كيف يؤثر التغير المناخي في شمال غربي سوريا خلال الحرب؟

معاناة كبيرة للنازحين صيفاً وشتاءً

TT

كيف يؤثر التغير المناخي في شمال غربي سوريا خلال الحرب؟

تعاني المزروعات من الجفاف واختلال الأمطار في إدلب ما ينعكس على المحصول (الشرق الأوسط)
تعاني المزروعات من الجفاف واختلال الأمطار في إدلب ما ينعكس على المحصول (الشرق الأوسط)

في ريف إدلب الجنوبي، في سهل الروج، وسط حقول منظمة واسعة الامتداد، يجيل يحيى الفارس النظر إلى أرضه التي اجتازت صيفاً حاراً آخر، ونمت فيها خضراوات جديدة لا تماثل ما كانت تقدمه من قبل.

«أصبح مردود الأرض قليلاً بالنسبة لنا»، قال المزارع الخمسيني لـ«الشرق الأوسط»، متحدثاً عن خسائر كبيرة أدت لهجرة مزارعين آخرين للعمل في تركيا، أو لتخليهم عن مهنة آبائهم والاتجاه للعمل بالمقالع الحجرية.

الجفاف ونقص هطول الأمطار وتطرف الأحوال الجوية، عدا الحرارة العالية وموجات الصقيع، كل ذلك كان السبب في توقف عديد من الأنواع الزراعية، مثل القطن وعبّاد الشمس وغيرهما، ما ألحق خسائر مادية قاسية بالمزارعين في المنطقة التي كانت تعدّ من الأخصب في سوريا.

فدوى حميد تجلس مع حماتها السبعينية وسط خيمتهما المهترئة في ريف إدلب (الشرق الأوسط)

ولكن على الجانب الآخر من الحقول، حيث تتوزع خيام النازحين، هناك واقع مغاير يعانيه المقيمون؛ بسبب الفيضانات والعواصف التي تبقيهم في حالة من التأهب والصراع للنجاة طوال الشتاء والصيف.

العام الماضي، قضت فدوى حميد 10 أيام وحدها، تحاول إنقاذ وإصلاح خيمتها التي غرقت بمياه الأمطار، بعد أن أرسلت أطفالها الثمانية إلى أقربائها. وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن هذه المعاناة متكررة كل عام؛ بسبب موجات الحر والعواصف المطرية، «لا نملك المال لنستأجر ولا لنبدّل الخيمة أو نعزلها بشكل ملائم».

التغير المناخي، الذي سرّعه التلوث الناجم عن الأنشطة البشرية خلال العقود الماضية، والذي يسبب تغير الدورة المطرية والاحترار العالمي وازدياد العواصف والأحوال الجوية المتطرفة، ليس محصوراً بسوريا، لكن الحرب التي تمرّ بها البلاد منذ أكثر من 12 عاماً، أفقدت السكان مرونتهم لمواجهة التحديات التي يمرون بها، وقدرتهم على معالجتها.

منطقة الشمال الغربي ما زالت تشهد حملات عسكرية، وتهديدات أمنية متصاعدة، ويعيش فيها نحو مليوني شخص ضمن المخيمات، من أصل 4.5 مليون مقيمين فيها، ما يعني أنها من أكثر المناطق تأثراً وضعفاً في مواجهة التحديات البيئية.

اضطر يحيى الفارس للتخلي عن زراعة بعض أنواع الخضراوات لعدم قدرتها على تحمل الجفاف (الشرق الأوسط)

موقع سوريا، شرق حوض المتوسط، يجعلها في مواجهة جفاف متصاعد وفق تقديرات «منظمة الأرصاد الجوية العالمية»، التي رصدت أدنى معدلات للهطول في سوريا خلال السنوات الثلاث الماضية... وبعد أن أدت الحرب إلى دمار ثُلثي المنشآت المائية في عموم البلاد، لم يعد بمقدور الناس الوصول للماء الآمن والكافي لاحتياجاتهم.

لثلاثين عاماً زرع يحيى الفارس أرضه بالخضراوات الصيفية والشتوية، لكنه لاحظ بالأعوام الأخيرة نقص خصوبة التربة التي طالما اعتمد عليها. وبرأيه، فإن السبب الرئيسي هو الجفاف إضافة إلى نقص الدعم. وقال: «لدينا نقص بالأسمدة والأدوية بشكل كبير، وبسبب الجفاف لا تستطيع الأرض أن تعطي، فهي بحاجة للمساعدة والدعم لتتمكن من المقاومة».

وتقدّر الأمم المتحدة، احتياج 4.1 مليون شخص، للمساعدة الإنسانية في الشمال الغربي، لكنها تحذّر من أن «نقص الدعم الإغاثي، يهدد بارتفاع نسب الضعف والاحتياج بمختلف القطاعات، إذ لم تبلغ نسبة التمويل لمتطلبات عام 2023 سوى 29 في المائة حتى شهر نوفمبر (تشرين الثاني)».

ووفق تقديرات البنك الدولي، انخفض الناتج المحلي الإجمالي في سوريا إلى النصف بين عامي 2010 و2020. وانخفض إنتاج النفط الخام بنحو 80 في المائة خلال الفترة ذاتها، في حين تضاعف مستوى التضخم، ونقصت القدرة الشرائية للناس في مختلف المحافظات، إلى أن أدت كارثة زلزال فبراير (شباط) الماضي إلى مزيد من التدهور في منطقة الشمال الغربي.

المزارع يحيى الفارس يقف وسط أرضه في سهل الروج (الشرق الأوسط)

بدوره حذّر «مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة» (OCHA) من أن سوء الأوضاع الاقتصادية في سوريا نتيجة الحرب، «يؤثر في قدرة الناس على التكيف مع التغير المناخي، الذي يزيد الأوضاع سوءاً مع حرمان المزارعين من مصادر دخلهم، ويؤدي لموجات نزوح مناخي وليس أمنياً فقط؛ بحثاً عن فرص العمل».

 

دورة الضعف في حياة النازحين

وبلغت أعداد النازحين في سوريا 6.8 مليون شخص، 2.8 مليون منهم في الشمال الغربي، بينهم 800 ألف شخص يقيمون تحت الخيام المهترئة، التي لا ترد حر الصيف، ولا برد الشتاء.

وقالت فدوى حميد، إن موجات الحرارة التي عاشتها خلال الصيف الماضي كانت من الأسوأ التي اختبرتها، إذ خشيت على أبنائها من ارتفاع الحرارة، «كنا نرش الماء، ونبل ثيابنا، ونضع الرقع المبللة على رؤوس الأطفال لتبريدهم... وصلت درجات الحرارة إلى 45، كان الأطفال يذوبون، وخيامنا المصنوعة من النايلون تزيد الأمر سوءاً».

أكثر من 50 % من السكان في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي (برنامج الأغذية العالمي)

لكن ما أن ينتهى فصل الصيف، حتى يصبح تأمين الحرارة هو التحدي... إذ مع دفء أيام الخريف وتأخر أمطاره هذا العام، تزداد قسوة وبرودة الليالي. وقالت فدوى: «إن البرد قارس، والأطفال يرتدون طبقات متعددة من الثياب ليحافظوا على دفئهم، بينما يدفعنا نقص مواد التدفئة وغلاء أسعارها، إلى الاقتصاد بإشعال المدفأة».

ويؤدي ازدحام تجمعات النازحين، إلى ازدياد التحديات البيئية، ويوقعهم في دورة أذية الطبيعة والمعاناة بسببها، إذ إن 86 في المائة من تجمعات النازحين في حالة من الازدحام الشديد، ما يزيد من مخاطر اشتعال الحرائق والتلوث في التربة، والتصحر نتيجة قطع الأشجار واستخدامها حطباً للتدفئة.

«إيقاف الحرب أولاً، هو الحل لمسببات التدهور الاقتصادي، وبدء مواجهة التدهور البيئي في سوريا»، حسبما توصي الأمم المتحدة، التي أشارت في تقاريرها، إلى أن «التحول لاقتصاد مستدام مرن بمواجهة التحديات المناخية، يتطلب الدعم الدولي للاستثمار بوسائل الطاقة المتجددة، وحفظ الطاقة والزراعة المستدامة».


مقالات ذات صلة

«معركة حلب» تستدعي مخاوف «أشباح الموصل»

المشرق العربي «معركة حلب» تستدعي مخاوف «أشباح الموصل»

«معركة حلب» تستدعي مخاوف «أشباح الموصل»

باغت التَّقدمُ السريع لفصائل سورية مسلحة نحو مدينة حلب، أمس (الجمعة)، أطرافاً إقليمية ودولية، وأعاد التذكير بأشباحَ سقوط مدينة الموصل العراقية قبل عشر سنوات.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
المشرق العربي دبابة مدمَّرة للجيش السوري في قرية عنجارة على مشارف حلب 29 نوفمبر (أ.ب)

الجيش السوري يغلق الطرق المؤدية إلى حلب بعد أوامر بـ«انسحاب آمن»

قالت ثلاثة مصادر بالجيش السوري، إن الجيش أغلق الطرق الرئيسية المؤدية من وإلى مدينة حلب بعد أن صدرت تعليمات للقوات باتباع أوامر «انسحاب آمن» من الأحياء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فصائل مسلحة سورية تسيطر على بلدات في محيط حلب (أ.ب)

المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا: موجة نزوح من حلب وإغلاق المطار

قال المكتب الأممي لتنسيق الشؤون الإنسانية في سوريا إن هناك تقارير عن عمليات نزوح واسعة من مناطق في ريف حلب الغربي ومناطق داخل المدينة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي «معركة حلب» تباغت سوريا وتخلط الأوراق محلياً وإقليمياً

«معركة حلب» تباغت سوريا وتخلط الأوراق محلياً وإقليمياً

دخلت فصائل مسلحة؛ بينها هيئة تحرير الشام وفصائل مدعومة من تركيا أمس، أجزاءً غرب مدينة حلب في شمال سوريا، وتقدمت على نحو كبير وسريع بعد قصفها.

«الشرق الأوسط» (عواصم)
المشرق العربي عناصر من الفصائل المسلحة السورية يوم الجمعة على مشارف حلب الغربية في سوريا (أ.ب)

سوريا: نزوح جماعي يواكب تقدم فصائل مسلحة نحو حلب

دفعت التطورات العسكرية شمال غربي سوريا وتحديداً في مدينة حلب وريفها الغربي الآلاف إلى حركة نزوح جماعية كبيرة.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

مسيّرة إسرائيلية تقصف منطقة وطى الخيام في جنوب لبنان

مبان مدمرة نتيجة القصف الإسرائيلي على قرية ميس الجبل في جنوب لبنان (إ.ب.أ)
مبان مدمرة نتيجة القصف الإسرائيلي على قرية ميس الجبل في جنوب لبنان (إ.ب.أ)
TT

مسيّرة إسرائيلية تقصف منطقة وطى الخيام في جنوب لبنان

مبان مدمرة نتيجة القصف الإسرائيلي على قرية ميس الجبل في جنوب لبنان (إ.ب.أ)
مبان مدمرة نتيجة القصف الإسرائيلي على قرية ميس الجبل في جنوب لبنان (إ.ب.أ)

ذكرت قناة «تلفزيون الجديد»، اليوم الجمعة، أن طائرة مسيّرة إسرائيلية أطلقت صاروخين على منطقة وطى الخيام في جنوب لبنان. ولم يذكر التلفزيون تفاصيل أخرى عن القصف.

كان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في وقت سابق من اليوم قصف منصة صاروخية متحركة تابعة لـ«حزب الله» في جنوب لبنان.

ودخل اتفاق وقف إطلاق النار في لبنان حيز التنفيذ، فجر يوم الأربعاء الماضي بالتوقيت المحلي، بهدف إنهاء أحدث صراع بين إسرائيل وجماعة «حزب الله» بعد نحو عام من تبادل إطلاق النار بين الجانبين.

وتشهد الهدنة بعض الخروق؛ إذ اتهم الجيش اللبناني الذي أعلن البدء بالانتشار في الجنوب، إسرائيل، الخميس، بـ«خرق» اتفاق وقف إطلاق النار «مرات عدة» خلال يومين.

وقال الجيش اللبناني في بيان: «بتاريخَي 27 و28 - 11 - 2024، بعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، أقدم العدو الإسرائيلي على خرق الاتفاق عدة مرات، من خلال الخروق الجوية، واستهداف الأراضي اللبنانية بأسلحة مختلفة».

بدورها، قالت جينين هينيس - بلاسخارت، المنسقة الخاصة للأمم المتحدة لشؤون لبنان، اليوم (الجمعة)، إن تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار وانسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي التي احتلها في جنوب لبنان وتعزيز انتشار الجيش اللبناني في هذه المناطق، لا يمكن أن تتم «بين ليلة وضحاها».