طوال الأسابيع الماضية، أجريت مفاوضات تشريع قانون الموازنة في العراق داخل «حلبة ملاكمة» سياسية داخل مكاتب «الإطار التنسيقي» الحاكم، كل ما رشح من هناك كان يشير إلى أن هذا التحالف الذي استمد قوته من غياب «التيار الصدري»، مؤهل للتفكك. لكن لماذا لم يتحقق هذا السيناريو، وكيف بقي «الإطار» متماسكاً، رغم أن أقطابه يتنافسون بضراوة تحت الطاولة؟
كشفت عمليات صياغة الموازنة، وتعديلها فنياً وسياسياً، أن توجس قادة الأحزاب الشيعية بعضهم من بعض، وكان الهاجس الأكبر هو منع صعود قوى جديدة، تطيح بالآباء المؤسسين، أبرزهم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي؛ لصالح «جيل شيعي» جديد يتمتع بالحيوية، والشراسة السياسية أيضاً، كما هو الحال مع قيس الخزعلي أمين حركة «عصائب أهل الحق».
بحسب كثيرين من أعضاء الإطار التنسيقي، فإن ثلاثة عوامل تمنع أو تؤجل، انفجاراً سياسياً داخل «الإطار» ينتهي به مفككاً إلى مجموعات شيعية، يمكن لـ«التيار الصدري» الانقضاض عليها في أي لحظة.
التوازن الحرج
بسبب عدد مقاعدها المحدود داخل البرلمان، تضطر قوى شيعية صغيرة إلى التكيف مع لعبة الأرقام داخل الإطار التنسيقي، إذ من الصعب تصور هذا التحالف دون مقاعد المالكي، الذي يقول إنها تفوق 70 مقعداً، من أصل نحو 130 مقعداً مجمل المقاعد الشيعية في البرلمان. قادة أحزاب مثل هادي العامري وقيس الخزعلي وعمار الحكيم يعرفون جيداً أن ائتلاف «دولة القانون» يمثل عصب الإطار، والخروج عليه سيفرط العقد الشيعي.
المالكي، هو الآخر، يناور مع حلفائه في «الإطار» كما لو أنه يمسك بهم من «الذراع المتضررة»، وبينما يؤمن لهم الحماية السياسية بوصفه «الأب العتيد»، يراقبهم جميعاً للتأكد من أن قيادات الصف الثاني لن تتمدد أبعد من وضعها الحالي.
بهذه الطريقة، يتأخر تفكك «الإطار التنسيقي» إلى حين تحقق معادلة حسابية جديدة لأوزان القوى، وهذا لن يكون إلا حين تجرى انتخابات تشريعية جديدة.
لكن الأكيد، أن القوى الشيعية الصاعدة لا يمكنها إخفاء طموحها في تجاوز المالكي، وآخرين من بينهم هادي العامري، الذي بات «متقاعداً، من وجهة نظر جيل شيعي جديد داخل الإطار.
شبح الصدر
قد يكون زعيم التيار الصدري، أكبر مخاوف الإطار التنسيقي. في بعض المنعطفات السياسية الحادة، منذ انسحابه من العملية السياسية، كانت أجندة قادة الإطار التنسيقي مشغولة بالقلق من هدوء الصدر، وعاصفته المحتملة، وإلى حد ما، فإن قرارات الإطار التنسيقي خلال الأشهر الماضية، صممت لتفادي الصدر، أو التحصن منه.
الرأي
والحال، أن الصدر يشكل واحداً من أبرز دوافع قادة الإطار التنسيقي للبقاء موحدين في هذا تحالفهم هذا، لا سيما أنهم قضوا وقتاً كافياً لتصفية نفوذه في المؤسسات الحكومية، والتفرغ تماماً لما بات يعرف بـ«حكومة الفرصة الذهبية»، المطمئنة حتى الآن لعدم وجود معارضة سياسية.
ليس من المعروف أن الصدر يخطط بالفعل لخطوة سياسية تمهد لطريق عودته إلى العملية السياسية، لكن ثمة أمر واحد تؤكده مصادر مختلفة من النجف، تفيد بأن الصدر المنشغل بإعادة هيكلة التيار الصدري، على أساس الولاء الديني والسياسي، يراقب المشهد في بغداد، بانتظار شرخ في جدار الإطار التنسيقي.
يقول أعضاء في الإطار التنسيقي إن بعض قادة الإطار التنسيقي يحتفظ بقنوات اتصال مع محيط الصدر، إما لجس النبض، أو تحضيراً لخطوة استراتيجية، إلا أن المناخ يستخدم أحياناً لإزعاج المالكي.
وحدة الإطار إلزامية
ثمة اتفاق شيعي، بتشديد من طهران، على منع قادة الإطار التنسيقي من الخوض في خلافات ومعارك سياسية تعرقل المشروع السياسي الذي بُني على أساس غياب الصدر.
ويحظى الإطار التنسيقي، بالفعل، بقدرات تنظيمية عالية على تسيير أموره السياسية، وإنتاج مواقفه من الشأن العام، بالطريقة التي تضمن التماسك، درجة أن الخلافات التي يخرجها للعلن كانت مدبرة لخدمة معارك سياسية مع الآخرين.
ويقول عضوان في الإطار التنسيقي إن أزمات حادة عصفت بالفعل في كيان الإطار، وكان بعضها وشيكاً من تفجير الأمر إلى خيارات قاسية على الأحزاب الشيعية، لكن الجميع كان يقف عند الخط الأحمر الإيراني.
«رغبة إيران بتماسك الإطار تعاظمت بعد التسوية السعودية - الإيرانية»
عضو في «الإطار التنسيقي»
وأشار أحد هذين العضوين إلى أن «رغبة إيران بتماسك الإطار تعاظمت بعد التسوية السعودية الإيرانية، لأن مرحلة التهدئة والتسويات في المنطقة تتطلب نموذجاً مستقراً للحكم في العراق».
في العموم، هذه العوامل تفسر تماسك الإطار حتى الآن، لكن ثمة مؤشرات أفرزتها الموازنة أظهرت استعداد جميع الأقطاب المتنفذة فيه لخوض معارك لإثبات الوجود، لا سيما في الانتخابات المحلية المقبلة.