غلاء السكن يجبر النازحين في دمشق على نزوح جديد

ارتفاع خيالي في إيجار الشقق بالعاصمة السورية

شارع في منطقة الزاهرة المنظمة جنوب دمشق (الشرق الأوسط)
شارع في منطقة الزاهرة المنظمة جنوب دمشق (الشرق الأوسط)
TT

غلاء السكن يجبر النازحين في دمشق على نزوح جديد

شارع في منطقة الزاهرة المنظمة جنوب دمشق (الشرق الأوسط)
شارع في منطقة الزاهرة المنظمة جنوب دمشق (الشرق الأوسط)

يجبر الارتفاع الخيالي والمستمر لبدل إيجار الشقق السكنية في العاصمة السورية دمشق كثيراً من سكانها، خصوصاً النازحين، على القيام برحلة نزوح جديد باتجاه الأرياف القريبة، كون بدل الإيجار فيها أقل، إلى أن بات الأمر ظاهرة تزداد يوماً بعد يوم، وذلك في ظل التدهور المستمر وغير المسبوق للأوضاع المعيشية للسواد الأعظم من المواطنين.

ومنذ فترة بعيدة تشهد أحياء دمشق الجنوبية عمليات رحيل عائلات، وازداد الأمر مؤخراً حيث بات من النادر أن يمر يوم لا تحصل خلاله عملية رحيل أو عمليتين في كل جادة من تلك الأحياء، حيث تتجه تلك العائلات للسكن في أرياف العاصمة.

ويروي «أبو سمير» معاناته من تبديل المنازل جراء استغلال أصحاب الشقق للباحثين عن سكن، ويوضح وهو ينقل أثاث منزله إلى شاحنة كبيرة تمهيداً للرحيل من الحي أنه رب عائلة مؤلفة من 4 أفراد، سبق أن نزحت إلى منطقة «الزاهرة» جنوب دمشق، بعدما تدمر منزلها في مدينة حمص في سنوات الحرب الأولى. ويؤكد أن هذه المرة هي الرابعة التي يبدل فيها مكان سكنه بسبب رفع أصحاب المنازل بدل الإيجار كلما انتهت مدة عقد الإيجار.

ويقول: «دفعنا في البداية 20 ألف ليرة في الشهر، ثم 50 ألفاً، وبعدها 100 ألف، إلى أن وصل إيجار الشهر إلى 300 ألف، وقبل نهاية (مدة) العقد الأخير تحدث معي صاحب الشقة، وقال إنه يريد 600 ألف شهرياً، وأن يتم دفع أجر سنة كاملة سلفاً، وأنا لا قدرة لي على دفع هذا المبلغ في الشهر»، موضحاً أنه سيرحل إلى بلدة «يلدا» بريف دمشق الجنوبي، التي وجد فيها شقة أكبر من التي يرحل منها حالياً، وببدل إيجار شهري يبلغ 200 ألف.

«أبو سمير» الذي يعمل موظفاً في أحد البنوك الخاصة، وتصله حوالة بقيمة 100 دولار أميركي (الدولار يساوي 15 ألف ليرة في السوق السوداء) كل شهر من ابنته اللاجئة في ألمانيا، يؤكد أن غالبية النازحين القاطنين في منطقة «الزاهرة» رحلوا، ومعظمهم توجه إلى الريف القريب، لأن بدل إيجارات الشقق في المنطقة أرهق كاهلهم. ويضيف: «يقولون (أصحاب الشقق) إن إيجارات الشقق هي موردهم الوحيد، والحياة (المعيشة) صارت صعبة، ويريدون سترة أنفسهم. بعضهم قد يكونون صادقين، لكن كثيراً منهم غير صادقين».

ويلفت الانتباه أنه رغم حركة الرحيل المتزايدة من أحياء دمشق إلى الأرياف القريبة، فإن الطلب على إيجار الشقق لم يتراجع، إذ لا يكاد يمر يومان أو 3 أيام على رحيل عائلة، حتى تأتي عائلة جديدة، وبحسب مشاهداتنا ومعلوماتنا، فإن أغلبية المستأجرين الجدد هم من محافظة دير الزور شرق البلاد.

وقالت وكالة الأمم المتحدة إن نصف سكان سوريا، المقدر عددهم 23 مليوناً عند بداية الحرب في البلاد في 2011، اضطروا للفرار من منازلهم، ولفتت إلى أن عدد النازحين بالداخل 6.7 مليون.

وذكر مجلس الأمم المتحدة الاقتصادي والاجتماعي لغرب آسيا (الإسكوا) أن ثلث العقارات في سوريا دمرت جراء عمليات القصف، وبلغ عدد المنازل المدمرة كلياً حوالي 400 ألف منزل، و300 ألف مدمر جزئياً، مع تضرر البنية الأساسية لحوالي نصف مليون منزل.

ووفق إحصاءات العام 2010، بلغ عدد سكان العاصمة السورية نحو مليونين و800 ألف نسمة، إلا أنه مع اندلاع الحراك السلمي في البلاد منتصف مارس (آذار) 2011 وتحوله إلى حرب طاحنة بعد عدة أشهر، نزح إليها عدد كبير من سكان محافظات أخرى كريف دمشق ودير الزور وحمص ودرعا والرقة وحلب، ما أدى إلى زيادة الطلب على إيجار المنازل مقابل عروض محدودة.

ولا توجد إحصاءات حديثة لعدد السكان القاطنين حالياً في دمشق، بيد أن خبراء يقدرون العدد بأكثر من 4 ملايين نسمة.

وبينما يذكر مصدر محلي في دمشق، لنا، أنه يأخذ 45 مليون ليرة سورية بدل إيجار سنوي لشقة يمتلكها على أوتوستراد حي المزة الراقي، يؤكد صاحب مكتب عقاري أن إيجار شقة مفروشة ذات مواصفات جديدة في أوتوستراد المزة أو منطقة الفيلات في ذات الحي يصل حالياً إلى 4 ملايين ليرة في الشهر، وينخفض إلى 3 ملايين في بعض مناطق الحي، ومليوني في مناطق أخرى مثل الشيخ سعد.

ويوضح صاحب المكتب العقاري أن الرقم في أحياء مثل أبو رمانة يرتفع إلى 5 ملايين في الشهر، على أن يدفع المستأجر إيجار 6 أشهر سلفاً، وبعض أصحاب الشقق يريد إيجار سنة كاملة.

ويشير إلى أن الأسعار تنخفض تدريجياً كلما ابتعدنا عن وسط العاصمة، إذ يصل إيجار الشقة المفروشة في حي ركن الدين ومنطقة المجتهد ما بين مليون ومليون ونصف مليون في الشهر، وينخفض إلى ما بين مليون و750 ألف في منطقة الزاهرة الجديدة للشقة المفروشة.

ويلفت إلى أن الأسعار في مناطق دمشق العشوائية مثل «دف الشوك، نهر عيشة، وعش الورور» تصل إلى ما بين 500 ألف و400 ألف في الشهر لشقة غير مفروشة، مساحتها 70 متراً، على حين يبلغ إيجار شقة مؤلفة من غرفة واحدة، وبداخلها مطبخ صغير جداً وحمام، 200 ألف ليرة شهرياً.

أحد أصحاب المكاتب العقارية في ريف دمشق يشير لنا إلى أن أسعار بدل إيجار الشقق السكنية في الريف الملاصق للعاصمة تصل إلى ما بين 200 ألف و300 ألف ليرة شهرياً لشقة جيدة غير مفروشة، مساحتها 100 متر مربع، بينما يبلغ بدل إيجار شقة مساحتها 50 متراً مربعاً في الشهر ما بين 125 ألف و150 ألف ليرة.

خبير اقتصادي في دمشق ذكر أن الارتفاع الجنوني لبدل إيجار الشقق السكنية لا يقتصر على مدينة دمشق فقط، وإنما ينسحب على المحافظات كافة، ويرجع السبب في ذلك إلى كثرة الطلب وقلة العرض، ويقول: «الحرب دمرت عدداً كبيراً من القرى ومئات آلاف المنازل وتسببت بنزوح الملايين من قراهم، والزلزال فاقم الأمر أكثر. هؤلاء يريدون مأوى، وبالتالي ازداد الطلب على شقق للإيجار»، ويضيف: «حل أزمة السكن يكون بإعادة الإعمار وإقامة مشروعات بناء، وحتى الآن لا توجد في البلاد إعادة إعمار ولا مشروعات بناء جديدة».

ويوضح الخبير أن الأزمة الاقتصادية المستمرة وغير المسبوقة في البلاد، ومواصلة الليرة السورية انهيارها أمام العملات الأجنبية، تسببا بارتفاع جنوني لعموم الأسعار، وهذا الأمر انسحب على قيمة بدل إيجار الشقق السكنية بشكل خيالي، وأثقل كاهل المواطنين المعدمين أصلاً، بعدما كانت أفضل شقة في دمشق في أرقى المناطق لا يتجاوز بدل إيجارها في الشهر 50 ألف ليرة.


مقالات ذات صلة

هجوم إسرائيلي يستهدف معبراً بريف حمص عند الحدود السورية - اللبنانية

المشرق العربي الدخان يتصاعد من المباني بعد قصف سابق على حمص (أرشيفية - رويترز)

هجوم إسرائيلي يستهدف معبراً بريف حمص عند الحدود السورية - اللبنانية

ذكرت «وكالة الأنباء السورية»، السبت، أن الطائرات الإسرائيلية شنّت هجوماً استهدف معبر جوسية بمنطقة القصير في ريف حمص عند الحدود السورية - اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية أحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا (إعلام تركي)

تراجع أعداد اللاجئين السوريين في تركيا لأقل من 3 ملايين

تراجعت أعداد اللاجئين السوريين الخاضعين لنظام الحماية المؤقتة في تركيا إلى أقل من 3 ملايين لاجئ.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي تشييع اثنين من ضحايا هجوم تدمر في الحطابية بمحافظة حمص الجمعة (متداولة)

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

أنباء عن مغادرة قياديين في «الحرس الثوري الإيراني» وميليشيات تابعة لإيران، الأراضي السورية متجهة إلى العراق؛ خشية تعرضهم للاستهداف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي رجال أمن وإنقاذ في موقع استهدفته غارة إسرائيلية في دمشق (أرشيفية - أ.ب)

تحذير أممي من انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي واسع»

رأت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، نجاة رشدي، أن منطقة الشرق الأوسط تشهد «خطراً عميقاً»، ودعت إلى «عمل حاسم» لمنع انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي».

علي بردى (واشنطن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية التركي هاكان فيدان متحدثاً في البرلمان التركي (الخارجية التركية)

أنقرة: الأسد لا يريد عودة السلام في سوريا

أوضح وزير الخارجية التركي فيدان أن الرئيس السوري لا يريد السلام في سوريا، وحذر من أن محاولات إسرائيل لنشر الحرب بدأت تهدد البيئة التي خلقتها «عملية أستانة».

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

تقرير: ترمب قد يفرض عقوبات على مدعي «الجنائية الدولية» رداً على مذكرة اعتقال نتنياهو

مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)
مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)
TT

تقرير: ترمب قد يفرض عقوبات على مدعي «الجنائية الدولية» رداً على مذكرة اعتقال نتنياهو

مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)
مقر المحكمة الجنائية في لاهاي (أ.ف.ب)

قالت صحيفة «تليغراف» البريطانية، إن الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يفكر في فرض عقوبات على المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية البريطاني، كريم خان، بسبب مذكرة الاعتقال التي أصدرتها المحكمة بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

وذكرت الصحيفة أن مايك والتز، الذي سيشغل منصب مستشار الأمن القومي لترمب، قال إن المحكمة الجنائية الدولية «ليست لديها مصداقية»، ووعد «برد قوي على التحيز المعادي للسامية للمحكمة» عندما تتولى إدارة ترمب منصبها في 20 يناير (كانون الثاني).

وأضافت الصحيفة أن كريم خان قد يكون من بين المسؤولين المستهدفين بعقوبات من قبل ترمب.

ومثل إسرائيل، لا تعترف الولايات المتحدة بسلطة المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، ودعا كبار الجمهوريين إلى فرض عقوبات على كبار المسؤولين في المحكمة الجنائية الدولية رداً على مذكرات الاعتقال.

ويجري التحقيق مع خان بشأن مزاعم سوء السلوك الجنسي وهو ينفي هذه الاتهامات.

وخلال فترة ولايته الأولى في منصبه، فرض ترمب عقوبات على المدعي العام السابق للمحكمة بسبب تحقيق في جرائم حرب مزعومة ارتكبتها القوات الأميركية في أفغانستان.

وفي ذلك الوقت، وصف مايك بومبيو، وزير الخارجية آنذاك، المحكمة بأنها «مؤسسة فاسدة تماماً».

في النهاية، ألغى الرئيس الأميركي جو بايدن العقوبات المفروضة على المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، التي تضمنت حظراً للسفر، عندما تولى منصبه في عام 2021، لكن هناك توقع بأن ترمب قد يعيد تنفيذ الاستراتيجية نفسها رداً على معاملة المحكمة الجنائية الدولية لإسرائيل.

دونالد ترمب (رويترز)

ويمكنه أيضاً سحب مشاركة الولايات المتحدة ومواردها من التحقيقات التي تقودها المحكمة الجنائية الدولية في جرائم الحرب الروسية في أوكرانيا.

وأي عقوبات تُفرض على خان وموظفيه قد تهدد العلاقة بين بريطانيا وترمب إذا اختار رئيس الوزراء البريطاني الجديد، كير ستارمر، الامتثال لأوامر الاعتقال.

وتقود الولايات المتحدة ردود فعل دولية عنيفة ضد المحكمة التي تتخذ من لاهاي مقراً لها، حتى مع تردد المملكة المتحدة بشأن ما إذا كانت ستحتجز رئيس الوزراء الإسرائيلي، وقالت بريطانيا إنها تحترم المحكمة ورفضت الإفصاح عما إذا كان سيتم اعتقال نتنياهو إذا جاء إلى المملكة المتحدة.

ودعت سفيرة إسرائيل لدى المملكة المتحدة، تسيبي هوتوفلي، جميع الدول إلى رفض الأمر «الهزلي» للمحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو.

وفي مقال لها في صحيفة «تليغراف»، اتهمت هوتوفلي المحكمة بـ«إيجاد أرضية مشتركة مع حماس»، وقالت: «نشكر الولايات المتحدة والدول الحليفة الأخرى التي رفضت القرار الهزلي للمحكمة وندعو الدول الأخرى إلى أن تحذو حذوها في رفض هذا الظلم. لقد أظهرت المحكمة الجنائية الدولية أن كل زعيم ديمقراطي يسعى إلى الدفاع عن شعبه قد يصبح هدفاً للمحكمة».

وأشارت ألمانيا إلى أنها لن تحتجز نتنياهو بسبب ماضيها النازي وعلاقتها الخاصة بالدولة اليهودية، على الرغم من كونها عضواً في المحكمة الجنائية الدولية.

وتعهد فيكتور أوربان رئيس وزراء المجر العضو في الاتحاد الأوروبي، بتحدي اعتقال نتنياهو، وبدلاً من ذلك دعاه لزيارة بلاده.

وتمثل مذكرة الاعتقال المرة الأولى في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية الممتد 22 عاماً التي يسعى فيها قضاتها إلى اعتقال زعيم دولة مدعومة من الغرب.

والدول الأعضاء في المحكمة البالغ عددها 124 دولة، بما في ذلك بريطانيا، مسؤولة عن تنفيذ مذكرات الاعتقال التي تصدرها.

وفي إشارة إلى الانقسامات بين الدول الأوروبية، وعدت آيرلندا وإيطاليا وهولندا باعتقال نتنياهو، إذا وصل إلى أراضيها، وأكدت فرنسا موقف المحكمة لكنها لم تقل ما إذا كان نتنياهو سيواجه الاعتقال إذا عبر حدودها.

وأكد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أن الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة، بما في ذلك ألمانيا والمجر، ستكون ملزمة بتنفيذ مذكرات الاعتقال.