالية، إلى حين انتخاب الرئيس. وقال: «لا أرى وجود أي مشكلة أو عائق من جانبنا. ويبقى السؤال المهم: هل يريدون الحوار أو التشاور؟ وفي حال قرروا المشاركة في الحوار سنبادر بالدعوة لعقد هذه الجلسات، وآمل أن تلقى دعوتنا التجاوب المطلوب الذي يفتح الباب أمام انتخابه؛ لأن لا مصلحة للجميع في هدر الوقت، والبلد لم يعد يحتمل تدحرجه نحو المزيد من التأزم والانهيار في ظل الظروف الصعبة التي نمر بها وتستدعي منا رصّ الصفوف لمواجهة ما ينتظرنا من تحديات وتطورات في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على لبنان».

اجتماع سفراء «الخماسية» في السفارة الفرنسية (السفارة الفرنسية)

وكشف الرئيس بري أن سفراء «الخماسية» يبدون كل استعداد للمشاركة في الجهود لتحقيق ما تضمّنه بيانهم، وقال إنه سيلتقي قريباً السفير الفرنسي في إطار جدول اللقاءات الذي أعدوه، ويقضي بأن يتوزعوا على الكتل النيابية والنواب المستقلين اختصاراً للوقت، وأكد أنه يراد من اجتماعهم به تقويم ما آلت إليه اتصالاتهم «ليكون في وسعنا أن نبني على الشيء مقتضاه».

أسئلة تنتظر إجابات

لكن هناك أسئلة تبقى بحاجة إلى إجابة: كيف ستتصرف المعارضة مع دعوة الرئيس بري لعقد جلسات متتالية بدورات متتالية؟ وأين تقف «الخماسية» من اقتراحه، في مقابل اقتراحها ذهاب النواب إلى جلسة انتخابية مفتوحة بجولات متعددة؟ وماذا حمل معه السفير الفرنسي إلى رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع؟ وهل عاد بجواب من شأنه أن يؤدي للتوافق على صيغة مركبة تتعلق بانتخاب الرئيس وتمهد الطريق للخروج من الجمود؟ ومن يرعى التشاور أو الحوار؛ لأن مجرد مشاركة الرئيس بري يعني حكماً من وجهة نظر الثنائي الشيعي أن لا منافس له ولا مجال للتحفّظ على رعايته؟

غير أن ضيق الوقت لا يسمح، كما تقول مصادر سياسية، بانتخاب الرئيس بحلول نهاية الشهر الحالي، وتلفت إلى أن سفراء «الخماسية» أعدوا خريطة طريق لإنجازه، وإن كانوا يتوخون منها حث النواب وتحفيزهم للتلاقي حول ضرورة وقف تعطيل العملية الانتخابية، تحسباً لما يمكن أن يطرأ من تطورات تتطلب وجود الرئيس ليحجز مقعداً للبنان في حال تقررت إعادة النظر بخريطة الطريق في الشرق الأوسط تمهيداً للوصول إلى تسوية جديدة. إلا أن ضيق الوقت ليس هو المانع الوحيد الذي يؤخر الانتخاب، كما تقول المصادر السياسية لـ«الشرق الأوسط»، بمقدار ما أن هناك مجموعة من الأسئلة تتطلب الإجابة عنها، وإن كان بيان سفراء «الخماسية» ينطوي ضمناً على تحذير للنواب، هو أقرب إلى الإنذار، لتحميلهم مسؤولية تعطيل انتخاب الرئيس.

ويأتي في طليعة هذه الأسئلة: هل الظروف الدولية والإقليمية أصبحت ناضجة لانتخابه، الذي يُفترض أن يكون، كما يقول سفير في «الخماسية» لـ«الشرق الأوسط»، حصيلة ترتيبات في المنطقة لم يحن أوانها حتى الساعة؟ وماذا بالنسبة إلى «حزب الله»، الذي يكرر بلسان أمينه العام حسن نصر الله، موقفه بقوله لمن يعنيهم الأمر: «لا حديث معنا قبل وقف إطلاق النار في غزة»؟ وهل لديه الاستعداد ليعيد النظر في موقفه وصولاً للتوافق، بالتنسيق مع الرئيس بري، على أن إنجاز الاستحقاق الرئاسي يتطلب ملاقاتهما المعارضة في منتصف الطريق للتفاهم على رئيس يقف على مسافة واحدة من الجميع، ويتمتع بالمواصفات التي سبق لـ«الخماسية» أن حددتها؟

وعليه، فهل سفراء «الخماسية» أرادوا حشر الكتل النيابية في الزاوية وتحميلها مسؤولية التمديد للشغور الرئاسي، أو أن لديهم معطيات خارجية تستعجل انتخاب الرئيس، وتتطلب منهم إعادة تشغيل محركاتهم لوضع حد للتمادي في تعطيل انتخابه؟