أصوات في إسرائيل ترفض استئناف الحرب بعد الهدنة

نتنياهو يبحث عن انتصار مبهم... والجيش يؤيده لترميم صورته

من تشييع أحد قتلى الجيش الإسرائيلي (رويترز)
من تشييع أحد قتلى الجيش الإسرائيلي (رويترز)
TT

أصوات في إسرائيل ترفض استئناف الحرب بعد الهدنة

من تشييع أحد قتلى الجيش الإسرائيلي (رويترز)
من تشييع أحد قتلى الجيش الإسرائيلي (رويترز)

على الرغم من إعلان «الكابينيت» الذي يقود الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، أنه وضع خطة انتشار القوات خلال الهدنة وخطة استئناف الحرب بعد انتهائها، وتصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع يوآف غالانت، ووزير الدولة بيني غانتس، بالإصرار على استئناف الحرب «حتى لو استمرت الهدنة عشرة أيام»؛ فقد بدأت ترتفع أصوات عديدة تحذر من الحرب الطويلة ومن أن يكون الهدف خدمة مصالح شخصية وليس وطنية، وتطالب هذه الأصوات بالبحث عن وسيلة لوقف الحرب.

وقال محلل الشؤون الاستراتيجية في صحيفة «هآرتس»، أمير أورن، إنه بعد نحو 50 يوماً من الحرب، تم تدمير 10 في المائة فقط من قوة «حماس» المقاتلة، ولم يتم تشخيص أي انهيار للحركة، كما لم يتم تحرير أي مجموعة من الرهائن بعملية عسكرية، وأيضاً لم يتم قتل أي شخصية بارزة في الصف الأول من قيادة «حماس». وأكد المحلل أن حرب غزة تعد من أطول الحروب ومن دون جدوى، «فحرب سيناء 1956 استمرت لأقل من أسبوع، في حين دامت حرب 1967 ستة أيام فقط، وحرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 لم تكمل ثلاثة أسابيع، وبالمجموع فإن الحروب الثلاث الكبرى تلك استغرقت خمسة أسابيع، في حين أن حرب 2023 في غزة يمكن تسميتها اليوم حرب ستة الأسابيع، وإذا لم يحقق نتنياهو مطلبه فيها فقد تصبح حرب ستة الأشهر وربما 12 شهراً؛ أي حتى نوفمبر (تشرين الثاني) من العام المقبل».

أشخاص يبحثون عن ناجين بعد غارة جوية إسرائيلية على منزل في رفح (د.ب.أ)

إطالة أمد الحرب

وكتب المعلق السياسي التلفزيوني في «القناة 13»، رفيف دروكر، أن وزيراً كبيراً في المجلس الوزاري الأمني قال له إن نتنياهو يحاول إطالة أمد الحرب قدر الإمكان؛ لأن ذلك يتماشى مع مصلحته، مشيراً إلى أن نتنياهو في حرب غزة هو نتنياهو آخر غير الذي نعرفه والذي يتخوف من المخاطر العسكرية. فهو مضطر إلى أن يهزم «حماس» عسكرياً بغض النظر عما يستغرقه ذلك من وقت، وكلما استغرق ذلك وقتاً أكثر يستطيع أن يعبر عن دهشته من انشغال البعض بالسياسة الداخلية في وقت يحارب فيه «جنودنا في غزة».

ويرى دروكر أن مصلحة نتنياهو تلك قد تتوافق مع مصلحة الجيش الإسرائيلي الذي لا يستطيع أن يكتفي بأقل من هزيمة كاملة لـ«حماس» بعد الفشل الكبير الذي مُني به في السابع من أكتوبر، ويقول إن تطابق المصالح هذا قد يؤدي إلى استمرار الحرب لأشهر طويلة، خلالها لن يتمكن سكان «غلاف غزة» من العودة إلى بيوتهم، في حين ستفضي بالدولة إلى عجز اقتصادي كبير؛ لأن إسرائيل غير مبنية لحرب استنزاف طويلة، تمتد على كامل مساحتها.

بايدن مع نتنياهو خلال مؤتمر صحافي مشترك في 18 أكتوبر (د.ب.أ)

حملة بقاء لنتنياهو

وكتب أوري مسغاف، وهو صحافي ومحاضر جامعي ومن قادة مظاهرات الاحتجاج، في «هآرتس»، أن نتنياهو يوجد الآن في حملة، لكنها ليست حملة انتخابية؛ لأنه لا يوجد له أي احتمال حقيقي للفوز في الانتخابات، بل على العكس، فإن هذه حملة بقاء استهدفت منع إجراء الانتخابات وإطالة تمسكه بالحكم. وقال مسغاف: «فيلم العلاقات العامة الذي تم تصويره في القاعدة العسكرية (اليكيم)، مثلما في كل ظهور له، كرر نتنياهو رسالته الوحيدة، وهي ... نحن لن نوقف القتال. وبالنسبة له فإن الحرب يجب أن تستمر إلى الأبد؛ لذلك فإن دهشة الأميركيين وجهات أخرى تؤيد إسرائيل، لم يتم تحديد أهداف واضحة وواقعية لها، ولم تتم بلورة استراتيجية للانسحاب ولم تتم مناقشة اليوم التالي».

وقال مسغاف إن «تصريحات وزير الدفاع غالانت والقيادة العليا في الجيش بأن القتال سيستمر لسنة، تخدم نتنياهو، وهي في كل الحالات تحتاج إلى نقاش استراتيجي وجماهيري. ويجب الاستيضاح إذا كانت إسرائيل مبنية لحرب تستمر لسنة، وما معنى هذا بالنسبة لمئات الآلاف في الاحتياط، ولمن يخرجون في إجازات دون راتب، وما تأثير ذلك على العاطلين عن العمل وعلى السوق والاقتصاد، ومن تم إجلاؤهم من الجنوب والشمال».

وتساءل: «مرة أخرى ما هو الهدف؟ ما هو التفسير العملي لتدمير سلطة (حماس) وإزالة التهديد من قطاع غزة؟ وما هي الخطط لليوم التالي؟ هكذا تتصرف الدول السليمة والعقلانية، وليس مثل التي اختُطفت على يد عائلة هستيرية» (يقصد عائلة نتنياهو). هناك أيضاً قضية القتلى.

جنود إسرائيليون يظهرون في مخيم بلاطة للاجئين الفلسطينيين في نابلس بالضفة الغربية (أ.ب)

يجب كشف عدد القتلى الإسرائيليين

وقال مسغاف إنه أجرى فحصاً بيّن أنه منذ 9 أكتوبر سقط في الجبهة الجنوبية والشمالية 101 من الجنود. ومنذ بداية العملية البرية في 31 أكتوبر قُتل في الجنوب والشمال 77 جندياً. وأضاف: «هذا العدد الذي سيزداد يجب أن يكون أيضاً أمام ناظري جميع الإسرائيليين دون صلة بموقفهم من أهمية العملية البرية والحاجة إلى استئنافها بعد استكمال صفقة المخطوفين. فاستمرار الحرب يمنع استئناف محاكمة نتنياهو وتشكيل لجنة تحقيق رسمية وخروج غانتس وأصدقائه من الائتلاف الواسع والمستقر الذي قاموا بتشكيله من أجل الحرب. والحرب تمنع الاستقالة المتوقعة لكبار جهاز الأمن، الذي ستبقيه مكشوفاً، وعودة جنود الاحتياط إلى البيت وانضمام الكثيرين منهم إلى احتجاج ضخم لم تشاهد إسرائيل مثله. أدخلوا ذلك في عقولكم: ما دام الأمر يتعلق بنتنياهو فإن هذه الحرب لن تنتهي أبداً».

إطلاق صواريخ من قطاع غزة نحو مستوطنة سديروت في جنوب إسرائيل (رويترز)

وفي صحيفة «يديعوت أحرونوت» كتبت تسيبي شميلوفتس، المراسلة في واشنطن، أن صفقة تحرير الرهائن جاءت بعد ضغط طويل من إدارة بايدن، وأن الضغط أصبح أكثر فأكثر كثافة كلما تبين الثمن السياسي الذي يدفعه الرئيس على دعمه لإسرائيل. فالصور من غزة تطغى على وسائل الإعلام الأميركية، والاستطلاعات تظهر أن بايدن يفقد بسرعة تأييد قاعدته الديمقراطية مع الدخول إلى سنة انتخابات حرجة. ورغم أن بايدن لا يتراجع عن دعمه التام لإسرائيل، لكنه نشأت فجوات بينه وبين نتنياهو. فقد أجرى بايدن مع نتنياهو 13 محادثة منذ 7 أكتوبر، وزاره في إسرائيل وعانقه بحرارة، لكنه اليوم يتحول إلى حثه باستمرار على كبح جماح قصفه في غزة. ومع أن بايدن ومساعديه قالوا المرة تلو الأخرى إنهم لا يقولون لإسرائيل كيف ترد على المذبحة، فإن عدداً من كبار المسؤولين الأميركيين ألمحوا إلى أنه «لن يخيب ظنهم» إذا ما تحولت الهدنة لتصبح وقف نار دائماً أكثر. وأكثر من ذلك، قالت محافل في البيت الأبيض لـ«نيويورك تايمز» إن بايدن يأمل في أن يكون تحرير الرهائن خطوة بداية للتقدم نحو حل الدولتين.

جنود إسرائيليون يقفون قرب ما يقولون إنها فتحة نفق في مجمع «مستشفى الشفاء» في مدينة غزة (رويترز)

الإعلان عن الانتصار

وكتب أيضاً الصحافي يوسي كلاين، متهكماً من أن «هذه الحكومة مستعدة لليوم التالي. ونتنياهو يريد الإعلان عن الانتصار، لا تهمه الاستطلاعات والاشمئزاز، فهو طور على جسده جلد تمساح. وسيذهب حتى النهاية، حتى الانتصار، إلى أن نصبح مثل أوكرانيا. فقد تم اختطافنا من قبل من يعتقد بأن الانتصار سيغفر إهماله وتقصيره. وما هو الانتصار؟ إجاباته غامضة. اسمحوا له بالتخمين، هو نفسه لا يعرف. على أي حال، انتصاره ليس انتصارنا، فهدف الحرب من ناحيته هو تحرير المخطوفين. هدف حربه هو أنه ليس لديه أي فكرة باستثناء توفير الهدوء للمستوطنات. هدوء مؤقت. و(حماس) ستموت وستقوم منظمة أخرى وباسم آخر وزعيم آخر، ولكن بأهداف مشابهة. في غضون ذلك، نحن ندفن الرأس في الرمل، ونغمض العيون، ونؤجل لليوم التالي الاستنتاجات المطلوبة، ونتجاهل ما يحدث في المناطق. ونسارع إلى نسيان المذبحة والمخطوفين أيضاً».

ويتهم كلاين الجيش أيضاً بأنه شريك في المصلحة مع نتنياهو هذه المرة؛ «فهو لا يغفر لنفسه الفشل ويبحث عن انتصار يرمم مكانته، بأي ثمن ومهما طال ذلك. هو يعول على نموذج حرب يوم الغفران (أكتوبر 1973): الهزيمة، النهوض، ثم الانتصار الذي ينسي الهزيمة. وماذا سنفعل بمليوني شخص ليسوا من (حماس)؟ هل سنغرقهم في البحر ونعلن أنه لا يوجد حل ولا يوجد من نتحدث معه، وننتظر بصبر 7 أكتوبر القادم؟ حكومة أخرى كانت ستسعى إلى حرب قصيرة بقدر الإمكان وتعود إلى روتين الحياة. ليس الحكومة الحالية. مدة الحرب ترتبط بأهدافها، وعندما يكون الهدف هو البقاء سياسياً على قيد الحياة أو انتصار، فيمكن أن تستمر الحرب إلى الأبد».


مقالات ذات صلة

تقرير: ثغرة في نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي وراء الفشل في اعتراض صاروخ الحوثي

المشرق العربي صورة وزعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (رويترز)

تقرير: ثغرة في نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي وراء الفشل في اعتراض صاروخ الحوثي

قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية إن الفشل الأخير في اعتراض الصواريخ اليمنية التي تستهدف إسرائيل قد يكون مرتبطاً بضعف في نظام الدفاع الجوي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية رجال الطوارئ الإسرائيليون يتفقدون حفرة في الموقع الذي سقط فيه مقذوف أطلق من اليمن في تل أبيب في وقت مبكر من اليوم السبت (أ.ف.ب)

إصابة 16 شخصاً في سقوط صاروخ وسط تل أبيب... و«الحوثي» يتبنى الهجوم

أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم (السبت)، أن صاروخاً أطلِق من اليمن أصاب الأراضي الإسرائيلية قرب تل أبيب بعد فشل محاولات اعتراضه.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية جندية إسرائيلية تشغّل طائرات مسيّرة (موقع الجيش الإسرائيلي)

تقرير: إسرائيل كوّنت أول وحدة قتالية للفتيات المتدينات جراء نقص الجنود

قالت وكالة «بلومبرغ» للأنباء إن إسرائيل كوّنت لأول مرة وحدة قتالية للفتيات المتدينات بالكامل بها مستشارة دينية نسائية بسبب نقص الجنود المقاتلين مع تعدد الحروب.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية قوات إسرائيلية تنشط في منطقة جبل الشيخ بسوريا في هذه الصورة المنشورة بتاريخ 9 ديسمبر 2024 (رويترز) play-circle 01:10

ماذا يربط «7 أكتوبر» باحتلال إسرائيل لجبل الشيخ؟

إصرار إسرائيل على احتلال جانب آخر من جبل الشيخ، ضمن جنيها ثمار انهيار نظام الأسد، يشير إلى «عقدة 7 أكتوبر» في تل أبيب.

نظير مجلي (تل أبيب)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يقومون بدورية في مستوطنة أفيفيم الزراعية بجوار الحدود اللبنانية في الجليل الأعلى (أ.ب)

قوات إسرائيلية تخرج مستوطنين عبروا إلى جنوب لبنان

أخرج جنود إسرائيليون مجموعة صغيرة تنتمي لليمين المتطرف بعدما عبرت الحدود إلى لبنان وبدا أن أفرادها حاولوا نصب خيام

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

طهران تسارع لبناء علاقات مع القيادة الجديدة في دمشق

اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (مهر)
اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (مهر)
TT

طهران تسارع لبناء علاقات مع القيادة الجديدة في دمشق

اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (مهر)
اللواء حسين سلامي (الثاني من اليسار) والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان (مهر)

تحاول الحكومة الإيرانية استعادة بعض نفوذها مع القادة الجدد في سوريا، حيث تواجه طهران صدمة فقدان سلطتها المفاجئ في دمشق عقب انهيار نظام بشار الأسد. ورغم الأزمات الداخلية والدولية الكثيرة التي يواجهها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان حالياً، ومنها الأزمة الاقتصادية، والتوتر حول الملف النووي، فإن فقدان النفوذ المفاجئ في سوريا بعد سقوط الأسد لصالح جماعات المعارضة المسلحة هو ما يشغل المسؤولين الإيرانيين بشكل أكبر، وفق ما ذكرت صحيفة «الغارديان» البريطانية.

فعلى المدى القريب، تسعى طهران لاستعادة بعض نفوذها مع حكام دمشق الجدد، إذ يصرُّ الدبلوماسيون الإيرانيون على أنهم لم يكونوا مرتبطين بشكل وثيق بالأسد، وقد أُصيبوا بخيبة أمل من رفضه تقديم تنازلات.

وقال وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، في مقابلة أخيراً: «لقد توصَّلنا منذ زمن بعيد إلى استنتاج مفاده بأن استمرار الحكم في سوريا سيواجه تحدياً أساسياً، وكان من المتوقع أن يظهر المسؤولون الحكوميون مرونة تجاه السماح للمعارضة بالمشارَكة في السلطة، ولكن هذا لم يحدث». وأضاف: «كانت طهران دائماً على اتصال مباشر مع وفد المعارضة السورية. ومنذ عام 2011، كنا نقترح على سوريا ضرورة بدء محادثات سياسية مع تلك المجموعات المعارضة التي لم تكن مرتبطة بالإرهاب».

في الوقت نفسه، أصرَّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيراني، على أنَّ إيران دخلت سوريا في عام 2012 بناءً على طلب الأسد، فقط للمساعدة في هزيمة تنظيم «داعش»، قائلاً: «وجودنا كان استشارياً، ولم نكن أبداً في سوريا للدفاع عن مجموعة أو فرد بعينه. كان الأهم بالنسبة لنا هو المساعدة في الحفاظ على وحدة الأراضي والاستقرار في سوريا». لكن هذه التفسيرات لم تجد استجابةً تُذكر في دمشق، وتظل إيران واحدة من الدول القليلة التي انتقدها أحمد الشرع، زعيم «هيئة تحرير الشام».

شهر عسل قصير

الرئيسان التركي والإيراني التقيا في القاهرة على هامش قمة «دول الثماني» لبحث الوضع في سوريا (الرئاسة التركية)

ويدعي كثير من المسؤولين الإيرانيين أنَّ الإنجازات التي تستمتع بها تركيا حالياً في سوريا قد تكون قصيرة الأجل، حيث ستبدأ مصالح أنقرة في التباين مع الحكومة التي تقودها «هيئة تحرير الشام». وقال ناصر مكارم شيرازي، أحد المراجع الدينية في إيران: «علينا متابعة القضية السورية بالأمل، ونعلم أن هذا الوضع لن يستمر؛ لأن الحكام الحاليين في سوريا لن يبقوا متحدين مع بعضهم بعضاً». كما توقَّعت صحيفة «جوان» المحافظة أن «فترة شهر العسل الحالية في سوريا ستنتهي بسبب تنوع الجماعات، والمشكلات الاقتصادية، وانعدام الأمن، وتنوع الفاعلين».

تلقي إيران رسمياً باللوم على الولايات المتحدة وإسرائيل في انهيار نظام الأسد، لكن الاستياء الإيراني من دور أنقرة أيضاً واضح جداً. وفي خطابه الذي ردَّ فيه على سقوط الأسد، قال المرشد الإيراني علي خامنئي، إن «دولة مجاورة لسوريا لعبت دوراً واضحاً في تشكيل الأحداث، وتواصل ذلك الآن».

ونشرت وكالة «فارس» للأنباء ملصقاً يُظهِر زعيم «هيئة تحرير الشام» متحالفاً مع الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي جو بايدن. كما تساءلت اللجنة الاستراتيجية العليا للعلاقات الخارجية، عمّا إذا كانت «هيئة تحرير الشام» ستظل حليفة لتركيا لفترة طويلة. وقالت: «على الرغم من أن تركيا من الفائزين الرئيسيين من سقوط بشار الأسد على المدى القصير، فإن أنقرة لا يمكنها أبداً جلب حكومة متحالفة معها إلى السلطة في سوريا حتى لو حاولت (هيئة تحرير الشام) تشكيل حكومة مستقرة، وهو أمر مستحيل، وعلى المدى المتوسط ستصبح تهديداً كبيراً لتركيا، التي تشترك بحدود طولها 830 كيلومتراً مع سوريا».

الاعتماد على تركيا

المدفعية التركية في حالة تأهب على الحدود مع تركيا قبالة عين العرب (إعلام تركي)

وتوقَّع الرئيس الإيراني السابق، حسن روحاني، مستقبلاً قاتماً لسوريا وتركيا، قائلاً: «في الأسابيع الأخيرة، تم تدمير كل القوة العسكرية لسوريا على يد إسرائيل، وللأسف لم يرد المقاتلون وتركيا بشكل مناسب على إسرائيل. وستستغرق إعادة بناء الجيش السوري والقوات المسلحة سنوات».

وأشار محسن بهاروند، السفير الإيراني السابق لدى بريطانيا، إلى أن حكومة دمشق الجديدة قد تجد نفسها معتمدة بشكل مفرط على تركيا. وقال: «إذا حاولت الحكومة المركزية في سوريا تعزيز سلطتها وسيادتها من خلال التدخل العسكري والمساعدة من الدول الأجنبية - بما في ذلك تركيا - فإن سوريا، أو أجزاء رئيسية منها، ستُحتل من قبل تركيا، وستدخل تركيا في مستنقع ستتكبد منه تكاليف بشرية واقتصادية باهظة».

وتوقع بهاروند حدوث توترات بين تركيا و«هيئة تحرير الشام»، خصوصاً حول كيفية التعامل مع مطالب الأكراد السوريين في شمال شرقي البلاد بشكل من أشكال الحكم الذاتي. وأضاف أن «الجيش الوطني السوري» المدعوم من تركيا مستعدٌّ لشنِّ هجوم ضد «قوات سوريا الديمقراطية» الكردية في عين العرب (كوباني)، وهي بلدة سورية ذات أغلبية كردية على الحدود الشمالية مع تركيا.

وقال وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، يوم الأربعاء، إنه إذا تمت معالجة القضية بشكل صحيح، فلن تسعى أنقرة إلى تدخل عسكري، مضيفاً: «هناك إدارة جديدة في دمشق، وأعتقد بأن هذا الأمر في المقام الأول هو من مسؤوليتها الآن».

وعلى نطاق أوسع، يدفع التغيير في سوريا إيران إلى تسريع إعادة التفكير في سياستها الخارجية. وتتركز المراجعة حول ما إذا كان ضعف ما يُسمى «محور المقاومة» يتطلب من إيران أن تصبح دولة نووية، من خلال بناء علاقات أفضل في المنطقة. ولسنوات عدة، كان القادة الإيرانيون يقولون إن «الدفاع عن إيران يجب أن يبدأ من خارج حدودها»، لكن عدداً من الدبلوماسيين الغربيين يرون أن هذه الاستراتيجية الباهظة التكلفة أصبحت الآن بالية إلى حد كبير، والطريقة التي تشرح بها إيران تراجعها في سوريا ستكون حاسمة في تحديد ما سيحل محل تلك الاستراتيجية.