لبنان: تمويل الدولة بالدولار يصطدم بحقوق المودعين

الحكومة متردّدة ومجلس النواب غير مستعد للتشريع «الذاتي»

النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري (الثاني من اليسار) مع النواب الثلاثة الآخرين في مؤتمر صحافي عشية تسلمهم مسؤولياتهم في أول أغسطس (أ.ب)
النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري (الثاني من اليسار) مع النواب الثلاثة الآخرين في مؤتمر صحافي عشية تسلمهم مسؤولياتهم في أول أغسطس (أ.ب)
TT

لبنان: تمويل الدولة بالدولار يصطدم بحقوق المودعين

النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري (الثاني من اليسار) مع النواب الثلاثة الآخرين في مؤتمر صحافي عشية تسلمهم مسؤولياتهم في أول أغسطس (أ.ب)
النائب الأول لحاكم مصرف لبنان وسيم منصوري (الثاني من اليسار) مع النواب الثلاثة الآخرين في مؤتمر صحافي عشية تسلمهم مسؤولياتهم في أول أغسطس (أ.ب)

كشفت البيانات المالية الأحدث الصادرة عن البنك المركزي اللبناني، مع نهاية شهر يوليو (تموز) الماضي، جانباً من الأزمة الحادة التي تواجه الحكومة اللبنانية في تأمين السيولة النقدية لمصروفاتها الملحة بالدولار بدءاً من نهاية الشهر الحالي، وبما يشمل خصوصاً صرف مخصصات القطاع العام بما يناهز 80 مليون دولار شهرياً.

وأكدت مصادر مالية معنيّة لـ«الشرق الأوسط»، أن المعطيات الماثلة تشي بانزلاقات محفوفة بمخاطر مالية ونقدية استثنائية، وقابلة للتفاقم معيشياً واجتماعياً، ما لم تبادر الحكومة خلال الأيام المقبلة إلى التحرك الوقائي السريع، وتحت مبرّرات «العجلة والضرورة» التي تفرض أولوية الاستجابة لطلب هيئة الحاكمية الجديدة بإنجاز صياغة مشروع قانون لإبرام عقد اقتراض بالعملات الصعبة من احتياطيات العملات الصعبة لدى المركزي، ومواكبة استكماله وملاقاته بصدور التشريع رسمياً من قبل الهيئة العامة لمجلس النواب.

وليس ممكناً، وفق المصادر، الاستكانة من قبل مرجعيات السلطتين التنفيذية والتشريعية إلى الأنماط المعتادة في إمكانية إجراء تسويات اللحظات الأخيرة وشراء المزيد من الوقت، لا سيما في ظل الانكماش الكبير نسبياً الذي أظهرته أحدث بيانات المخزون النقدي بالدولار لدى البنك المركزي، والتشدد الصارم الذي يجاهر به الحاكم الجديد بالإنابة وسيم منصوري وبدعم قوي من نوابه الثلاثة بالامتناع تماماً عن الصرف من الاحتياطي دون غطاء قانوني يتيح سداد المبالغ المحددة بنحو 200 مليون دولار شهرياً، ولفترة أقصاها 6 أشهر. كما يضمن، في المقابل، آليات السداد خلال مهلة لا تتعدى 18 شهراً.

وقد تدنّى الرصيد الصافي لاحتياط العملات الصعبة، ومن دون احتساب القيمة المقابلة لمخزون الذهب «المحظور» التصرف به، إلى نحو 8.76 مليار دولار، أي ما يقل عن 4.25 مليار دولار عن مستوى التوظيفات الإلزامية الخاصة بالودائع الدولارية في الجهاز المصرفي. وهذه هي الإشكالية الكامنة التي تثير اعتراضات وردود أفعال غاضبة من قبل المودعين والجمعيات التي تنادي بحفظ ما تبقى من مدخراتهم.

وفي الملاحظة المثيرة للتنبّه، وفقاً للمصادر المعنية، تسجيل صرف نحو 609 ملايين دولار في النصف الثاني من شهر يوليو الماضي، من إجمالي انكماش بلغ نحو 1380 مليون دولار خلال دورة سنة كاملة. وهو ما يفسّر الارتياح «الظرفي» لدى الحكومة والحاكمية معاً إلى واقع فترة السماح الجزئية التي تكفّل بها الحاكم السابق رياض سلامة في الأيام الأخيرة لولايته القانونية، التي ترجمها بتلبية الحاجات المالية الطارئة للدولة بالدولار للشهر الحالي من رواتب ومستحقات لصالح قطاع الكهرباء وكلفة الأدوية.

أما في التحليل، فتشير المصادر إلى أن ضغوط الصرف من المخزون تضاعفت بعد وقف عمليات شراء الدولار النقدي من قبل الحاكم السابق، وستسير في الاتجاه عينه ربطاً برفض الحاكم الجديد اعتماد هذه الآلية، بدءاً من إبلاغ المصارف رسمياً وفور تسلّمه المنصب أول الشهر الحالي، أمر بإيقاف المبادلات النقدية على المنصة واقتصارها فقط على ضخ كميات الدولار الموازية لمخصصات موظفي القطاع العام والمتقاعدين. في حين كان البنك المركزي يعمد إلى تنفيذ عمليات شراء من شركات الصرافة وكبار تجار العملات لتغطية الجزء الأكبر من الإنفاق الدولاري لصالح الدولة وتلبية الطلب الأفرادي وجزئياً التجاري عبر منصة صيرفة.

ويشدّد الحاكم منصوري ونوابه، على ضرورة الحفاظ على الاحتياطات المتبقيّة بالعملة الأجنبيّة لدى مصرف لبنان إلى حين وضع خطّة شاملة تحدّد مصير الودائع في المصارف. لكنّهم فتحوا، بالتوازي، منفذاً لتمويل الاحتياجات المالية الملحة للدولة من خلال اشتراط صدور تشريع يسمح للمصرف المركزي إقراض الحكومة، ووفق طلبها، مبلغاً يقارب 200 مليون دولار شهرياً. وعلى أن يتم تخصيص جزء منه يقارب 50 مليون دولار لحفظ الاستقرار النقدي والتدخل في سوق القطع عند الحاجة.

ومن غير المرتقب في الأوساط المالية والمصرفية، تحقّق الانسيابية المنشودة على هذا المسار المقترح، بالنظر إلى الوقائع المرتبطة أساساً بمشروعية استمرار الصرف من حقوق عائدة لمودعين لبنانيين وغير لبنانيين، من مقيمين وغير مقيمين. بينما يتهيب المعنيون في الحكومة والمجلس النيابي من «تشريع» تبديد الرمق الأخير من مخزون العملات الصعبة، بعدما تم إنفاق أكثر من 23 مليار دولار بتغطيات رسمية متنوعة منذ انفجار الأزمات التي تشرف على ختام عامها الرابع، ومن دون تحقيق تقدم واعد في إطلاق خطة إنقاذ مدعومة من صندوق النقد الدولي والدول المانحة.

بل إن الترقبات تتجه عكسياً لدى هذه الأوساط، وترجّح التعمق في حال «عدم اليقين»، ربطاً بتقاذف كرة مطالب هيئة الحاكمية، وبعدم ظهور إشارات مطمئنة أو أي حماس من قبل الوزراء والنواب لتشريع الصرف من الاحتياطي. وبرز في هذا السياق مضمون الكتاب الرسمي الذي رفعه نائب رئيس مجلس الوزراء سعادة الشامي أول الشهر الحالي، إلى حكومة تصريف الأعمال، والذي يجاهر بعدم قدرة الدّولة على سداد الدين الجديد بقيمة 1.2 مليار دولار، وبوصفه يشكّل 6 في المائة من النّاتج المحلّي الإجمالي ونحو 75% من إيرادات الموازنة السّنوية والمقدّرة بنحو 1.6 مليار دولار.

وتنطبق الترقبات غير المتفائلة على لائحة المطالب التي تبلغتها لجنة الإدارة والعدل النيابية وجاهياً من قبل النواب الأربعة للحاكم قبيل تسلم موقع الحاكمية مصرف لبنان، والتي تقوم على خطّة ربط تعديل السّياسة النّقدية وتحرير سعر صرف الليرة بانطلاق مسار التعافي، والشروع ضمن جدول زمني محدّد بإقرار قانون موازنة العام الحالي، واستلحاقه برفع مشروع قانون موازنة العام المقبل ضمن المهلة الدستورية، أي قبل شهرين من نهاية السنة، بالإضافة إلى وجوب إقرار وضع ضوابط استثنائية على الرساميل والتحويلات (كابيتال كونترول)، وإنجاز قانون إعادة هيكلة المصارف.



بايدن وماكرون يعلنان الثلاثاء وقفاً للنار بين لبنان وإسرائيل

آثار دمار في جنوب لبنان من الغارات الإسرائيلية (أ.ف.ب)
آثار دمار في جنوب لبنان من الغارات الإسرائيلية (أ.ف.ب)
TT

بايدن وماكرون يعلنان الثلاثاء وقفاً للنار بين لبنان وإسرائيل

آثار دمار في جنوب لبنان من الغارات الإسرائيلية (أ.ف.ب)
آثار دمار في جنوب لبنان من الغارات الإسرائيلية (أ.ف.ب)

علمت «الشرق الأوسط» من مصادر واسعة الاطلاع أن الرئيسين الأميركي جو بايدن والفرنسي إيمانويل ماكرون سيعلنان صباح الثلاثاء وقفاً للعمليات العدائية بين لبنان وإسرائيل لمدة 60 يوماً.

يأتي هذا التطور المهم بعدما ظهرت في واشنطن مؤشرات إلى «تفاؤل حذر» بإمكان نجاح الصيغة الأميركية لـ«وقف العمليات العدائية» بين لبنان وإسرائيل لمدة 60 يوماً على أساس إخلاء «حزب الله» للمنطقة الواقعة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني «بشكل يمكن التحقق منه» مقابل انسحاب القوات الإسرائيلية من المناطق التي احتلتها منذ بدء الغزو البري المحدود للأراضي اللبنانية.

وأشيعت هذه «الأجواء الإيجابية نسبياً» على رغم استمرار العمليات العسكرية الواسعة النطاق بين القوات الإسرائيلية ومجموعات «حزب الله» في جنوب لبنان والغارات الجوية في عمق الأراضي اللبنانية، بما في ذلك في بيروت وضاحيتها الجنوبية والقصف الصاروخي بعيد المدى في اتجاه وسط إسرائيل، ومنه تل أبيب.

ونقلت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية عن محللين أن الهجمات المكثفة تشير إلى أن «إسرائيل و(حزب الله) يحاولان تعظيم نفوذهما بينما يجري الدبلوماسيون ما يأملون أن يكون جولة أخيرة من محادثات وقف النار». وأوضحت أن «الشروط تشمل هدنة مدتها 60 يوماً تنسحب خلالها القوات الإسرائيلية ومقاتلو (حزب الله) من المناطق الحدودية، ويعزز الجيش اللبناني والقوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان، اليونيفيل، وجودهما في المنطقة العازلة».

غير أن بعض المعنيين بهذا الملف قالوا لـ«الشرق الأوسط» إن «كل القضايا جرى حلّها في ما يتعلق بالجانب اللبناني، وظلّت هناك مسائل عالقة عند الجانب الإسرائيلي»، موضحاً أنه على رغم «الموافقة المبدئية » التي أعطاها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للمبعوثين الأميركيين، في مقدمهم المنسق الرئاسي الخاص آموس هوكستين، بما في ذلك مشاركة فرنسا مع الولايات المتحدة في آلية رقابة لعمليات الانسحاب والإخلاء المتبادلة بين الطرفين.