دو ريفيير لـ«الشرق الأوسط»: غزة جزء من فلسطين… وفرنسا ضد الترحيل

وصف رد الفعل ضد «حماس» بأنه «مبرر قانوني وسياسي» ودعا إلى حماية المدنيين

المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير (صور الأمم المتحدة)
المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير (صور الأمم المتحدة)
TT

دو ريفيير لـ«الشرق الأوسط»: غزة جزء من فلسطين… وفرنسا ضد الترحيل

المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير (صور الأمم المتحدة)
المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير (صور الأمم المتحدة)

أكد المندوب الفرنسي الدائم لدى الأمم المتحدة نيكولا دو ريفيير، في حوار خاص مع «الشرق الأوسط»، أن ما يحصل في غزة «مأساة»، داعياً إلى السماح بإدخال أكثر من مئة شاحنة من المساعدات يومياً للمدنيين الفلسطينيين المحاصرين في القطاع.

وإذ كرر التنديد بـ«الهجمات الإرهابية» التي نفذتها «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، شدد على أنه «يحق لإسرائيل أن تدافع عن نفسها»، مقارناً ما يحصل بالعمليات العسكرية التي تنفذها فرنسا في الشرق الأوسط ومنطقة الساحل ضد «القاعدة» و«داعش». لكنه استدرك أن «المدنيين ينبغي ألا يكونوا هدفاً».

وفي الحوار الذي تزامن مع تصويت مجلس الأمن على قرار «الهدنات المديدة» و«الممرات الآمنة» في كل أنحاء غزة، عدّ السفير الفرنسي أن هذا الموقف مجرد «خطوة أولى» في الطريق إلى «نهاية هذه الأزمة»، آملاً في «استئناف عملية سلام حقيقية وذات صدقية تفضي إلى حل الدولتين» ضمن اتفاق يحتوي على «ضمانات أمنية» لإسرائيل وعلى إعطاء «وضع الدولة» لفلسطين.

وإذ شدد على أن «غزة أرض فلسطينية»، أكد رفض المقترحات الإسرائيلية عن ترحيل أهلها، حذر في الوقت ذاته من أنه «في غياب المنظور السياسي» سيشهد العالم انتقالاً متواصلاً «من دورة عنف إلى أخرى» في الأراضي المحتلة.

وكذلك عبّر الدبلوماسي الرفيع عن «قلق بالغ» في بلاده من احتمال توسيع نطاق الحرب في اتجاه الضفة الغربية ونحو لبنان.

المندوب الدائم لدولة فلسطين المراقبة لدى الأمم المتحدة رياض منصور مصافحاً المندوب الفرنسي نيكولا دو ريفيير في نيويورك (أ.ف.ب)

وهنا نص الحوار:

* الوضع الرهيب في غزة وإسرائيل يذكّرني بمقال كتبه سلفكم السفير (فرنسوا) دولاتر، وكان الأمر يتعلق بسوريا، فقال: إن حلب كانت بمثابة مقبرة للأمم المتحدة. عندما ترى ما يحصل الآن في غزة، ماذا تقول؟

- أعتقد أن ما يحصل الآن مأساة. لا يمكن لأحد أن يتفاجأ بالأحداث الأخيرة. وأعتقد أن الوضع في الشرق الأوسط بين إسرائيل وفلسطين تدهور بمرور الوقت. هذا واضح. لكننا نشهد خطوة جديدة في هذه الأزمة. في 7 أكتوبر، شهدنا هجوماً إرهابياً غير مسبوق ضد إسرائيل. قُتل 1200 إسرائيلي لمجرد أنهم يهود. وهذا ما يجب أن يُندد به مراراً وتكراراً. ولإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها. وهذا ما لا ينبغي أن يتكرر. وفي ما يتعلق بالوضع في غزة، من الواضح أننا في حاجة حقاً إلى تحسين، ونحتاج إلى وصول إنساني كامل. إن ما يحدث الآن هو بالطبع بعيد كل البعد عن الكفاية. الأمم المتحدة تحاول جاهدة الحصول على وصول أكبر. ولكن حتى الأمس القريب، دخلت 20 شاحنة فقط في اليوم من معبر رفح.

نحتاج إلى 100 شاحنة وإلى المزيد.

لذلك؛ أعتقد أن هناك تقدماً بطيئاً، لكنه غير كافٍ على الإطلاق. لا نحتاج فقط إلى توصيل المعونات، بل أيضاً إلى امتثال كل الأطراف الكامل للقانون الإنساني الدولي واتفاقات جنيف. ينبغي حماية المدنيين. المدنيون ينبغي ألا يكونوا هدفاً. غير أن الإرهابيين يمكن أن يكونوا هدفاً. ونحن في حاجة إلى إطلاق الرهائن. وما نود أن نراه في نهاية هذه الأزمة - وكلما أسرعنا كان أفضل - هو استئناف عملية سلام حقيقية وذات صدقية تفضي إلى حل الدولتين. وهذا ما افتقدناه في الأشهر والسنوات الماضية. في غياب المنظور السياسي، لا أعتقد أننا نستطيع حل هذه الأزمة. سنتحرك من دورة عنف إلى دورة عنف أخرى.

صورة من الحدود بين إسرائيل وغزة تظهر الدخان المتصاعد أثناء القصف الإسرائيلي على القطاع (أ.ف.ب)

بين الإرهابيين والمدنيين

* ما هو منظوركم في فرنسا؟ قيل في فرنسا والولايات المتحدة وفي كل مكان: لا شيء يبرر ما فعلته «حماس». فهل هناك ما يبرر ما تفعله إسرائيل في غزة منذ 40 يوماً؟

- حسناً، الإرهاب بالتأكيد خارج الحسابات، وغير مقبول، والإرهابيون ينبغي أن يُحاسَبوا. والعمل العسكري ضد الإرهابيين مبرر. ويمكنني الإصرار على ذلك؛ لأن فرنسا تفعل ذلك في الشرق الأوسط، كما تعلمون، ضد «داعش». وفرنسا تفعل ذلك في منطقة الساحل. لذلك؛ نحتاج إلى اتخاذ إجراءات عسكرية ضد الإرهابيين.

الدول التي تتعرض لهجمات من الإرهابيين، لديها الحق في الدفاع عن نفسها. وهذا أمر قانوني، وله ما يبرره سياسياً. ولكن ينبغي احترام القانون الدولي واتفاقية جنيف. كما قلت من قبل، لا ينبغي أن يكون المدنيون هدفاً، وينبغي حماية المدنيين. وينبغي أن يكون هناك تمييز واضح بين المقاتلين، وهم في هذه الحال إرهابيون، وبين السكان المدنيين في غزة. الأمر واضح للغاية. وهذا ما نكرره مراراً.

* من الواضح ربما أن الإسرائيليين أخفقوا في التمييز بين المدنيين والمسلحين الذين تتحدث عنهم، والذين تعدّهم الولايات المتحدة والغرب إرهابيين...

- لا، أعتقد أننا سنواصل مطالبة كل الأطراف بالالتزام القانون الدولي. بالطبع، لإسرائيل الحق في الرد على الهجوم الإرهابي، ولكن ينبغي أن تستهدف الإرهابيين. هذا واضح... عندما يستخدم مقاتلو «حماس» المستشفيات والمرافق المدنية؛ بغية الحصول على ملجأ، وفقط للتأكد من أن الهجمات ستكون لها أضرار جانبية. هذه استراتيجيتهم، وهذا يتعارض أيضاً مع اتفاقية جنيف والقانون الدولي. وهذا السلوك ينبغي التنديد به أيضاً.

نيكولا دو ريفيير في أحد اجتماعات مجلس الأمن (أ.ب)

أمن لإسرائيل ودولة لفلسطين

* على رغم أن مجلس الأمن سيتبنى على الأرجح قراراً، فإن هذا لا يعني أن مجلس الأمن فعال، علماً أنه الأداة الأقوى في النظام الدولي. ماذا يمكنك أن تقول عن ذلك؟

- الأمر محبط للغاية؛ لأن الهجوم ضد إسرائيل وقع في 7 أكتوبر. منذ خمسة أسابيع، ولم يتمكن المجلس من الرد. كان ينبغي للمجلس أن يندد بالهجوم، وأن يطالب بإطلاق الرهائن، وأن يطالب بالإغاثة الإنسانية، وباحترام القانون الدولي، وما إلى ذلك. الآن، كما قلت للتو، من المحتمل جداً أن المجلس سيقوم بخطوة أولى (في إشارة إلى القرار الذي تم إقراره بالفعل). يركز هذا القرار على إجراءات العمل الإنساني في ما يتعلق بالأطفال. لذا؛ له تركيز محدود جداً. غير كافٍ إطلاقاً. وهذا محبط أيضاً. لكنه خطوة أولى. ولذلك؛ فإن فرنسا ستؤيد هذا القرار. وهو يتعلق بالأطفال، ولا أحد يمكنه أن يكون ضد ذلك. أجد صعوبة في فهم ذلك. لكنه مجرد دعوة للمضي قدماً.

أعتقد أننا في حاجة إلى وضع إطار لما يحدث في غزة. ونحتاج في أسرع ما يمكن إلى هدنة إنسانية كاملة، بما يؤدي إلى وقف لإطلاق النار. هذا ما نحتاج إليه، مع احترام حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وملاحقة مقاتلي «حماس»، وهم هدف مشروع. وما نحتاج إليه أيضاً، كما قلت في البداية، نحن في حاجة إلى استئناف عملية سلام واضحة في الشرق الأوسط مع إسرائيل وفلسطين. أمن إسرائيل ينبغي ألا يكون قابلاً للتفاوض. ينبغي منح إسرائيل ضمانات أمنية. وينبغي إعطاء فلسطين وضع الدولة الذي من دونه أعتقد أن الأزمة ستتواصل. ما شهدناه في السنوات الثماني إلى التسع الماضية هو الغياب التام لعملية السلام في الشرق الأوسط. إن الاتفاقات الثنائية كـ«اتفاقات إبراهيم» مفيدة. ولكنها لا تعالج، أكرر مرة أخرى، الموضوع الفلسطيني.

المساعدات مجرد بداية

* اضطلعت فرنسا بدور ريادي على المستوى الدولي لتقديم المساعدات الإنسانية عبر مؤتمر باريس. هل نتوقع أن تقوم فرنسا بالمتابعة في مجلس الأمن في ما يتعلق بمؤتمر باريس. هل تحضّرون أي شيء؟ هل يمكنكم تسليط بعض الضوء حول ما تقومون به؟

- شكراً للإشارة إلى مؤتمر باريس، الرئيس (إيمانويل) ماكرون نظّمه الأسبوع الماضي (9 نوفمبر/تشرين الثاني). كان ناجحاً، مع الكثير من المشاركين ووكالات الأمم المتحدة والمجتمع المدني، وتمكنا من جمع قرابة مليار دولار لغزة. وهذه مجرد بداية. ولذلك؛ سنواصل الدفع لتقديم الإغاثة الإنسانية لشعب غزة. هناك شعور بحالة الطوارئ. وستقوم فرنسا بكل ما يمكن القيام به هنا في نيويورك، في الأمم المتحدة، وفي مجلس الأمن على وجه الخصوص، من أجل دفع هذه القضية في اتجاه الحل، واستئناف عملية السلام.

توسيع الحرب

* يتحدث بعض المسؤولين الإسرائيليين عن الترحيل من غزة إلى أماكن أخرى. وهذا يثير بعض الغضب في مصر والأردن؛ لأن هذا تلاعب في النظام الجيو - سياسي للشرق الأوسط. وهناك أيضاً أشخاص يشعرون بالقلق من احتمال امتداد الحرب إلى لبنان، إلى الضفة الغربية، أو حتى أبعد. هل فرنسا قلقة من هذا الأمر؟

- نعم. نحن قلقون للغاية بشأن التوسع المحتمل للحرب. أعتقد أن الأزمة في غزة سيئة بما فيه الكفاية. آخر شيء نريد رؤيته هو أزمة أخرى في الضفة الغربية.

وفي الحقيقة، ارتفع مستوى العنف بشكل ملحوظ في الضفة الغربية في الأسابيع الأخيرة، وينبغي أن يتوقف. «حماس» لا توجد في الضفة الغربية. وثانياً، تزايدت أيضاً التوترات بين إسرائيل ولبنان على الحدود. وآخر شيء نريده هو جبهة جديدة بين إسرائيل وجنوب لبنان، وبخاصة «حزب الله».

ولذلك؛ نحن نشعر بقلق بالغ إزاء احتمال توسع الحرب. في ما يتعلق بغزة، نحتاج إلى وضع نهاية لهذه الأزمة. نحتاج إلى حماية المدنيين. يجب أن يكونوا في وضع يمكنهم من البقاء في بلادهم في ظروف سلمية. نحن لا نتحدث عن ترحيل سكان. نحن في حاجة إلى الدفاع عن القانون الدولي. غزة أرض فلسطينية.

وأعتقد أن الشعب الفلسطيني في غزة ينبغي أن يكون في وضع يسمح له بالعيش بسلام هناك. مرة أخرى، هذه الأزمة مأساة. ومرة أخرى، هذا الوضع ما كان ليكون مأسوياً لو لم تقم «حماس» قبل خمسة أسابيع بقتل وحشي لـ1200 إسرائيلي. وأنا متأكد أن شعب غزة ما كان ليعاني ما يعانيه لو لم تقم «حماس» بذلك. لذلك؛ دعني أذكّر الجميع بذلك.

سكان يتوجهون من شمال غزة باتجاه الجنوب بأوامر من الجيش الإسرائيلي (إ.ب.أ)

بمثابة إنذار

* قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: إن كل هذا لم يأتِ من العدم. وهذه الكلمة أحدثت ضجة لدى الإسرائيليين...

- ... هذا صحيح. ولذلك؛ أعتقد أننا في حاجة إلى حل سياسي. في غياب حل سياسي لفلسطين، ولكن أيضاً لإسرائيل على المستوى الأمني، فإن هذا الوضع يمكن أن يعود مراراً وتكراراً. أعتقد أنه ينبغي أن يكون بمثابة إنذار.

* كلمة أخيرة سعادة السفير؟

- آمل حقاً بأن نتمكن من المساهمة في تسوية ما في غزة. كلما استعجلنا ذلك أفضل. أنا لا أطلب من إسرائيل أن توقف أعمالها ضد مقاتلي «حماس». أعتقد أن هذا الإجراء مشروع ومبرر. ولكنني أعتقد أننا في حاجة إلى حماية جميع المدنيين في غزة وخارجها. لا ينبغي أن يكونوا هدفاً. وينبغي تزويدهم بالإغاثة الإنسانية في أسرع وقت ممكن. وبمجرد عودة الوضع في غزة إلى طبيعته، أعتقد أنه سيكون من الملح إعادة إطلاق عملية سلام حقيقية وذات صدقية.


مقالات ذات صلة

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

شؤون إقليمية جنود في مقبرة بالقدس خلال تشييع رقيب قُتل في غزة يوم 20 نوفمبر (أ.ب)

صرخة جندي عائد من غزة: متى سيستيقظ الإسرائيليون؟

نشرت صحيفة «هآرتس» مقالاً بقلم «مقاتل في جيش الاحتياط»، خدم في كل من لبنان وقطاع غزة. جاء المقال بمثابة صرخة مدوية تدعو إلى وقف الحرب.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطينيون يؤدون صلاة الجمعة على أنقاض مسجد مدمر في خان يونس بجنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

لا أمل لدى سكان غزة في تراجع الهجمات بعد أمري اعتقال نتنياهو وغالانت

لم يشهد سكان غزة، الجمعة، ما يدعوهم للأمل في أن يؤدي أمرا الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت إلى إبطاء الهجوم على القطاع الفلسطيني، مع إعلان مقتل 21 شخصاً على الأقل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلة صغيرة مصابة داخل مستشفى كمال عدوان في قطاع غزة (أ.ف.ب)

وزارة الصحة: كل مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة

حذرت وزارة الصحة في قطاع غزة من توقف جميع مستشفيات القطاع عن العمل أو تقليص خدماتها خلال 48 ساعة بسبب نقص الوقود، إذ ترفض إسرائيل دخوله للقطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (إ.ب.أ)

هل ستدفع مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت حكومات لتقليص اتصالاتها مع إسرائيل؟

نقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن خبراء ومسؤولين أن مذكرات الاعتقال بحق نتنياهو وغالانت ستدفع بعض الحكومات لتقليص اتصالاتها مع نتنياهو وغيره من المسؤولين.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية إسرائيل تخشى أن تتم ملاحقة ضباطها أيضاً بعد إصدار مذكرة توقيف بحق رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو (مكتب الإعلام الحكومي في إسرائيل - أ.ف.ب)

بعد مذكرة توقيف نتنياهو... الإسرائيليون يخشون ملاحقة ضباط جيشهم

عقب إصدار محكمة لاهاي مذكرة توقيف بحق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، يساور القلق المسؤولين الإسرائيليين خشية ملاحقة ضباطهم أيضاً.

نظير مجلي (تل أبيب)

الجيش الإسرائيلي يصل إلى مشارف نهر الليطاني في جنوب لبنان

دبابة إسرائيلية محملة على شاحنة خلال نقلها إلى الحدود مع جنوب لبنان في الجليل الأعلى (إ.ب.أ)
دبابة إسرائيلية محملة على شاحنة خلال نقلها إلى الحدود مع جنوب لبنان في الجليل الأعلى (إ.ب.أ)
TT

الجيش الإسرائيلي يصل إلى مشارف نهر الليطاني في جنوب لبنان

دبابة إسرائيلية محملة على شاحنة خلال نقلها إلى الحدود مع جنوب لبنان في الجليل الأعلى (إ.ب.أ)
دبابة إسرائيلية محملة على شاحنة خلال نقلها إلى الحدود مع جنوب لبنان في الجليل الأعلى (إ.ب.أ)

نفّذت القوات الإسرائيلية أوسع اختراق بري داخل العمق اللبناني منذ بدء الحرب، بوصولها إلى مشارف نهر الليطاني من جهة ديرميماس، ودخلت إلى أطراف البلدة، وذلك في محاولة لفصل النبطية عن مرجعيون، والتمهيد لهجوم على بلدة الطيبة من الجهتين الغربية والشمالية، وتحييد تلة الطيبة التي تشرف شرقاً على سهل الخيام الذي يستعد الجيش الإسرائيلي لتمديد عمليته البرية إليه، في محاولة للسيطرة على مدينة الخيام.

وأفادت وسائل إعلام لبنانية بأن الجيش الإسرائيلي نصب حاجزاً عند مفرق ديرميماس في جنوب لبنان ليفصل بين مرجعيون والنبطية. وقطع الجيش الإسرائيلي الطريق عند المدخل الغربي لبلدة ديرميماس قرب محطة وقود، بالسواتر الترابية، حيث تتمركز آليات تابعة له. وأوردت تقارير إعلامية أن القوات الإسرائيلية منعت دوريات قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (اليونيفيل) والجيش اللبناني من المرور باتجاه مرجعيون.

5 كيلومترات

وقالت مصادر لبنانية مواكبة لتطورات المعركة في الجنوب، إن القوات الإسرائيلية تقدمت من بلدة كفركلا التي تسيطر عليها، باتجاه الغرب عبر حقول الزيتون، لمسافة تصل إلى 5 كيلومترات، مستفيدة من غياب مقاتلي الحزب في تلك المناطق المسيحية، مثل محيط القليعة وبرج الملوك وديرميماس. وقالت المصادر لـ«الشرق الأوسط» إن تلك الثغرة «مكنت القوات الإسرائيلية من الوصول إلى مشارف نهر الليطاني، للمرة الأولى منذ عام 2006 وفصلت النبطية عن مرجعيون»، علماً بأن المدفعية الإسرائيلية كانت قد قطعت ذلك الطريق مراراً على مدار الأشهر الماضية، كما نفذت مسيّرات عمليات اغتيال عليها.

دبابة إسرائيلية على مثلث مرجعيون - ديرميماس - القليعة قرب نهر الليطاني بجنوب لبنان (متداول)

ومهّدت إسرائيل لهذا التقدم، بتغطية نارية. وقالت مصادر أمنية لبنانية في الجنوب إن المدفعية الإسرائيلية «لم تهدأ طوال ليل الخميس - الجمعة في استهداف المرتفعات المطلة على ديرميماس، سواء في قلعة الشقيف، أو أرنون ويحمر ووادي زوطر ودير سريان»، لافتة إلى أن هذا التمهيد المدفعي «يسعى عادة إلى توفير تغطية نارية تواكب تقدم المشاة»، وأكدت المصادر أن التحركات البرية الإسرائيلية «سارت على إيقاع قصف جوي عنيف، وتحليق للمسيّرات، لتأمين القوة المتقدمة». ورجحت أن مسار العبور سلك كفركلا - تل النحاس - برج الملوك باتجاه ديرميماس، وأشارت إلى أن البلدة «شبه خالية من السكان، إذ تضم بضع عائلات فقط، كما لا يحظى (حزب الله) بوجود فيها».

وأطلق «حزب الله» صواريخه باتجاه القوات الإسرائيلية في تلك المنطقة، حسبما قال في ثلاثة بيانات، أكد فيها أنه استهدف التجمعات والآليات الإسرائيلية على تخوم ديرميماس بالصواريخ. وتحدثت وسائل إعلام عن «رشقات صواريخ متتالية استهدفت تجمعات إسرائيلية في الخيام ومحيط تل النحاس وصاروخ موجه استهدف تحركات آلية في كروم الزيتون قرب محطة مرقص في أطراف ديرميماس».

دبابة وجرافة

وانتشرت صورة في وسائل الإعلام اللبنانية لدبابة إسرائيلية تتمركز وراء مرتفع مكشوف من جهة الشرق (بلدة القليعة)، لكنه محمي من جهتي الغرب والشمال. أما من الجهة الجنوبية، فتشرف عليه بلدة ديرميماس التي دخلت إليها القوات الإسرائيلية.

وقال الباحث في الشؤون العسكرية والاستراتيجية مصطفى أسعد إن الصورة التي تداولتها وسائل إعلام لبنانية وتظهر جرافة تسير وراء دبابة على مثلث القليعة - مرجعيون - ديرميماس «تعني أن قوة مهاجمة من المشاة انتقلت من المنطقة وأمنتها، سواء سيراً على الأقدام أو بآليات مدولبة وسريعة، ودخلت إلى بلدة ديرميماس».

وأفاد رئيس بلدية البلدة، في تصريحات لوسائل إعلام محلية، بحصول «توغل إسرائيلي بسيط داخل البلدة»، مشيراً إلى أن الجنود الإسرائيليين «توغلوا بين حقول الزيتون من جهة بلدة كفركلا».

ويقول «حزب الله» إنه لم يقم مراكز تجمع عسكري له في أراضي بلدات مسيحية أو درزية في الجنوب، وذلك في ظل رفض من تلك المكونات لوجود الحزب في أراضيهم. ويقول مقربون منه إنه يحجم عن ذلك لسببين؛ أولهما «سبب سياسي، لتجنب السجال مع أبناء الطوائف الأخرى»، وثانيهما «لضرورات أمنية».

مسيرة إسرائيلية تحلق في أجواء الضاحية الجنوبية لبيروت (رويترز)

مرتفعات الطيبة

وتسعى القوات الإسرائيلية من هذا التقدم إلى الإشراف على مجرى نهر الليطاني، الذي يُعتقد أن جزءاً من منصات الإسناد الصاروخي لـ«حزب الله» توجد فيه، وهي المنصات التي تمنع القوات الإسرائيلية من التقدم في بلدة الخيام. كما تسعى إلى الالتفاف على بلدة الطيبة الاستراتيجية التي تضم مرتفعات مشرفة على نهر الليطاني من الغرب، ومرتفعات مشرفة على سهل الخيام من جهة أخرى. ولم تدخل إليها القوات الإسرائيلية من جهة الشرق بعد، رغم المحاولات للتوغل فيها، ورغم الغارات الجوية التي استهدفتها على مدى أشهر.

وفي حال التوغل من جهة ديرميماس، فإن القوات الإسرائيلية ستفتح مجالاً للتوغل في الطيبة من الجهتين الغربية والشمالية، إضافة إلى محور مركبا - العديسة من الجهة الشرقية، وذلك في محاولة لتحقيق اختراق والتفاف عليها.

«الطيبة» لتأمين التوغل بـ«الخيام»

وتعد بلدة الطيبة أبرز الموانع التي تحول دون افتتاح القوات الإسرائيلية جبهة من الجهة الغربية للتقدم باتجاه مدينة الخيام، كون الدبابات الإسرائيلية «ستكون تحت نيران الصواريخ المضادة للدروع في حال العبور بسهل الخيام»، وهو ما حال دون افتتاح الجيش الإسرائيلي لمحور توغل جديد من الجهة الغربية للتقدم إلى الخيام التي فشل مرتين في السيطرة عليها، الأولى قبل أسبوعين حين توغل من الجهتين الشرقية والجنوبية، والمرة الثانية قبل أيام حين أضاف محوراً جديداً من شمال شرق المدينة قرب إبل السقي، وتمكن في المرتين من الوصول إلى أطرافها الشرقية والجنوبية، وبينها أسفل معتقل الخيام، فيما تعرضت آلياته لاستهداف ناري حين توسعت من المطلة إلى سهل الخيام (جنوب غرب) باتجاه المدينة.

القبة الحديدية تعترض صواريخ أطلقها «حزب الله» باتجاه شمال إسرائيل (إ.ب.أ)

وقال «حزب الله» إنه استهدف تجمعات إسرائيلية 6 مرات على أطراف الخيام الشرقية والجنوبية بالصواريخ، كما أطلق مقاتلوه صواريخ مضادة للدروع باتجاه إحدى الدبابات الإسرائيلية على مشارف الخيام، مما أدى إلى احتراقها.

وتقول المصادر إن القوات الإسرائيلية «تسعى للسيطرة على إحدى مدينتين، إما بنت جبيل وإما الخيام»، وذلك بعد التوغل في عدة قرى، وتفجير المنازل فيها، ومسحها بالكامل. ويعد الدخول إلى بنت جبيل معقداً من الناحية العسكرية، كونها مدينة كبيرة وتتضمن أحياء واسعة ومترامية الأطراف، وقد فشلت محاولات سابقة للتوغل فيها والسيطرة عليها، رغم القتال على أطرافها، خصوصاً الحي الواقع على تخوم عيناثا.

وأفادت وسائل إعلام لبنانية باشتباكات عنيفة في مدينة الخيام، حيث «تُسمع بوضوح أصوات الانفجارات والاشتباكات بالأسلحة الرشاشة»، بالتزامن مع قصف مدفعي عنيف وغارات على مدينة الخيام.