عمالة الأطفال في درعا جنوب سوريا مأساة منسية من دون حلول

تقرير دولي: 1 من كل 3 أطفال يدخل إلى سوق العمل

طفلان سوريان يقفان أمس أمام جدار مدرسة شوهته شظايا الرصاص  (د.ب.أ)
طفلان سوريان يقفان أمس أمام جدار مدرسة شوهته شظايا الرصاص (د.ب.أ)
TT

عمالة الأطفال في درعا جنوب سوريا مأساة منسية من دون حلول

طفلان سوريان يقفان أمس أمام جدار مدرسة شوهته شظايا الرصاص  (د.ب.أ)
طفلان سوريان يقفان أمس أمام جدار مدرسة شوهته شظايا الرصاص (د.ب.أ)

مشهد يومي من حياة أطفال، بعضهم لم يبلغ العاشرة بعد، يتجرّعون مرارة الحياة وقسوتها بحثاً عن لقمة كفاف لهم ولعوائلهم. وصل الأمر إلى أن يُطلق أصحاب العمل والمشروعات إعلانات عن توفر فرص عمل، وتشترط أن يكون المتقدّم وَلَداً أو طفلاً صغيراً.

تروي الأرقام حجم المأساة بحق الطفولة السورية عموماً. وأحد هذه الأرقام ما نطق به تقرير منظمة «صندوق الطوارئ للطفولة»، التابعة للأمم المتحدة (اليونيسيف)، بأن 90 في المائة من الأطفال السوريين يحتاجون إلى دعم. ووصف عمالة الأطفال في سوريا بـ«المشكلة الأوسع انتشاراً والأكثر تعقيداً من مشكلات حماية الطفل»، مشيراً إلى أن 2.5 مليون طفل في الداخل السوري لا يرتادون المدرسة، في حين تؤكد منظمة «أنقذوا الأطفال» في تقرير لها أن 1 من كل 3 أطفال سوريين يدخل إلى سوق العمل.

من عمالة الأطفال في درعا (الشرق الأوسط)

تشرح اختصاصية اجتماعية في مديرية التربية بمدينة درعا، فضلت عدم ذكر اسمها، أسباب تفاقم المشكلة في جنوب سوريا. وتقول لـ«الشرق الأوسط» إنّه «مع استمرار الحرب السورية، فقد كثير من الأطفال أحد الأبوين أو كليهما، وفقدت بالتالي الأسرة معيلها، مما أدى إلى لجوء الأطفال إلى سوق العمل. هذا الوضع الاجتماعي المضطرب جعلهم فريسة سهلة للاستغلال مقابل رواتب زهيدة لسد حاجاتهم، مع تراجع دور المجتمع ومنظماته في تأمين حاضنة لهم، سواء الجمعيات الخيرية أو المجتمع المدني».

وأضافت الاختصاصية الاجتماعية أن «حالات التفكك الأسري أدت في كثير من الأحيان إلى الطلاق بين الأبوين، وترك الأبناء فريسة للشارع».

وأشارت إلى أن «الطامة الكبرى تكمن في وجود فئة كبيرة من المجتمع لا تنظر إلى عمالة الأطفال بوصفها أمراً كارثياً أو مخالفاً للقوانين. ففي الوعي الجماعي لهذه الفئة، أن طفلاً يعمل في مصلحة أو مهنة معينة، ويتجه نحو اتقانها بعيداً عن التفكير في قدراته الجسمية والعقلية وتعليمه وطفولته، هو أمر مباح تحت شعار عام يقول (مصلحة باليد تقي من الفقر)».

أطفال سوريون في تركيا هرباً من الحرب (أ.ب)

ولا شك أنها مفيدة لمرحلة الشباب الذين لم يتجهوا للدراسة ومراحل متقدمة منها، ولكن وقعها وتطبيقها كارثي على الأطفال دون سن 15 سنة.

واعتبرت أن عمالة الأطفال «كارثة لا تقل عن الكوارث الأخرى في البلاد، فالوضع الاقتصادي والمعيش المتردي كان عاملاً رئيسياً في توجه الأطفال إلى سوق العمل، بهدف تحسين الدخل العام للأسرة لسد احتياجاتها، باعتبار أن أي وسيلة دخل واحدة للأسرة لا تكفي، حيث تقدر تكلفة المعيشة والاحتياجات الأساسية للعائلة في كل شهر، بما لا يقل عن مليون ليرة سورية، بينما دخل الموظف بالقطاع العام من الدرجة الأولى يساوي 150 ألف ليرة سورية، وفي القطاع الخاص أو الأعمال الحرة يتراوح الدخل بين ٣٥٠ و٥٠٠ ألف ليرة سورية»، موضحة أن تداول الإعلانات الداعية لتوفر فرص عمل للأطفال «تختصر إلى حد بعيد المدى الذي وصلته ظاهرة عمالة الأطفال في البلاد، فالتسويق لدخول الأطفال سوق العمل أصبح أمراً مباحاً لا يستلزم أي محاسبة حكومية أو مجتمعية».

مدينة درعا البلد الخاضعة لاتفاق التسوية في جنوب سوريا (الشرق الأوسط)

ويقول موظف في دائرة الشؤون الاجتماعية والعمل السورية في درعا لـ«الشرق الأوسط» إن الدور الذي يمكن لهم القيام به لحماية حقوق الأطفال وضمان حمايتهم من التشغيل والعمل، مرهون بالدعم المقدم لدوائر الشؤون الاجتماعية، وفي الوقت الحالي يعتبر الدعم شبه معدوم، ويتمثل الدور الحالي في حضّ المجتمع الدولي والمنظمات الإنسانية والحكومة والمجتمع، على إيجاد الحلول المناسبة لزيادة مكافحة هذه الظاهرة. ولهذا، دعت الشؤون الاجتماعية مراراً لتنسيب الأطفال في نوادٍ صيفية وتعليمية وترفيهية، تساعد في توفير أفضل الظروف للأطفال، من أجل أن يكونوا في بيئة مناسبة وآمنة.

تلميذة تسير نحو مدرستها (أ.ف.ب)

وأشار إلى الآثار السلبية الناتجة عن تفاقم ظاهرة عمالة الأطفال على المجتمع، حيث إن توظيف الأطفال «يمثل خطراً كبيراً على تعليمهم ومستقبلهم وتنمية شخصيتهم وسلوكهم، إضافة إلى التداعيات الصحية المحتملة المتأتية من الإصابة والأمراض نتيجة العمل في ظروف صعبة».

قوانين العمل السورية تنص بشكل صريح على «منع عمل الطفل، وحظر تشغيله دون سن الخامسة عشرة»، وألا يزيد عدد ساعات العمل على 6 ساعات، مع تحديد شروط وظروف عمله. ووفقاً لخبير في القانون، «فإن التجاذب بين المنع والسماح ترك الباب موارباً لأرباب العمل في استغلال الطفولة».

خلال جولة أجرتها «الشرق الأوسط» في مدينة درعا، كان معظم الأطفال العمال يطلقون كلاماً يغادرون فيه سن الطفولة، وكأنهم نسوا أنهم أطفال لديهم حقوق كبيرة، ولكنها أُعدمت قانونياً ومجتمعياً ومن أصحاب العمل والمشروعات، منهم عبدالله (9 سنوات)، الذي يحار كيف يجيبنا عن كم الأسئلة التي حاصرته في ورشة لصيانة السيارات والدراجات النارية، وعبّر عن صعوبة عمله وحبه للعلم واللعب مع أصدقائه، لكن العامل المادي يراه أه‍م لحياته وحياة أخته، التي ربط سعادتها بأن يشتري لها من مرتبه ما ترغبه، ولا ينقصها عن صديقاتها شيء. ومثله حسن (12 عاماً)، الذي يعمل في محل لبيع الخضار، ويقول: «المعيشة مكلفة كثيراً. والدتي تعمل مستخدمة بدائرة حكومية، لكن الراتب لا يكفي، وأنا أساعدها في مصروف البيت، ووالدي غادرنا منذ سنوات».

أكثر من 50 % من السكان في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي (برنامج الأغذية العالمي)

تتحسر «أم محمد» على طفلها الذي لم يبلغ سن الحادية عشرة ويعمل في إحدى ورش الحدادة في مدينة درعا، وتقول إن ضيق الحال المادية دفعها إلى القبول بالأمر الذي أخرج ولدها من تعليمه، ووضعه في سوق ورش الحدادة، خصوصاً أن دخلها الشهري في صناعة الألبان والأجبان لا يكفي احتياجات عائلتها، إذ يكسب ابنها من عمله دخلاً يساعدها على تحمل التكاليف، وتسيير أمور المعيشة، والحفاظ على البقية من أولادها في مقاعد الدراسة.

حقائق

2.5 مليون طفل سوري

لا يرتادون المدارس بسبب الضائقة المعيشة


مقالات ذات صلة

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع

المشرق العربي لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع

اعتبر المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، غير بيدرسن، بعد لقائه وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق، أمس، أنه «من الضروري للغاية ضمان أن يكون هناك وقف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي لقاء صباغ وبيدرسن في مقر وزارة الخارجية السورية 24 نوفمبر 2024 (حساب الوزارة على فيسبوك)

بيدرسن: من الضروري عدم جر سوريا إلى النزاع في المنطقة

لم تصدر أي تفاصيل حول نتائج لقاء الموفد الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، الأحد، مع وزير الخارجية السوري بسام الصباغ في دمشق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية أحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا (إعلام تركي)

تراجع أعداد اللاجئين السوريين في تركيا لأقل من 3 ملايين

تراجعت أعداد اللاجئين السوريين الخاضعين لنظام الحماية المؤقتة في تركيا إلى أقل من 3 ملايين لاجئ.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي تشييع اثنين من ضحايا هجوم تدمر في الحطابية بمحافظة حمص الجمعة (متداولة)

بعد هجوم تدمر... قيادات إيرانية تتحرك من سوريا نحو العراق

أنباء عن مغادرة قياديين في «الحرس الثوري الإيراني» وميليشيات تابعة لإيران، الأراضي السورية متجهة إلى العراق؛ خشية تعرضهم للاستهداف.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي رجال أمن وإنقاذ في موقع استهدفته غارة إسرائيلية في دمشق (أرشيفية - أ.ب)

تحذير أممي من انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي واسع»

رأت نائبة المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا، نجاة رشدي، أن منطقة الشرق الأوسط تشهد «خطراً عميقاً»، ودعت إلى «عمل حاسم» لمنع انزلاق سوريا إلى «حريق إقليمي».

علي بردى (واشنطن)

«حزب الله» يعلن تدمير 6 دبابات إسرائيلية في جنوب لبنان

دبابة إسرائيلية عند الحدود الشمالية لإسرائيل (رويترز)
دبابة إسرائيلية عند الحدود الشمالية لإسرائيل (رويترز)
TT

«حزب الله» يعلن تدمير 6 دبابات إسرائيلية في جنوب لبنان

دبابة إسرائيلية عند الحدود الشمالية لإسرائيل (رويترز)
دبابة إسرائيلية عند الحدود الشمالية لإسرائيل (رويترز)

أعلن «حزب الله» أنه دمر، الأحد، 6 دبابات «ميركافا» إسرائيلية في جنوب لبنان، 5 منها في بلدة البياضة الساحلية الاستراتيجية.

وقال «حزب الله»، في 3 بيانات، إن مقاتليه دمروا 5 دبابات «عند الأطراف الشرقية لبلدة البياضة»، إحداها أثناء محاولتها «التقدم لسحب دبابة من الدبابات المدمرة»، وأضاف في بيان آخر أنه استهدف بصاروخ موجه دبابة «عند الأطراف الغربية لبلدة دير ميماس».

وتحدثت «الوكالة الوطنية للإعلام» الرسمية عن معارك عنيفة في العديد من مناطق الجنوب، مشيرة إلى «تراجع رتل من 30 آلية عسكرية إسرائيلية من جنوب البياضة (...) باتجاه شمع وطيرحرفا تحت غطاء مدفعي»، بعد تدمير «حزب الله» للدبابات. وأضافت: «تسارع وتيرة العملية البرية الإسرائيلية في الخيام»، البلدة القريبة من الحدود، بعد ليلة من المعارك «العنيفة».

كذلك، أكد «حزب الله» استهداف القوات الإسرائيلية المتمركزة في شرق الخيام بـ4 دفعات من الصواريخ.

وتعدّ إسرائيل هذه البلدة «بوابة استراتيجية تسهل التقدم البري السريع»، بحسب الوكالة.

وقال رئيس بلدية دير ميماس، جورج نكد، للوكالة إن «القوات الإسرائيلية كانت قد وصلت من جهة كفركلا إلى تلة لوبيا الواقعة بين القليعة ودير ميماس ونصبت فيها حاجزاً، وإن هناك ما يقارب 20 شخصاً عالقين في البلدة بينهم امرأة حامل».

وأفادت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بأن نحو 200 صاروخ أُطلقت من لبنان على إسرائيل، الأحد. ونقلت الصحيفة عن مصادر القولَ إن تلك الصواريخ تسببت في وقوع إصابات وتلفيات في مناطق بوسط وشمال إسرائيل.

وأعلن «حزب الله»، في وقت سابق، الأحد، استهداف هدف عسكري في تل أبيب بالصواريخ والطائرات المُسيّرة، وذلك بعد أن استهدف أيضاً قاعدة أسدود البحرية الإسرائيلية.