لا يزال السواد الأعظم في دمشق يخوض يوميا معركة قاسية للحصول على مخصصاته من «الخبز المدعوم» بسبب حالة الازدحام الخانقة أمام الأفران. وتكون المعركة أشد قساوة بالنسبة للأطفال، في ظل التدافع القوي والسجالات التي تحصل بين المصطفين في الطوابير، والتي غالباً ما تتطور إلى إشكالات يتم خلالها تبادل شتى أنواع الضربات، ومنها ما يتسبب في حدوث حالات إغماء وإصابات بالأطراف.
واشتدت أزمة «رغيف العيش» في مناطق الحكومة السورية أواخر عام 2020 بسبب نقص حاد في مادة الطحين. وفي محاولة لحلها فرضت الحكومة سياسة تقنين في توزيع الخبز، حيث حددت حصة الفرد في اليوم الواحد بـ3 أرغفة، وذلك بتخصيص ربطة (7 أرغفة وزن نحو 800 غرام) لعائلة من شخصين، وربطتين لعائلة من 4 أشخاص. ويتم تسلمها عبر «البطاقة الذكية» وفقاً لنظام الشرائح.
وعلى الرغم من ذلك، ترصد «الشرق الأوسط» يوميا طوابير طويلة أمام الأفران، إذ يضطر كثير من الناس للوقوف ساعات طويلة للحصول على مخصصاتهم.
كما لم تنه طريقة «الأقفاص الحديدية» لتنظيم «طابور الخبر» التي سجلت دمشق فيها سابقة، مسألة الازدحام على الأفران، وكذلك عملية تخصيص ثلاثة «مسارب حديدية» للطوابير (مدنية - عسكرية - نسائية) للوصول إلى نوافذ البيع ومثلها للخروج، وذلك بسبب تجاوزات كثيفة تحصل طوال ساعات عمل الأفران، ما يؤدي إلى اشتعال نيران معركة الوصول إلى النوافذ، أطرافها المواطنون «العاديون» و«أصحاب النفوذ» و«منظمو الدور» و«باعة الأرصفة».
وسط هذه الحال، يخوض الأطفال الذين يعدون الطرف الأضعف في المعركة، صراعا قاسيا للوصول إلى نوافذ البيع، وقلة منهم ينجحون في ذلك.
ولا تنته معركة الطفل بالوصول إلى نوافذ البيع والحصول على «رغيف العيش»، بل عليه خوض معركة الخروج وهي الأشد، بسبب تكدس الناس في مسارب الدخول والخروج للوصول إلى نوافذ البيع.
ومع عدم تمكن الأطفال الحاصلين على الخبز من الخروج، يطلقون صرخات استنجاد لمساعدتهم، وبعضهم يخرج من بين أقدام المتدافعين بعد أن ينال عدة صفعات وركلات، بينما يتصبب العرق من وجهه الذي يتحول إلى وردي غامق ويبدو شعره منكوشا للغاية.
بعض الأطفال يقتربون من نوافذ البيع لكن ضعف قوتهم البدنية لا تمكنهم من الاستمرار في ذلك بسبب شدة التدافع، ما يدفعهم إلى التسول بصوت عال مع بكاء شديد لمساعدتهم بالخروج من دون أن يحصلوا على الخبز، ويرددون عبارة: «كرمال الله طلعوني. نفسي انقطع ما بدي خبز».
لكن هناك أطفال يبدون قوة في المعركة، إذ يقومون بالتسلق إلى أعلى المسارب والوصول إلى نوافذ البيع والحصول على الخبز، وأغلبية هؤلاء من «باعة الأرصفة» الذين يجمعون كميات من «البطاقات الذكية» والحصول على مخصصاتها مقابل مبالغ مالية يدفعونها لأصحابها.
ورفعت الحكومة خلال سنوات الحرب سعر ربطة «الخبز المدعوم» عدة مرات إلى أن وصل حالياً إلى 200 ليرة سورية. وفي ظل عدم تغطية الحصص الحكومية من «الخبز المدعوم» لحاجة العائلة، نشطت السوق السوداء، حيث تباع الربطة فيها بسعر ما بين3000 – 3500.
ورغم مرارة معركة الحصول على «الخبز المدعوم»، فإن الأهالي مجبرون على خوضها، بعدما بات أكثر من 90 في المائة منهم تحت خط الفقر، وازدادت كميات استهلاكهم من الخبز، بعد تحول الطبخ بالنسبة لهم إلى حلم بعيد المنال.
واعتادت سوريا قبل سنوات الحرب إنتاج 4 ملايين طن من القمح كل موسم، وكانت قادرة على تصدير 1.5 مليون طن سنوياً، لكن انخفاض الإنتاج خلال سنوات الحرب وضع الحكومة في دمشق تحت ضغوط متزايدة لاستيراد الحبوب.
وأعلن مسؤولون في الحكومة بدمشق أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، أن الكمية المتسلمة من القمح لهذا العام بلغت 725 ألف طن، على حين تبلغ الاحتياجات 2.400 مليون طن.
وأشاروا إلى قرار الحكومة المتعلق بتوريد مليون و400 ألف طن من القمح الخبزي الطري.
وتعد مناطق شمال وشمال شرقي سوريا التي تسيطر عليها «الإدارة الذاتية» خزان البلاد من الحبوب. وأعلنت «الإدارة الذاتية» أن إنتاج القمح في مناطقها هذا العام تجاوز مليون طن، وهو ضعف احتياجاتها.