في الوقت الذي أعلن فيه وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، من بيروت، أن بلاده تدير محادثات بغرض التوسط في إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين والأجانب من أسر «حماس» في قطاع غزة، وأن دول العالم التي ينتمي إليها الأسرى الأجانب باركت هذه الخطوة وكلّفته بالتفاوض باسمها، واصلت الحكومة الإسرائيلية تهميش هذه المفاوضات والإصرار على تحرير الأسرى بالقوة.
وقال المسؤول الإسرائيلي الجديد عن هذا الملف، العميد غال هيرش، إن الحكومة تبذل جهوداً كبيرة في الموضوع، لكنه لم يقدم أي تفاصيل ولم يبدِ أي نية للدخول في مفاوضات. وقال إن «على (حماس) أن تطلق سراحهم بلا شروط».
وكانت إسرائيل قد رفضت في البداية أي حديث عن وساطة لإبرام صفقة تبادل. ورفضت اقتراحاً لصفقة أولية، يتم بموجبها إطلاق سراح الأسرى من الأطفال والشيوخ والنساء والمرضى من الأسرى الإسرائيليين والأجانب، مقابل الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية أيضاً من المرضى والنساء والأطفال. لكنّ الإدارة الأميركية، وجنباً إلى جنب مع الدعم القوي لإسرائيل، طلبت تغيير التوجه الإسرائيلي ووضعت قضية الأسرى في رأس سلّم الاهتمام. وأرسلت وفداً متخصصاً لمعالجة هذا الملف، يضم ستيفن غيلان، نائب المبعوث الرئاسي لشؤون الأسرى والمفقودين، ومجموعة من الخبراء الأميركيين في الموضوع.
وفي لقاء مع هيرش وطاقمه، قال غيلان إن الولايات المتحدة تقف إلى جانب أمن إسرائيل وإعادة أسراها، وإن لدى الولايات المتحدة طاقماً متخصصاً يعمل بشكل دائم لمتابعة شؤون أسرى ومفقودين كما أن لديها عدداً من الشخصيات التي شاركت في مفاوضات لإطلاق سراح الأسرى في أماكن عدة في العالم وقد اكتسب خبرات غنية في هذا المجال، وإنه شخصياً وكل فريقه يضعون طاقاتهم في خدمة دولة إسرائيل للمساعدة على إطلاق سراح الرهائن.
وقد بقي فريق أميركي في تل أبيب لمتابعة الموضوع ومنع تهميشه. ومع نشر معلومات عن الأسرى والكشف أن خُمسهم على الأقل هم من المواطنين الأجانب، فرنسيين وبريطانيين وألمان وصينيين وتايلانديين وجنوب أفريقيين وغيرهم، بدأت دولهم تمارس ضغوطاً لتغيير التوجه الإسرائيلي ومطالبة حكومة بنيامين نتنياهو بتوخي الحذر في قصفها حتى لا يُمَس بأذى أيٌّ من الأسرى. وفي إسرائيل أيضاً ارتفعت أصوات كثيرة تطالب الحكومة بتغيير توجهها والتنازل عن الموقف المتعنت بعدم إبرام صفقات تبادل. ودعت صحيفتان عبريتان الحكومة إلى وضع إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين والأجانب في رأس سلّم الاهتمام، حتى لو كان الثمن إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين وإغلاق السجون.
من هنا، جاء الاقتراح التركي مشجعاً لمن يؤيدون هذا الموقف ويطالبون بإبرام صفقة لإطلاق سراحهم. وفي مساء (الثلاثاء)، نُشر في إسرائيل أن «سفينة دعم من تركيا، رست في ميناء حيفا محمَّلةً بـ4500 طن من الخضراوات، 80 في المائة منها مؤلَّفة من الطماطم، طلبتها إسرائيل بعد أن تضرر قطاعها الزراعي من جراء الحرب في غزة». وعدّت هذه المساعدة السريعة، بادرة حسن نية من أنقرة لتسهيل الحوار حول ضرورة إبرام صفقة. وقالت مصادر في تل أبيب إن تركيا تحتفظ بخط اتصال مفتوح مع قيادة «حماس» وحصلت على ضوء أخضر من هذه القيادة على إدارة مفاوضات. وأكدت أن الأحاديث التي أدلى بها أبو عبيدة، الناطق باسم الذراع العسكرية لـ«حماس»، حول وضع الأسرى وأعدادهم ونشر الشريط الذي ظهرت فيه الأسيرة الإسرائيلية من أصل فرنسي، مايا شيم، هو جزء من تجاوب قيادة «حماس» مع تركيا.
كانت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، قد نشرت شريطاً، الاثنين، ظهرت فيه شيم وهي تتلقى رعاية طبية بعد تعرضها لإصابة في يدها اليمنى. وقالت إنها تبلغ من العمر 21 عاماً وإنها ما زالت موجودة في غزة. وأشادت الأسيرة بتعامل عناصر «القسام»، موضحةً أنها «أُصيبت في يدها وخضعت لعملية جراحية مدتها 3 ساعات، واعتنوا بها وقدموا لها الدواء والرعاية والأدوية المطلوبة». وطلبت العودة إلى عائلتها بـ«أسرع ما يمكن»، قائلة: «من فضلكم أخرجونا من هنا».
ورد الجيش الإسرائيلي على هذا الشريط ببيان نشره على منصة «إكس» قال فيه إن ممثليه يُجرون «اتصالات مع العائلة»، معتبراً أن «حماس تحاول من خلال نشر الفيديو إظهار نفسها منظمة إنسانية». وشدد على أنه «يعمل بكل الوسائل الاستخباراتية والعملياتية لإعادة المختطفين».
وفي باريس أثار نشر الشريط ردود فعل واسعة. وقال قصر الإليزيه إن الرئيس إيمانويل ماكرون «يستنكر خطف أبرياء ويدعو لتحريرهم فوراً» وأنه «ملتزم بإطلاق سراح مواطني دولته»، وسط توقعات بأنه سيزور تل أبيب لـ«التضامن معها ضد إرهاب (حماس) والسعي لإطلاق سراح الأسرى وتوفير المساعدات الغذائية لأهل غزة ومعالجة معاناتهم الإنسانية الكبيرة».
وقالت مصادر في تل أبيب إن دول الغرب تخالف إسرائيل الرأي وتُبدي استعداداً للتفاوض على إطلاق سراح الرهائن، وعندما تتوصل بجهودها الذاتية إلى اتفاق، فإنها ستسعى إلى إقناع إسرائيل وربما الضغط عليها حتى تقبلها وتطلق سراح أسرى للمساعدة على تحرير بقية الأسرى.
يُذكر أن إسرائيل تقدِّر عدد الأسرى بمئتي شخص، بينما أعلن أبو عبيدة أن عددهم بين 200 و250 أسيراً أو أكثر. وتحتفظ «حماس» بالأسرى في معتقلات تحت الأرض في أماكن متفرقة وادّعت أن 9 منهم قُتلوا بسبب القصف الإسرائيلي.