«سوريا الديمقراطية» تتهم دمشق بـ«إشعال فتنة» في دير الزور

استمرار المواجهات بين «قسد» وعشائر عربية

TT

«سوريا الديمقراطية» تتهم دمشق بـ«إشعال فتنة» في دير الزور

 صورة أرشيفية لريف دير الزور الشرقي (رويترز)
صورة أرشيفية لريف دير الزور الشرقي (رويترز)

دخلت الاشتباكات الدائرة بين «قوات سوريا الديمقراطية» (قسد) ومسلحين من العشائر العربية شرقي سوريا يومها السادس، وأخذت منحى تصاعدياً قد يزيد حدة التوتر بين الأطراف المتقاتلة وداعميها. وبرز في الساعات الأخيرة اتهام «قسد» القوات الحكومية الموالية للرئيس السوري بشار الأسد بـ«إمداد مسلحين من العشائر بالأسلحة والعتاد بغية تأجيج الصراع وضرب الاستقرار، وإذكاء نار الفتنة الأهلية»، مشيرة إلى أن عملياتها الأمنية متواصلة «برغبة من شيوخ العشائر وأهالي المنطقة».

وفي وقت طالب فيه الشيخ ياسين عبد الرزاق سليمان الصبيخان، زعيم عشيرة «البوحردان» في بلدة هجين بريف دير الزور، باجتماع عاجل وفوري مع التحالف الدولي والجيش الأميركي كي يتحملا «مسؤولياتهما تجاه عشائر دير الزور وأهلها»، رأى الباحث براء صبري من «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى» أن الوقائع الحالية أظهرت أن تصدير رواية «الصراع القومي بين العرب والأكراد وجدت طريقها (إلى أن تكون رواية صحيحة) ولو جزئياً».

وقال فرهاد شامي، مدير المكتب الإعلامي لـ«قوات سوريا الديمقراطية»، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إنهم لاحقوا مجموعات مسلحة تسللت ليل الخميس - الجمعة إلى الريف الشرقي لدير الزور، قادمة من الضفة الغربية لنهر الفرات الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية. وأضاف: «أوصلت هذه المجموعات العتاد للمناطق الساخنة من قبل جهات أمنية تابعة للنظام السوري، وهم يضغطون ويهددون شيوخ المنطقة ووجهاءها، في محاولة لإحداث الفتنة الأهلية».

مقاتلون من «قوات سوريا الديمقراطية» (أرشيف - رويترز)

محافظة منقسمة عسكرياً

وتبلغ مساحة دير الزور التي تشهد توتراً عسكرياً منذ 27 أغسطس (آب) الماضي، نحو 33 ألف كيلومتر مربع، مشكّلة 18 في المائة من مساحة سوريا. ومنذ بداية الحرب الدائرة بهذا البلد عام 2011، بقيت هذه المحافظة منقسمة السيطرة بين جهات محلية وإقليمية ودولية؛ إذ تسيطر القوات الحكومية على مركز المدينة وأجزاء من ريفيها الجنوبي والشرقي، وهي مناطق تنتشر فيها أيضاً ميليشيات أجنبية وإيرانية وقوات روسية. في المقابل، يخضع ريف المحافظة الشمالي وقسم من شرقها لنفوذ «قوات سوريا الديمقراطية» وقوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، بعد قضاء هذه الجهات على سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي شرقي نهر الفرات بداية عام 2019.

وأشار المسؤول العسكري، فرهاد شامي إلى أن المجموعات المسلحة حشدت مقاتليها في الضفة الثانية من نهر الفرات ضمن المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية، وشنت هجمات على «قوات سوريا الديمقراطية» في قرى الريف الشرقي. وأضاف: «ندعو جميع الأهالي إلى عدم الانجرار خلف تلك الأصوات الداعية للفتنة، ولن يستفيد منها سوى الأطراف الخارجية التي تتربص بالمنطقة في ظل تزايد نشاط الخلايا الإرهابية».

وشهدت مناطق ريف دير الزور الشرقي اشتباكات عنيفة لليوم السادس على التوالي بين عناصر كانت منضوية سابقاً في «مجلس دير الزور العسكري»، تدعمها مجموعات فردية مسلحة من أبناء العشائر، ضد «قوات سوريا الديمقراطية» المدعومة من تحالف دولي تقوده واشنطن، على خلفية عزل «قسد» أحمد الخبيل (أبو خولة) من قيادة «مجلس دير الزور»، بتهم فساد واستخدام نفوذه في السلطة والاتجار بالمخدرات. وأفاد سكان يعيشون في تلك المناطق بأن الاشتباكات استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.

وجاء ذلك في وقت طالب فيه الشيخ ياسين عبد الرزاق سليمان الصبيخان زعيم عشيرة «البوحردان» في بلدة هجين ومحيطها الواقعة بريف دير الزور الشرقي، أبناء العشائر وعناصر «مجلس دير الزور العسكري» بـ«نزع فتيل الفتنة» ووقف المواجهات، داعياً إلى اجتماعات عاجلة وفورية بمشاركة العشائر وقادة المجتمع المحلي وقوات «قسد» بهدف «مناقشة جميع النقاط والأخطاء المتراكمة التي دفعت وأوصلت أبناء عشائر دير الزور إلى هذا المنعطف، والوصول إلى منهج صحيح وآلية واضحة لإدارة الأمور»، على أن تحفظ الهوية العربية للمنطقة ووحدة أراضيها وحماية المصالح المشتركة والحقوق لأبناء العشائر، مشترطاً أن يكون التحالف الدولي والجيش الأميركي «الضامن لهذه الاجتماعات، وتحمّل مسؤوليتهما تجاه عشائر دير الزور وأهلها»، على حد تعبيره.

حسن كوجر نائب رئاسة المجلس التنفيذي للإدارة الذاتية لشمال شرقي سوريا (الشرق الأوسط)

نفي «وجود مشاريع انفصالية»

أما نائب رئاسة المجلس التنفيذي بالإدارة الذاتية حسن كوجر فقد حمّل الحكومة السورية مسؤولية إدخال مسلحين موالين لها إلى بلدة الشحيل، لإحداث فتنة بين «قسد» ومكونات المنطقة. وقال كوجر في حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن حكومة دمشق تسعى جاهدة لإحداث شرخ بين الأهالي والإدارة الذاتية وجناحها العسكري «وتزعم بوجود مشاريع انفصالية (للأكراد) وتعمد لتشويه صورة المشروع الديمقراطي وتحجيم التضحيات التي قدمتها قوات قسد»، منوهاً بأن القوات الحكومة نفسها تخلت عن هذه الأراضي «لصالح مرتزقة (داعش) والمحتل التركي وتدعي الوطنية بهدف تحقيق أجنداتها».

ونفى كوجر المزاعم حول قيام المكوّن الكردي بإدارة ريف دير الزور، وأكد أن أبناء وأهالي مدن وبلدات ريف دير الزور «هم أنفسهم من يقومون بإدارة مؤسساتهم».

وفي الإطار ذاته، قالت السفارة الأميركية بدمشق، الخميس، عبر منشور على صفحتها الرسمية على موقع «فيسبوك» إن الولايات المتحدة «تشعر بقلق عميق إزاء أعمال العنف الأخيرة، بما في ذلك الخسائر في الأرواح، في دير الزور بسوريا»، ودعت جميع الأطراف إلى وقف التصعيد وحل الوضع سلمياً. ولفتت إلى أن الولايات المتحدة تؤكد مجدداً تركيزها على تخفيف معاناة الشعب السوري «بما في ذلك عملنا لضمان الهزيمة الدائمة لتنظيم (داعش) من خلال الشراكة مع (قوات سوريا الديمقراطية)، ونحن ندعم الجهود الجارية للحفاظ على الاستقرار في المنطقة وضمان تعايش جميع شعوبها بسلام».

جنود أميركيون خلال دورية في ريف دير الزور (أرشيفية - الشرق الأوسط)

بدوره، رأى الباحث براء صبري، وهو زميل مساهم في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، أن توسّع دائرة المواجهات المسلحة جاء على خلفية اعتقال وعزل أحمد الخبيل من قيادة «مجلس دير الزور»، بتهم محاولة التمرد والانشقاق واستغلال نفوذه بالسلطة والفساد. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن مجموعات مسلحة استغلت وجود أعداء كثر لـ«قسد» في المنطقة القريبة من منطقة الصراع، و«هؤلاء الأعداء هم الجهات المرتبطة مع إيران المُرابطين على الطرف المقابل لنهر الفرات، وفصائل مسلحة مدعومة من تركيا في أطراف منبج وفي تل أبيض، عبر إعلاناتها الوهمية حول ولائها للروابط العشائرية المفترضة مع المتمردين وتأجج رواية المظلومية ضد القوات (قوات سوريا الديمقراطية)».

وأكد أن حكومة دمشق هي المستفيد الأول من الواقع الحالي لإظهار مكامن الضعف بإدارة تلك المناطق الغنية بالنفط والطاقة والغاز الطبيعي، مشيراً إلى أن «دمشق استغلت الفشل المحلي لقسد وإدارتها المدنية. تبدو الحكومة الجائعة إلى مكامن الطاقة المتمركزة في منطقة العمليات، سعيدة كثيراً بالأحداث».

صراع عربي - كردي

وكانت عملية «العزم الصلب» ضمن قوة المهام المشتركة للتحالف الدولي قد قالت على موقعها الرسمي، الخميس، إنها تراقب عن كثب الأحداث بشمال شرقي سوريا، مضيفة: «لا نزال نركز على العمل مع (قوات سوريا الديمقراطية) لضمان الهزيمة الدائمة لـ(داعش)، دعماً للأمن والاستقرار الإقليميين»، وأكدت في بيان أن «الالتهاء عن هذا العمل المهم يؤدي لانعدام الاستقرار، ويزيد من خطورة عودة (داعش)، يجب أن يتوقف العنف بشمال شرقي سوريا، وأن تعود الجهود إلى إحلال السلام والاستقرار خالية من التهديدات الإرهابية».

لكن الباحث براء صبري اعتبر أن الموقف الأميركي «المتراخي» حيال المعارك العنيفة في مناطق خاضعة لحلفائها على الأرض أمر مثير للتساؤل. وأوضح: «المثير للاستفهام هو وقوف القوات الأميركية موقف المتفرج رغم أن أهم شريك لها على الأرض يتعرض للضغط، ويتم تشويه صورته بهذه الصورة الممنهجة». وتابع أن واشنطن لم تقم بشيء فعّال أو بوساطة سياسية تدعم «(قسد) في وجه التمرد، رغم قرب قواعدها من منطقة العمليات». ورأى أن عدم التحرك الأميركي يعني إما «التمهيد لتكوين تشكيل عسكري محلي جديد موازٍ لـ(قسد) لإدارة تلك المناطق، وإما أن واشنطن لا ترى في الفوضى الحالية أي خطر جدي على شريكتها (قسد) يستدعي تدخلها».

قوات سوريا الديمقراطية (أرشيفية - صفحة قوات سوريا الديمقراطية على فيسبوك)

ولم يستعبد صبري نجاح الجهات المروجة لرواية الصراع القومي بين العرب والأكراد حتى ولو نجحت «قسد» بضبط الأمور عسكرياً. واختتم حديثه قائلاً: «الوقائع الحالية أظهرت أن تصدير رواية الصراع القومي بين العرب والأكراد وجدت طريقها ولو جزئياً، علماً بأن جل مقاتلي (قسد) وقادة (دير الزور) وحتى الإدارة من أبناء العشائر العربية، لكن الندبة السياسية وجدت ضالتها بعد هذه الأحداث المستمرة».

في غضون ذلك، قال «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الجمعة، إن حصيلة قتلى الاشتباكات التي بدأت الأحد ارتفعت إلى 45، وهم 5 مدنيين، بينهم طفلتان وسيدة، و25 من المسلحين العشائريين، و11 عناصر من «قسد» بينهم 5 من أبناء إدلب بقوات الشمال الديمقراطي، و4 أشخاص قتلوا في بلدة ضمان بمداهمة دورية لـ«قسد»، كما أُصيب ما لا يقل عن 45 شخصاً، هم 28 من المسلحين العشائريين الموالين لقائد مجلس دير الزور العسكري، و17 من «قسد»، نتيجة تلك الاشتباكات.

وأشار «المرصد السوري» إلى أن «قوات سوريا الديمقراطية» لاحقت المسلحين الذين وصلوا إلى الضفة الشرقية لنهر الفرات في كل من بلدة الشحيل وقرية ذيبان بريف دير الزور، وأنهت «قوات سوريا الديمقراطية» تمشيط بلدة جديدة عكيدات، وثبتت نقاطها في القرية.

وقال «المرصد السوري» إنه حصل على معلومات مؤكدة تفيد بتسلل مجموعات من قوات الدفاع الوطني وآخرين ضمن ميليشيات موالية لإيران، باتجاه المناطق الساخنة في ريف دير الزور التي تشهد توتراً بين «قسد» من جهة، وموالين لقائد «مجلس دير الزور العسكري» أحمد الخبيل أبو خولة الذي جرى عزله من قبل قيادة «قسد»، من جهة أخرى.

قوات أميركية في مناطق بريف دير الزور شرق سوريا (أرشيفية - الشرق الأوسط)

وفي دمشق، نقلت وكالة الأنباء السورية (سانا) الرسمية عن مصادر محلية قولها إن اشتباكات عنيفة تدور بين قوات «قسد» وعشائر عربية في كل من مناطق ذيبان والعزبة والبصيرة والطيانة وجديد بكارة، مضيفة أن «أبناء العشائر العربية تمكنوا من طرد مسلحي (قسد) من مناطق تمركزهم في كل من الكشكية وأبو حمام وغرانيج، والسيطرة على عدد من مقارهم في مناطق الشعفة وشنان، وقاموا بإعطاب عدد من آلياتهم العسكرية، كما تم استهداف إحدى آبار النفط في منطقة العزبة بريف المحافظة الغربي ما أدى لاحتراقها».

وأضافت المصادر أن «الأهالي قاموا بقطع الطرقات في كل من محيميدة والكسرة وحمار العلي لمنع مرور الإمدادات التي ترسلها ميليشيا (قسد) من الرقة إلى مناطق الاشتباكات في الريفين الشمالي والشرقي لدير الزور»، بحسب ما جاء في تقرير الوكالة السورية الحكومية التي أضافت أن «هذه الأحداث تتزامن مع إعلان الكثير من شيوخ ووجهاء العشائر العربية النفير العام ودعوة أبناء عشائرهم للاستمرار في قتال ميليشيا (قسد) المرتبطة بالاحتلال الأميركي وطردها من مناطقهم».


مقالات ذات صلة

رئيس الاستخبارات العامة في سوريا: سيعاد تشكيل المؤسسة الأمنية

المشرق العربي عنصران من الشرطة في سوريا (أرشيف - الشرق الأوسط) play-circle 01:36

رئيس الاستخبارات العامة في سوريا: سيعاد تشكيل المؤسسة الأمنية

نقلت ‎الوكالة العربية السورية للأنباء عن رئيس جهاز الاستخبارات العامة في سوريا، أنس خطاب، قوله إن المؤسسة الأمنية في البلاد سيعاد تشكيلها

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي لافتة طريق لبلدتي كفريا والفوعة في ريف إدلب (إنترنت)

سوريون من الشيعة: إيران أكبر كذبة انطلت علينا

اشتكى سوريون من الطائفة الشيعية من سياسة إيران في سوريا وخداعها لهم، والتغرير بشبابهم واستخدامهم وقوداً لمصالحها في المنطقة ضمن ميليشيات الحرس الثوري.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي إردوغان متحدثاً أمام مؤتمر لحزبه في مدينة بورصة 28 ديسمبر 2024 (الرئاسة التركية)

إردوغان يلمّح لعمليات ضد القوات الكردية... وخطوات كبيرة لدعم دمشق

بينما تتواصل الاشتباكات العنيفة بين «قسد» والفصائل الموالية لتركيا على محور سد تشرين شرق حلب، لمّح الرئيس رجب طيب إردوغان إلى عمليات عسكرية جديدة في شمال سوريا.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
شؤون إقليمية أحمد الشرع في أثناء استقباله هاكان فيدان في دمشق (رويترز)

فيدان لبلينكن: لن نسمح بوجود مقاتلين أكراد في سوريا

قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، في اتصال مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكن، السبت، إنه «لا يمكن السماح» بوجود مقاتلين أكراد في سوريا.

«الشرق الأوسط» (إسطنبول)
المشرق العربي سهام وعصام صيام يرفعان صور لابنهما وسام الذي قضى في مجزرة التضامن بدمشق عام 2013 (أ.ب)

أكثر من 112 ألف شخص لا يزالون مختفين قسراً في سوريا

وثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان وجود 112 ألفاً و414 شخصاً مختفين قسراً، رغم تحرير المعتقلين في السجون الكبيرة، والكشف عن المقابر الجماعية.

«الشرق الأوسط» (لندن - لاهاي)

غزة: الجيش الإسرائيلي «دمّر» كامل المنظومة الصحية في شمال القطاع

مصاب فلسطيني يستند إلى عكازين بعد إجلائه من مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة (رويترز)
مصاب فلسطيني يستند إلى عكازين بعد إجلائه من مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة (رويترز)
TT

غزة: الجيش الإسرائيلي «دمّر» كامل المنظومة الصحية في شمال القطاع

مصاب فلسطيني يستند إلى عكازين بعد إجلائه من مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة (رويترز)
مصاب فلسطيني يستند إلى عكازين بعد إجلائه من مستشفى كمال عدوان شمال قطاع غزة (رويترز)

اتهم الدفاع المدني في غزة الجيش الإسرائيلي، السبت، بـ«تدمير» كل المنظومة الصحية في شمال القطاع، بعد اعتقاله مدير مستشفى كمال عدوان وأفراداً من طاقمه في إطار عملية عسكرية أخرجت آخر مرفق صحي رئيسي في المنطقة عن الخدمة.

وأعلنت «منظمة الصحة العالمية»، الجمعة، أن المستشفى الواقع في بيت لاهيا خرج عن الخدمة، بعد ساعات من تأكيد الجيش بدء عملية عسكرية قال إنها تستهدف عناصر من «حماس». واتهمت وزارة الصحة في غزة الجيش باقتحام المستشفى وإحراق أقسامه.

وقالت وزارة الصحة في قطاع غزة، السبت، إن «قوات الاحتلال اقتادت العشرات من أفراد طاقم مستشفى كمال عدوان، بمن في ذلك مدير المستشفى الدكتور حسام أبو صفية، إلى مركز للتحقيق»، وفقاً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية».

ولم يعلّق الجيش على المسألة، ردّاً على استفسار من «وكالة الصحافة الفرنسية»، كما لم تتمكن الوكالة من التواصل مباشرة مع مدير المستشفى بعد محاولات عدة.

وقال محمد سالم (كنية مستعارة خوفاً من الملاحقة)، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن الجيش «طلب خلع ملابس كل الشباب والسير مشياً إلى خارج المستشفى والتوجه إلى مدرسة الفاخورة التي حوّلها الجيش إلى مركز عسكري ومركز للاعتقال والتحقيق»، وأضاف: «أخذوا عشرات الشباب وأيضاً أطباء ومرضى إلى جهة مجهولة».

وتابع: «كانوا يسألون عن عناصر المقاومة و(حماس) وأسلحة، والأشخاص الذين يصورون القصف والدمار».

وأكّد الدفاع المدني اعتقال أبو صفية وعدد من العاملين في القطاع الصحي.

وقال الناطق باسم الدفاع المدني محمود بصل، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، «باعتقاله مدير مستشفى كمال عدوان والعشرات من الكوادر الطبية والفنية، واعتقال مدير الدفاع المدني في الشمال، دمّر الاحتلال كلياً المنظومة الطبية والإنسانية وأخرجها عن الخدمة في شمال القطاع».

وكان الدفاع المدني قال، في بيان سابق، إن الجيش الإسرائيلي «اعتقل أحمد حسن الكحلوت، مدير الدفاع المدني في محافظة شمال قطاع غزة» التي تضمّ بلدات بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا ومخيم جباليا للاجئين.

ووضع ذلك في سياق «استمرار نهج الاحتلال التدميري لمنظومة العمل الإنساني والإغاثي في شمال القطاع».

وأفاد الجيش الإسرائيلي، الجمعة، بأنه بدأ العمل «في منطقة مستشفى كمال عدوان، بعد ورود معلومات استخباراتية مسبقة حول وجود مخربين وبنى تحتية إرهابية وتنفيذ أنشطة إرهابية هناك».

وسبق لإسرائيل أن اتهمت «حماس» مراراً منذ اندلاع الحرب في غزة في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إثر هجوم غير مسبوق شنّته الحركة على جنوب إسرائيل، باستخدام مرافق مدنية خصوصاً المستشفيات، كمراكز للقيادة والعمليات. وتنفي «حماس» ذلك بشدّة.

وأكدت «منظمة الصحة العالمية» أنّ العملية العسكرية قرب مستشفى كمال عدوان «أدّت إلى خروج آخر مرفق صحّي رئيسي في شمال غزة عن الخدمة».

وأضافت أنّ «التقارير الأولية تشير إلى أنّ بعض الأقسام الرئيسية احترقت ودُمّرت بشدّة خلال الغارة».

ونقلت وزارة الصحة التابعة لـ«حماس» عن أبو صفية قوله، الجمعة، إن الجيش «أحرق جميع أقسام العمليات في المستشفى»، وقواته «أخلت كامل الطاقم الطبي والنازحين واعتقلت عدداً من أفراد الطاقم الطبي».

وقالت وزارة الصحة إن الجيش الإسرائيلي قام بـ«إجلاء قسري» لبعض المرضى من كمال عدوان إلى المستشفى الإندونيسي في شمال القطاع الليلة الماضية. وحذّرت من أن «الوضع في الإندونيسي مُزرٍ وصعب للغاية»، مضيفة: «لا ماء ولا كهرباء ولا غطاء ولا طعام ولا مستلزمات».

وناشدت المؤسسات الدولية «إيجاد الحل للمرضى والمصابين الموجودين حالياً في المستشفى الإندونيسي».

وصباح السبت، ذكر شهود أن أصوات الانفجارات لا تزال تسمع في المنطقة بين حين وآخر.

وقال عمّار البرش (50 عاماً)، النازح إلى بيت لاهيا من جباليا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، إن الجيش «يواصل اقتحام المستشفى والمنازل المحيطة، ونسمع إطلاق النار من مسيّرات إسرائيلية وقصفاً مدفعياً».

وأضاف أنه «دمّر عشرات المنازل والبنايات التجارية والسكنية في محيط مستشفى كمال عدوان، وقام أمس باعتقال مئات المواطنين من بينهم عشرات من الأقارب والجيران».

«جريمة حرب بشعة»

ويأتي ذلك في وقت تشنّ القوات الإسرائيلية عملية عسكرية واسعة في شمال قطاع غزة منذ السادس من أكتوبر الماضي، تقول إنها تهدف إلى منع «حماس» من إعادة تجميع قواها في ظل الحرب المتواصلة منذ 2023.

وكان الجيش أكد أن قواته تعمل قرب كمال عدوان «مع تجنب المساس بالأشخاص غير المتورطين والمرضى والطواقم الطبية بأكبر قدر ممكن». وأكد أنه سمح «قبل وفي أثناء النشاط للسكان والمرضى والموظفين في المستشفى بإخلاء المنطقة بطريقة منظمة».

ونفت حركة «حماس»، الجمعة، «نفياً قاطعاً وجود أي مظهر عسكري أو وجوداً لمقاومين في المستشفى، سواء من (كتائب القسام) أو أي فصيل آخر، فالمستشفى كان مفتوحاً أمام الجميع والمؤسسات الدولية والأممية».

واتهمت إسرائيل بـ«تطبيق مخطط إبادة وتهجير قسري»، وطالبت الأمم المتحدة «بتشكيل لجنة تحقيق أممية للنظر في حجم الجريمة التي يرتكبها في شمال قطاع غزة».

وعدّ المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي العملية الإسرائيلية «أحدث مثال على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والانتهاك الصارخ لقواعد وأعراف القانون الدولي»، بحسب ما نقلت عنه وكالة أنباء «إرنا» الرسمية.

وأدانت وزارة الخارجية السعودية «بأشدّ العبارات حرق قوات الاحتلال الإسرائيلية مستشفى في قطاع غزة، في انتهاك للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، ولأبسط المعايير الإنسانية والأخلاقية».

كما أدانت أبوظبي «بقوة واستنكرت بأشد العبارات» حرق المستشفى، على ما أوردت وكالة أنباء الإمارات (وام).

في غضون ذلك، تتواصل العمليات العسكرية في مناطق عدّة في قطاع غزة. وأفاد الدفاع المدني بمقتل تسعة أشخاص على الأقل في ضربة طالت منزلاً في وسط القطاع.

وتحدث مكتب الاتصال الحكومي في غزة عن تعرّض بلدة بيت حانون لـ«هجوم مرعب من الاحتلال»، مضيفاً: «تلقينا نداءات استغاثة من عشرات المواطنين، ولا أحد يستطيع الوصول للجرحى».

واندلعت الحرب إثر هجوم غير مسبوق شنّته حركة «حماس» على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر، أسفر عن مقتل 1208 أشخاص، وفقاً لتعداد أجرته «وكالة الصحافة الفرنسية» بالاستناد إلى بيانات رسمية إسرائيلية.

ومنذ بداية الحرب بين إسرائيل و«حماس»، قُتل أكثر من 45 ألف شخص في غزة، معظمهم مدنيون من النساء والأطفال، وفق بيانات وزارة الصحة في غزة التي تقول الأمم المتحدة إنّها جديرة بالثقة.