لفهم ما جرى في بلدة يافة الناصرة، التي قتل فيها 5 أشخاص بعملية واحدة للإجرام المنظم، تجب مراجعة نص هذه المكالمة: «لن نقتلك أنت، بل سنحرق قلبك. سنقتل أحسن شخص في عائلتك»، وأُغلقت سماعة الهاتف.
الرجل الذي تلقى الاتصال إنسان كادح، كد وتعب لكي ينجز أهم مشروع له في الحياة. فهو من عائلة بدوية بسيطة جردتها الحكومة الإسرائيلية من الأرض لغرض توسيع بلدة يهودية مجاورة، ورأى أن أفضل تعويض له يكون في تعليم ابنه وبناته. والابن الأكبر تخرج لتوه من كلية الطب وبدأ العمل في قسم الطوارئ بمستشفى قريب. فعندما تلقى ذلك التهديد، فكّر فوراً بابنه الطبيب.
هو ليس من عائلات تعيش خلافات قبلية. وهو غير متورط بأي مشاكل اقتصادية. كل ما هناك أنه تربطه علاقات عائلية برئيس المجلس المحلي في القرية. وقد فهم أن هذه القرابة تجعله هدفاً لعصابات الإجرام. فاتصل بقريبه رئيس المجلس. وتوجها معاً وأبلغا الشرطة. لكنه لم يكتفِ بهذا. فهو لا يثق بأن الشرطة الإسرائيلية ستعالج الموضوع بجدية وإخلاص. فهي في نظره «تتمتع برؤية العرب في إسرائيل ينشغلون بمشاكل داخلية ويصفّي كل منهم الآخر». لذلك قرر اتخاذ الاحتياط. فأبلغ ابنه الطبيب بأنه من الآن فصاعداً سيستخدم سيارته: «أنا سأقود السيارة وآخذك إلى المستشفى للعمل في كل يوم وسأعود في المساء وأعيدك إلى البيت. وأينما تريد أن تذهب سآخذك بالسيارة».
رضخ الطبيب لوالده. وسلمه سيارته. وعندما كان في المستشفى، أحضرت سيارة الإسعاف له مصاباً جديداً بالرصاص. وإذا به والده. لقد نفذ المجرمون تهديدهم. أطلقوا الرصاص على سيارة الطبيب باعتباره «أفضل شخص» في العائلة. ولكن بدلاً من إصابة الطبيب أصابوا والده.
هذا الرجل ليس وحيداً. هناك رجل آخر في بلدة كفر كنا، قرر المجرمون حرق قلب أحد خصومهم وأطلقوا عليه الرصاص وأصابوه بجروح متوسطة، ولكنهم قتلوا زوجته حتى يحرقوا قلبه. وهكذا فعلوا في الناصرة. أرادوا قتل أحد أفراد عصابة يعيش في الخفاء. فقتلوا اثنين من أشقائه. وهكذا فعلوا مع عائلة نائب رئيس البلدية في إحدى البلدات. أراد المجرمون قتل ابنه الذي يعد خصمهم، فلم يجدوه، فقتلوا شقيقه الطالب في كلية الطب.
الحديث هنا عن أقل من ألف شخص ينتمون إلى 12 منظمة إجرام عربية في إسرائيل. أسماء المنظمات وعدد أفرادها معروف نشرته صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية نقلاً عن مصادر أمنية. أبرزهم وأكثرهم شراسة المنظمات التي تقوم بتشغيل عملاء سابقين للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية. هؤلاء العملاء اضطروا إلى الهرب إلى إسرائيل، عندما انكشف أمرهم في بلداتهم ولدى عائلاتهم. حاولت السلطات الإسرائيلية إسكانهم في البلدات العربية لفلسطينيي 48، فواجهت معارضة شديدة. نقلتهم إلى البلدات المختلطة التي يعيش فيها يهود وعرب ومنحتهم رواتب طيلة 3 سنوات وأبلغتهم أنه بعد انتهاء المدة عليهم أن يجدوا عملاً بقواهم الذاتية. قسم منهم سعى إلى التوبة وإعالة عوائلهم بشكل سليم، ولكنّ قسماً منهم رفض. ومن خلال كرههم للعرب، الذين رفضوا استيعابهم، ولليهود الذين قطعوا رواتبهم، قرروا العربدة على الجميع.
حتى الآن يعمل هؤلاء في المجتمع العربي بالأساس. فهنا الأمر أسهل. والشرطة الإسرائيلية لا تهدد مكانتهم. بل إن هناك بعضاً من رجال الشرطة يشتبه بأنهم فاسدون ويتعاونون معهم. ينشرون رعباً بين الناس من دون حسيب أو رقيب. ويجعلون الشرطة «شريطة» عاجزة في أحسن حال وشريكة في الجريمة في أسوأ حال. منذ بداية السنة وحتى الآن، قتل 98 شخصاً (في السنة الماضية كلها 11 قتيلاً). في المجتمع اليهودي بإسرائيل أيضاً، توجد جرائم ولكن العرب الذين يشكلون 19 في المائة من السكان، «يحظون» بنسبة 76 في المائة من هذه الجرائم، وفقط 24 في المائة لليهود. والشرطة تنجح في الكشف عن القتلة في المجتمع اليهودي بنسبة 75 في المائة، لكن نسبة نجاحها في فك رموز الجرائم في الوسط العربي لا تتعدى 11 في المائة.
بالطبع، هناك مشكلة تربوية كبيرة تواجه المجتمع العربي، مثل قضايا «الشرف» والثأر والتفتيش عن الربح السهل للمال وتحقيق أرباح هائلة بطرق الخداع والنصب والاحتيال. وكل ذلك يشكل أرضية خصبة لانتشار العنف والجريمة. ويحتاج إلى حملة توعية وتثقيف واسعة. لكن أمراً آخر يُعد غائباً؛ وهو عمل الشرطة. فالمجتمع العربي لا يستطيع تفكيك منظمة إجرام منظم. هذه تحتاج إلى شرطة. ولا يستطيع جمع السلاح غير الشرعي، فهذه مهمة أجهزة الأمن كلها. وقد كلف رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بهذه المهمة في حكومته الوزير إيتمار بن غفير. وهذا ليس فقط يروّج لأفكار عنصرية ضد العرب ولا يخفي رغبته في ألا يرى عرباً في البلاد كلها، إنما هو فاشل مهنياً أيضاً، بحسب ما يقول خصومه، وبالتالي فإنه لا يتوقع منه أن يتمكن من عمل شيء.
لذلك صار العرب يناشدون العالم أن يوفر لهم الحماية الدولية. فهم لا يقتنعون بأن إسرائيل التي تعد من أقوى الدول عسكرياً وأمنياً عاجزة فعلاً عن مكافحة العنف والجريمة، ويخشون أن يكون نشر هذه الآفة سياسة حكومية.