مجلس الأمن أمام مشروع جديد لـ«هدنة مديدة» في غزة

اقترحت مالطا مشروع قرار جديداً للتعامل مع الحرب في غزة، عبر مجلس الأمن، الذي أخفق مراراً وتكراراً منذ هجمات «حماس» ضد إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، من دون أن يتضح على الفور ما إذا كانت الدول الخمس الدائمة العضوية، التي تمتلك حق النقض، باتت مستعدة لتجاوز خلافاتها التي تقوّض المنتدى الدولي الأقوى والأوحد المخول صون الأمن والسلم الدوليين.

ونقلت وكالة «رويترز» للأنباء عن بعض الدبلوماسيين توقعهم باعتماد المجلس لمشروع القرار الجديد، مع ترجيح امتناع بعض الدول عن التصويت.

وفي موازاة مشروع القرار الجديد هذا، لا يزال نص آخر أعدته الدول العشر المنتخبة في مجلس الأمن يواجه مأزقاً بسبب الخلافات بين الدول الخمس الدائمة العضوية، ما دفع دبلوماسياً غربياً إلى القول لـ«الشرق الأوسط»، إن «مشروع الدول العشر يحتضر ببطء»، مستبعداً أن يرى النور في أي وقت قريب إذا بقي بصيغته الراهنة. وكشف دبلوماسي آخر، عن أن الإمارات العربية المتحدة اقترحت بدورها إعداد مشروع قرار آخر يتعلق بأوضاع المستشفيات في قطاع غزة.

إخفاق متكرر

وأخفق مجلس الأمن حتى الآن أربع مرات في إصدار قرار، ومرات أخرى في اتخاذ أي موقف كان من الحرب المتواصلة منذ 40 يوماً بين «حماس» وإسرائيل في غزة، رغم تجاوز عدد القتلى 11 ألفاً بين الفلسطينيين، غالبيتهم الساحقة مدنيون من الأطفال والنساء وكبار السن.

المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم في الشرق الأدنى (أونروا) فيليب لازاريني مخاطباً أعضاء مجلس الأمن عبر دائرة تلفزيونية مغلقة (أ.ب)

وتركزت الخلافات على اقتراحات قدمتها الولايات المتحدة لـ«التنديد بشكل لا لبس فيه» بهجمات «حماس» ضد المستوطنات والكيبوتزات الإسرائيلية المحيطة بغزة في 7 أكتوبر الماضي، ومطالبتها بـ«إطلاق جميع الرهائن فوراً ومن دون أي قيد أو شرط» ومنح إسرائيل «حق الدفاع عن النفس».

في المقابل، أصرت روسيا والصين والعديد من الدول الأخرى على إعطاء الأولوية لـ«وقف إطلاق النار فوراً» وتوصيل المساعدات الإنسانية إلى نحو 2.4 مليون من الفلسطينيين المحاصرين في القطاع. وأعلن المفاوضون الأميركيون أخيراً، أنهم يوافقون على «هدنات إنسانية محدودة الزمان والمكان» للسماح بإيصال الغذاء والمياه والأدوية للمدنيين.

وقف فوري وممتد

وتطالب المسودة التي وزعتها البعثة المالطية ليل الاثنين، بـ«وقف إنساني فوري وممتد» في كل أنحاء غزة لتزويد المدنيين بالمساعدات التي هم في أمسّ الحاجة إليها. كما يطالب «جميع الأطراف» بالامتثال للقانون الإنساني الدولي الذي يتطلب حماية المدنيين، ويدعو إلى حماية خاصة للأطفال وإطلاق جميع الرهائن «فوراً».

لكن النص لا يتضمن أي إشارة إلى وقف إطلاق النار. ولا يشير إلى هجوم «حماس» الذي أدى إلى مقتل حوالي 1200 شخص وفقاً للإحصاءات الرسمية الإسرائيلية، أو حتى إلى الغارات الجوية الانتقامية الإسرائيلية والغزو البري، الذي تفيد وزارة الصحة الفلسطينية بأنها أدت إلى مقتل أكثر من 11 ألف فلسطيني، أكثرهم من النساء والأطفال.

خدمة الإسعاف في غزة تنقل إحدى ضحايا القصف الإسرائيلي إلى المستشفى (الداخلية الفلسطينية)

وينص القرار قيد النظر على أن فترات التوقف الإنساني، يجب أن تكون «لعدد كاف من الأيام» بغية فتح ممرات أمام وصول الأمم المتحدة والصليب الأحمر وغيرهم من عمال الإغاثة، من دون عوائق، لتوصيل المياه والكهرباء والوقود والغذاء والإمدادات الطبية إلى كل المحتاجين. ويشدد على أن الهدنات الموقتة، يجب أن تسمح أيضاً بإصلاح البنية التحتية الأساسية وتمكين جهود الإنقاذ والإنعاش العاجلة.

وأكدت سفيرة مالطا في الأمم المتحدة فانيسا فرايزر أن «أعضاء المجلس متحدون في الرغبة في أن يكون لهم صوت»، معترفة بوجود «فروق دقيقة» بين مواقف الأعضاء الخمسة عشر، لكنها أكدت أن جميعهم لديهم «الرغبة في إنقاذ الأرواح وإتاحة متنفّس» للسكان.

«الفيتو»... «الفيتو»

هذا الشلل في مجلس الأمن بدأ بشكل واضح خلال السنوات الأولى من الحرب في سوريا. وتجلى بشكل أوضح منذ بدء الحرب في أوكرانيا، إذ رفضت روسيا مدعومة لمرات عدة من الصين، اقتراحات الدول الغربية وخصوصاً الولايات المتحدة، للتعامل بفاعلية مع هذه الحروب الطاحنة.

وفي المحاولات الأربع السابقة الخاصة بغزة، استخدمت الولايات المتحدة حق النقض «الفيتو» ضد مشروع قرار صاغته البرازيل. وفي المقابل، استخدمت روسيا والصين «الفيتو» ضد مشروع قرار صاغته روسيا، وفشل قراران صاغتهما موسكو في الحصول على الحد الأدنى من الأصوات اللازمة لاعتماده بتسعة أصوات.

خلال ساعات

وقال عدد من دبلوماسيي المجلس إن الأطراف المتعارضة تقترب من بعضها البعض. وقال اثنان إن التصويت على المسودة الأخيرة، قد يتم خلال ساعات، لكن الوفود لا تزال تتأكد من عواصمها، وفقاً لما أعلنه دبلوماسيون طلبوا عدم نشر أسمائهم لأن المفاوضات لا تزال جارية.

الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش يتحدث خلال اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة حول غزة الشهر الماضي (أ.ب)

يذكر أنه بعد فشل القرار الرابع لمجلس الأمن، لجأت الدول العربية إلى الجمعية العامة المكونة من 193 عضواً، ونجحت في الحصول على موافقة واسعة النطاق على قرار يدعو إلى «هدنة إنسانية» في غزة تهدف إلى وقف الأعمال العدائية بين إسرائيل و«حماس».

وكان هذا أول رد فعل للأمم المتحدة على الحرب. ولكن خلافاً لقرارات مجلس الأمن، فإن قرارات الجمعية العامة ليست ملزمة قانوناً، رغم أنها تشكل مقياساً للرأي العام العالمي.

وجاء التصويت بأغلبية 121 صوتاً مقابل 14 وامتناع 44 عضواً عن التصويت. ومن الدول الخمس الأعضاء في مجلس الأمن التي تتمتع بحق النقض، صوتت روسيا والصين وفرنسا لصالح القرار، وصوتت الولايات المتحدة ضده وامتنعت المملكة المتحدة عن التصويت.

وجرى تبني قرار الجمعية العامة في 27 أكتوبر (تشرين الأول)، ووافقت إسرائيل في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، على وقف مؤقت لمدة أربع ساعات. ولكن المساعدات التي سلمت عبر معبر رفح من مصر لا تزال شحيحة للغاية، رغم الكارثة الإنسانية.