المعارضة اللبنانية تحذر من الانخراط في الحرب

قالت إنها «مغامرة غير مدروسة» وأشارت إلى النصائح الغربية بالنأي عن التورط

نواب في المعارضة انتقدوا الفوضى التي رافقت المظاهرة الاحتجاجية أمام السفارة الأميركية في بيروت في الأسبوع الماضي (رويترز)
نواب في المعارضة انتقدوا الفوضى التي رافقت المظاهرة الاحتجاجية أمام السفارة الأميركية في بيروت في الأسبوع الماضي (رويترز)
TT

المعارضة اللبنانية تحذر من الانخراط في الحرب

نواب في المعارضة انتقدوا الفوضى التي رافقت المظاهرة الاحتجاجية أمام السفارة الأميركية في بيروت في الأسبوع الماضي (رويترز)
نواب في المعارضة انتقدوا الفوضى التي رافقت المظاهرة الاحتجاجية أمام السفارة الأميركية في بيروت في الأسبوع الماضي (رويترز)

يقف لبنان على مشارف السباق بين الانخراط في الحرب بين حركة «حماس» وإسرائيل، وبين النأي عنها لمنع انجراره إليها، وذلك استجابة للنصائح التي يتلقاها رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، الذي يواصل تشغيل محرّكاته السياسية لإبعاد لبنان عن الانجرار إلى التوترات التي تسيطر على المنطقة؛ لما يترتب على ذلك من انقسامات حادة هو في غنى عنها، في ظل التأزّم الذي يحاصره، وعدم توفير الشروط المطلوبة للصمود أمام تداعياتها ومفاعيلها.

ومع أن جميع الأطراف المحلية تتصرف بواقعية حيال السخونة التي تشهدها الجبهة الشمالية في جنوب لبنان، التي تبقى حتى الساعة تحت السيطرة، ومحكومة بعدم التفريط بقواعد الاشتباك التي رسمها القرار الدولي «1701»، رغم أنها تتعرض حالياً إلى خروقات محدودة، فإن المشهد السياسي، على خلفية تبادل القصف التحذيري بين «حزب الله» وإسرائيل على طول امتداد الجبهة، لا يخلو من التباين في العمق بين قوى المعارضة والحزب في تعاطيهما مع التصعيد بين الطرفين بتبادلهما للقصف التحذيري، فإنها لا تزال تراهن على إدراك الحزب للمخاطر الناجمة عن إلحاق الجبهة الجنوبية بالحرب الدائرة بين غزة وإسرائيل.

وتطويقاً لمنع إلحاق هذه الجبهة بالحرب، بادرت قوى المعارضة التي تضم 31 نائباً ينتمون إلى حزبي «القوات اللبنانية» و «الكتائب» وكتلة «التجدّد الديمقراطي»، وعدد من النواب الأعضاء في «قوى التغيير»، إضافة لآخرين من المستقلين، إلى إصدار بيان تحذيري أرادوا من خلاله التأكيد على موقفهم الثابت بعدم استدراج لبنان للانضمام إلى الحرب مع الالتزام بدعم القضية الفلسطينية.

ويقول مصدر في المعارضة لـ«الشرق الأوسط» إن لبنان بكل مؤسساته وإداراته، من رسمية ومحلية، يفتقد الحد الأدنى من الشروط التي تتيح له استيعاب النتائج المترتبة على تدحرجه نحو الدخول في مواجهة مع إسرائيل، ويؤكد أن المعارضة لا تتوخى من موقفها التحذير من إقحام البلد في نزاع عسكري مع إسرائيل غير محسوب النتائج فقط، وإنما لأن قرار الحرب والسلم ليس عند الحكومة، كما أشار الرئيس ميقاتي، وإنما بيد «حزب الله».

ويلفت إلى أن الموقف الذي أصدرته المعارضة لا يأتي في سياق الهروب من المسؤولية، وإنما يعود إلى الوضع المتأزّم في لبنان قياساً على ما كان عليه في «حرب تموز (يوليو)» 2006، ويسأل: كيف يمكن للبنان الدخول في مواجهة متوازنة مع إسرائيل فيما تعوزه القدرات اللوجيستية والعسكرية والإمكانات المطلوبة لاستيعاب موجة النزوح من المناطق الساخنة، أكانت في الجنوب أو البقاع الغربي، كما يرزح حالياً تحت وطأة النزوح السوري في ظل انسداد الأفق أمام تأمين عودة النازحين السوريين إلى بلداتهم وقراهم؟

ويرى المصدر نفسه أن سوريا في «حرب تموز» 2006 شكّلت العمق الاستراتيجي للبنان، وأتاحت لقسم من النازحين الإقامة في ربوعها، وأمّنت سفر بعضهم إلى الخارج، بخلاف وضعها الراهن مع استعصاء تأمين احتياجات مواطنيها الذين يتسلّلون يومياً بالآلاف إلى داخل الأراضي اللبنانية في ظل استمرار الحصار المفروض عليها.

ويحذر المصدر في المعارضة من جرّ لبنان، في حال انخراطه في الحرب، إلى مغامرة عسكرية غير مدروسة، لأن تسجيل المواقف لا يكفي ما لم يكن مقروناً بمقومات الصمود على المستويات كافة، ويسأل: هل يمكن الدخول في مواجهة ما دام أن أصدقاء لبنان في الخارج يسدون إلينا النصائح بضرورة النأي عن التوترات في المنطقة، إضافة إلى أن معظمهم ينحازون لمصلحة إسرائيل، ومهمة موفديهم إلى لبنان تبقى تحت سقف توجيه الإنذارات التي هي أقرب إلى التهديدات، رغم أن الرئيس ميقاتي يضعها في إطار إسداء النصائح؟

كما يسأل: أين هم أصدقاء لبنان؟ وهل يكفي الاعتماد على إيران؟ مع أن الولايات المتحدة الأميركية تسعى لتبرئتها من ضلوعها في اجتياح «حماس» للمستوطنات الإسرائيلية الواقعة ضمن غلاف غزة، وإن كانت تلوّح من حين لآخر، وبلسان وزير خارجيتها حسين أمير عبداللهيان بأن المواجهة مع إسرائيل قد تمتد إلى مناطق أخرى، ما لم توقف عدوانها على غزة.

ويدعو المصدر نفسه إلى التمعُّن في قراءة التحولات، الأوروبية والأميركية لمصلحة إسرائيل، ويرى أن الوضع المتفجر في إسرائيل بات في عهدة المجتمع الدولي، وردود الفعل المحلية تبقى في إطار تسجيل المواقف، ويأمل ألا يتطور الوضع العسكري على الجبهة الجنوبية على نحو يصعب السيطرة عليه، ويخرج عن نطاق إشغال إسرائيل للتخفيف من هجومها على غزة واضطرارها إلى سحب قسم من وحداتها العسكرية إلى الجبهة الشمالية.

لكن المعارضة وعلى رأسها نواب «التجدد الديمقراطي» والنواب التغييريون والمستقلون، أبدوا انزعاجهم الشديد من التعابير التي استخدمها مسؤول التواصل والإعلام في حزب «القوات» شارل جبور في تعليقه على المظاهرة المؤيدة لغزة أثناء محاولة المشاركين فيها اقتحام مدخل السفارة الأميركية في محلة عوكر في المتن الشمالي وما تخللها من فوضى وإخلال بالأمن واعتداء على الأملاك العامة والخاصة، ورأوا، كما أكدوا لـ«الشرق الأوسط»، أنه لم يكن مضطراً لكل ما قاله؛ كونه يرفع منسوب الاحتقان المذهبي والطائفي، ويعيدنا بالذاكرة إلى «أدبيات» الحرب الأهلية.

ويلفت هؤلاء النواب إلى أنهم كانوا أول من انتقد ما تخلّل المظاهرة التضامنية من فوضى وإخلال بالأمن، لكنهم يطلبون من حزب «القوات» التدخل لتصويب الموقف؛ لأنه لا يُعبر عن موقف المعارضة.

هذا بالنسبة إلى المعارضة، أما بخصوص المواقف الأخرى، فإن «اللقاء الديمقراطي» برئاسة النائب تيمور وليد جنبلاط يصر، كما تقول مصادره لـ«الشرق الأوسط»، على تمايزه عن موقف المعارضة. وكان الرئيس السابق للحزب «التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط بعث برسالة إلى الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله بواسطة مسؤول الارتباط والتنسيق في الحزب وفيق صفا، نصحه فيها بعدم الانجرار إلى الحرب، لأن لبنان بوضعه الراهن لا يتحمل وزرها؛ كونه يمر بظروف صعبة، وليست لديه القدرة على توفير الحلول لها.

لكن جنبلاط لا يجاري المعارضة في موقفها، ولا يرى ضرورة للدخول في مزايدات شعبوية تمعن في مزيد من الاحتقان المذهبي والطائفي، وهو كان أول من بادر إلى التحضير لاستيعاب النزوح من الجنوب في حال حصوله، وهذا ما يركز عليه في لقاءاته وجولاته في الجبل، ويشاركه فيها النواب الأعضاء في «اللقاء الديمقراطي».

وينسحب الموقف الجنبلاطي على عدد من النواب الوسطيين، وعلى رأسهم النواب من الطائفة السنية الذين لا يؤيدون بيان المعارضة، وإن كانوا ضد استدراج لبنان للدخول في مواجهة مع تأييدهم للقضية الفلسطينية ومناصرتهم لصمود «حماس» في غزة ضد العدوان الإسرائيلي.

لكن لا بد من التوقف أمام موقف «التيار الوطني الحر» مع بدء رئيسه النائب جبران باسيل جولة على القيادات السياسية والرسمية استهلها بلقاء الرئيس ميقاتي ووليد جنبلاط ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، وتأتي تحت عنوان حماية لبنان، وتدعيم الوحدة الداخلية في ظل الظروف الصعبة التي يمر بها البلد، والتي تتطلب من الجميع الإسهام في لملمة الوضع كشرط لاستيعاب ما يصيبه من ارتدادات.

كما أجرى باسيل اتصالاً بالأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصر الله تشاور وإياه بالوضع السياسي الراهن وضرورة تكاتف الجهود لإنقاذ البلد وحمايته، ولا يحبذ باسيل انخراط لبنان في الحرب وينأى بنفسه عن الدخول في مواجهة مع «حزب الله»، ما دام أنه يتحاور معه للتوصل إلى إخراج انتخاب رئيس الجمهورية من التأزم. لذلك، يسعى إلى معاودة فتح قنوات التواصل مع الذين انقطع عن الاحتكاك بهم؛ لتأكيد حضوره السياسي في تحييد لبنان عن الحرب في المنطقة.

لكن استمرار السجال بين المعارضة ومحور الممانعة بقيادة «حزب الله» لن يؤدي إلى إحداث تغيير في مجريات الحرب ومنعها من التمدّد إلى جنوب لبنان، ما لم يتجاوب الحزب مع الدعوات لعدم استدراج لبنان لمواجهة غير متكافئة.

ويبقى السؤال عن المانع من أن يبادر الحزب للإعلان عن وقوفه وراء الدولة إذا قررت إسرائيل جره إلى الحرب أسوة بموقف مماثل كان أعلنه بوقوفه وراءها في مفاوضاتها الخاصة بترسيم الحدود البحرية اللبنانية - الإسرائيلية، لا سيما وأنه لم يصدر عن المحور الذي ينتمي إليه أي دعوة لالتحاقه بالحرب.



بلينكن يحض إسرائيل على السماح باستئناف التلقيح ضد شلل الأطفال في غزة

وزيرا الدفاع والخارجية الأميركيان خلال مؤتمر صحافي في كوريا الجنوبية (أ.ف.ب)
وزيرا الدفاع والخارجية الأميركيان خلال مؤتمر صحافي في كوريا الجنوبية (أ.ف.ب)
TT

بلينكن يحض إسرائيل على السماح باستئناف التلقيح ضد شلل الأطفال في غزة

وزيرا الدفاع والخارجية الأميركيان خلال مؤتمر صحافي في كوريا الجنوبية (أ.ف.ب)
وزيرا الدفاع والخارجية الأميركيان خلال مؤتمر صحافي في كوريا الجنوبية (أ.ف.ب)

حضّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، إسرائيل، الخميس، على أن تسمح باستئناف حملة التلقيح ضد شلل الأطفال، وخصوصاً في شمال قطاع غزة، بعدما توقفت بسبب القصف الكثيف.

وقال بلينكن، خلال مؤتمر صحافي: «من المُلحّ أن يجري هذا الأمر في الأيام المقبلة، وندعو إسرائيل إلى أن تُسهل هذا العمل»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

باشرت منظمة الصحة العالمية حملة تطعيم في قطاع غزة، في الأول من سبتمبر (أيلول) الماضي، بعد تأكيد أول إصابة بشلل الأطفال في القطاع المحاصَر والمدمَّر، منذ 25 عاماً.

وأنجزت المرحلة الأولى من التلقيح، وبدأت المرحلة الثانية في موعدها المحدد في 14 أكتوبر (تشرين الأول)، قبل أن تتوقف مؤقتاً بسبب القصف الإسرائيلي الكثيف.

وأضاف بلينكن أن «أحد الأمور التي نجحت، في الأشهر الأخيرة، هي حملة التلقيح ضد شلل الأطفال لمئات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين في غزة. لكن من أجل إنهاء هذه الحملة، علينا استكمال مرحلة ثانية من التطعيم، ويجب أن يجري ذلك خلال فترة زمنية معينة (مرتبطة) بالمرحلة الأولى من حملة التلقيح».

وحذّر بلينكن ووزير الدفاع لويد أوستن، في منتصف أكتوبر، من أن الولايات المتحدة قد تحرم إسرائيل من بعض المساعدات العسكرية إذا لم يسجَّل تحسن في المساعدات الإنسانية بغزة خلال ثلاثين يوماً.

وأكد بلينكن، الخميس، أن الولايات المتحدة ترصد «من كثب» مدى التزام الدولة العبرية. وقال: «حصل تقدم حقيقي، لكنه غير كافٍ، ونعمل يومياً للتأكد من أن إسرائيل تفعل ما يجب عليها فعله لضمان وصول هذه المساعدة إلى من يحتاجون إليها». وتنتهي مهلة الأيام الثلاثين بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، المرتقبة الثلاثاء المقبل.