لم تفلح الإجراءات الحكومية ورفع سعر الخبز التمويني (المدعوم)، في الحد من ظاهرة الازدحام التي عادت في الآونة الأخيرة أمام الأفران، وما زال الحصول على ربطة الخبز يستلزم الوقوف في الطوابير لأكثر من ساعتين يومياً، وفق مصادر أهلية في دمشق لـ«الشرق الأوسط»، مبدية عدم تفهم عودة أزمة الخبز رغم إعلان الحكومة تحسن إنتاج القمح العام الحالي.
وتابعت المصادر: «توقعنا أن تنخفض أسعار المواد الغذائية التي يدخل القمح في إنتاجها، لكن فوجئنا بارتفاع أسعارها، كما رفعت الحكومة سعر الخبز التمويني خارج الدعم بنسبة 140 في المائة، دون أي تراجع في الازدحام أمام الأفران».
أزمة القمح لم تتوقف عند تأمين الاحتياج اليومي لمادة الخبز والازدحام وبيع الخبز الحكومي في سوق موازية يتعيش منه الفقراء، بل اتسعت لتهدد مطاحن القطاع الخاص بالتوقف، وأفادت مصادر متابعة في دمشق بوجود أزمة حادة في توفر القمح السوري القاسي اللازم لإنتاج السميد والبرغل والسباغتي وعدة مواد غذائية أخرى، لافتة إلى أن المتوفر حالياً من القمح القاسي لدى القطاع الخاص لا يسد حاجة الإنتاج. وردت سبب ذلك إلى تحويل كافة كميات القمح القاسي المستلم من المزارعين لصالح المؤسسة السورية للحبوب.
وأوضحت المصادر أن الحكومة تسعى إلى مبادلة القمح السوري القاسي بالقمح اللين المستورد، للاستفادة من فارق السعر، حيث إن القمح السوري القاسي أعلى سعراً ويدخل في صناعات غذائية عدة.
وسبق أن أعلنت الحكومة السورية في أغسطس (آب) الماضي، عن طرح مناقصة دولية لشراء 200 ألف طن من القمح اللين. كما طلبت الحكومة من الشركات التجارية التي تتعامل معها مبادلة 100 ألف طن من القمح الصلب السوري بـ100 ألف طن من القمح اللين المستورد.
ومع تجدد أزمة القمح تجددت الاقتراحات بإدخال خلطات صحية مثل طحين الذرة أو الصويا أو الشعير إلى صناعة الرغيف لتوفير كميات القمح بنوعيه القاسي واللين المستخدم في صناعة الخبز التمويني. ورجحت المصادر المتابعة أن تكون هذه الخلطات قد وجدت طريقها إلى الكثير من الأفران الحكومية عبر مطاحن البقوليات بشكل غير معلن، لأن الرغيف التمويني ومنذ سنوات فقد أكثر من 60 في المائة من جودته عما كان عليه قبل أزمة القمح. وقالت المصادر: «كانت ربطة الخبز تحفظ في الثلاجة عدة أيام وعند إخراجها تبدو طازجة طرية، لكنها اليوم بالكاد تصمد لمدة يوم واحد بعدها تصبح مسودة مفتتة وأقرب إلى علف الحيوانات».
وتضاربت التصريحات الرسمية حول توفر مادة القمح، فقد تحدث أمين سر لجنة الصناعات الغذائية في غرفة الصناعة بحلب، أسامة عجوم، عن صعوبات في تأمين الأقماح من النوعين الطري والقاسي اللازمة لتصنيع مادة البرغل. وقال في تصريح لصحيفة «الجماهير» المحلية الحكومية إن الطاقة العاملة للمطاحن في حلب 10 في المائة فقط، بعد أن كانت تشغل 40 في المائة من عمل قطاع الصناعات الغذائية قبل ثلاث سنوات، بطاقة طحن تصل إلى 7000 طن في اليوم الواحد كافية لتغطية حاجة السوق والتصدير إلى الدول المجاورة في الإنتاج، في حال توفر القمح اللازم. بينما إنتاج المطاحن الخاصة اليوم شبه مشلول.
في المقابل، نفى مدير فرع المؤسسة السورية للحبوب في طرطوس أن يكون خروج الصومعة المرفئية عن العمل طيلة الفترة الماضية وخضوعها لأعمال الصيانة قد إثر على توريدات القمح. وقال إن خروج الصومعة المرفئية عن الخدمة «لم يمنع من الاستمرار بتفريغ البواخر الواردة وفق العقود المبرمة من قبل مؤسسة الحبوب، وشحنها للمحافظات» مؤكدا على «أن توريدات القمح لم تنقطع» وأن هناك «عقودا مع الدول الصديقة تكفي حاجة سوريا لأشهر» وفق ما نقلته صحيفة «تشرين» الحكومية والتي نقلت أيضاً عن نائب محافظ ريف دمشق جاسم المحمود إقراره بوجود صعوبات في تأمين كميات القمح اللازمة لصناعة الرغيف قائلاً: إن استيراد القمح لم يعد كما السابق «بسبب العقوبات والأزمات التي تشهدها بعض الدول المصدرة للقمح».
وبين أن انخفاض كميات القمح أدت إلى تخفيض مخصصات الأفران من الطحين، على أن تتم إعادة تقييم كميات الطحين مع بداية العام 2024. وسط توقعات بأن يكون الموسم الزراعي الشتوي المقبل هو الأسوأ بسبب سياسة الحكومة الزراعية وتسعير القمح في الموسم الفائت، والذي أدى إلى تقلص المساحات المزروعة بالقمح جراء عزوف المزارعين لضعف العائد المالي.
وكان وزير الزراعة محمد حسان قطنا قد أعلن الأسبوع الماضي عن إبرام عقد لاستيراد مليون وأربعمائة ألف طن من القمح من روسيا قال إنها مع الإنتاج المحلي ستغطي احتياج العام بكامله. وذلك بعد أشهر من إعلان تفاؤله بموسم قمح وفير وأن «البلاد ستستورد في 2023 نصف كمية القمح المستوردة العام الماضي، بفضل زيادة متوقَّعة في المحصول المحلي».
واستوردت سوريا، العام الماضي، 1.5 مليون طن من القمح، مع توفير روسيا جميع الإمدادات، باستثناء جزء بسيط. ويُقدَّر الاحتياج السنوي للقمح في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة بمليوني طن من القمح.
ورفعت الحكومة الأسبوع الماضي سعر ربطة الخبز التمويني غير المدعوم بنسبة 140 في المائة، ليصبح سعر الربطة 1100 غرام بـ3 آلاف ليرة سورية، بدلاً من ألف و250 ليرة، والتي توزع عبر البطاقة الإلكترونية، فيما تضاعف سعرها في السوق الموازية، التي يزداد الطلب عليها للهروب من الازدحام أمام الأفران.