لبنان يكثّف الجهود الدبلوماسية للعودة عن قرار توسيع حركة «اليونيفيل»

الجيش غير قادر على مواكبة كل دوريات القوة الدولية في الجنوب

دورية للجيش اللبناني وقوات «يونيفيل» في بلدة كفركلا اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل (أ.ف.ب)
دورية للجيش اللبناني وقوات «يونيفيل» في بلدة كفركلا اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل (أ.ف.ب)
TT

لبنان يكثّف الجهود الدبلوماسية للعودة عن قرار توسيع حركة «اليونيفيل»

دورية للجيش اللبناني وقوات «يونيفيل» في بلدة كفركلا اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل (أ.ف.ب)
دورية للجيش اللبناني وقوات «يونيفيل» في بلدة كفركلا اللبنانية قرب الحدود مع إسرائيل (أ.ف.ب)

قبل نحو شهر ونصف على الموعد المحدد لتجديد ولاية القوات الدولية العاملة في لبنان (اليونيفيل)، تتكثف الجهود الرسمية اللبنانية لتعديل صيغة قرار التجديد الذي صدر العام الماضي، ولحظ توسيع حركتها من دون أن إلزامها بالتنسيق والتعاون مع الجيش اللبناني، خلافاً لما كانت تنص عليه كل القرارات الدولية السابقة.

وأعلن وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب أنه يجري العمل على تعديل الفقرة التي تضمّنها قرار التجديد لقوات «اليونيفيل» العام الماضي والتي ورد فيها أن «(اليونيفيل) لا تحتاج إلى إذن مسبق من أيّ شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، ويُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقلّ»، لافتاً إلى انه سيجري الأسبوع المقبل توزيع نص التعديل على الدول المعنية.

وأوضح بو حبيب في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «القواعد التي كان معمولاً بها لم تتغير أصلاً بالممارسة على الأرض خلال العام المنصرم، على أساس أن للقوات الدولية أصلاً الحرية الكاملة بالتنقل ضمن منطق السيادة وفي إطار القرارات الدولية السابقة، وبالتنسيق مع الحكومة اللبنانية من خلال الجيش اللبناني بما يضمن سلامة هذه القوات، وتحقيق مهامها كما تبديد مخاوف وهواجس الأهالي الذين عانوا طويلاً من الاحتلال». وأضاف: «لدى الجيش اللبناني في منطقة عمل «اليونيفيل» ألفا عنصر، بينما عدد هذه القوات 10 آلاف يقومون بـ400 دورية يومياً؛ لذلك لا يستطيع الجيش أن يواكب كل هذه الدوريات وهو يحدد أي دورية تجب مواكبتها للقيام بمهامها بأمان.

ومدد مجلس الأمن الدولي في 31 أغسطس (آب) من العام الماضي ولاية «اليونيفيل» لعام إضافي بعد أن تبنى القرار 2650 لعام 2022، بناءً على طلب من الحكومة اللبنانية. لكن القرار تضمن للمرة الأولى تعديلات في ولاية البعثة، بالقول إن «اليونيفيل» «لا تحتاج إلى إذن مسبق أو إذن من أي شخص للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها»، وإنه «يُسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل». وقضت قواعد الاشتباك المعمول بها منذ عام 2006، بأن يرافق الجيش اللبناني دوريات «اليونيفيل» في نطاق عملياتها في الجنوب. ورأى «حزب الله» وقتها أن التعديل يحولها إلى «قوات احتلال».

وقال مصدر في وزارة الخارجية لـ«الشرق الأوسط» إن «الجهود انطلقت منذ فترة لحشد دعم دولي للتوجه اللبناني بتعديل نص القرار سواء من خلال لقاءات يجريها الوزير بو حبيب مع سفراء الدول الأعضاء في مجلس الأمن، أو من خلال بعثات لبنان الدبلوماسية في الخارج»، وأشار إلى أن الهدوء في الجنوب وفي منطقة عمل «اليونيفيل» يجب أن يكون مطلباً دولياً كما لبنانياً، ولضمان عدم تكرار بعض الحوادث التي شهدناها في العام للماضي من الأفضل للجميع العودة إلى الصيغة القديمة التي تتحدث عن مواكبة الجيش لدوريات «اليونيفيل».

ومن جهته، يوضح مصدر عسكري أن «الجيش لا شك غير قادر على مواكبة كل دوريات اليونيفيل؛ لأنه لا يوجد عدد كافٍ لذلك، وإن لم يكن مستبعداً أن يتم فصل عناصر إضافية إلى منطقة عمل القوات الدولية في حال جرى تعديل الصيغة الأخيرة لقرار التحديد»، مشيراً في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن «موضوع التجديد والصيغة التي ستعتمد موضوع سياسي دبلوماسي ولا قرار للجيش بشأنه».

وشهدت العلاقة بين القوات الدولية وأهالي منطقة عملها توتراً في السنوات القليلة الماضية؛ ما أدى لهجمات متكررة عليها من عدد من المدنيين، وهو ما دفع قيادتها لمطالبة القوات المسلحة اللبنانية بضمان سلامتها وأمنها أكثر من مرة.

وفي مطلع يونيو (حزيران) الماضي كشف القضاء العسكري في لبنان ملابسات حادثة الاعتداء على دورية تابعة للكتيبة الإيرلندية العاملة ضمن قوات «اليونيفيل» في بلدة العاقبية في جنوب لبنان في 14 يناير (كانون الثاني) الماضي، ومقتل أحد أفراد الدورية ومحاولة قتل ثلاثة من رفاقه. واتهم قاضي التحقيق العسكري الأول فادي صوّان الموقوف الوحيد في القضية محمد عيّاد، وأربعة آخرين فارين من وجه العدالة بـ«تأليف جماعة من الأشرار أقدمت على قتل الجندي الآيرلندي عمداً».

ويرى رئيس مركز «الشرق الأوسط والخليج للتحليل العسكري - أنيجما» رياض قهوجي أن «الدول المشاركة في قوات (اليونيفيل) غير مستعدة لتهديد أمن عناصرها ووضعهم بمواجهة مع (حزب الله) المسيطر على الأرض. هذه الدول تعرف إشكالية عجز الحكومة اللبنانية عن فرض قرارها وسيادة الدولة على كامل أراضيها، لذلك فإن أي تعديل يؤدي لتوسيع صلاحياتها غير مطروح، خصوصاً أنه ليس في مجلس الأمن إجماع حول هذا الملف».

ويضيف قهوجي في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «هناك إجماع على بقائها بحد أدنى من الفاعلية ما دام الوضع الجيوسياسي على حاله، كما أن المحادثات السرية الأميركية الإيرانية والحديث عن الإعداد لاتفاق جديد بين طهران وواشنطن يجعل الأخيرة تتجنب أي ملفات توتِر الوضع مع إيران ومنها الاحتكاك جنوب لبنان؛ لذلك قد لا تمانع واشنطن بإعادة صيغة القرار لما كانت عليه قبل أغسطس 2022».


مقالات ذات صلة

الأمم المتحدة: الهجمات التي تستهدف الجيش اللبناني «انتهاك صارخ» للقرار 1701

المشرق العربي جنود لبنانيون يتجمعون في موقع غارة جوية إسرائيلية استهدفت موقعاً للجيش في جنوب لبنان (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة: الهجمات التي تستهدف الجيش اللبناني «انتهاك صارخ» للقرار 1701

أعلنت الأمم المتحدة، الاثنين، أنها «تشعر بالقلق» إزاء تصاعد الأعمال القتالية بين «حزب الله» والجيش الإسرائيلي، والهجمات التي تعرض لها الجيش اللبناني.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)
المشرق العربي جانب من الأضرار التي أصابت مركز الجيش اللبناني في منطقة العامرية في قضاء صور إثر استهدافه بقصف إسرائيلي مباشر (أ.ف.ب) play-circle 00:37

ميقاتي: استهداف إسرائيل الجيش اللبناني رسالة دموية

رأى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي أن استهداف إسرائيل مركزاً للجيش اللبناني بالجنوب يمثل رسالة دموية مباشرة برفض مساعي التوصل إلى وقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي جنود من الجيش اللبناني على متن آليات عسكرية (أرشيفية - رويترز)

قتيل و18 جريحاً من الجيش اللبناني في قصف إسرائيلي على حاجز أمني

أفادت وسائل إعلام لبنانية اليوم (الأحد)، بإصابة عدد من العسكريين بعدما استهدفت إسرائيل حاجز العامرية الأمني على طريق الناقورة في جنوب البلاد.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي رئيس البرلمان اللبناني خلال مناقشته بنود الورقة الأميركية مع الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكستين (أ.ف.ب)

مساهمة بريطانية في استحداث مراكز عسكرية للجيش اللبناني على الحدود الجنوبية

تصدرت عودة النازحين إلى بلداتهم في جنوب لبنان أولويات المفاوض اللبناني الذي أزال جميع العوائق أمام عودتهم بمجرد التوصل إلى اتفاق لوقف النار.

نذير رضا (بيروت)
المشرق العربي قائد الجيش اللبناني جوزف عون (أرشيفية - رويترز)

قائد الجيش اللبناني: وحداتنا منتشرة في الجنوب ولن تتركه

أكد قائد الجيش اللبناني جوزف عون، اليوم (الخميس)، إن قواته منتشرة في جنوب البلاد ولن تتركه فهو جزء لا يتجزأ من السيادة الوطنية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

إسرائيل تقصف طرق إمداد لـ«حزب الله» في القصير السورية

ضربات إسرائيلية تستهدف جسوراً في منطقة القصير قرب الحدود السورية - اللبنانية (المرصد السوري)
ضربات إسرائيلية تستهدف جسوراً في منطقة القصير قرب الحدود السورية - اللبنانية (المرصد السوري)
TT

إسرائيل تقصف طرق إمداد لـ«حزب الله» في القصير السورية

ضربات إسرائيلية تستهدف جسوراً في منطقة القصير قرب الحدود السورية - اللبنانية (المرصد السوري)
ضربات إسرائيلية تستهدف جسوراً في منطقة القصير قرب الحدود السورية - اللبنانية (المرصد السوري)

اختارت إسرائيل وقت ذروة الحركة في منطقة القصير عند الحدود مع لبنان، لتعيد قصف المعابر التي دمرتها بغارات سابقة، بينما أكدت مصادر أهلية في المنطقة لـ«الشرق الأوسط» أن الضربات الإسرائيلية تفاقم المعاناة المعيشية لسكان المنطقة على جانبي الحدود؛ لأنها تغلق المتنفس المتاح لحصولهم على المواد المعيشية الأساسية.

واستهدفت غارات إسرائيلية، مساء الاثنين، جسور الحوز ومطربة والجوبانية وجوسيه في منطقة القصير جنوب غربي حمص، وقال مصدر عسكري سوري إن إسرائيل شنت «عدواناً جوياً» من اتجاه الأراضي اللبنانية مستهدفة نقاط عبور على الحدود بين سوريا ولبنان، وهي نفسها التي استهدفتها إسرائيل سابقاً على الحدود السورية - اللبنانية في منطقة القصير بريف حمص. وحسبما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (سانا) أسفرت الضربة عن إصابة مدنيين اثنين بجروح، ووقوع خسائر مادية.

قطع طرق إمداد

قال المتحدث الرسمي باسم الجيش الإسرائيلي، أفيخاي أدرعي، إن الغارة استهدفت طرق استخدمها «حزب الله» اللبناني لنقل وسائل قتالية من سوريا إلى لبنان، وقال إن «حزب الله» وبدعم من السلطات السورية، يواصل استغلال بنى تحتية مدنية لـ«أغراض إرهابية»، مؤكداً أن الضربات الأخيرة تمت في إطار الجهود المستمرة الهادفة إلى «عرقلة القدرات العملياتية لـ(حزب الله)، وضمان أمن إسرائيل».

ورأى أدرعي أن الغارات الإسرائيلية في الأسابيع الأخيرة ركزت على إحباط قدرات «الوحدة 4400» التابعة لـ«حزب الله» والمسؤولة عن نقل الأسلحة المستخدمة في شن عمليات ضد إسرائيل.

تدمير للجسور الفرعية في القصير السورية (الشرق الأوسط)

المصادر الأهلية في القصير قالت إن الجسور والبنى التحتية سبق أن تم تدميرها بالكامل، ولا يمكن للآليات والسيارات عبورها، وتكرار ضربها يؤذي المدنيين الذين يستخدمونها مضطرين للحصول على أساسيات العيش على جانبي الحدود. وأكدت المصادر أن الغارات، مساء الاثنين، حصلت في وقت ذروة الحركة للحصول على المواد الأساسية للمعيشة، حيث يتوجه الأهالي على الجانبين قبل مغيب الشمس لتأمين حاجتهم من الوقود اللازم للتدفئة والغاز المنزلي اللبناني، بسبب أزمة المحروقات على الجانب السوري، وازدياد الحاجة إليها مع تدني حرارة الطقس والبرودة الشديدة. وفي المقابل، يحصل سكان الجانب اللبناني على مواد غذائية أرخص ثمناً كالألبان والأجبان وبعض الأصناف الأخرى.

وأشارت المصادر إلى أنه في ظل التأزم المعيشي جراء الحرب تمثل الحدود متنفساً لسكان المنطقة، وقطع تلك الطرقات وتدميرها بشكل كامل يزيد معاناتهم، ويعرضهم للخطر الدائم حيث يقومون ببناء جسور مؤقتة خطيرة، أو يضطرون لعبور مياه نهر العاصي في أجواء شديدة البرودة.

القصير معقل لـ«حزب الله»

تقع منطقة القصير على الحدود مع لبنان، وتضم نحو 80 قرية وبلدة، يعيش فيها خليط ديني غالبية من السنة وأقليات من الشيعة والمرشديين والعلويين والمسيحيين، ومعظم سكان تلك المناطق من المزارعين الفقراء، حيث ترتبط القصير بمناطق الهرمل ـ بعلبك بعدة معابر منها جوسية ومطربا كمعبرين شرعيين والكثير من المعابر غير الشرعية كحوش السيد علي وجرماش والقصر وغيرها.

تبادل سلع ومحروقات عند جانبي الحدود السورية - اللبنانية لجهة المصنع في البقاع (أ.ف.ب)

ومنذ عام 2013 سيطر «حزب الله «على القصير بعد تهجير أهلها، وأصبحت أحد أبرز معاقله في سوريا، ثم استغل فقر أهالي القرى الشيعية لتجنيدهم في صفوفه، ومنحهم امتيازات مالية وسلطوية. وحسب مصادر محلية، تكتسب منطقة القصير أهمية استراتيجية كبيرة لدى «حزب الله»، وإن حركة الامداد فيها شهدت تراجعاً جراء التصعيد الإسرائيلي، مع الإشارة إلى عدم إمكانية قطعها تماماً لوجود طرق بديلة في جغرافية ممتدة على طول الحدود.

ومنذ بداية التصعيد الإسرائيلي على لبنان، استهدفت إسرائيل المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان 36 مرة، بحسب تقرير «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، الذي أفاد، الثلاثاء، بأن الضربات الإسرائيلية على المناطق الحدودية جاءت في سياق تعطيل عودة النازحين إلى لبنان ومنع وصول الإمدادات والمساعدات إلى الداخل اللبناني، وقطع طرق إمداد «حزب الله»، ومنعه من نقل سلاحه من داخل الأراضي السورية باتجاه لبنان. وتركز القصف على المعابر الرسمية وغير الرسمية، بالإضافة إلى الطرق الترابية والفرعية في منطقة الحدود السورية - اللبنانية، مع استمرار المراقبة المكثفة للمنطقة الحدودية.

تدمير ممرات وجسور صغيرة بين لبنان وسوريا قرب القصير (الشرق الأوسط)

وحسب توثيقات المرصد، بدأت أولى الغارات في 26 سبتمبر (أيلول) الماضي، وأسفرت عن تدمير مواقع عدة، وخروج معابر رسمية وغير رسمية عن الخدمة، ما أعاق حركة عبور النازحين من لبنان إلى سوريا والعكس. كذلك تسببت هذه الضربات بمقتل 30 شخصاً، بينهم 4 من عناصر «حزب الله»، وشخص لبناني الجنسية، و6 من السوريين العاملين مع «حزب الله»، و8 مدنيين، إلى جانب ذلك، أصيب 22 آخرون، هم: 8 من قوات النظام وأجهزته الأمنية، و12 من العاملين مع الحزب، بالإضافة إلى إصابة مدنيين اثنين.