مدير «الأمن الداخلي» اللبناني: نحن مستهدفون وهناك من يريد الفوضى لا الاستقرار

اللواء عماد عثمان لـ«الشرق الأوسط»: بعض السياسيين يتعاطون بخفة مع موضوع الأمن

اللواء عثمان مع البطريرك الماروني بشارة الراعي (موقع قوى الأمن)
اللواء عثمان مع البطريرك الماروني بشارة الراعي (موقع قوى الأمن)
TT

مدير «الأمن الداخلي» اللبناني: نحن مستهدفون وهناك من يريد الفوضى لا الاستقرار

اللواء عثمان مع البطريرك الماروني بشارة الراعي (موقع قوى الأمن)
اللواء عثمان مع البطريرك الماروني بشارة الراعي (موقع قوى الأمن)

بعد أقل من تسعة أشهر، وإذا استمرت المراوحة السياسية الحالية في لبنان، سوف تنتقل إدارة قوى الأمن الداخلي، القطاع الأمني الأساسي في البلاد إلى إدارة بالوكالة، على غرار الكثير من المؤسسات الرسمية الأخرى المتأثرة بالفراغ الرئاسي الحاصل، ورفض قوى مسيحية أساسية إجراء تعيينات في غياب رئيس الجمهورية.

بعد تسعة أشهر، تنقص أسبوعا أو تزيد، يبلغ المدير العام لقوى الأمن الداخلي في لبنان اللواء عماد عثمان سن التقاعد. الفراغ غير موجود في قاموس الأمن، فثمة تدابير «ترقيعية» تلجأ إليها المؤسسات لملئه، لكن هذا لا يعني أن الأمور ستسير على طبيعتها الكاملة بعد هذا التاريخ رغم محاولة اللواء عثمان بث روح من الاطمئنان. ويقول: «المؤسسة قادرة على الاستمرار في مهامها، وهي تعج بالكفاءات».

في عقل اللواء عثمان ثمة قناعة بأن القوى الأمنية قادرة على الاستمرار بحكم العقلية التي تحكم أبناءها والانضباطية التي تربيهم عليها. أما لسانه فيقول: «هناك إحساس عال بالمسؤولية، وهذا وحده يبرر استمرار القوى الأمنية في العمل رغم كل الصعاب التي مرت على لبنان منذ عام 2019 في إشارة إلى الأزمة المالية التي تضرب البلاد وأطاحت بسعر صرف العملة الوطنية إلى مستويات غير مسبوقة، وبالتالي أثرت على القدرة الشرائية لرواتب العسكريين عموما. أما الحافز الأقوى للاستمرار فهو «وجود قناعة لدى القوى الأمنية أن ثمة من يريد الحلول مكانها، وأن ثمة من يريد الفوضى بدلا من الاستقرار». ويضيف: «حياتنا مبنية على الحذر من المجهول».

بعد 40 سنة من الخدمة العسكرية سيخرج اللواء عثمان بتعويض مالي بات لا يذكر بسب هبوط قيمة الليرة اللبنانية، لكنه سيحمل معه «الكثير من الذكريات الجميلة والاعتزاز بإنجازات قوى الأمن التي انتقلت من حال إلى حال، وصمدت رغم الصعاب الكبيرة». لا يسعى اللواء عثمان إلى تمديد ولايته استثنائيا، رغم أنه لن يتهرب من واجبه إذا توصلت الإدارة السياسية إلى مخرج ما يتيح له الاستمرار. أما بعد التقاعد فلا مشاريع واضحة: «سأرتاح قليلا، وأريد أن أكتشف الحياة من وجهة نظر مختلفة عن الحياة العسكرية التي انخرطت فيها منذ أن بلغت 18 عاما». لا تراود اللواء عثمان «أحلام مستحيلة» على غرار بعض القيادات اللبنانية التي «تستثمر وظيفتها لأدوار مستقبلية كبيرة وبعيدة المنال». يقول: «أنا عسكري أقوم بواجبي».

العلاقة مع وزير الداخلية

ورغم كل ما نشر وتردد في الأروقة السياسية ووسائل الإعلام عن خلاف بينه وبين وزير الداخلية القاضي بسام مولوي، يرفض اللواء عثمان الخوض في تفاصيل العلاقة التي يقال إنها متوترة مع وزير الداخلية. ويقول: «ليست هناك أي مشكلة شخصية، فالعلاقة جيدة».

في عام 2019 ضربت قوى الأمن، كغيرها من مؤسسات الدولة، «لكننا كنا مؤسسين، وبنينا مؤسسة فعالة مختلفة عما كانت عليه سابقا». يقول: «قبل عام 2005 (تاريخ الانسحاب السوري من لبنان) كانت قوى الأمن مكبلة بفعل الأمر الواقع، وتكاد تكون غير قادرة إلا على ضبط حركة السير، لكن بعد ذلك كانت نهضة كبرى قادها أشخاص كاللواء وسام الحسن وغيره من الضباط الأكفاء. أرسلنا ضباطا للتدرب في باريس وغيرها، أنشأنا شعبة المعلومات التي باتت العماد الرئيسي لمحاربة الجريمة والإرهاب. طورنا أنفسنا تقنيا وصار لدينا قوى عسكرية مدربة ومجهزة للعمليات المحدودة يعتمد عليها، وبتنا قادرين على متابعة الوضع الأمني بكل دقة في كل البلاد». ويتابع شارحا كيف تخطى دور قوى الأمن الداخل اللبناني لتصل إنجازاتها إلى الخارج: «فقد حاربنا الإرهاب في دول أخرى وزودناها بالمعلومات والمعطيات التي توفرت لدينا وأثمر هذا عن توقيفات كثيرة وكبيرة في تركيا ودول الخليج العربي وغيرها... ونحن منفتحون على التعاون مع الجميع، إلا إسرائيل العدو الأكبر والخط الأحمر، التي حاربنا خلاياها التجسسية وأسقطنا الكثير الكثير منها، بينها ما هو معلن، وبينها ما بقي قيد الكتمان».

قرار مركزي للأمن

أنشأت قوى الأمن إدارة مركزية للقرار الأمني، فأنشأت القوى السيارة لمواجهة أعمال الشغب والقوى العسكرية للتدخل الأمني وشعبة المعلومات للتدخل التقني والعسكري معا، فيما تقوم المخافر الصغيرة المنتشرة في أرجاء البلاد بدور العين، كما بتلقي الشكاوى تهيئة للتعامل معها.

اللواء عثمان مع البطريرك الماروني بشارة الراعي (موقع قوى الأمن)

استهداف للدور

يبدي اللواء عثمان خشيته الكبيرة على وضع قوى الأمن لجهة وجود «استهداف واضح». لا يعطي الكثير من التفاصيل، لكنه يقول: «أحس بوجود خطر على المؤسسة. هناك من يستهدفها لأنها تمسك بالأمن في البلد. لا أريد أن أدخل في التفاصيل، لكن هناك استهداف مباشر لقوى الأمن وغير مبرر. لكن هذه مؤسسة عمرها أكثر من 160 سنة وليس من السهل إنهاء دورها».

منذ «الانهيار الكبير» في عام 2019، لم تحظ قوى الأمن الداخلي بالكثير من المساعدات الخارجية. حظيت بمنحة مائة دولار لكل عنصر لمدة ستة أشهر من الولايات المتحدة الأميركية ومساعدة تقنية من بعض السفارات الغربية، كما بعض المساعدات العينية. لكن المؤسسة تركت وحدها تتدبر أمرها. يسخر اللواء عثمان من مقارنة أجرتها شخصية سياسية، يلمح إلى أنها وزير حالي، بين ما يحصل عليه الجيش اللبناني من مساعدات خارجية وما لا تحصل عليه قوى الأمن، وطرحه سؤال «لماذا لا يجلب اللواء عثمان مساعدات؟»، يقول عثمان: «ليس دوري استجلاب المساعدات. أنا أدير مؤسسة، وأسعى بكل جهدي للحفاظ على حياة الناس، لكن ثمة من لا يريد أن يحافظ على حياة العسكريين».

نقص مساعدات الخارج، يعوض عنه مساعدات الداخل المخصصة لطبابة العسكريين وعائلاتهم في ظل انهيار نظام الأمان الصحي. أنشأت قوى الأمن صندوقا يتلقى التبرعات الداخلية، تدير من خلاله تمويل طبابة العسكريين وعائلاتهم. يصرف الصندوق ما لا يقل عن 20 ألف دولار يوميا، ومداخيله تتفاوت، لكنها تساعد كثيرا في هذا المجال.

الوضع الأمني تحت السيطرة

يجزم اللواء عثمان بأن الوضع الأمني تحت السيطرة. ويذهب إلى أبعد من ذلك، ويؤكد أن الوضع الأمني «مستقر». ويقول: «نحن نلاحق الجريمة وقادرون على ضبطها» لكن ثمة مشكلات أخرى مختلفة الطبيعة، كالبؤر الأمنية التي تنتشر في بعض المناطق والتي تأخذ طابعا عسكريا، كالمخيمات الفلسطينية والقتال الذي يحدث فيها بين فترة وأخرى». إضافة إلى ذلك، يشير اللواء عثمان إلى ملف لا يقل خطرا على الأمن وهو النزوح السوري مع خشية من «أن تتطور المخاوف الأمنية بسببه». ويقول: «هناك جرائم كثيرة ترتبط بالوجود السوري. وهذا يشكل ضغطا على القوى الأمنية وعلى البنية التحتية للسجون في لبنان، إذ إن عدد السجناء السوريين بات يقارب ثلث عدد السجناء في لبنان. وهناك 17.8 في المائة من المحكومين هم من السوريين و43 في المائة من الموقوفين».

باختصار، يؤكد اللواء عثمان أن السيطرة على الجريمة جيدة جدا، لكن الخطر هو انعكاس السياسة على الأمن. من الصعب أن يتحدث رجل الأمن بصراحة في السياسة عادة، لكن الانطباع الذي يخرج به زوار اللواء عثمان يوحي باستياء بالغ من «الخفة» التي يتعاطى بها بعض السياسيين بالموضوع الأمني وعدم حرصهم على تجنب «الخطوط الحمر» ما دام الأمر يفيدهم.



جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.