القرى المسيحية في جنوب لبنان تنخرط مجبرة في الحرب

أعلن الزعماء المسيحيون عدم حماستهم لجر البلد إلى المواجهة

لبنانيون نزحوا من قرى حدودية إلى مدينة صور (إ.ب.أ)
لبنانيون نزحوا من قرى حدودية إلى مدينة صور (إ.ب.أ)
TT

القرى المسيحية في جنوب لبنان تنخرط مجبرة في الحرب

لبنانيون نزحوا من قرى حدودية إلى مدينة صور (إ.ب.أ)
لبنانيون نزحوا من قرى حدودية إلى مدينة صور (إ.ب.أ)

تنسجم مواقف أبناء القرى المسيحية الحدودية مع إسرائيل مع مواقف الزعماء المسيحيين الذين عبّروا بوضوح عن رفضهم جرّ البلد إلى الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة «حماس». وإن كان معظم سكان هذه القرى يدرسون ويدققون بمواقفهم جيداً قبل الإعلان عنها لتجنب وضع قراهم بمواجهة مع القرى المحيطة ذات الغالبية الشيعية، ومع عناصر «حزب الله» الذين يشنون عمليات عسكرية من منطقة الجنوب منذ «طوفان الأقصى»، إلا أنه يمكن استخلاص جو عام، مفاده أنهم انخرطوا في الحرب مجبرين، وأنهم سيكونون مضطرين للتأقلم مع المستجدات حفاظاً على وجودهم في المنطقة.ب

وأعلن الزعماء المسيحيون صراحة وتباعاً عدم حماستهم لجر البلد إلى البركان المشتعل في الأراضي المحتلة. وقال رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل: «مفهومٌ وطبيعيٌّ أن يعملَ بعضُنا لنُصرةِ الفلسطينيين وأن يفرَحَ بعضُنا الآخر لانتصارِهم، لكن غيرُ مفهومٍ من جهةٍ أن نفتحَ بلدَنا على ساحاتٍ غير مضمونةٍ لصالحِنا، وعلى مخاطِرَ مضمونة كارثيّتُها».

ويردد رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع باستمرار أنه من الواجب «عدم توريط اللبنانيين بتحمّل ما ليس بطاقتِهم»، مؤكداً «القيام بكل ما يلزم كي لا تشتعل جبهة الجنوب».

أما رئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل فيعدّ أن «جرّ ⁧‫لبنان⁩ إلى الصراع العسكري خيانة عظمى»، ويرى أنه «قد حان الوقت لنأخذ عطلة عن الحروب والصراعات والدماء».

ويقول ميلاد العلم رئيس بلدية رميش، سكانها مسيحيون، المتاخمة للخط الأزرق على الحدود مع إسرائيل، إن «البلدة في حالة حرب مع العدو، وهي تُستهدف منذ اليوم الأول كبقية القرى المجاورة، مثل عيتا الشعب ورامية ومارون الراس وعيترون، من انطلاق العمليات العسكرية جنوباً»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «70 في المائة من سكانها الذين يصل عددهم لنحو 10 آلاف نزحوا إلى بيروت، فيما أعلن من بقوا أن منازلهم مفتوحة لسكان القرى المجاورة، إذا قُصفت منازلهم».

ويشير العلم إلى أنه «عند بدء العمليات العسكرية ونزوح القسم الأكبر من العائلات حاولت أعداد كبيرة من النازحين السوريين الدخول للبلدة، لكننا تصدينا لذلك، أما اليوم فنترك للجيش اللبناني عملية إغاثة وحماية المواطنين الصامدين في بيوتهم».

ولا يخفي كاهن رعية رميش، الأب نجيب العميل، أن «معظم أهالي البلدة يخشون تطور الأمور أكثر والدخول في حرب كبرى، ما يهدد بازدياد وتيرة القصف وانقطاع المواد الغذائية»، لافتاً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «نحو 3000 من أهالي البلدة ما زالوا في منازلهم ومستعدون أن يعيشوا كما حصل في (حرب تموز) تحت وقع الحرب حفاظاً على منازلهم وأرزاقهم».

ويشير الأب العميل رداً على سؤال عن أنهم غير قادرين على التصدي لأي مجموعات تقرر القصف من أراضي البلدة أو الأراضي المتاخمة، «فكيف نقول لمن يحمل صاروخاً؛ ابتعد من هنا؟! نحاول حل الموضوع بالمسايرة، وبالتي هي أحسن، من خلال التمني عليهم عدم القيام بأي عمليات من بين البيوت». ويضيف لـ«الشرق الأوسط»: «نحن منذ عام 1948 ندفع الأثمان ونتعرض للقتل والخطف، لكن هناك رسالة نؤديها، ونتمسك بأرضنا وبالعيش بسلام مع جيراننا».

وكما رميش التي تتعرض للقصف الإسرائيلي كذلك بلدة القليعة التي استهدفتها 5 صواريخ مؤخراً، ما دفع الكاهن المساعد في الرعية ربيع شويري لاصدار بيان استنكر فيه «إدخال بعض القرى في الجنوب بالحرب بالقوة، واستعمال المدنيين العزل كدرع بشرية لإطلاق الصواريخ». وناشد الأجهزة الأمنية والعسكرية «الحفاظ على ما تبقى من أمن واستقرار في بلدة القليعة، وعدم جر المنطقة برمتها إلى الحرب».

وفي المقابل، صدر عن كاهن الرعية بيان توضيحي أكّد فيه أن ما صدر عن الأب شويري «هو بيان يمثل رأيه الشخصي».

وقال أحد أبناء القليعة، الذي فضل عدم ذكر اسمه، لـ«الشرق الأوسط»: «نحن نرفض استخدام أراضينا في عمليات إطلاق القذائف والصواريخ... نحن أبناء سلام ولا نريد الحرب ويجب احترام خياراتنا».

ويبلغ عدد سكان القليعة نحو 3500 شخص، نزح معظمهم إلى بيروت. ويعيش حالياً نحو 500 شخص في البلدة القريبة من الحدود الإسرائيلية.



السوداني يواصل جهوده لتجنيب العراق رداً إسرائيلياً

رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (رويترز)
TT

السوداني يواصل جهوده لتجنيب العراق رداً إسرائيلياً

رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (رويترز)
رئيس الوزراء العراقي محمد شيّاع السوداني (رويترز)

حضّ رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني كلاً من بريطانيا وإسبانيا وسويسرا على الضغط باتجاه خفض التصعيد في المنطقة، وتجنب إمكانية شمول العراق بالضربة الإسرائيلية المحتملة على إيران، في وقت نفت الفصائل المسلحة العراقية الموالية لإيران وقوفها وراء مقتل جنديين إسرائيليين في منطقة الجولان السوري المحتل بواسطة طائرة مسيّرة.

السوداني الذي كان أرجأ الأسبوع الماضي زيارة مقررة له إلى المملكة المتحدة بسبب تطور الأحداث في المنطقة بعد التصعيد الإسرائيلي في الجنوب اللبناني، ومقتل زعيم «حزب الله» حسن نصر الله، بحث في تحديد موعد جديد للزيارة مع السفير البريطاني في بغداد.

صورة إطلاق سابق لطائرة مسيَّرة من فيديو نشرته «المقاومة الإسلامية في العراق» عبر «تلغرام»

وقال بيان عن المكتب الإعلامي لرئيس الوزراء العراقي إن الأخير «بحث مع السفير البريطاني لدى العراق ستيفن هيتشن تحديد موعد جديد لإجراء زيارة رسمية إلى عاصمة المملكة المتحدة لندن التي سبق أن تأجلت بسبب تطورات الأوضاع في المنطقة». وإن السوداني «أكد خلال اللقاء ضرورة أن يضطلع المجتمع الدولي ومجلس الأمن الدولي بدورهما الأساسي في حفظ الأمن والاستقرار، ولا سيما مع ما يجري في المنطقة من استمرار للعدوان الصهيوني على غزّة ولبنان، والتمادي والإيغال في استهداف المدنيين في حرب إبادة جماعية تستلزم الاستنكار والإدانة من العالم بأسره، وتتطلب احترام القوانين الدولية وعدم تجاوزها من قبل أي جهة».

وكان رئيس الوزراء العراقي واصل جهوده على مدى الأيام الماضية من أجل ممارسة أقصى ضغط على إسرائيل لتجنب التصعيد في المنطقة، فضلاً عن إمكانية توجيه ضربة إلى العراق بعد تزايد احتمالاتها مع إعلان إسرائيل أن جنديين إسرائيليين قتلا بمسيرة عراقية، وهو ما نفته الفصائل المسلحة التي كانت تفتخر بإحداث خسائر في صفوف الإسرائيليين قبل التصعيد الأخير.

رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز يتحدث للصحافيين في مدريد (د.ب.أ)

وفي هذا السياق، بحث السوداني هاتفياً السبت مع رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، إمكانية أن تلعب بلاده، في سياق دورها ضمن الاتحاد الأوروبي، دوراً أكبر لخفض التصعيد في المنطقة. كما بحث مع أول سفير سويسري في العراق دانيل هون بعد قطيعة دامت 33 عاماً مجريات الأحداث في المنطقة.

وفيما رحب السوداني طبقاً لبيان عن مكتبه بسفير الاتحاد السويسري المقيم لدى العراق بعد مباشرته عمله، فإنه أكد أهمية «أن يلعب الاتحاد الأوروبي دوراً في وقف ما تقوم به إسرائيل من أعمال ضد المدنيين العزل في غزة وجنوب لبنان، فضلاً عن موقف المجتمع الدولي المطلوب للحدّ من توسعة الصراع في المنطقة، وما يشكله من مخاطر وتهديدات للأمن الإقليمي والدولي».

مخاوف وقلق

وفي الوقت الذي تتصاعد المخاوف من إمكانية حصول ضربة إسرائيلية على إيران قد تشمل أذرعها في العراق التي نشطت خلال الفترة الأخيرة بتوسيع استهدافاتها ضد إسرائيل, فإن نفي أبرز تلك الفصائل، «كتائب حزب الله» و«سيد الشهداء» مسؤوليتهما عن قتل جنديين إسرائيليين بإطلاق مسيرّة من داخل العراق، بدأ يرجح نسبياً فرضية تجنب توجيه ضربة إسرائيلية في الوقت الحالي عل الأقل.

«كتائب حزب الله العراقي» خلال مشاركتها في إحدى الفعاليات (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وكان المتحدث باسم كتائب «سيد الشهداء» في العراق كاظم الفرطوسي أعلن أن الفصائل المسلحة التي تدخل ضمن عنوان «محور المقاومة» لم «تعلن عن تنفيذ عملية الجولان التي أدت لمقتل جنديين إسرائيليين وإصابة أكثر من 24 آخرين» قائلاً في تصريحات صحافية إنه لو «لو نفذناها لأعلنا عنها».

وطبقاً للمعلومات التي أفاد بها لـ«الشرق الأوسط» مصدر مطلع مقرب من «الإطار التنسيقي» الشيعي الحاكم، فإن «الجسم السياسي الرئيسي لقوى الإطار تضغط باتجاه عدم انخراط الفصائل المسلحة في أي مواجهة إيرانية ـ إسرائيلية، طالما أنها تجري في ضوء سياسة الفعل ورد الفعل بين الطرفين ضمن قواعد اشتباك بينهما».

وأضاف المصدر أن «قوى الإطار التنسيقي كانت خولت رئيس الوزراء محمد شياع السوداني القيام بما يلزم لحماية العراق من ضربة قد تتعدى مقرات الفصائل، أو حتى استهداف قياداتها، إلى إمكانية أن تشمل أهدافاً حيوية في العراق ما قد يشلّ الحركة، ويوقف تصدير النفط الذي يعدّ الشريان الحيوي للاقتصاد العراقي».

إلى ذلك، أكد الدكتور إحسان الشمري أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد لـ«الشرق الأوسط» أن «العراق كان يمتلك فرصة ثمينة لتجنب الحرب من خلال الاعتماد على المسار السياسي والدبلوماسي، وتجنب الانخراط بشكل أكبر بالصراع الذي يدور بين إسرائيل وإيران وأذرعها بالمنطقة، لكن يبدو أن الفرصة ضاعت في ظل مواقف حذرة وغياب المبادرة».

قوى «الإطار التنسيقي» خلال أحد اجتماعاتها بحضور السوداني (واع)

وأضاف أن «التحرك على أسس عاطفية من قبل الحكومة، وأيضاً وقوعها تحت ضغط وتأثير بيئتها السياسية المعروفة بفصائل المقاومة، أظهرا العراق بأنه طرف من الصراع، خصوصاً بعد الاستهدافات من الجماعات المسلحة للداخل الإسرائيلي».

ويقول الشمري، إن العراق «لم يؤيد المبادرات العربية أو ينخرط بها»، مشيراً إلى «أنه كان يفترض بالعراق أن يكون جزءاً من التحالف الدولي للاعتراف بدولة فلسطين الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وداعماً لهذه الخطوة التي تمثل نقطة تحول إيجابي في القضية الفلسطينية بعيداً عن شعارات بعض الدول الإقليمية والجماعات».

ومع تصاعد هجمات الفصائل واعتبار العراق «ضمن محور الأعداء»، يرى الشمري أن «الضربات مقبلة لا محالة، والموضوع لن يرتبط بأذرع إيران، بل يستهدف النظام والطبقة السياسية والجماعات الحليفة لإيران بشكل كامل»، على حد وصفه.