لودريان في لبنان الشهر المقبل في مهمة «الفرصة الأخيرة»

المعارضة تستبق جولته برفض أي تحاورٍ مع «حزب الله» وحلفائه

الموفد الرئاسي لودريان خلال زيارته الأخيرة للبنان في لقاء مع رئيس «القوات» سمير جعجع (المركزية)
الموفد الرئاسي لودريان خلال زيارته الأخيرة للبنان في لقاء مع رئيس «القوات» سمير جعجع (المركزية)
TT

لودريان في لبنان الشهر المقبل في مهمة «الفرصة الأخيرة»

الموفد الرئاسي لودريان خلال زيارته الأخيرة للبنان في لقاء مع رئيس «القوات» سمير جعجع (المركزية)
الموفد الرئاسي لودريان خلال زيارته الأخيرة للبنان في لقاء مع رئيس «القوات» سمير جعجع (المركزية)

كان واضحا لكل من شارك في الاجتماع الأخير للدول الخمس المهتمة بالشأن اللبناني الذي عقد في العاصمة القطرية أخيرا أن ثمة خيطا رفيعا يفصل المجتمع الدولي عن التخلي عن مساعيه لمساعدة القيادات اللبنانية في حل أزماتهم السياسية والمالية والاقتصادية «ما لم يساعدوا أنفسهم أولا»، وأن ثمة مؤشرات على قرب انتهاء الصبر على «تقاعس اللبنانيين» وعدم قدرتهم على التوافق على مسار للخروج من الأزمة.

وقد خرق الموفد الفرنسي جان إيف لودريان العطلة الصيفية للمساعي السياسية بكتابة سؤالين طرحهما شفهيا على القيادات السياسية التي التقاها في يوليو (تموز) الماضي، مطالبا بأجوبة حولهما قبل عودته إلى لبنان منتصف الشهر المقبل، حيث من المقرر أن يعقد لقاء جامعا مع الكتل السياسية المتمثلة في مجلس النواب سيكون «أقل من حوار... وأقل من مبادرة».

الرسالة التي بعث بها لودريان إلى النواب اللبنانيين (مواقع التواصل)

وقالت مصادر دبلوماسية فرنسية في بيروت لـ«الشرق الأوسط» إن رسالة لودريان تهدف إلى محاولة الخروج من «الحلقة المفرغة» التي تدور في فلكها التحركات السياسية منذ شغور سدة الرئاسة في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. وتحدثت المصادر عن أن مسعى لودريان سيكون «من آخر محاولات المجتمع الدولي لمساعدة لبنان» محذرة من أن صبر المجتمع الدولي ينفد، وإذا كان السياسيون اللبنانيون لا يريدون مساعدة أنفسهم، فلماذا يتكبد الأصدقاء عناء السعي لحل مشاكل بلادهم، بينما هم يبدون استخفافا بها.

وفي محاولة قد تكون الفرصة الأخيرة، يسعى لودريان لتحريك الجمود السياسي القائم، مستندا إلى دعم الرئيس الفرنسي الكبير لتحركه، ودعم الدول الخمس المهتمة بالشأن اللبناني (المملكة العربية السعودية ومصر وقطر وفرنسا والولايات المتحدة) ولخبرته السياسية الكبيرة في مجال حل النزاعات والتي يأمل أن يستفيد لبنان منها، قبل تخلي الأصدقاء عن فكرة المساعدة.

وكان الموفد الفرنسي طرح على الذين التقاهم في يوليو الماضي نفس السؤالين المتعلقين برأيهم بالمشاريع التي يجب أن تنفذ من قبل الرئيس العتيد، والمواصفات التي يجب أن يتحلى بها. وأوضحت المصادر أن لودريان سيجمع الإجابات التي سيحصل عليها في خطة عمل سوف يطرحها على القيادات اللبنانية في اجتماع موسع ستستضيفه فرنسا في بيروت، على أن تسبقه لقاءات ثنائية سيقوم بها الموفد الفرنسي، موضحة أن لودريان سوف يقوم بجولات مكوكية إلى لبنان خلال تلك الفترة من أجل «القيام بكل ما يلزم لإعطاء الفرصة للحل».

وأشارت المصادر إلى أن اللقاء الجامع الذي سوف يلي اللقاءات الثنائية سوف يشهد عرض خطة العمل التي سيستخلصها الموفد الفرنسي من إجابات القيادات اللبنانية ومن لقاءاته معها، موضحة أن الأمر لن يكون على شكل حوار، لكن قد تتخلله نقاشات وكلمات تبلور خطة العمل المقترحة، معتبرة أن الأمر «سيكون أقرب إلى ورشة العمل منه إلى الحوار».

ويراهن الموفد الفرنسي على نجاحه في تقريب وجهات النظر حول خطة العمل، لإعلان انتهاء دوره وبدء دور البرلمان اللبناني الذي يفترض أن يعقد اجتماعات مفتوحة لانتخاب رئيس جديد للبلاد.

ودعا لودريان في رسالة وجهها إلى الكتل البرلمانية إلى «لقاء يرمي إلى بلورة توافق بشأن التحديات التي يجب على رئيس الجمهورية المقبل مواجهتها والمشاريع ذات الأولوية التي يجب عليه الاضطلاع بها، وبالتالي، المواصفات الضرورية من أجل تحقيقها» مبررا ذلك بـ«الضرورة الملحة للخروج من الطريق المسدود على الصعيد السياسي، الذي يعرض مستقبل بلدكم لمخاطر جمة». وتابع: «يهدف هذا اللقاء الذي يتمحور حصرا حول هذه المسائل إلى توفير مناخ من الثقة وإتاحة اجتماع مجلس النواب في أعقاب ذلك وضمن ظروف مواتية لإجراء انتخابات مفتوحة تتيح الخروج من هذه الأزمة سريعاً». وأضاف: «بهدف التحضير لهذا اللقاء أوجه إليكم هذه الرسالة طالبا منكم بشكل رسمي إجاباتكم الخطية والموجزة قدر المستطاع على السؤالين التاليين: ما هي، بالنسبة إلى فريقكم السياسي، المشاريع ذات الأولوية المتعلقة بولاية رئيس الجمهورية خلال السنوات الست المقبلة؟ وما هي الصفات والكفاءات التي يجدر برئيس الجمهورية المستقبلي التحلي بها من أجل الاضطلاع بهذه المشاريع؟».

وفي المقابل، أعلنت قوى المعارضة في مجلس النواب عن «وضع الإطار السياسي للمواجهة في المرحلة الراهنة»، وقال 31 نائبا يمثلون كتل «القوات اللبنانية» و«الكتائب اللبنانية» وبعض المستقلين في بيان إنه «آن أوان الحسم ولم يعد هناك أي مجال لإضاعة الوقت، أو إلى ترتيب تسويات ظرفية تعيد إنتاج سيطرة حزب الله على الرئاسات الثلاث والبلد، بل بات لزاماً على قوى المعارضة التحري الجاد عن سبلِ تحقيق سيادة الدستور والقانون وصون الحريات على كل الأراضي اللبنانية وحصر السلاح بيد الدولة بقواها العسكرية الشرعية، وعن طرق الوصول إلى سياسة خارجية تعتمد الحياد لحماية لبنان، وإيجاد سبل لإنقاذ القضاء والإدارة والاقتصاد والوضع المالي».

وأعلن النواب «الترحيب بالمساعي التوفيقية التي يقوم بها الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان، وتقدير أي مسعى يأتي من أصدقاء لبنان»، لكنهم رأوا في المقابل أنه «أصبح جليا، عدم جدوى أي صيغةِ تحاورٍ مع حزب الله وحلفائه. فاعتماده على الأمر الواقع خارج المؤسسات لإلغاء دورها حين يشاء، والعودة إليها عندما يضمن نتائج الآليات الديمقراطية بوسائله غير الديمقراطية فرضا وترهيبا وترغيبا وإلغاء، كي يستخدمها لحساب مشروع هيمنته على لبنان، يدفعنا إلى التحذير من فرض رئيس للجمهورية يشكل امتدادا لسلطة حزب الله، محتفظين بحقنا وواجبنا في مواجهة أي مسار يؤدي إلى استمرار خطفه الدولة».

وأكد النواب أن «شكل التفاوض الوحيد المقبول، وضمن مهلة زمنية محدودة، هو الذي يجريه رئيس الجمهورية المقبل، بُعيد انتخابه، ويتمحور حول مصير السلاح غير الشرعي وحصر حفظ الأمنَين الخارجي والداخلي للدولة بالجيش والأجهزة الأمنية، ما يفسح في المجال لتنفيذ كافة مندرجات وثيقة الوفاق الوطني في الطائف لا سيما بند اللامركزية الموسعة بوجهيها الإداري والمالي، وتطبيق الدستور وقرارات الشرعية الدولية وسلة الإصلاحات الإدارية والقضائية والاقتصادية، والمالية والاجتماعية. أما محاولة تحميل رئيس الجمهورية أي التزامات سياسية مسبقة فهي التفاف على الدستور وعلى واجب الانتخاب أولا».

وأكد النواب على مضمون بيان الدوحة الصادر عن مجموعة الدول الخمس في تحديد المواصفات المطلوب توفرها في شخص الرئيس العتيد والمتوافقة ومطالب المعارضة، ودعوا «جميع قوى المعارضة داخل البرلمان وخارجه إلى الاتفاق على خريطة طريق للمواجهة، وعلى أجندة مشتركة للإصلاحات خاصة لناحية الاتفاق مع صندوق النقد الدولي على برنامج إصلاحات يحفظ أموال المودعين المشروعة، وإقرار الإصلاحات التشريعية الأساسية خاصة اللامركزية، وهيكلة القطاع العام، واستقلالية القضاء، والشراكة ما بين القطاع العام والخاص»...



«جرس إنذار» في العراق من هجوم إسرائيلي واسع

أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»
أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»
TT

«جرس إنذار» في العراق من هجوم إسرائيلي واسع

أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»
أرشيفية لمُسيّرات تابعة لـ«المقاومة الإسلامية في العراق»

ينشغل الفضاء السياسي والشعبي العراقي بصورة جدية هذه الأيام باحتمالات توسيع إسرائيل دائرة حربها، لتشمل أهدافاً كثيرة في عموم البلاد؛ رداً على الهجمات التي تشنها فصائل مسلحة، في حين أشار مصدر مقرب من «التحالف الحاكم» إلى أن جرس الإنذار السياسي يرن في مكاتب الأحزاب الرئيسة هذه الأيام.

وغالباً ما يرتبط الانشغال بمخاوف جدية من استهداف مواقع رسمية ربما تمتد لتشمل مقار حكومية وحقول نفط ومواقع استراتيجية، ولا تقتصر على مقار ومعسكرات الفصائل المتهمة بمهاجمة إسرائيل، حسب مصادر مقربة من قوى «الإطار التنسيقي». وتنقل مصادر صحافية «تقديرات حكومية» عن إمكانية تعرّض البلاد لـ«300 هجوم إسرائيلي».

توسيع دائرة الحرب

يبدو أن المخاوف العراقية السائدة، خصوصاً داخل الأوساط السياسية، إلى جانب الشكوى الإسرائيلية، الأسبوع الماضي، أمام مجلس الأمن الدولي ضد 7 فصائل مسلحة، وتحميل بغداد الهجمات التي تشنها الفصائل ضدها؛ دفعت الحكومة العراقية وعبر وزارة خارجيتها إلى توجيه رسائل رسمية إلى مجلس الأمن، والأمين العام للأمم المتحدة، والجامعة العربية، ومنظمة التعاون الإسلامي؛ رداً على التهديدات الإسرائيلية ضد العراق.

وقالت وزارة الخارجية، السبت، إن «العراق يُعد ركيزة للاستقرار في محيطيه الإقليمي والدولي، ومن بين الدول الأكثر التزاماً بمبادئ ميثاق الأمم المتحدة».

وأضافت أن «رسالة الكيان الصهيوني إلى مجلس الأمن تمثّل جزءاً من سياسة ممنهجة؛ لخلق مزاعم وذرائع بهدف توسيع رقعة الصراع في المنطقة».

وشددت الوزارة على أن «لجوء العراق إلى مجلس الأمن يأتي انطلاقاً من حرصه على أداء المجلس لدوره في حفظ السلم والأمن الدوليين، وضرورة اتخاذ التدابير اللازمة لوقف العدوان الصهيوني في قطاع غزة ولبنان، وإلزام الكيان الصهيوني بوقف العنف المستمر في المنطقة والكف عن إطلاق التهديدات».

وتابعت أن «العراق كان حريصاً على ضبط النفس فيما يتعلق باستخدام أجوائه لاستهداف إحدى دول الجوار». وشدد على أهمية «تدخل المجتمع الدولي لوقف هذه السلوكيات العدوانية التي تشكّل انتهاكاً صارخاً لمبادئ القانون الدولي».

وأكدت «الخارجية» العراقية «الدعوة إلى تضافر الجهود الدولية لإيقاف التصعيد الإسرائيلي في المنطقة، وضمان احترام القوانين والمواثيق الدولية، بما يُسهم في تعزيز الأمن والاستقرار».

وقد طلب العراق تعميم الرسالة على الدول الأعضاء وإيداعها بوصفها وثيقة رسمية لدى المنظمات المعنية، حسب بيان «الخارجية».

السوداني خلال اجتماع طارئ لمجلس الأمن الوطني (رئاسة الوزراء العراقية)

أجواء ما قبل الضربة

يقول مصدر مقرّب من «الإطار التنسيقي»، إن «الأحزاب الشيعية الرئيسة تنظر بجدية بالغة إلى حجم التهديدات الإسرائيلية، وتحثّ حكومة السوداني على اتخاذ جميع الوسائل والإجراءات الكفيلة بتجنيب البلاد ضربة إسرائيلية محتملة».

ويؤكد المصدر «قيام جميع قادة الفصائل والقادة الشيعة البارزين باختيار مواقع بديلة، وتتحرك في أجواء من التكتم والسرية، وقد جرى بشكل مؤكد استبدال أماكن أخرى بمعظم المواقع العسكرية التابعة لها».

وحول ما يتردد عن طيران إسرائيلي يجوب الأجواء العراقية، ذكر أن «لا شيء مؤكداً حتى الآن، لكنه غير مستبعد، خصوصاً أن الأجواء العراقية تسيطر عليها القوات الأميركية، وليست لدى العراق قدرة على إيقاف تلك الخروقات، ويفترض أن تقوم الجهات الأمنية بتبيان ذلك».

وتقدّم العراق رسمياً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بمذكرة احتجاج رسمية إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، وإلى مجلس الأمن الدولي، تضمّنت إدانة «الانتهاك الصارخ» الذي ارتكبته إسرائيل بخرق طائراتها أجواءَ العراق وسيادته، واستخدام مجاله الجوي لضرب إيران.

دبلوماسية وقائية

يقول المحلل والدبلوماسي السابق غازي فيصل، إن الرسائل التي وجّهتها الحكومة العراقية إلى مجلس الأمن وبقية المنظمات الدولية والإسلامية، بمثابة «دبلوماسية وقائية»، تريد من خلالها تجنيب البلاد ضربة إسرائيلية محتملة.

ويعتقد فيصل أن الهجوم الإسرائيلي إذا وقع فإنه «سيستهدف فصائل مسلحة سبق أن وجّهت أكثر من 200 طائرة وصاروخ، ومستمرة في تهديداتها».

ويؤكد أن «فصائل مسلحة عراقية موالية لطهران تحشد في منطقة قضاء سنجار التي تمثّل موقعاً استراتيجياً على الطريق بين إيران والأراضي السورية للدعم اللوجيستي وتسليح القواعد في سوريا والعراق، وشن هجمات نحو القوات الأميركية و(التحالف الدولي)، والجولان، وهي واحدة من القواعد الاستراتيجية المهمة لـ(الحرس الثوري) الإيراني في العراق».

ويضيف فيصل أن «الفصائل المسلحة تصر على الاستمرار في الحرب، وترفض موقف الحكومة الذي يدعو إلى التهدئة والحياد ورفض الاعتداءات الإسرائيلية، وضمان حق الشعب الفلسطيني ورفض الاعتداء على لبنان».

كما أن رسائل الحكومة تأتي في سياق أنها «ليست مسؤولة بشكل مباشر عن استراتيجية الفصائل التي هي استراتيجية ولاية الفقيه الإيرانية. الرسالة جزء من الدبلوماسية الوقائية لتجنيب العراق الحرب ونتائجها الكارثية».

وسبق أن كرّر العراق مراراً عدم سماحه باستخدام أراضيه لمهاجمة دول الجوار أو أي دولة أخرى؛ لكن بعض الآراء تميل إلى أنه قد يسمح لإيران بذلك في حال شنّت إسرائيل هجوماً عليه.

عناصر من «حركة النجباء» العراقية خلال تجمع في بغداد (أرشيفية - أ.ف.ب)

300 هجوم إسرائيلي

من جانبه، تحدّث عمر الشاهر -وهو صحافي عراقي مطلع على نقاشات النخبة السياسية حول التصعيد في المنطقة- أن «الحكومة لديها تقديرات مقلقة بشأن الأمن القومي العراقي، تشير إلى إمكانية تعرّض البلاد إلى قرابة 300 هجوم من طرف الكيان اللقيط المغتصب، في بحر 3 أيام».

وقال الشاهر، في تدوينة له عبر «فيسبوك»: «ليست هناك معلومات محددة عن طبيعة الأهداف ونوعيتها، ولكن فكرة تعرّض العراق إلى 100 هجوم يومياً على مدار 3 أيام جديرة بإثارة الهلع!».

وأضاف أن «جزءاً كبيراً من المعلومات التي استندت إليها حكومتنا في بناء تقديراتها، جاء من حلفاء دوليين كبار، تتقدمهم الولايات المتحدة، وأجزاء أخرى متفرقة جاءت من حلفاء ثانويين، ومن أطراف عراقية متداخلة في التطورات الإقليمية الراهنة».