في وقت تشهد العلاقات بين الحكومة الإسرائيلية وقيادة جيشها وبقية الأجهزة الأمنية فيها توتراً، قام رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بجولة على مقراتها وراح يشيد بنشاطاتها و«سهرها على أمن إسرائيل ليل نهار». وإذ جرت اللقاءات بعد ساعات من تنفيذ غارات على أهداف في سوريا، لمح وزير الدفاع، يوآف غالانت، إلى مسؤولية جيشه عن تلك الهجمات.
وجاءت اللقاءات في أعقاب التصريحات العديدة التي صدرت عن عدد من وزراء ونواب اليمين الحاكم في إسرائيل ضد الجنرالات الذين يقودون الجيش والمخابرات، والتي احتوت على تجريح شخصي وتشكيك في قدراتهم العسكرية المهنية، وذلك انتقاماً منهم على موقفهم المعارض لخطة الحكومة للانقلاب على منظومة الحكم وإضعاف القضاء وإعلاناتهم المتكررة أنهم لن يتمردوا على قرارات المحكمة، وأن ما يلزمهم هو القانون وليس الحكومة وقراراتها. وراح الجنرالات يسربون إلى الإعلام أن هذه التهجمات تمس بقدرات الجيش وتساعد العدو على رؤية إسرائيل مفككة ومنهارة وبالتالي فإنها تضرب المصالح الأمنية الاستراتيجية.
وفي الآونة الأخيرة وجه عدد من الجنرالات انتقادات لنتنياهو نفسه، مؤكدين أنه يقف وراء هذه التهجمات عليهم. لذلك حضر نتنياهو إلى قيادات هذه الأجهزة، تحت عنوان الاحتفال برأس السنة العبرية، لكنه قصد إعلان موقف تظاهري يساند فيه الجيش وبقية أجهزة الأمن. وأعلن أنه يساند هذه القوات ويعجز عن شكرها على ما تقوم به من جهود حثيثة، ليل نهار، ومن خلال التضحيات غير المحدودة، في الدفاع عن إسرائيل ومواطنيها.
وخلال اللقاء الاحتفالي بمناسبة رأس السنة العبرية، لأعضاء هيئة رئاسة أركان الجيش، بمشاركة نتنياهو، ورئيس مجلس الأمن القومي، تساحي هنغبي، ورئيس أركان الجيش، هرتسي هليفي، تكلم غالانت فأشاد بوحدة الجيش. وقال إن الحقائق على الأرض تبين أنه حريص على أداء واجباته الأمنية. واستغل الضربة على سوريا ليقول: «في الليلة الماضية، تلقينا دليلاً آخر على أن هدير الطائرات في دولة إسرائيل أعلى من أي ضجيج آخر في الخلفية». وأضاف غالانت «في النهاية، العبرة بالأفعال وليس بالأقوال». وتابع مخاطبا رئيس الحكومة والقيادات العسكرية، أن «هذا الجسم هو الذي يقود أمن إسرائيل إلى جانب شركاء آخرين».
ثم توجه إلى قادة الجيش وقال إن «ما يميز عملكم هو الاعتبار الأمني - المهني، الذي يرى أمن دولة إسرائيل ورفاهية مواطنيها أهم من أي شيء آخر. أود أن أشكر رئيس الأركان كذلك على الطريقة والنهج اللذين يقود بهما الأمور». واكتفى هليفي بكلمة قصيرة من جملتين قال فيها إن الجيش موحد حول أهدافه الوطنية ويتمنى لشعب إسرائيل عيداً سعيداً. يذكر أن إسرائيل، كما في العادة، تجاهلت ما نشر في العالم عن قيامها بغارات عبر البحر الأبيض المتوسط، الأربعاء، في وضح النهار، مرتين متتاليتين، على امتداد الساحل السوري وفي محافظة حماة، وأسفرت عن مقتل عسكريين على الأقل في الجيش السوري، وإصابة آخرين. ورفض الجيش التعليق. واكتفى بنشر بيان قال فيه عن اختتام مناورة جوية واسعة النطاق أجراها سلاح الطيران الإسرائيلي مع نظيره اليوناني.
وقام الناطق بلسان الجيش في تل أبيب، بتوجيه تحذيرات ضمنية إلى إيران، قال فيها إن «المناورة مع اليونان اشتملت على الطيران إلى العمق، وعمليات التزود بالوقود جوا واستخدام النيران الحية»، وقال إنها «تشكل جزءاً من سلسلة مناورات وتدريبات تهدف إلى تحسين الجاهزية النظرية والتخطيطية والعملية للطيران طويل المدى، والتزود بالوقود، وشن غارات في العمق وتحقيق التفوق الجوي». لكن وسائل الإعلام العبرية نقلت عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إن الغارات المنسوبة لإسرائيل استهدفت نشاطاً إيرانياً غير عادي، وليس فقط ضرب قوافل نقل السلاح، مع العلم بأن الجيش السوري قال إن صواريخ إسرائيلية استهدفت ضواحي محافظة حماة، والعدوان أدى إلى وقوع بعض الخسائر المادية. ولم يذكر تفاصيل أخرى. فيما قال مصدر بالمعارضة إن أحدث ضربة استهدفت مطار الشعيرات العسكري جنوب شرقي محافظة حمص، إلى جانب قاعدة عسكرية في جنوب حماة.
المعروف أن إسرائيل شنت مئات الضربات على ما تزعم أنها أهداف إيرانية في سوريا خلال السنوات العشر الماضية، لكنها تجنبت في الغالب قصف المحافظات الساحلية حيث تتركز الأصول العسكرية الروسية الرئيسية، كما تجنبت تبني الهجمات أو تحمل مسؤوليتها علنا.
وكانت المرة الأخيرة التي أعلنت فيها إسرائيل مسؤوليتها عن هجمات في سوريا، قبل عشرة شهور، في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، حين أعلن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق، أفيف كوخافي، مسؤولية إسرائيل عن هجوم جوي استهدف قافلة دخلت سوريا من العراق، وقال إن الهدف كان شحنة أسلحة. ولم يذكر كوخافي حينها تاريخ الواقعة، لكنه قال إنها حدثت «قبل عدة أسابيع» وبدا أنه يشير إلى هجوم وقع في الثامن من نوفمبر (تشرين الثاني) 2022. وقال مسؤولون عراقيون حينئذ إنه دمر شاحنتين للوقود. وقال كوخافي: «لربما لم نعلم أن من بين 25 شاحنة (في القافلة) كانت هناك شاحنة تحمل أسلحة وهي الشاحنة رقم ثمانية». وأضاف: «كان علينا إرسال الطيارين. وكان عليهم معرفة كيفية مراوغة صواريخ أرض جو»، في إشارة إلى المقاتلات التي استخدمت في المهمة.