«حزب الله» يربط موقفه من الرئاسة بالمفاوضات الإيرانية الأميركية

الخروج من الأزمة ينتظر عودة لودريان و«المفاجأة» الفرنسية

الرئيس نبيه بري مستقبلاً الموفد الفرنسي لودريان خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت (رويترز)
الرئيس نبيه بري مستقبلاً الموفد الفرنسي لودريان خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت (رويترز)
TT

«حزب الله» يربط موقفه من الرئاسة بالمفاوضات الإيرانية الأميركية

الرئيس نبيه بري مستقبلاً الموفد الفرنسي لودريان خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت (رويترز)
الرئيس نبيه بري مستقبلاً الموفد الفرنسي لودريان خلال زيارته الأخيرة إلى بيروت (رويترز)

يدخل انتخاب رئيس للجمهورية في مرحلة من الانتظار المديد، إلا إذا عاد الموفد الرئاسي الفرنسي وزير الخارجية السابق جان إيف لودريان إلى بيروت ممسكاً عصا سحرية تدفع باتجاه فتح الباب أمام البحث عن مرشح رئاسي ثالث من غير المتنافسين التقليديين: الوزير السابق جهاد أزعور، ورئيس «تيار المردة» النائب السابق سليمان فرنجية، وهذا يتوقف على تسهيل الحوار بمنأى عن تبادل الشروط، والمناورات التي لن تبدّل من الخيارات الرئاسية.

فهل يعود لودريان إلى بيروت، وفي جعبته ورقة عمل سياسية تأخذ بعين الاعتبار الأسئلة التي طرحها في زيارته الأولى على الكتل النيابية والمرشحين لرئاسة الجمهورية، أكانوا من المعنيين والمحتملين، والأجوبة التي تلقّاها منهم؟ أم أنه سيتقدم بخلطة سياسية استمدَّها من مشاوراته مع أعضاء اللجنة الخماسية من أجل لبنان، وتواصله بالقيادة الإيرانية؛ لما لديها من تأثير على «حزب الله»، كونه لا يزال وحليفه رئيس المجلس النيابي نبيه بري، يتمسكان بترشيح فرنجية، وضرورة إدراج اسمه في عداد لائحة المرشحين للرئاسة؟

ويقود تمسك «الثنائي الشيعي» بترشيح فرنجية، إلى السؤال عن مدى جاهزية «حزب الله» للتخلي عنه لمصلحة البحث عن مرشح ثالث؟ وما مدى صحة ما يتردد على لسان مرجع حكومي سابق بأن الحزب يتعاطى مع انتخاب رئيس للجمهورية من زاوية إقليمية، بخلاف معظم القوى السياسية التي لا تربط انتخابه بالتحولات التي تشهدها المنطقة؟

وينقل عن المرجع الحكومي السابق، الذي يفضّل عدم ذكر اسمه، أن الحزب لن يفرّط مجاناً بورقة انتخاب رئيس للجمهورية، وهو يُودِعها حالياً لدى إيران لتحسين شروطها في مفاوضاتها غير المباشرة مع الولايات المتحدة، بوساطة تتولاها سلطنة عمان، خصوصاً أن محور الممانعة، الداعم لفرنجية، يبدي تفاؤله باقتراب وصولها إلى بر الأمان.

ويؤكد المرجع أن المعارضة، على اختلاف انتماءاتها، ليست في وارد إقصاء «حزب الله»، وصولاً إلى استبعاده بصفته شريكاً، إلى جانب حليفه الرئيس بري في انتخاب رئيس للجمهورية، بشرط أن ينطبق على المعارضة ما ينطبق على الثنائي الشيعي لئلا يبقى انتخاب الرئيس يدور في حلقة مفرغة، ويقول إن قول لودريان، أمام الذين التقاهم، إنه لا يحمل معه مبادرة وأنه ليس لدى باريس اسم أي مرشح يعني أن هناك ضرورة للانتقال إلى الخطة «ب»، للتوافق على الاسم القادر على جمع غالبية اللبنانيين.

ويلفت المرجع الحكومي السابق إلى أن الموفد الرئاسي الفرنسي تخلَّى طوعاً عن المبادرة الفرنسية، حتى لو لم يعلن طيه صفحة دعم باريس لترشيح فرنجية، ويقول، لـ«الشرق الأوسط»، إن المهمة الأولى له تكمن في وقف تصدّع العلاقات الفرنسية المسيحية في ضوء رفض الكتل المسيحية ذات الحضور الفاعل في الشارع المسيحي، محاولات فرض مرشح عليها لا يتمتع بالتأييد النيابي المطلوب.

وفي هذا السياق ينقل عن فريق فاعل في المعارضة أن السير بدعم ترشيح فرنجية يعني الاستسلام وصولاً للانتحار السياسي، وأن لا حل إلا بالتوافق على بديل يتموضع في منتصف الطريق ولا يشكل تحدياً لأي فريق، خصوصاً أنه ثبت أن لا قدرة لفريق على فرض مرشحه على فريق آخر.

وفي المقابل يراهن الفريق المؤيد لفرنجية على دور محور الممانعة في أن تؤدي المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن إلى تعديل ميزان القوى في المنطقة، وهذا ما ينعكس على لبنان ويؤدي إلى تعبيد الطريق أمام إيصال فرنجية إلى القصر الجمهوري، وينقل عن جهات عربية نافذة على تحالف مع إيران أن المفاوضات تدخل حالياً في مرحلة حاسمة، وستنتهي حتماً إلى تحقيق انفراج في العلاقات الإيرانية الأميركية.

لكن الفريق نفسه لا يزال يعوّل على موقف عدد من الدول الأعضاء في اللجنة الخماسية، رغم أنها لا تضع «فيتو» على ترشيح فرنجية، ولا تدعم أي مرشح لرئاسة الجمهورية، وإن كان يعتقد أن هناك صعوبة في إقناعها بتأييد فرنجية، على خلفية أن انتماءه لمحور الممانعة يلقى معارضة من قِبل كبرى الكتل النيابية المسيحية، و«اللقاء الديمقراطي»، برئاسة تيمور وليد جنبلاط.

ويعترف هذا الفريق بأن الدول الأعضاء في اللجنة الخماسية ليست في وارد الضغط على الذين يعارضون انتخاب فرنجية لدفعهم إلى تعديل موقفهم، في حين يسأل مصدر في المعارضة: من قال لكم إن الاتفاق الإيراني الأميركي في حال قدّر له أن يرى النور سيؤدي إلى تعديل في ميزان القوى لمصلحة فرنجية؛ لأنه لا مجال للعودة عن ترشيح أزعور إفساحاً في المجال أمام إخلاء الساحة لفرنجية؟

ويؤكد المصدر في المعارضة أن «حزب الله» لا يزال يناور في دعوته للحوار، ويقول، لـ«الشرق الأوسط»، إنه لا يزال يربط موقفه النهائي من إنجاز الاستحقاق الرئاسي، بالمفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن، ومن ثم يضع ورقته الرئاسية في السلة الإيرانية، وإلا فلماذا يبادر عدد من قياداته إلى توزيع الأدوار في مقاربتهم الاستحقاق الرئاسي التي أقل ما يقال فيها إنهم لا يقرأون رئاسياً في كتاب واحد، ويبقى اختبار نياتهم في تأييدهم للخيار الثالث.

لذلك لا يزال الاستحقاق الرئاسي مدرجاً على لائحة الانتظار يترقب عودة لودريان لعلَّه ينجح في إحداث خَرق لوقف تعطيل انتخاب الرئيس، لئلا يطول أمد الفراغ.



معارك «كسر عظم» وتصفية حسابات تسبق الانتخابات العراقية

موظف بمفوضية الانتخابات العراقية يحمل صندوقاً لفرز أصوات الاقتراع المحلي في ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)
موظف بمفوضية الانتخابات العراقية يحمل صندوقاً لفرز أصوات الاقتراع المحلي في ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)
TT

معارك «كسر عظم» وتصفية حسابات تسبق الانتخابات العراقية

موظف بمفوضية الانتخابات العراقية يحمل صندوقاً لفرز أصوات الاقتراع المحلي في ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)
موظف بمفوضية الانتخابات العراقية يحمل صندوقاً لفرز أصوات الاقتراع المحلي في ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)

على الرغم من طول المدة التي تفصل القوى السياسية العراقية عن الموعد القانوني لإجراء الانتخابات البرلمانية المقبلة خلال شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإن معارك «كسر العظم» وتصفية الحسابات بين الخصوم بدأت من الآن.

وانتشر كثير من الفيديوهات ذات «الطابع التسقيطي»، (إسقاط الخصوم سياسياً وأخلاقياً)، ضد بعض الشخصيات، آخرها الفيديو الذي انتشر ليل السبت ضد زعيم حزب «السيادة» عضو «ائتلاف إدارة الدولة» خميس الخنجر، ويتضمن كلاماً ينطوي على إساءات بحق من باتوا يُسمون «شيعة السلطة».

وهذا الأمر سبقته تصريحات وتغريدات وفيديوهات ضد شخصيات وقوى سياسية أخرى، شملت تقريباً كل المشاركين في الانتخابات المقبلة، أو الذين ينوون المشاركة فيها، سواء من خلال قوائم مفردة، ومن هم ضمن تحالفات.

ويطغى الطابع المذهبي والمناطقي على جو التحالفات بين مختلف القوى السياسية؛ أكان في مناطق تعد مناطق نفوذ تقليدية لهم، أم تلك التي تمثل مساحات متداخلة بين هذا الطرف وذاك، أم في مناطق متنازع عليها إما عرقياً (بين العرب والأكراد) طبقاً لـ«المادة140» من الدستور العراقي التي لم تطبق حتى الآن بسبب الخلافات السياسية، وإما مذهبياً (بين السنة والشيعة). ويحاول بعض القوى السياسية، لا سيما من جماعة حملة السلاح من الفصائل، التمدد إليها بذرائع مختلفة، مثل المحافظة على المراقد الدينية الشيعية التي تقع في مناطق ذات أغلبية سنية (مثل سامراء التي تضم مرقدَي الإمامَين العسكريين)، وتحت ذرائع تمدد الإرهابيين إليها، وهي المناطق الممتدة عبر الشريط الحدودي بين محافظتَي نينوى والأنبار.

الأكراد ومعادلة التوازن

وتبدو الأحزاب الكردية، رغم شدة الخلافات بينها، خصوصاً التقليدية منها، لا سيما «الحزب الديمقراطي الكردستاني» بزعامة مسعود بارزاني، و«الاتحاد الوطني الكردستاني» بزعامة بافل طالباني، خارج معادلة «التسقيط» و«كسر العظم» بينها. وعدد من المحافظات ذات الغالبية الكردية، مثل كركوك، لا يزال متنازعاً عليه بين العرب والأكراد والتركمان. وكذلك الأمر في مناطق ذات وجود مختلط مع أغلبية عربية مثل نينوى. فالأكراد في هذه المناطق يمثلون نوعاً من التوازن المفقود في الجزء العربي من العراق المتنازع عليه سياسياً ومذهبياً بين الشيعة والسنة.

ففي كركوك مثلاً، بدأ العرب الذين ينتمون إلى تكتلات سنية بارزة، مثل حزب «تقدم» بزعامة محمد الحلبوسي، و«السيادة» بزعامة خميس الخنجر، حراكاً من أجل توحيد صفوفهم؛ لكي يحصلوا خلال الانتخابات المقبلة على أكبر عدد من المقاعد التي لا يمكنهم الحصول عليها إذا بقوا في حال من التنافر والتنازع.

محمد الحلبوسي (رويترز)

وفي هذا السياق، دعا عضو البرلمان العراقي، وصفي العاصي، عرب كركوك إلى الدخول في «حوار شامل»؛ بهدف تشكيل قائمة انتخابية موحدة. وقال العاصي إن مبادرته «تأتي استجابة لمطلب الشارع العربي في كركوك، الذي لطالما نادى بضرورة وحدة الصف وخوض الانتخابات بقائمة واحدة»، لافتاً إلى أنه في كل انتخابات كان يدعو إلى «دخول العرب بقائمة واحدة»، والآن يعلن «الاستعداد للتنازل عن أي موقع شخصي في سبيل هذه الوحدة».

وأضاف العاصي: «لا أضع أي شروط، ولا أطالب بتسلسل متقدم، ولا أسعى إلى رئاسة القائمة، أو الحصول على أي مكاسب سياسية. المهم أن نجتمع نحن العرب تحت قائمة واحدة تخدم مصلحة أهلنا». وأشار إلى أن «توحيد العرب ضمن قائمة واحدة سيسهم في تحقيق نتائج قوية وغير متوقعة»، مؤكداً أن «الالتفاف حول مشروع واحد سيمكّن العرب من الحصول على أعلى نسبة من الأصوات والمقاعد في مجلس المحافظة».

الخنجر في دائرة الاتهام

ووسط صراع سُنّي ـ سني محتدم؛ من أجل السيطرة في الانتخابات المقبلة على أكبر عدد من المقاعد للفوز برئاسة البرلمان، ظهر تسجيل مسرب يضع الخنجر في دائرة الاتهام. وظاهرة «تسقيط» الخصوم ليست حكراً على حزب دون آخر، والخنجر يتنافس سنياً مع «تقدم» بزعامة الحلبوسي. وعلى صعيد الفوز بمنصب رئيس البرلمان، فإنه يتعين الحصول على أغلبية واضحة لأي حزب سني داخل المناطق السنية. فمنصب رئاسة البرلمان من حصة العرب السُّنة ضمن المعادلة الطائفية في البلاد على صعيد تقاسم المناصب السيادية العليا، ويمكن الحصول على موقع رئاسة الجمهورية في حال حدث تبادل بين الكرد والعرب السُّنة على صعيد منصبَي رئاستَي الجمهورية والبرلمان، بينما يحتكر الشيعة منصب رئاسة الوزراء.

رئيس حزب «السيادة» العراقي خميس الخنجر (إكس)

ومع البداية القوية للحراك السياسي بغرض التهيؤ للانتخابات البرلمانية المقبلة، ظهر ما يقال إنه تسريب صوتي للخنجر يهاجم فيه الشيعة بقوة.

وسارع حزب «السيادة» إلى نفي الفيديو، قائلاً في بيان إن «التسريبات ملفقة ومزورة بشكل كامل»، مشيراً إلى أن «الحزب سيباشر إقامة دعوى قضائية ضد القناة ومقدم البرنامج بتهمة التشهير وتشويه سمعة رئيس التحالف».

وأضاف أن «حزب (السيادة) يؤمن بالقضاء سبيلاً لحماية الحقوق ورد الاعتبار»، داعياً جهاز الأمن الوطني إلى «متابعة صاحب الرقم الذي زُعم أن التسجيل الصوتي ورد من خلاله والتحقيق في عائديته».

من جهته، طالب عضو اللجنة القانونية النيابية، محمد الخفاجي، الأحد، بتحريك شكوى واتخاذ الإجراءات اللازمة، على خلفية التسجيل المنسوب إلى الخنجر، عادّاً أنه تضمن «إساءة واضحة للشعب العراقي والتحريض ضدهم، إلى جانب الإساءة لمؤسسات الدولة، بما فيها القضاء».