حفّار قبور سوداني: اعتدت روائح الجثث لكنّ الحرب أرهقتني

«على الله» يتطوع منذ 30 عاماً لخدمة الموتى

المتطوع السوداني بابكر حميدة الطيب (الشرق الأوسط)
المتطوع السوداني بابكر حميدة الطيب (الشرق الأوسط)
TT

حفّار قبور سوداني: اعتدت روائح الجثث لكنّ الحرب أرهقتني

المتطوع السوداني بابكر حميدة الطيب (الشرق الأوسط)
المتطوع السوداني بابكر حميدة الطيب (الشرق الأوسط)

نَذَرَ السوداني بابكر حميدة الطيب (73 عاماً)، حياته قبل ثلاثين عاماً متطوعاً لغسل الموتى ودفنهم؛ يقضي أيامه بين مشافي مدينة ود مدني (200 كيلومتر تقريباً جنوب شرقي الخرطوم) ومقابرها، غير أن اشتعال الحرب قبل 7 أشهر أرهقه وضاعف من مسؤولياته.

يقول الرجل لـ«الشرق الأوسط» إن «دفن الجثث المتحللة» يُزيد معاناته وإرهاقه. مضيفاً أنه خلال 3 عقود من دفن الموتى أصبح لا يشمّ روائح الجثامين إلى درجة أنه «لم يرتدِ كمامة أبداً». ويحمل الطيب اسم شهرة هو «على الله»، ويُرجع أقاربه أصل اللقب إلى أنه عندما يطلب منه أحدهم أي شيء يرد بلازمة: «خلّيها على الله». ومنذ اشتعال الحرب في السودان بين الجيش وقوات «الدعم السريع» ازدادت مسؤولياته؛ إذ اكتظت مدينته بآلاف النازحين وبينهم نسبة كبيرة من كبار السن أو من يعانون أمراضاً مزمنة، وفي ظل ظروف لا يتوفر فيها الدواء ولا التطبيب زادت أعداد الموتى من النازحين.

ويواجه النازحون في ود مدني ظروفاً قاسية، ومنها، وفق ما يروي«على الله» أنه عندما يتوفى أحدهم في المستشفيات –على قلتها– أو في دور الإيواء، يحتار أقاربه في كيفية الدفن، فغالبهم لا يملك حتى ثمن شراء (الكفن). وأمام تلك المعضلة ينصحهم ناصح بالتواصل مع «على الله» ليتولى الأمر، خصوصاً في ظل عدم معرفة بعض النازحين بترتيبات الدفن، سواء بسبب صغر السن أو معاناة «تروما الحرب»، فيتكفل بغُسلهم وتكفينهم ودفنهم.

وفرّ ملايين السودانيين من الخرطوم هرباً من الموت تحت سماء الخرطوم التي تمطر رصاصاً، لكنَّ كثيرين منهم توفي إما بالأمراض المزمنة وانعدام الدواء، وإما بفعل الأوبئة التي نتجت عن تردي الأوضاع المعيشية والإنسانية.

في صحبة «على الله»، التقت «الشرق الأوسط» ابنة المتوفى أحمد محمد، التي تقول إن والدها توفي في ود مدني «بسبب مضاعفات مرض السكري». وتشرح: «كنا في حيرة ونحن بلا أهل هنا، كيف ندفنه؟ وكيف نقوم بواجبات الجنازة؟ دلَّنا أهل المدينة على حفار القبور وساتر الموتى (على الله)، فقام بالواجب على أكمل وجه».

يقول «على الله» لـ«الشرق الأوسط»: «أغسّل الموتي في المشافي أو في المقابر، أو حتى في منزلي في أي وقت، ويساعدني أبنائي على هذه المهمة، بعد استئذان أقارب المتوفى». ويشرح أنه يترك هاتفه متاحاً طوال اليوم، ويضيف: «أضعه تحت وسادتي حين أخلد للنوم، فهذا واجب اجتماعي وديني».

ولا توجد في السودان شركات أو جهات تتولى دفن الموتى، وعادةً ما يتولى مهمة الدفن أهل القرية أو الحي أو المنطقة، ويعدّون ذلك شعيرة دينية يحرصون على المشاركة فيها، وعادةً يقوم الشباب بحفر القبر، ويتولى كبار السن تكفين الميت ودفنه.

ويشكو «على الله» نقص الأكفان وسوء أوضاع المقابر في ود مدني، ويقول إن «المدافن بلا إنارة ولا تتوفر بها المياه، ونضطر في كثير من الأحيان لتغسيل الموتى على ضوء مصباح الهاتف».

ويُفصّل الرجل مشكلته بالقول: «نحن لا نتقاضى مقابلاً نظير خدمة الموتى، لكنّ تكلفة الكفن التي تتراوح بين 15 و16 ألف جنيه سوداني (الألف جنيه سوداني يساوي 1.66 دولار أميركي تقريباً)، مع متوسط وفيات يتراوح بين 6 و7 حالات يومياً؛ كلها أمور تُرهقنا».

وفي ضوء خبرته الطويلة، يطالب حفار القبور بإنشاء مغسلة للموتى في قسم النساء والتوليد بمستشفى ود مدني، أو على الأقل توفير غرفة لهذا الغرض. ويستدرك: «الخيّرون يوفرون احتياجات الدفن بما في ذلك الأكفان والحنوط».


مقالات ذات صلة

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

شمال افريقيا مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

مناقشات أممية موسعة لوقف النار فوراً في السودان

انخرط مجلس الأمن في نقاشات حول مشروع قرار بريطاني لمطالبة القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع» بوقف القتال فوراً والسماح بتسليم المساعدات الإنسانية.

علي بردى (واشنطن) محمد أمين ياسين (نيروبي)
العالم العربي شاحنة تحمل مسلحين سودانيين تابعين للجيش يوم الاثنين في ولاية القضارف شرق البلاد (أ.ف.ب)

​تنسيق عربي - أميركي لحلحلة الأزمة السودانية

مصدر مصري مسؤول قال لـ«الشرق الأوسط» إن دول «السعودية ومصر والإمارات تعمل مع الولايات المتحدة ضمن آلية رباعية لتنسيق مساعٍ لحلحلة الأزمة السودانية»

أحمد إمبابي (القاهرة)
شمال افريقيا مدينة الفاشر السودانية تعاني وضعاً إنسانياً متدهوراً (أ.ب)

السودان: معارك الفاشر مستمرة... وطرفا الحرب يزعمان التفوق

تضاربت الأنباء بشأن المعارك العسكرية المستمرة في مدينة الفاشر الاستراتيجية في شمال دارفور بالسودان، في ظل مزاعم من طرفي الحرب بالتفوق.

أحمد يونس (كمبالا)
شمال افريقيا امرأة وطفلها في مخيم «زمزم» للنازحين قرب الفاشر شمال دارفور بالسودان (أرشيفية - رويترز)

الحكومة السودانية تتهم بعض المنظمات الدولية بتسليم الإغاثة لـ«الدعم السريع»

قالت الحكومة السودانية إن التقارير الدولية التي تشير إلى وجود مجاعة في السودان «كاذبة»، وإن بعض المنظمات «تكتب تقارير من مكاتبها في نيروبي دون إجراء أي مسح».

وجدان طلحة (بورتسودان)
شمال افريقيا السودان التزم بتقديم جميع التسهيلات المعنية «بانسياب تدفق المساعدات الإنسانية» (وسائل إعلام سودانية)

«السيادة السوداني» يقترح آلية تضم تشاد والأمم المتحدة لاستمرار العمل بمعبر أدري

قال مجلس السيادة السوداني، الاثنين، إن الخرطوم تقدّمت إلى الأمم المتحدة باقتراح من أجل استمرار العمل بمعبر أدري الحدودي مع تشاد.

«الشرق الأوسط» (الخرطوم)

هوكستين: هناك فرصة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان قريباً

المستشار الأميركي آموس هوكستين يتحدث بعد اجتماع في القصر الرئاسي اللبناني في بعبدا بلبنان في 27 أكتوبر 2022 (رويترز)
المستشار الأميركي آموس هوكستين يتحدث بعد اجتماع في القصر الرئاسي اللبناني في بعبدا بلبنان في 27 أكتوبر 2022 (رويترز)
TT

هوكستين: هناك فرصة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار في لبنان قريباً

المستشار الأميركي آموس هوكستين يتحدث بعد اجتماع في القصر الرئاسي اللبناني في بعبدا بلبنان في 27 أكتوبر 2022 (رويترز)
المستشار الأميركي آموس هوكستين يتحدث بعد اجتماع في القصر الرئاسي اللبناني في بعبدا بلبنان في 27 أكتوبر 2022 (رويترز)

صرّح المبعوث الأميركي الخاص إلى لبنان آموس هوكستين للصحافيين في البيت الأبيض، الثلاثاء، أن «هناك فرصة» لتأمين وقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله» قريباً وأنه «متفائل» بشأن احتمالات مثل هذا الاتفاق.

التقى هوكستين في وقت سابق، الثلاثاء، في البيت الأبيض مع وزير الشؤون الاستراتيجية الزائر رون ديرمر الذي قدم موقف إسرائيل المحدث بشأن اقتراح وقف إطلاق النار المطروح حالياً على طاولة المفاوضات، وفق ما نقلته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» الإسرائيلية.

صرّح هوكستين للصحافيين أن الولايات المتحدة ستنتظر الآن سماع رد من الجانب اللبناني.

ويقول المبعوث الأميركي هوكستين إنه لن يحتاج بالضرورة إلى القيام برحلة أخرى إلى المنطقة من أجل تأمين صفقة. وأكد أنه لن يكون هناك أي تدخل روسي في الاتفاق وسط تقارير تفيد بأن المساعدة من موسكو تم طلبها لضمان عدم تمكُّن إيران من مواصلة نقل الأسلحة إلى «حزب الله» عبر سوريا.