روسيا تؤكد استعدادها لإحياء مسار التطبيع بين تركيا وسوريا

بعد توقفها منذ آخر جولات أستانا في يونيو الماضي

وزراء خارجية (من اليمين) تركيا وسوريا وروسيا وإيران خلال اجتماع رباعي في موسكو مايو الماضي (إ.ب.أ)
وزراء خارجية (من اليمين) تركيا وسوريا وروسيا وإيران خلال اجتماع رباعي في موسكو مايو الماضي (إ.ب.أ)
TT

روسيا تؤكد استعدادها لإحياء مسار التطبيع بين تركيا وسوريا

وزراء خارجية (من اليمين) تركيا وسوريا وروسيا وإيران خلال اجتماع رباعي في موسكو مايو الماضي (إ.ب.أ)
وزراء خارجية (من اليمين) تركيا وسوريا وروسيا وإيران خلال اجتماع رباعي في موسكو مايو الماضي (إ.ب.أ)

جددت روسيا استعدادها لبذل جميع الجهود لتطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، واستئناف المحادثات التي تشهد جموداً منذ اجتماعات الدورة الـ20 لصيغة أستانا التي عقدت في يونيو (حزيران) الماضي.

وقال السفير الروسي لدى تركيا، أليكسي يرهوف، إن بلاده على استعداد لبذل كل الجهود الممكنة لتعزيز التطبيع بين أنقرة ودمشق.

ونقلت صحيفة «صباح»، القريبة من الحكومة التركية، الأربعاء، عن يرهوف: «ما زلنا على استعداد لبذل كل جهد ممكن لتعزيز عملية التطبيع التركي السوري. ولهذا السبب، أنشأنا صيغة رباعية خاصة تتألف من ممثلي روسيا وتركيا وسوريا وإيران، وبدأنا العمل ضمن هذه الصيغة، ومن الممكن أن تكون هناك بعض الخلافات، لكن هذه الخطوة تصب في مصلحة الشعبين التركي والسوري».

وسيطر الجمود على محادثات تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا، بعد آخر اجتماعات بين أطراف مسار التطبيع الأربعة على مستوى نواب وزراء الخارجية على هامش اجتماعات الدورة الـ20 لمسار أستانا، التي عقدت في كازاخستان يومي 20 و21 يونيو الماضي.

وجاء اجتماع أستانا عقب اجتماع في مايو (أيار) الماضي لنواب وزراء خارجية روسيا وتركيا وسوريا وإيران في موسكو، لمناقشة خريطة تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق التي أعدتها روسيا، لكن المحادثات توقفت عند هذه النقطة بسبب تضارب المواقف بين الجانبين التركي والسوري، فيما يتعلق ببقاء القوات التركية في شمال سوريا.

عناصر من القوات الخاصة التركية تشارك في عملية «غصن الزيتون» في عفرين شمال سوريا (أرشيف وكالة الأناضول)

وتصر دمشق على انسحاب القوات التركية قبل الحديث عن أي تحرك باتجاه تطبيع العلاقات، فيما تؤكد تركيا أن هذا الطلب «غير واقعي» بسبب عدم قدرة الجيش السوري على وقف التهديدات الإرهابية القادمة من داخل الأراضي السورية، وتحمل مسؤولية تأمين الحدود مع تركيا.

وتعتقد أنقرة أن خطوة الانسحاب قد تحدث بعد تحقيق الحل السياسي واستقرار الأوضاع في سوريا. وطرحت 4 شروط على الوفد السوري في الاجتماعات الرباعية في أستانا التي بحثت خريطة طريق روسية للتطبيع بين أنقرة ودمشق، رأتها ضرورية لبناء الثقة بين الجانبين، تضمنت الشروط مكافحة التنظيمات الإرهابية، حيث طرح الجانب التركي «تأسيس آلية تنسيق عسكرية رباعية من أطراف المحادثات للقيام بعمليات مشتركة ضد مواقع الإرهابيين، في إشارة إلى مسلحي وحدات حماية الشعب الكردية، أكبر مكونات قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، وتقديم ضمانات مكتوبة بشأن العودة الآمنة للاجئين السوريين، حيث اقترح الوفد التركي عودة السوريين إلى مناطق آمنة، يتم إنشاؤها لهم أولاً، ومن ثم يمكنهم العودة لاحقاً إلى مناطقهم الأصلية.

ويتعلق الشرط الثالث بـ«العملية السياسية وإدارتها بطريقة صحيحة، وصياغة دستور جديد»، وأما الشرط الرابع فيتعلق بـ«إجراء انتخابات عامة بمشاركة جميع السوريين في أنحاء العالم، وتشكيل حكومة شرعية وفق نتائج هذه الانتخابات».

وزيرا خارجية إيران حسين أمير عبداللهيان وسوريا فيصل مقداد في مؤتمر صحافي مشترك بطهران يوليو 2023 (أ.ف.ب)

وقال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، في سبتمبر (أيلول) الماضي، إنه عرض على الجانبين التركي والسوري، سحب القوات التركية مع تقديم ضمانات من دمشق بحماية الحدود.

من جانبها، طرحت روسيا، التي ترعى مسار محادثات التطبيع، العودة إلى فلسفة «اتفاقية أضنة» الموقعة عام 1998، والتي تسمح للقوات التركية بالتوغل في الأراضي السورية لمسافة 5 كيلومترات لملاحقة العناصر الإرهابية (حزب العمال الكردستاني في ذلك الوقت)، مع تطويرها للسماح للقوات التركية للتوغل لمسافة أكبر تصل إلى 30 كيلومتراً.

عمال سوريون يبحثون في أنقاض المباني المدمرة بفعل الزلزال الأخير في سرمدا قرب الحدود التركية لإعادة تدويرها (د.ب.أ)

لكن تركيا ترغب في إقامة حزام أمني يمتد بعمق 30 إلى 40 كيلومتراً في شمال سوريا خلف حدودها الجنوبية، لمنع هجمات وحدات حماية الشعب الكردية، التي تعتبرها امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني» في سوريا.



شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
TT

شبكة حوثية لتجنيد مئات اليمنيين للقتال في أوكرانيا

تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)
تكريم أحد المقاتلين اليمنيين في صفوف القوات الروسية (إعلام محلي)

في تسجيل مصور مدته نحو دقيقة، يروي شاب يمني أنه تم التغرير به وبزملائه الذين يظهرون معه في الفيديو، للذهاب إلى روسيا للعمل لدى شركات أمنية خاصة، ليجدوا أنفسهم في جبهات الحرب الروسية مع أوكرانيا.

وأبدى الشاب الذي غطى وجهه، وزملاؤه رغبتهم في العودة إلى اليمن، ورفضهم أن يقتلوا كما قُتِل زملاؤهم.

وتكشّف، أخيراً، كثير من التفاصيل حول تجنيد القوات المسلحة الروسية لمئات الرجال اليمنيين للقتال في أوكرانيا، من خلال عملية تهريب غامضة، تبين وجود كثير من أوجه التعاون المتنامية بين موسكو والجماعة الحوثية في اليمن.

كما كشفت صحيفة «فايننشيال تايمز» البريطانية في تقرير لها، الأحد الماضي، عن تفاصيل تحويل مئات الرجال اليمنيين إلى مقاتلين في صفوف الجيش الروسي، من خلال «عملية تهريب غامضة».

وفي هذه التسجيلات تتكشف جوانب من تفاصيل ما تمارسه مجموعة من المهربين الحوثيين الذين يستغلون الظروف الاقتصادية الصعبة لليمنيين لتنفيذ حملة تجنيد للمئات منهم، وإرسالهم للقتال إلى جانب القوات الروسية، وتعمل هذه المجموعة من داخل اليمن ومن دول عربية أخرى، بالتعاون مع آخرين داخل الأراضي الروسية.

وتسهل الحرب التي أشعلتها الجماعة الحوثية في اليمن قبل نحو عشرة أعوام، تجنيدَ كثير من الشباب اليمنيين الذين نزحوا خارج البلاد وفشلوا في البحث عن فرص عمل أو الوصول إلى دول أوروبا، سواء بالهجرة الشرعية أو غير الشرعية لتقديم طلبات لجوء.

وتمكن السماسرة من تجنيد المئات من هؤلاء وإرسالهم للقتال في روسيا، وفق ما أكدته مصادر مقربة من عائلاتهم وأخرى في الحكومة اليمنية.

وفي مقطع مصور آخر، يظهر مجموعة من الشبان اليمنيين، ويذكر أحدهم أنهم كانوا يعملون في سلطنة عمان، وأن شركة للمعدات الطبية تابعة للقيادي الحوثي عبد الولي الجابري أغرتهم بالحصول على عمل لدى شركة روسية في المجال الأمني وبرواتب مجزية.

مجموعة من الشبان اليمنيين المجندين في معسكر تدريب روسي يرفعون العلم اليمني (إكس)

ويضيف: «غرورا بنا بأنهم سيدفعون رواتب شهرية تعادل 2500 دولار لكل فرد، وعند وصولنا إلى المطار في روسيا، استقبلنا مندوبون عن وزارة الدفاع الروسية، وأبلغونا أنه سيتم توظيفنا حراسَ أمن في منشآت».

وبعد يومين من وصولهم، تم إرسالهم إلى معسكرات للتدريب، حيث يجري إعدادهم للقتال منذ شهرين، ولم يتقاضوا من الرواتب التي وُعِدوا بها سوى ما بين 185 دولاراً و232 دولاراً (ما بين 20 إلى 25 ألف روبل فقط).

ويؤكد الشاب أن الروس أخذوا 25 من زملائه إلى الجبهات، وأن هؤلاء جميعاً لقوا مصرعهم؛ إما داخل العربات التي كانوا يستقلونها، أو داخل المباني التي كانوا يتمركزون فيها، بينما هو وبقية زملائه ينتظرون، بقلق، نقلهم من موقع وجودهم في معسكر قريب من الحدود الأوكرانية، إلى الجبهات. وطالب الحكومة اليمنية بالتدخل لإعادتهم إلى بلدهم.

شركة أدوية للسمسرة

لكن أحد اليمنيين، واسمه أحمد، وهو على معرفة بإحدى المجموعات التي تم تجنيدها، يوضح أنه وأصدقاء له حذروا هؤلاء الشبان من الذهاب إلى روسيا؛ لأن هناك حرباً قد يتورطون فيها، إلا أنهم ردوا عليه بأنهم قادرون على الفرار إلى أوروبا لطلب اللجوء كما فعل المئات من اليمنيين سابقاً، حين وصلوا إلى روسيا البيضاء، ومن هناك تم تسهيل نقلهم إلى الأراضي البولندية.

أحد الشباب اليمنيين داخل عربة عسكرية روسية وتفيد المعلومات بمصرعه داخل العربة (فيسبوك)

وبحسب ما أفاد به أحد أعضاء الجالية اليمنية في روسيا لـ«الشرق الأوسط»، فإن سماسرة يقومون بإغراء شبان يمنيين للذهاب إلى روسيا للعمل لدى شركات مقابل رواتب تصل إلى 2500 دولار شهرياً، ويتم نقل الراغبين إلى عواصم عربية؛ منها مسقط وبيروت ودمشق، ليجري نقلهم إلى الأراضي الروسية.

ويتابع أنه، وبعد وصولهم، تم إدخالهم معسكرات للتدريب على الأسلحة، بزعم أنهم موظفون لدى شركة أمنية، لكنهم بعد ذلك يرسلون إلى جبهات القتال في أوكرانيا، حيث يوجد شبان عرب من جنسيات أخرى ذهبوا إلى روسيا للغرض نفسه.

ويقدر ناشطون وأفراد في الجالية اليمنية في روسيا بأن هناك نحو 300 شاب يمني يرفضون الذهاب إلى جبهات القتال ويريدون العودة إلى بلدهم، وأن هؤلاء كانوا ضحية إغراءات بسبب الظروف الاقتصادية التي يعيشها اليمن نتيجة الحرب المستمرة منذ عشرة أعوام.

وطبقاً لأحد الضحايا الذين نشروا أسماء وأرقام المتورطين في هذه العملية، فإن أبرز المتهمين في عمليات التجنيد، عبد الولي الجابري، وهو عضو في البرلمان التابع للجماعة الحوثية، ويساعده في ذلك شقيقه عبد الواحد، الذي عينته الجماعة مديراً لمديرية المسراخ في محافظة تعز.

القيادي الحوثي الجابري المتهم الرئيسي بتجنيد الشبان اليمنيين خلال زيارة صالح الصماد رئيس مجلس الحكم الحوثي السابق له بعد إصابته في المعارك (إعلام حوثي)

وتضم المجموعة، وفقاً لهذه الرواية، شخصاً يدعى هاني الزريقي، ومقيم في روسيا منذ سنوات، ومحمد العلياني المقيم في دولة مجاورة لليمن.

تخفّي السماسرة

ويتهم اثنان من أقارب المجندين الجابري ومعاونيه بترتيب انتقال المجندين من اليمن إلى البلد المجاور، ومن هناك يتم إرسالهم إلى موسكو، بحجة العمل لدى شركات أمنية خاصة، وأن هؤلاء السماسرة يحصلون على مبالغ بين 10 إلى 15 ألف دولار عن الفرد الواحد.

وانتقل القيادي الحوثي الذي يدير الشركة أخيراً إلى مكان غير معروف، وبدّل أرقام هواتفه وانقطع تواصله مع الضحايا، بعد انتشار مقاطع مسجلة لمناشداتهم الحكومة اليمنية التدخل لإعادتهم إلى بلدهم.

وعينت الجماعة الحوثية الجابري، إلى جانب عضويته بالبرلمان التابع لها، قائداً لما يسمى بـ«اللواء 115 مشاة»، ومنحته رتبة عميد، بينما صدر بحقه حكم إعدام في عام 2020 من محكمة في مناطق سيطرة الحكومة، كما أن ابن أخيه، جميل هزاع، سبق وعُيِّن في اللواء نفسه، في منصب أركان عمليات، وهو حالياً عضو ما يسمى مجلس الشورى التابع للجماعة.

ولا تقتصر مهام سماسرة التجنيد على إرسال شبان من اليمن للقتال في روسيا، بل تتضمن تجنيد عدد من اليمنيين المقيمين هناك للقتال في صفوف الجيش الروسي.

وأُعْلِن منتصف العام الحالي عن مقتل الدبلوماسي اليمني السابق في موسكو، أحمد السهمي، في إحدى الجبهات، حيث كان يقاتل إلى جانب القوات الروسية، وبحسب رواية زملاء له، أنه وبعد انتهاء فترة عمله، أقدم على المشاركة في القتال من أجل الحصول على راتب يمكنه من مواجهة التزاماته لعائلته وأطفاله.

ومنذ شهر، كرّم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الشاب اليمني، سعد الكناني، الذي قُتل في جبهة لوغانسك، وكان قد حصل على الجنسية الروسية قبل فترة قصيرة من التحاقه بالقتال في صفوف القوات الروسية.