موجة الحرّ تزيد معاناة الفقراء والنازحين في شمال غربي سوريا

في مخيم للنازحين في شمال غربي سوريا أثناء موجة الحر (الدفاع المدني السوري)
في مخيم للنازحين في شمال غربي سوريا أثناء موجة الحر (الدفاع المدني السوري)
TT

موجة الحرّ تزيد معاناة الفقراء والنازحين في شمال غربي سوريا

في مخيم للنازحين في شمال غربي سوريا أثناء موجة الحر (الدفاع المدني السوري)
في مخيم للنازحين في شمال غربي سوريا أثناء موجة الحر (الدفاع المدني السوري)

تجتاح موجة حر شديدة مناطق شمال غربي سوريا، حيث يقطن ما يقارب 6 ملايين سوري، أكثر من نصفهم نازحون يعيشون في خيام شبه مهترئة، ما يفاقم من معاناتهم.

وقالت جهات معنية بالأرصاد الجوية في المنطقة، إن «درجات الحرارة كسرت رقم 40 درجة مئوية في المناطق الداخلية (إدلب وريف حلب)، مساء الخميس، مع احتمال أن تتجاوزه أيام الجمعة والسبت والأحد لتلامس حاجز 42 درجة مئوية، على أن يستمر الطقس حاراً جداً في المدى المنظور».

ومع بلوغ درجات الحرارة إلى ما يقارب 42 درجة مئوية، تعرض عدد من البطاريات التي تعمل على ألواح الطاقة الشمسية في خيام النازحين للانفجار، مسببة حرائق داخل الخيام وإصابة 8 مدنيين بينهم 3 نساء وطفلان للحروق، فيما لجأت عوائل نازحة إلى الاحتماء بظل أشجار الزيتون بعد فشلها في توفير القماش لأسقف خيامها المهترئة، وعوائل كثيرة بللت الأغطية بالماء لتوفير بعض البرودة لأجساد أطفالهم.

في مخيم للنازحين في شمال غربي سوريا أثناء موجة الحر (الدفاع المدني السوري)

في مخيم «الفقراء والمحتاجين» الذي يؤوي نحو 600 عائلة نازحة بالقرب من منطقة سرمدا شمال إدلب، لجأ قاطنو المخيم إلى تبليل الأغطية ووضعها فوق أسقف خيامهم البلاستيكية لتخفيف سخونتها ولهيبها التي تتضاعف داخل الخيمة على أفراد العائلة الذين يتصببون عرقاً طيلة اليوم، بخاصة مع الظهيرة وارتفاع درجات الحرارة. يقول أبو أسعد (58 عاماً)، وهو أحد قاطني ذلك المخيم، إن «الحر شديد للغاية والجميع هنا يبحث عن الظل والبرودة والماء البارد، ونخشى توصيل ألواح الطاقة الشمسية إلى البطارية عند الظهيرة وتشغيل المراوح خشية انفجارها بسبب الحر، ونعوض ذلك بتغطية أبنائنا وأحفادنا، خصوصاً الأطفال الرضع منهم، بالبطانيات بعد تبليللها بالماء عند أوقات الذروة، ونلجأ إلى حفر حفرة في باطن الأرض بداخل الخيمة لوضع غالون الماء فيها للمحافظة على برودتها بعد تغطيته بقطعة قماش مبللة أيضاً».

وعلى الطريق الواصلة بين منطقتي أطمة وصلوة بالقرب من الحدود السورية - التركية، تنتشر عشرات العائلات تحت أشجار الزيتون، هرباً من خيامهم التي أنهكتها ومزقتها سنوات النزوح وحر الصيف ورياح الشتاء، ولم تعد قادرة على حمايتهم من لهيب الصيف وحره الشديد. «من يجلس داخل خيمته (المهترئة) مع ارتفاع درجات الحرارة وحر الشمس الشديد، كمن يجلس في العراء»، بهذه الكلمات بدأ أبو ياسر (46 عاماً)، حديثه عن معاناته ومعاناة عشرات العائلات في المخيم الذين يعيشون فيه وخيامهم التي بدت عليها علامات التلف والاهتراء، ولجوئهم إلى ظل أشجار الزيتون القريبة من المخيم. ويضيف: «ناشدنا المنظمات كثيراً قبل دخول فصل الصيف لاستبدال خيامنا المهترئة بخيام جديدة، إلا أن مناشداتنا لم تلق أذاناً صاغية، وتركنا لمصيرنا نواجه وأطفالنا هذه الموجة من الحر الشديد، في الوقت ذاته لا نملك نقوداً لشراء شوادر أو حتى شراء قوالب ثلج نطفئ بها ظمأنا خلال ذلك، وغالباً ما نضطر إلى شرب مياه ساخنة، لا سيما أن مخيمنا الذي نعيش فيه ذو طبيعة صخرية وجبلية لا يمكن الاحتفاظ بالماء بالغالونات تحت الأرض، كما المخيمات الأخرى التي تسمح طبيعتها وأرضها الترابية بذلك، وتلجأ فيها العائلات إلى تعبئة غالون الماء في الليل ووضعه ضمن حفرة بالأرض للمحافظة على برودة الماء وشربها في ساعات النهار والحر الشديد».

في مخيم للنازحين في شمال غربي سوريا أثناء موجة الحر (الدفاع المدني السوري)

*الأفاعي والعقارب في خيام النازحين

يقول سكان مخيمات كفر كرمين غرب حلب، إنهم يعيشون حالة من الخوف والرعب إضافة إلى العيش بظروف مأساوية في أثناء موجات الحر، وهو لجوء العقارب والأفاعي من الجبال الوعرة والمحيطة بالمخيمات إلى داخل الخيام هرباً من الحر، وتعرض مؤخراً 3 أطفال للدغ بالعقارب، كانت تسللت إلى خيامهم ليلاً، فيما لا تكاد تمر ساعة واحدة إلا وتطلب إحدى الخيام النجدة من وجود أفعى.

وفي غضون ذلك، حذرت منظمة الدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) مع دخول موجة الحر المناطق السورية، وارتفاع درجات الحرارة، من عدم التعرض لأشعة الشمس بشكل مباشر ولأوقات طويلة، لا سيما في أوقات الذروة، خصوصاً الأطفال وكبار السن، لتجنب ضربة الشمس، وعدم ترك الأطفال داخل السيارة، أو اللعب بالخارج في الطقس الحار، وتبريدهم بالماء بشكل مستمر، ومراقبة منظومة شحن الطاقة الشمسية وتفقد البطاريات والتأكد من سلامة الأسلاك وتوصيلات الكهرباء، ودارات الفصل بشكل دوري، مع منع إشعال النيران بجانب المخيمات.

ويأتي تحذير «الخوذ البيضاء» عقب تسجيل عشرات الحالات بين الأطفال مصابة بالجفاف والإسهال الشديد، وتردي أوضاع كبار السن الصحية وأصحاب الأمراض المزمنة، وتعرض عدد من المدنيين بينهم أطفال للدغ بحشرات ضارة (عقارب) وأفاع، وإصابة ما لا يقل عن 230 مواطناً بضربة الشمس خلال الساعات الأخيرة الماضية، وفقاً لمصادر طبية في مشافي إدلب وريف حلب.



بعد عام من الحرب... سكان غزة يبحثون عن حل لأطنان الركام

فلسطينيان يتفقدان حطام مسجد شهداء الأقصى الذي دمر في غارة إسرائيلية على دير البلح بقطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيان يتفقدان حطام مسجد شهداء الأقصى الذي دمر في غارة إسرائيلية على دير البلح بقطاع غزة (إ.ب.أ)
TT

بعد عام من الحرب... سكان غزة يبحثون عن حل لأطنان الركام

فلسطينيان يتفقدان حطام مسجد شهداء الأقصى الذي دمر في غارة إسرائيلية على دير البلح بقطاع غزة (إ.ب.أ)
فلسطينيان يتفقدان حطام مسجد شهداء الأقصى الذي دمر في غارة إسرائيلية على دير البلح بقطاع غزة (إ.ب.أ)

فوق أنقاض منزله الذي كان يوماً مكوناً من طابقين، يجمع محمد البالغ من العمر (11 عاماً) قطعاً من السقف المتساقط في دلو مكسور ويسحقها، لتتحول إلى حصى سيستخدمه والده في صنع شواهد قبور لضحايا حرب غزة.

ويقول والده جهاد شمالي، عامل البناء السابق البالغ من العمر (42 عاماً)، بينما كان يقطع معادن انتشلها من منزلهم في مدينة خان يونس بجنوب قطاع غزة، والذي تضرر خلال غارة إسرائيلية في أبريل (نيسان): «بنجيب الدبش مش كرمال نبني فيه دور، لا، لبلاط الشهداء (شواهد القبور) وللمقابر، يعني من مأساة لمأساة».

العمل شاق، وفي بعض الأحيان كئيب. وفي شهر مارس (آذار)، قامت أسرة شمالي ببناء قبر لأحد أبنائها وهو إسماعيل، الذي قُتل أثناء أداء بعض المهام المنزلية، وفقاً لوكالة «رويترز».

لكن هذا يشكل أيضاً جزءاً صغيراً من جهود بدأت تتبلور للتعامل مع الأنقاض، التي تخلفها الحملة العسكرية الإسرائيلية للقضاء على حركة «حماس».

فلسطينيون يسيرون وسط أنقاض المنازل التي دمرها القصف الإسرائيلي شمال قطاع غزة (رويترز)

وتقدر الأمم المتحدة أن هناك أكثر من 42 مليون طن من الركام، بما في ذلك مبانٍ مدمرة لا تزال قائمة وبنايات منهارة.

وقالت الأمم المتحدة إن هذا يعادل 14 مثل كمية الأنقاض المتراكمة في غزة بين 2008 وبداية الحرب قبل عام، وأكثر من 5 أمثال الكمية التي خلفتها معركة الموصل في العراق بين عامي 2016 و2017.

وإذا تراكمت هذه الكمية فإنها قد تملأ الهرم الأكبر في الجيزة، أكبر أهرامات مصر، 11 مرة. وهي تزداد يومياً.

وقال 3 مسؤولين في الأمم المتحدة إن المنظمة الدولية تحاول تقديم المساعدة، في الوقت الذي تدرس فيه السلطات بقطاع غزة كيفية التعامل مع الأنقاض.

وتخطط مجموعة عمل لإدارة التعامل مع الحطام تقودها الأمم المتحدة، لبدء مشروع تجريبي مع السلطات الفلسطينية في خان يونس ومدينة دير البلح بوسط قطاع غزة، لبدء إزالة الحطام من جوانب الطرق هذا الشهر.

وقال أليساندرو مراكيتش، رئيس مكتب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في غزة والمشارك في رئاسة مجموعة العمل: «التحديات جسيمة... ستكون عملية ضخمة، ولكن في الوقت نفسه، من المهم أن نبدأ الآن».

ويقول الجيش الإسرائيلي إن مقاتلي «حماس» يختبئون بين المدنيين، وإنه سيضربهم أينما ظهروا، بينما يحاول أيضاً تجنب إيذاء المدنيين.

ورداً على سؤال حول الحطام، قالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق، إنها تهدف إلى تحسين التعامل مع النفايات، وستعمل مع الأمم المتحدة لتوسيع هذه الجهود. وقال مراكيتش إن التنسيق مع إسرائيل ممتاز، لكن المناقشات التفصيلية بشأن الخطط المستقبلية لم تتم بعد.

خيام وسط الأنقاض

بدأت إسرائيل هجومها بعد أن قادت «حماس» هجوماً على إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي. وتقول الإحصاءات الإسرائيلية إن هذا الهجوم أسفر عن مقتل نحو 1200 واقتياد أكثر من 250 رهينة إلى قطاع غزة.

فلسطيني وابنه يجلسان أسفل سقف مهدم في خان يونس بقطاع غزة (رويترز)

وتقول السلطات الصحية الفلسطينية إن نحو 42 ألف فلسطيني قتلوا خلال عام من الحرب. وعلى الأرض، تتراكم الأنقاض عالياً فوق مستوى المشاة والعربات التي تجرها الحمير على المسارات الضيقة المليئة بالأتربة، والتي كانت في السابق طرقاً مزدحمة.

وقال يسري أبو شباب وهو سائق سيارة أجرة، بعد أن أزال ما يكفي من الحطام من منزله في خان يونس لإقامة خيمة: «مين راح ييجي هنا مشان يزيل الأنقاض لنا؟ ولا حدا، مشان هيك إحنا بنقوم بها الشي بأنفسنا».

وبحسب بيانات الأقمار الاصطناعية للأمم المتحدة، فإن ثلثي مباني غزة التي بنيت قبل الحرب، أي ما يزيد على 163 ألف مبنى، تضررت أو سويت بالأرض. ونحو ثلثها كان من البنايات متعددة الطوابق.

وبعد حرب استمرت 7 أسابيع في غزة عام 2014، تمكن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وشركاؤه من إزالة 3 ملايين طن من الحطام، أي 7 في المائة من إجمالي الركام الآن.

فلسطينيان يتفقدان حطام مسجد شهداء الأقصى الذي دمر في غارة إسرائيلية على دير البلح بقطاع غزة (إ.ب.أ)

وأشار مراكيتش إلى تقدير أولي غير منشور ذكر أن إزالة 10 ملايين طن من الحطام ستكلف 280 مليون دولار، وهو ما يعني نحو 1.2 مليار دولار إجمالاً إذا توقفت الحرب الآن.

وأشارت تقديرات الأمم المتحدة في أبريل، إلى أن إزالة الأنقاض سوف تستغرق 14 عاماً.

جثث مطمورة

قال مراكيتش إن الحطام يحتوي على جثث غير منتشلة وقنابل غير منفجرة. وتقول وزارة الصحة في قطاع غزة إن عدد تلك الجثث قد يصل إلى 10 آلاف.

وتقول اللجنة الدولية للصليب الأحمر إن التهديد «واسع النطاق»، ويقول مسؤولون في الأمم المتحدة إن بعض الحطام يشكل خطراً كبيراً بالتعرض للإصابة.

يعيش نزار زعرب من خان يونس مع ابنه في منزل لم يتبقَّ منه سوى سقف مائل بزاوية خطيرة.

وقال برنامج الأمم المتحدة للبيئة إن ما يقدر بنحو 2.3 مليون طن من الحطام ربما يكون ملوثاً، مستنداً إلى تقييم لمخيمات اللاجئين الثمانية في قطاع غزة، التي تعرض بعضها للقصف.

ويمكن أن تسبب ألياف الأسبستوس سرطان الحنجرة والمبيض والرئة عند استنشاقها.

وسجلت منظمة الصحة العالمية نحو مليون حالة من حالات التهابات الجهاز التنفسي الحادة في قطاع غزة خلال العام الماضي، دون أن تحدد عدد الحالات المرتبطة بالغبار.

وقالت بسمة أكبر، وهي متحدثة باسم منظمة الصحة العالمية، إن الغبار يشكل «مصدر قلق كبيراً»، يمكن أن يلوث المياه والتربة ويؤدي إلى أمراض الرئة.

فلسطيني يجر مقعداً متحركاً تجلس عليه سيدة مصابة وسط أنقاض مبانٍ دمرها القصف الإسرائيلي في خان يونس جنوب قطاع غزة (رويترز)

ويخشى الأطباء من ارتفاع حالات الإصابة بالسرطان والتشوهات الخلقية في المواليد بسبب تسرب المعادن في العقود المقبلة.

وقال متحدث باسم برنامج الأمم المتحدة للبيئة إن لدغات الثعابين والعقارب والتهابات الجلد الناجمة عن ذباب الرمل تشكل مصدر قلق.

نقص الأراضي والمعدات

استُخدمت أنقاض في السابق للمساعدة في بناء الموانئ البحرية. وتأمل الأمم المتحدة الآن في إعادة تدوير جزء منها لبناء شبكات الطرق وتعزيز الخط الساحلي.

ويقول برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن قطاع غزة، الذي كان عدد سكانه قبل الحرب نحو 2.3 مليون نسمة، يتكدسون في شريط يبلغ طوله 45 كيلومتراً وعرضه 10 كيلومترات، يفتقر إلى المساحة اللازمة للتخلص من النفايات والركام.

وتقع مكبات النفايات الآن في منطقة عسكرية إسرائيلية. وقالت هيئة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية إنها تقع في منطقة محظورة، ولكن سيتم السماح بالوصول إليها.

وقال مراكيتش إن مزيداً من إعادة التدوير يعني مزيداً من الأموال لتمويل المعدات مثل الكسارات الصناعية. ولا بد أن تدخل هذه المعدات إلى قطاع غزة عبر نقاط عبور تسيطر عليها إسرائيل.

وتحدث مسؤولون حكوميون عن نقص في الوقود والآلات، بسبب القيود الإسرائيلية التي تبطئ جهود إزالة الأنقاض.

وقال المتحدث باسم برنامج الأمم المتحدة للبيئة إن إجراءات الموافقة المطولة «عائق رئيسي». ويقول برنامج الأمم المتحدة للبيئة إنه يحتاج إلى إذن أصحاب الممتلكات لإزالة الأنقاض، لكن حجم الدمار أدى إلى طمس الحدود بينها، كما فُقد بعض السجلات العقارية أثناء الحرب.

وقال مراكيتش إن كثيراً من الجهات المانحة أبدى الاهتمام بالمساعدة منذ اجتماع استضافته الحكومة الفلسطينية بالضفة الغربية في 12 أغسطس (آب)، دون أن يسمي هذه الجهات.

وقال مسؤول في الأمم المتحدة، طلب عدم ذكر اسمه لتجنب التأثير سلباً على الجهود الجارية: «الجميع قلق بشأن ما إذا كان ينبغي الاستثمار في إعادة إعمار غزة، أم لا، إذا لم يكن هناك حل سياسي».