«حزب الله» يطالب باسيل بحسم موقفه قبل تقاعد قائد الجيش

تركيز نصر الله على عامل الوقت يعني أن الحوار لا يهدف إلى ملء الفراغ

من لقاء سابق بين النائب جبران باسيل ومسؤولين في «حزب الله» (مواقع التواصل)
من لقاء سابق بين النائب جبران باسيل ومسؤولين في «حزب الله» (مواقع التواصل)
TT

«حزب الله» يطالب باسيل بحسم موقفه قبل تقاعد قائد الجيش

من لقاء سابق بين النائب جبران باسيل ومسؤولين في «حزب الله» (مواقع التواصل)
من لقاء سابق بين النائب جبران باسيل ومسؤولين في «حزب الله» (مواقع التواصل)

يدخل أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله على خط الحوار المستجد بين الحزب ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل بإطلاقه مجموعة من الإشارات تحت سقف الجدية والإيجابية، أبرزها أن الورقة السياسية التي طرحها بحاجة إلى تشاور مع بعض الأطراف، ما يعني أن الحزب لن يتفرّد في الرد عليها إلا بعد تداوله في مضمونها مع حلفائه لأنه لن يقرر بالنيابة عنهم، مؤكداً في الوقت نفسه أنه لا يملك ترفاً للوقت ولا مصلحة في الانتظار إلى ما لا نهاية.

ورأى مصدر بارز في الثنائي الشيعي أن تركيز نصر الله على عامل الوقت يعني حكماً أن الحوار لا يهدف إلى ملء الفراغ، ويفترض بباسيل أن يحدد موقفه وفي مهلة أقصاها 3 أشهر، أي قبل أسابيع من إحالة قائد الجيش العماد جوزف عون إلى التقاعد في العاشر من يناير (كانون الثاني) المقبل.

ولفت المصدر إلى أن «حزب الله» لن يراعي باسيل في تقطيع الوقت إلى حين إحالة قائد الجيش إلى التقاعد، تقديراً منه بأن إخلاءه سدة القيادة على رأس المؤسسة العسكرية سيؤدي من وجهة نظره إلى تراجع حظوظه، وصولاً إلى استبعاده من لائحة المتسابقين إلى رئاسة الجمهورية.

وأكد لـ «الشرق الأوسط» أن باسيل يمكن أن يعيد النظر في حساباته لجهة حواره مع «حزب الله» في حال شعوره بأن اسم قائد الجيش بوصفه مرشحاً لرئاسة الجمهورية لم يعد مطروحاً بقوة، وقال إن الحزب يستعجل الوصول بالحوار إلى نتائج ملموسة لاستكشاف مدى استعداده للاستدارة في موقفه نحو تأييد رئيس تيار «المردة» النائب السابق سليمان فرنجية للرئاسة بعد أن وافق على إدراج اسمه في عداد المرشحين، بخلاف موقفه السابق الذي كان وراء انقطاعه عن التواصل مع نصر الله.

ورأى المصدر نفسه أن حالة من الإرباك تسيطر على مواقف معظم النواب المنتمين إلى تكتل «لبنان القوي» برئاسة باسيل، تتراوح بين من لا يُسقط من حسابه استدارة الأخير نحو تأييد فرنجية، في حال أن ما طرحه في ورقته السياسية قوبل بتأييد من الحزب بالنيابة عن حلفائه، وبين من يؤكد أن عدم إسقاطه اسم فرنجية هو الثمن المطلوب لمعاودة الحوار معه.

وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن وفداً من «التيار الوطني» ضم النائبين ندى البستاني وجورج عطا الله والنائب السابق إدي معلوف التقى بعيداً عن الأضواء وفداً من المعارضة ضم عن حزب «الكتائب» رئيسه سامي الجميل والنائب إلياس حنكش، وعن حزب «القوات اللبنانية» غسان حاصباني وجورج عقيص، وعن حركة «التجدد» ميشال معوض، وعن «قوى التغيير» ميشال الدويهي ووضاح الصادق ومارك ضو.

وتأكد أن اللقاء الذي هو الأول من نوعه تطرق إلى معاودة الحوار بين «حزب الله» وباسيل انطلاقاً من الورقة السياسية التي أودعها للحزب، وهو ينتظر الآن أجوبته عنها ليكون بوسعه أن يبني على الشيء مقتضاه.

كما تأكد أن «التيار الوطني» وفق مصادر في المعارضة، يطالب في ورقته السياسية بالتطبيق الفوري للامركزية الإدارية والمالية الموسعة بإصدار المراسيم التطبيقية والتنظيمية الخاصة بها وإقرار الصندوق السيادي وكل ما يتعلق ببناء مشروع الدولة.

وكشفت المصادر في المعارضة أن باسيل، كما يقول نوابه، يربط موافقته بإدراج اسم فرنجية في عداد المرشحين لرئاسة الجمهورية بتأييد الحزب للمطالب التي أدرجها في ورقته السياسية، وقالت إن هذا الربط يتعارض مع الإشارات التي أطلقها نوابه بتأييد فرنجية إذا ما أُتيح لمطالبه أن ترى النور بضمانة من الحزب قبل انتخاب الرئيس العتيد، وإن كان هؤلاء يؤكدون أنهم حتى الساعة يتمسكون بترشيح الوزير السابق جهاد أزعور.

وقالت إن ما سمعه نواب المعارضة من زميليهما في «التيار الوطني»، فتح الباب أمام السؤال عن الأسباب الكامنة وراء عدم التريث في الإصرار على إقرار الورقة السياسية إلى ما بعد انتخاب الرئيس، وإلا لماذا هذا التناقض بين مطالبة التيار السياسي لرئيس الجمهورية السابق ميشال عون بتعزيز صلاحيات رئيس الجمهورية واستردادها، وبين استباق انتخابه بدلاً من أن يرعى هو شخصياً الحوار؟

وسأل نواب المعارضة، كيف يطالب «التيار الوطني» برئيس جمهورية قوي، بينما يبادر باسيل إلى التصرف بشكل يناقض فيه طروحات تيار سياسي بإعطائهم الرئاسة في مقابل حصوله على عدد من المطالب، رغم أنه يفتقد الضمانات، ولا يتعظ من التجارب السابقة التي سبق للرئيس عون أن اتهم حلفاءه، وتحديداً الثنائي الشيعي، بأنه وراء إخفاق عهده، سواء بالنسبة إلى مكافحة الفساد وتحقيق الإصلاحات وبناء مشروع الدولة.

وعليه، فإن حوار «حزب الله» - باسيل يبقى محكوماً بعامل الوقت لئلا يتفلّت الأخير من التزاماته في حال استمر الشغور في رئاسة الجمهورية إلى ما بعد إحالة قائد الجيش إلى التقاعد، ما يتيح له إعادة خلط الأوراق الرئاسية لطرح مقاربة جديدة، وهذا ما استدركه نصر الله بقوله: «إننا لا نملك ترفاً للوقت»، وكأنه يحاكي مباشرة حليفه حتى لا يبني موقفه على تقديرات سياسية تتعارض والهدف المرجو من الحوار.

لذلك فإن الحزب يحاور حليفه على أساس الجدول الزمني الذي حدده لئلا يمدد الحوار بلا طائل إلى ما بعد تقاعد قائد الجيش لاعتقاده أن حظوظه تتقدم رئاسياً.



عمّار عبد ربّه... العدسة التي وثّقت صعود بشّار الأسد وسقوطَه

عمّار عبد ربّه... الخروج من دمشق لم يشبه بشيء العودة إليها بعد سقوط نظام الأسد
عمّار عبد ربّه... الخروج من دمشق لم يشبه بشيء العودة إليها بعد سقوط نظام الأسد
TT

عمّار عبد ربّه... العدسة التي وثّقت صعود بشّار الأسد وسقوطَه

عمّار عبد ربّه... الخروج من دمشق لم يشبه بشيء العودة إليها بعد سقوط نظام الأسد
عمّار عبد ربّه... الخروج من دمشق لم يشبه بشيء العودة إليها بعد سقوط نظام الأسد

لم يتخيّل المصوّر السوري عمّار عبد ربّه أن يشهد على يومٍ مثل 13 ديسمبر (كانون الأول) 2024. فبعد 14 عاماً على خروجه القسري من دمشق، دخل إلى مدينته عَقِبَ أيامٍ على سقوط نظام الأسد. أوّل صورة التقطتها عينُه وعدستُه لدى عبوره الحدود من لبنان إلى سوريا، كانت لوجهِ بشّار الأسد ممزّقاً على إحدى اليافطات.

ليست العودة عادية بالنسبة إلى صحافي أمضى أياماً كثيرة إلى جانب الأسد، مصوّراً إياه وعائلته، ومتنقّلاً معه بين عواصم العالم. حدث ذلك قبل أن ينقلب المسار مع اندلاع الثورة، حيث أصبح كل ما جمع بين عبد ربه والرئيس من الماضي في عام 2011، مع اتّخاذ المصوّر موقفاً واضحاً ضد النظام.

صورة ضخمة لبشار الأسد ممزقة على مداخل العاصمة السورية دمشق (عمّار عبد ربّه)

«لم أكن مصوّره الخاص»

 

يعود عبد ربّه مع «الشرق الأوسط» بالذاكرة إلى الأيام الكثيرة التي اقتربَ فيها من الرئيسَ السوري السابق، فصوّره في مناسباتٍ عامة وجلساتٍ خاصة.

وثّقت عدسته لحظات تاريخية في عهد الرئيس حافظ الأسد كذلك، مثل لقائه مع الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون، حيث التقط مشهد المصافحة الشهيرة بينهما. كما كان من المصوّرين الفوتوغرافيين القلائل الذين واكبوا مراسم دفن الأسد الأب في القرداحة عام 2000، وقد تفرّد حينها بلقطة بشّار فوق نعش والده.

بشار الأسد ناثراً التراب على نعش والده حافظ (عمّار عبد ربّه)

هذا القربُ من القصر ورئيسه دفع البعض إلى الظن بأنّ عبد ربّه هو مصوّر بشّار الخاص، خصوصاً أنه رافقه في معظم رحلاته الخارجية، وأنجز له ولعائلته صور بورتريه كثيرة. لكنه يصرّ على أنّه تواجدَ في هذا الموقع من باب المهنة، هو الذي جمعته جلسات تصوير عدة بكبار القادة العرب والغربيين بصفته مصوّراً محترفاً ومتعاوناً لسنوات في «وكالة الصحافة الفرنسية» وغيرها من الوكالات العالمية، ثم «لأنّني تأمّلتُ خيراً برئيسٍ شاب حمل خطاباً واعداً، وفُتحت له آنذاك صالونات باكينغهام والبيت الأبيض والإليزيه وغيرها من الصروح الدوليّة، قبل أن يتّضح واقع الرجل لاحقاً بالنسبة لي».

من جلسات التصوير العائلية التي نفذها عبد ربه لبشار الأسد (عمّار عبد ربّه)

الرئيس المصوّر ونوبات الضحك الغريب

 

عام 2011، ومع اندلاع الشرارة الأولى للثورة، اتّخذ المصوّر المقيم في باريس «موقفاً واضحاً ضد النظام، فباتت العودة إلى البلد مستحيلة». لم تشفع له معرفته بالأسد وزوجته، فبات «المنفى الدائم» الخيار الوحيد. ما عاد عمّار عبد ربه المصوّر الذي يأخذ برأيه التقني «سيادة الرئيس» هاوي التصوير. ومن تلك المرحلة، لم تبقَ سوى صور وذكرياتٍ عن «شخصٍ كان يخبّئ خجلَه بكثيرٍ من الابتسامات الفارغة والضحك الغريب»، وفق وصف عبد ربّه للأسد.

قبل تولّيه الرئاسة بـ4 سنوات، وفي وقتٍ كان التصوير يشغل الكثير من اهتمامه، لفتت لقطاتُ عمّار عبد ربّه نظر بشار الأسد. دعاه إلى لقاءٍ يسمع فيه منه نصائح بشأن التصوير. اقتصر الاجتماع الأول بين الرجلين على المعلومات التقنية، كما التقط له في تلك الجلسة صوراً تفاجأ بأنها تحوّلت إلى «بوستر» انتشر في أرجاء سوريا، بعد أن صار رئيساً.

رافق عبد ربّه بشار الأسد من خلال عدسته في مناسبات رسمية وخاصة (عمّار عبد ربّه)

بشّار وأسماء... أسفارٌ وانفصال عن الواقع

 

من فترة الرئاسة تلك، يذكر عبد ربّه أسئلة الأسد له حول بروتوكولات التصوير المعتمدة في القصور الرئاسية حول العالم. يذكر كذلك لقاءاته مع زوجته أسماء «التي كانت تصدمني باستغرابها مخاوف الصحافيين السوريين وانتقادَها تغطيتهم المترددة والحذرة، وكأنها غير مدركة لمخاوفهم التي زرعها النظام فيهم».

هذا الانفصال عن الواقع هو أكثر ما لاحظه عبد ربه في «السيدة الأولى» السابقة، خصوصاً أنه رافقها تصويراً خلال جولاتها المناطقيّة. أبعد من الحدود السورية، طارت كاميرا عبد ربه مع بشار وأسماء الأسد، فغطّت عدسته زياراتهما الرسمية إلى مدريد، ولندن، وباريس، وبكين، وبراغ وغيرها من العواصم.

بشار وأسماء الأسد خلال زيارتهما الرسمية إلى الصين (عمّار عبد ربّه)

من بين تلك الصور، عادت لتطفو إلى الواجهة اليوم لقطة الثنائي في موسكو عام 2005. «بما أن لا صورة جديدة لهما هناك، فوجئتُ بالصحافة العالمية مؤخراً وهي تستعين بلقطتي لهما في العاصمة الروسية تحت الثلج خلال زيارة رسمية».

بشار وأسماء الأسد خلال زيارتهما الرسمية إلى موسكو عام 2005 (عمّار عبد ربّه)

الخروج من دمشق والدخول من حلب

 

عام 2011، تجمّد الزمن السوري في عدسة المصوّر. لم تطأ قدماه أرض العاصمة، فعاد ليدخل من بوّابة حلب مرّات عدة خلال الحرب. واقفاً على ضفّة المعارضة، صوّر الدمار الذي أصاب المحافظة العابقة بالتاريخ، فخرج بقلبٍ محطّم. سكبَ حزنه في كتابِ صوَر وشارك العالم مآسي «الشهباء»، من خلال سلسلة معارض أقامها خارج سوريا.

المصوّر عمّار عبد ربّه في المعرض الذي أقامه عن الدمار الذي عاينه في حلب

أما اليوم وقد انتهى عهد الكآبة في نظر عمّار عبد ربّه، فإنّ أفراح السوريين هي أكثر ما تريد عدستُه أن تتّسع لها. «أجمل ما التقطتُه كانت صورة الاحتفال والفرح في عيون السوريين، وذلك حين اقتنائهم اللحظة الاستثنائية والألوان الزاهية»، يقول. ثم يضيف: «هم يستحقون هذه النقلة من التعاسة إلى السعادة».

في جامع الأمويين في دمشق، استوقفه مشهد مجموعة من الشابات يحتفلن بالتقاط الصور مع العلَم الجديد. وفي منطقة باب توما، كان موعدٌ آخر مع الفرح وأنوار عيد الميلاد وزينته. ما زالت تنبض الفرحة في روحِ المصوّر حتى اللحظة، مع أنه غادر دمشق إلى باريس مجدَداً. «لكن هذه المرة باستطاعتي القول إنني عائد، وربما للإقامة ولو جزئياً هناك»؛ أكثر من ذلك، هو يخطط لتأسيس مشروعٍ مهني في وطنه.

احتفالات عيد الميلاد في منطقة باب توما في دمشق بعد سقوط نظام الأسد (عمّار عبد ربّه)

سوريا بعدسة جديدة

 

يتفاءل بأنّ الحظر رُفع عن الكاميرات وما عاد المصوّرون يتعرّضون للتوقيف إذا تجوّلوا وأدواتهم في أيديهم، أو إن التقطَوا صورة في الشارع. بذلك، يكتشف الصحافيون في سوريا واقعاً مهنياً ما كانوا معتادين عليه، ويتنفّسون الصعداء. وبناءً عليه، يعود عبد ربّه إلى دمشق لتصوير حكاياتٍ لطالما تمنّى مقاربتها.

«أرغب في تصوير الناس الذين خلّف نظام الأسد ندوباً على حياتهم وأرواحهم وأجسادهم، مثل السجناء السابقين وأهالي المفقودين والضحايا، ومَن اضطروا إلى الاختباء في بيوتهم لسنوات هرباً من الخدمة العسكرية الإلزاميّة»، يبدأ بتعداد الأفكار التي وضعها على مفكّرته. يريد كذلك الاقتراب بعدسته ممن تسلّموا الحُكم ليعاين استعداداتهم للمرحلة الجديدة.

فتيات دمشقيّات يحتفلن بسقوط نظام الأسد أمام الجامع الأموي في دمشق (عمّار عبد ربّه)

لا تكتمل العودة إلى سوريا من دون التجوال في محافظاتها و«إعادة اكتشاف جمالها من جهة، وتوثيق الدمار الذي أصابها من جهة ثانية». هذا ما يخطط عمّار عبد ربه لتنفيذه، هو الذي حُرمَ الإقامة الطويلة في بلده منذ الولادة عام 1966.