فيما تتواصل المناوشات بين الجيش الإسرائيلي و«حزب الله» من على جانبي الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، تتعاظم المخاوف من تفلت الوضع وخروجه عن السيطرة لأسباب مختلفة إن من هذا الجانب أو ذاك. وتجهد دول غربية كثيرة لتجنيب لبنان تمدد الحرب إلى أراضيه نظراً، من جهة، لأوضاعه الهشة اقتصادياً ومالياً وسياسياً واجتماعياً، وعدم قدرته على تحمل تبعات حرب قد تكون أقسى من تلك التي عرفها في عام 2006. ومن جهة ثانية، ثمة تخوف من توسعها أبعد من الحدود المشار إليها بحيث تتحول إلى حرب إقليمية واسعة.
وما نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» أمس، نقلاً عن مصادر أميركية واسعة الاطلاع، يفيد بأن أصواتاً في إسرائيل، على رأسها وزير الدفاع يوآف غالانت، وجنرالات كبار في الجيش، تدفع باتجاه الحرب مع «حزب الله» لأنه «يشكل الخطر الأكبر على إسرائيل». وبحسب الصحيفة المذكورة، فإن الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته أنطوني بلينكن ضغطا على إسرائيل وعلى بنيامين نتنياهو، رئيس وزرائها للجم الدعوة إلى مهاجمة «حزب الله».
بيد أن الرسائل الدولية ليس مصدرها الوحيد واشنطن. وفي ما خص الوضع اللبناني، فإن فرنسا لا تألو جهداً في مساعيها للمحافظة على لبنان من خلال القنوات الدبلوماسية المعتادة، ولكن أيضاً عبر تدخل الرئيس إيمانويل ماكرون شخصياً باتصالاته الكثيرة مع كبار المسؤولين في المنطقة، بمن فيهم الرئيس الإيراني أو مع نظرائه الأوروبيين والجانب الأميركي.
وفي لقاء مع مجموعة صحافية ضيقة مساء الجمعة، كشف ماكرون عن اتصالات مباشرة مع «حزب الله». وقال ما حرفيته: «لقد عملنا على إيصال رسائل مباشرة للغاية إلى حزب الله عن طريق سفيرنا (في بيروت) وعن طريق أجهزتنا (الاستخبارية). كذلك، أوصلنا رسائل إلى السلطات اللبنانية». والأهم ما جاء في كلام ماكرون قوله: «لقد جاءتنا الردود وقد كشفت عن رغبة في عدم الخروج من إطار معروف للنزاع»، في إشارة إلى ما يمكن تسميته «قواعد الاشتباك» بين إسرائيل و«حزب الله».
وإذ توقف الرئيس الفرنسي عند تبادل إطلاق النيران والصواريخ على جانبي الحدود، عدّ أن لا تصعيد حتى الآن، بمعنى أن الوضع ما زال تحت السيطرة. غير أنه سارع للتنبيه إلى أن «هناك وضعاً من التوتر مقلقاً للغاية على أي حال، ويشكل خطراً كبيراً على المنطقة بأكملها. نحذر الجميع، ونحن نبذل قصارى جهدنا لتجنب التصعيد، لكن الوضع الأمني يظل بحكم تعريفه غير مستقر لأنه عند مستوى مرتفع للغاية من التوتر والضغط».
اتصل وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لو كورنو بنظيره اللبناني موريس سليم ليبلغه ضرورة «بقاء لبنان بعيداً عن تداعيات الوضع في الأراضي الفلسطينية»، وليؤكد له أن لبنان «مسألة مركزية بالنسبة لفرنسا»، التي تشدد على أهمية الدور الذي تقوم به (اليونيفيل) - (القوات الدولية المنتشرة على الجانب اللبناني من الحدود)، من أجل تفادي أي تصعيد».
وقبله، نقلت كاترين كولونا، وزيرة الخارجية الفرنسية، «رسائل مباشرة وبالغة الوضوح إلى السلطات اللبنانية»، وفق ما تؤكده مصادر معنية في باريس خلال زيارتها إلى لبنان يومي 13 و14 الحالي في إطار جولتها الإقليمية التي شملت إسرائيل ومصر.
وكان قصر الإليزيه أوضح أن الرئيس ماكرون تواصل يوم الجمعة مع قادة مصر والمملكة السعودية والإمارات وقطر والسلطة الفلسطينية وإسرائيل. وسبق له أن اتصل بالعاهل الأردني وبرئيس الوزراء العراقي، وبغيرهما من المسؤولين بالمنطقة.
وحتى اليوم، يقوم الموقف الفرنسي من الحرب في غزة على التنديد بعملية حماس «الإرهابية»، وبحق إسرائيل المشروع في الدفاع عن النفس، مع احترام القانون الدولي الإنساني، وضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى سكان القطاع. بيد أن فرنسا لم تعمد بعد إلى المطالبة بهدنة إنسانية أو بوقف لإطلاق النار رغم أنها صوتت لصالح مشروع القرار الذي تقدمت به البرازيل في مجلس الأمن والذي ينص على دعوة لوقف إطلاق النار.
وفي سياق آخر، عدّ جهاز المخابرات العسكرية الفرنسية، بالاستناد إلى تحليلاته الخاصة، أن ضربة إسرائيلية «ليست المسؤولة» عن مأساة إصابة مستشفى المعمداني في غزة، التي أوقعت مئات الضحايا، وفق الجانب الفلسطيني. وقال الجهاز المذكور إن «الفرضية الأكثر ترجيحاً أن يكون السبب انفجار صاروخ فلسطيني يحمل شحنة متفجرة من 5 كلغ».
وهذه الفرضية هي التي روجت لها إسرائيل التي أكدت أن صاروخاً أطلقه تنظيم «الجهاد الإسلامي» قد حاد عن مساره وسقط في فناء المستشفى. وتبنى الرئيس الأميركي لاحقاً الرواية الإسرائيلية، وكذلك فعلت المخابرات البريطانية، بينما تؤكد «حماس» أن مسؤولية المجزرة تقع على عاتق إسرائيل.