الفراغ في المواقع الأساسية يهدد مصالح اللبنانيين

خبراء يؤكدون أن الحل بتعديلات دستورية لضبط المهل

جنود من الحرس الرئاسي اللبناني ينزلون العلم من سطح قصر بعبدا في أول أيام الفراغ الرئاسي
(إ.ب.أ)
جنود من الحرس الرئاسي اللبناني ينزلون العلم من سطح قصر بعبدا في أول أيام الفراغ الرئاسي (إ.ب.أ)
TT

الفراغ في المواقع الأساسية يهدد مصالح اللبنانيين

جنود من الحرس الرئاسي اللبناني ينزلون العلم من سطح قصر بعبدا في أول أيام الفراغ الرئاسي
(إ.ب.أ)
جنود من الحرس الرئاسي اللبناني ينزلون العلم من سطح قصر بعبدا في أول أيام الفراغ الرئاسي (إ.ب.أ)

صحيح أنها ليست المرة الأولى التي يختبر فيها لبنان الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية الذي يتسلل تلقائياً إلى قسم كبير من المؤسسات العامة؛ ما يؤدي لعرقلة مصالح الناس، إلا أن تزامن الفراغ هذه المرة مع انهيار اقتصادي ومالي متواصل منذ عام 2019 يفاقم التحديات التي يعيشها اللبنانيون، كما يهدد بتداعي «الهيكل اللبناني» في حال بقيت الأزمة الرئاسية ومعها بقية الأزمات من دون أفق للحل.

ويربط المسؤولون اللبنانيون كما الجهات الدولية عملية النهوض مجدداً بالبلد بمسار يبدأ بانتخاب رئيس للجمهورية، يليه تشكيل حكومة جديدة تأخذ على عاتقها تبني أو وضع خطة للتعافي، ما يعني أن الأزمات ستبقى قائمة وتتكاثر طالما أن عملية شد الحبال الداخلية مستمرة في الملف الرئاسي.

وتحاول الحكومة الحالية التي هي حكومة تصريف أعمال، ما يجعل مهامها محدودة جداً، التصدي لبعض الأزمات لتسيير أمور الناس؛ لذلك عمدت مؤخراً إلى زيادة رواتب موظفي القطاع العام لحثّهم على التراجع عن إضراب متواصل مستمر منذ نحو عام، إلا أن التجاوب معها بقي محدوداً في ظل مطالبات بزيادات أكبر تتلاءم مع الواقع الحالي لسعر الصرف.

ويعاني اللبنانيون اليوم نتيجة هذا الإضراب من تأمين أوراقهم الثبوتية، على أساس أن الموظفين لا يداومون إلا أياماً معدودة في الشهر في إداراتهم. كما أن إنجاز عملية بيع وشراء سيارة أو شقة... أو غيرها بات يتطلب أشهراً وصولاً لعرقلة دخول البضائع إلى لبنان عبر مرفأ بيروت، ما يهدد كل مرة الأمن الغذائي في البلد.

وتعاني الدولة اللبنانية نتيجة هذا الواقع من تراجع إيراداتها، خصوصاً أنها تستوفي رسوماً أساسية من دائرة تسجيل السيارات، ودفع رسوم الميكانيك والدوائر العقارية، وغيرها من القطاعات التي يفترض أن تضخ الأموال في المالية العامة. لكن هذه الأموال لا تُسجل بإطار الخسائر اليوم، كما يؤكد الباحث في «الدولية للمعلومات» محمد شمس الدين، لافتاً إلى أنها «وإن لم تُحصّلها اليوم فستُحصّلها لا شك في وقت لاحق مع عودة المؤسسات إلى عملها... فما يحصل هو تأخير في تحصيل الأموال لا خسارة إلا إذا حصل مزيد من الانهيار بسعر الصرف عندها يمكن أن يكون تحصيلها اليوم مورد دخل أكبر للخزينة، ما سيكون عليه مع أي تراجع إضافي بسعر الصرف».

ويرى شمس الدين في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «الفراغ في سدة رئاسة الجمهورية المستمر منذ نهاية شهر أكتوبر الماضي، ووجود حكومة تصريف أعمال، يترك لا شك أثره على مجمل أوضاع اللبنانيين، خصوصاً أن البلد يعيش في انهيار متواصل منذ عام 2019؛ ما يؤثر في كل القطاعات، خصوصاً أنه ليس لدى الحكومة الحالية القدرة على اتخاذ قرارات أساسية، وبالأخص في مجال التعيينات والإجراءات الإدارية، ما يؤدي إلى حالة الترهل الإداري التي نعيشها وحالة الشلل في كل الدوائر الحكومية، لذلك لا يمكن الحديث عن قطاع متضرر أكثر من قطاع؛ لأن كل القطاعات التي تُعنى بشؤون الناس من الدوائر العقارية إلى مصلحة تسجيل السيارات التي تؤمن إيرادات للدولة كلها تأثرت بالوضع الحالي».

ويشير شمس الدين إلى أن «الشغور في المواقع أمر طبيعي في كل دول العالم، لكن فترات الشغور التي لا تكون محدودة إنما طويلة، فهو ما ليس طبيعياً في لبنان. علماً أن الدستور احتاط لموضوع الشغور، لكنه لم يتوقع أن يستمر فترات طويلة».

ويقول الخبير الدستوري المحامي الدكتور سعيد مالك: «في السنوات الـ10 أو الـ15 الماضية كان هناك حجم فراغ كبير حل بالمؤسسات الدستورية، فبعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، وقبل انتخاب الرئيس ميشال سليمان حدث فراغ في سدة الرئاسة دام نحو 6 أشهر. وبين ولاية الرئيس سليمان وولاية الرئيس ميشال عون، حدث فراغ تجاوز العامين ونصف العام، واليوم نحن في فراغ مستمر منذ 7 أشهر في سدة الرئاسة، ولا نعرف متى يمكن أن ينتهي». ويوضح أن «الفراغ على صعيد الرئاسة الأولى يترافق مع فراغ على صعيد الرئاسة الثالثة؛ حيث إن هناك حكومات تصرف أعمال غير قادرة على الإنتاج، هذا كله يؤثر على مسار الدولة اللبنانية والنظام الديمقراطي».

ويضيف مالك في تصريح لـ«الشرق الأوسط»: «من الثابت أن الدستور بحاجة إلى بعض التعديلات في بعض أحكامه للحيلولة دون الوصول إلى فراغات متتالية، كما يحدث منذ نحو عقد ويزيد من الزمن، لكن ما هو مؤكد أيضاً أن المشكلة الحقيقية هي بالمنظومة الحاكمة التي ترفض التعاطي مع الدستور كأنه القانون الأسمى والواجب احترامه»، لافتاً إلى أن "هناك مهلاً يجب ضبطها وآليات تجب إعادة قراءتها؛ لأن عدم الوضوح على صعيد النصوص القانونية يؤدي لسوء تفسيرها، أضف أن هناك سوء نية لدى السياسيين بتفسير الدستور؛ ما يجعله مطية من أجل تأخير إنجاز الاستحقاقات».

وفي آخر فصول الفراغات في لبنان، يُخشى اليوم من الفراغ في سدة حاكمية مصرف لبنان خصوصاً بعد إصدار القضاء الفرنسي مؤخراً مذكرة توقيف دولية بحق الحاكم الحالي رياض سلامة الذي اقتربت ولايته الخامسة من الانتهاء من دون اتضاح المخرج الذي ستعتمده القوى السياسية لتعيين بديل عنه خصوصاً في حال عدم انتخاب رئيس للبلاد، على أساس أن عوائق قانونية قد تحول حينها دون تمكنه من أداء مهامه إذا لم يحلف اليمين أمام الرئيس. وبعد إعلان رئيس البرلمان نبيه بري صراحة أنه طلب من النائب الأول للحاكم (الشيعي) وسيم منصوري عدم تحمل المسؤولية بعد انتهاء ولاية سلامة، يجري التداول بمخارج قانونية قد تسمح لنائب الحاكم (الثاني) الدرزي بتولي مهامه، من دون أن يُحسم بعد ما إذا كانت القوى السياسية ستسير بهذا السيناريو. ويُخشى أن يؤدي أي فراغ في سدة الحاكمية أو أي فوضى يشهدها مصرف لبنان لتحليق دراماتيكي بسعر الصرف يعني عملياً الوصول لمرحلة الارتطام.

الدستور احتاط لموضوع الشغور لكنه لم يتوقع أن يستمر فترات طويلة

محمد شمس الدين



جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
TT

جدل «الإخوان» في الأردن يعود من بوابة البرلمان

الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)
الجلسة الافتتاحية لأعمال الدورة الجديدة للبرلمان الأردني (رويترز)

يتعامل الأردن مع تحديات أمنية وسياسية خطِرة على حدوده الشمالية مع سوريا، والشرقية مع العراق، والغربية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي. ومع التحدّي الأخير يتعامل الأردن بحذر شديد مع مخطّطات الحكومة اليمينية المتطرفة في تل أبيب، ودعوات تهجير الفلسطينيين التي عدّتها عمّان «إعلان حرب عليها»، لتتعاظم هواجس داخلية تفرض نفسها على صنّاع القرار بقوة.

ومع بدء الدورة الأولى من عمر مجلس النواب العشرين الذي انتخب في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأ الشحن الداخلي في معادلة الصراع بين السلطتين التنفيذية والتشريعية في ظل وجود كتلة معارضة «حرجة» تملك 31 مقعداً قابلة للزيادة تمثلها كتلة «جبهة العمل الإسلامي»، الذراع الحزبية لجماعة الإخوان المسلمين غير المرخّصة في البلاد.

الملك عبد الله الثاني يستعرض حرس الشرف قبل افتتاح أعمال البرلمان الأردني (أ.ف.ب)

قياس شرعية الانتخابات

بدأت القصة الجديدة بين السلطة الأردنية والحركة الإسلامية من قياس «شرعية» الانتخابات الأخيرة، بعد مشاركة نواب الحركة حصولهم على قرابة نصف مليون صوت على مستوى البلاد كافة، من أصل نحو مليون و600 ألف مقترع شاركوا في الانتخابات، إلى جانب حصدهم أيضاً مقاعد مُخصّصة للمرأة والشركس والشيشان في عدد من الدوائر المحلية، على مستوى المحافظات.

وباعتراف الحزب المعارض بنزاهة الانتخابات، تكون المعايير التي سعى الإسلاميون إلى تكريسها مرتبطة فقط بعدد المقاعد التي يحصلون عليها، مستندين إلى سيطرتهم على وعي الرأي العام، من خلال امتلاكهم منابر دينية وإعلامية غير متوافرة لخصومهم.

كانت ثمة تحذيرات جاءت على ألسنة شخصيات سياسية وازنة وخبرات قانونية، من أن قانون الانتخاب الذي توافقت عليه لجنة ملكية، ومنح صوتين للناخب أحدهما لدائرته المحلية والآخر للدائرة العامة المخصصة مقاعدها الـ41 للأحزاب، أبرزها أن الصوت الثاني سيكون «صوتاً مجانياً» مُعطىً لمرشحي الحركة الإسلامية، لكن هذه التحذيرات قوبلت بالسخرية.

كان «عرّابو» القانون يسخرون من التحذيرات، وسط ثقة مُفرطة بأنفسهم، بينما سعى «طباخو» القانون إلى تشكيل أحزاب سياسية قيل إنها ستنافس الحركة الإسلامية، بل ستقلّص عدد مقاعدهم. لكن الحقيقة جاءت بعكس توقعات استطلاعات الرأي السرّية، بل إن تلك التوقعات جاءت بمبالغات لا صلة لها بالواقع.

استناداً إلى ما سبق، ونتيجة لمراجعات مراكز قرار و«جرد الحسابات»، أُقيل ضباط كبار في جهاز الاستخبارات العامة، وسياسياً أعيد تموضُع شخصيات في مواقع متقدمة في الديوان الملكي، وتحييد آخرين، مع إلزام الحكومة الجديدة بتدوير الزوايا الاقتصادية الحادة في موازنة العام المقبل، واختصار تصريحاتها بالشأن السياسي. ومن المتوقع أن تطال التغييرات مواقع متقدِّمة، أمنية وسياسية قبل نهاية العام.

وحسب مخضرمين سياسيين، كان من السهل الطعن بدستورية قانون الانتخاب النافذ، خصوصاً في ظل التعارض الواضح في نصوص احتساب درجة الحسم (العتبة) التي جاءت نتيجتها بمضاعفة عدد مقاعد الحركة الإسلامية على الأقل.

وقد استند هؤلاء إلى نصّين متعارضين في حسابات الفوز والخسارة في الانتخابات، ثم إنه رغم التحذيرات أدّى الإصرار على الخطأ لنتائج غير متوقعة، وسقوط استطلاعات الرأي المسكوت عنها، والتي «أُجريت بطرق غير علمية»، كما وصفها مطّلعون تحدثت معهم «الشرق الأوسط».

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال افتتاح أعمال دورة جديدة للبرلمان (رويترز)

خطاب العرش... بين السطور

في الثامن عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي انطلقت أعمال الدورة العادية من عُمر مجلس النواب العشرين، بعد إلقاء العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خطاب العرش. وحمل الخطاب بين سطوره «مفاتيح» لسياسة الأردن، في ظل تحوّلات كبيرة، لعل أهمها إدارة العلاقات الأردنية مع الحليف الأميركي بعد فوز دونالد ترمب بفترة رئاسية جديدة، والمفاجآت التي قد تحملها سياساته، عطفاً على سياساته وقراراته في دورته السابقة، ومدى الحرج الذي قد يتسبّب به الرجل في لقاءاته الرسمية وتصرفاته الشخصية.

لم يأخذ الكلام الملكي المساحة اللازمة من التحليل وقراءة ما بين السطور، واكتفى المحللون بإبراز فقرات من الخطاب تتعلق بالشأن الداخلي، إثر قول الملك إن مستقبل بلاده «لن يكون خاضعاً لسياسات لا تلبّي مصالحه أو تخرج عن مبادئه»، واصفاً الأردن بـ«الدولة الراسخة الهوية، التي لا تغامر في مستقبلها».

ولم يتطرّق المحلّلون إلى سقوط عبارة «حل الدولتين» من الخطاب والاكتفاء بالإشارة إلى «السلام العادل والمشرّف هو السبيل لرفع الظلم التاريخي عن الأشقاء الفلسطينيين»، مع تمسّك الأردن بأولوية إعادة «كامل الحقوق لأصحابها ومنح الأمن للجميع، رغم كل العقبات وتطرّف الذين لا يؤمنون بالسلام».

قراءة في سلوك «الإسلاميين»

بعد الرسائل الملكية تلك، دخل النواب في منافسة محمومة على مقاعد الرئاسة وانتخاب أعضاء المكتب الدائم للمجلس. وجاءت النتيجة حاسمة لصالح الرئيس الأسبق أحمد الصفدي الذي نافسه النائب صالح العرموطي (الإسلامي)، الآتي محمولاً على أكتاف أعلى الأصوات على مستوى الدوائر المحلية.

أراد «الإسلاميون» في المجلس إيصال «مظلوميتهم» إلى الشارع، فبعد إعلان خمس كتل حزبية تحالفها في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، كانت منافسة كتلة حزب «جبهة العمل الإسلامي» غير مُجدية؛ نظراً لقرارهم بعزل أنفسهم عن أي تحالفات حتى مع المستقلين من أعضاء المجلس، ولم ينجحوا إلا في استقطاب 6 نواب من خارج كتلتهم (الـ31 نائباً)، على الرغم من وجود 23 نائباً مستقلاً، مع توزّع 115 من النواب على 12 حزباً فازوا بمقاعد بعد تجاوز درجة الحسم في الانتخابات النيابية الأخيرة.

هؤلاء، بالإضافة إلى حزب «جبهة العمل الإسلامي»، جاؤوا على التوالي: حزب «الميثاق»، و«إرادة»، و«الوطني الإسلامي»، و«تقدّم»، و«الاتحاد»، و«الأرض المباركة»، وحزب «عزم»، وحزب «العمل»، وحزب «العمال»، و«المدني الديمقراطي»، وحزب «نماء».

ويُدرك الإسلاميون صعوبة التحالف، وكانوا قد ضيّعوا فرصة قدّمها قبل انتخابات الرئاسة وقتها المرشح الصفدي؛ إذ ضمن لهم مقعدين في المكتب الدائم هما مقعد النائب الثاني للرئيس، وأحد مقعدي المساعدين للرئيس، ورئاسة بعض اللجان. غير أنهم آثروا الانعزال ورفض التفاوض، فكانت فكرتهم المركزية - كما وصفها مقربون منهم في حوارات مع «الشرق الأوسط» - أنهم يريدون «إيصال رسائل» تُفيد بتعرّضهم لحصار ومحاربة من قبل الأحزاب الرسمية، وبذلك يحصدون المزيد من الشعبية أمام الشارع الأردني، وهذا ما حصل فعلاً.

وبالفعل، تابع الإسلاميون خطتهم في انتخابات الرئاسة والمكتب الدائم، وسعوا للترشح عن مقعدي النائب الأول والثاني للرئيس. وبعد استعراضات تحت القبة، انسحب مرشحو الحركة في رسالة أرادوا منها التذكير بقدرتهم على المشاغبة في مواجهة توزيع المواقع القيادية في المجلس.

إلا أن ما استقرت عليه خطة المواجهة معهم تحت القبة سيحرمهم أيضاً فرص الفوز برئاسة اللجان النيابية الدائمة، وعلى رأس هذه اللجان: المالية، فلسطين، التوجيه الوطني، الاقتصاد والاستثمار، الشؤون الخارجية، والحريات العامة، وفق مصادر تحدثت إلى «الشرق الأوسط».

إقرار الموازنة المالية أبرز تحدٍّ يواجه الحكومة الأردنية مع بدء مناقشة القانون في البرلمان (بترا)

مواجهة مرتقبة

يُدرك صنّاع القرار في الأردن اليوم مدى خطورة وجود كتلة «حرجة» بحجم كتلة «جبهة العمل الإسلامي» تحت قبة المجلس، لا سيما أنه عُرف عنهم التزامهم في حضور الجلسات التشريعية، وبراعتهم في اختيار مداخلاتهم في الجلسات الرقابية، في ظل احتكارهم لعبة النصاب في التصويت على قرارات المجلس.

ثم إن للإسلاميين صدقيتهم في الإعلام المحلي، وهم الذين استخدموا التواصل الاجتماعي بفاعلية في إيصال صوتهم. ولذا فهم يستخدمون لعبة شحن الشارع بمظلوميتهم وكشفهم عن خفايا التصويت على القرارات في المجلس.

وبرأي متابعين، فإن الحصيلة الشعبية لحزب «جبهة العمل الإسلامي» قابلة للارتفاع في ظل ضعف حجة من يواجههم في العمل العام.

لكن ما غاب عن حسابات المطبخ السياسي لـ«جبهة العمل الإسلامي» (وحاضنته الأم جماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة)، أنهم قد يكونون الأداة الأهم في التحذير من مخاطر أمن واستقرار المملكة في ظل استمرار نشاطهم السياسي الذي يعرف استخدام الشارع وعاطفته في الاشتباك مع مؤسسات الدولة؛ إذ بمجرد وجود الإسلاميين في المجالس المنتخبة سيوزّع رسائل إلى عدة جهات، أهمّها تحكم اليمين الإسلامي في دولة عُرفت بالاعتدال... وهذا قد يقلب الطاولة على أحلام الحركة في السيطرة والسلطة.

بداية مُقلقة لعلاقة متوترة

أمام السلطتين التشريعية والتنفيذية حزمة استحقاقات صعبة. وستكون البداية بـ«حفلة» البيان الوزاري وبدء «ماراثون» مناقشة النواب لمضامينه، وهنا سيستغل نواب الحركة الإسلامية المنبر البرلماني لشن هجمات على الحكومة، وتشويه صورتها، منتصرين بذلك أمام الشارع بعد حجبهم الثقة.

وبعد طيّ صفحة الثقة المضمونة للحكومة، سيدخل استحقاق مشروع قانون الموازنة والوحدات المستقلة لسنة 2025. وتكراراً سيصعد نواب الحركة إلى المنبر ليضاعفوا حصّتهم في الشارع، ولن تنتهي الدورة البرلمانية العادية قبل أن يكون لـ«جبهة العمل الإسلامي» الحصّة الأكبر من معركة الرأي العام.

في المقابل، ما يمكن أن تشهده الدورة الحالية في ملف ساخن قد يعيد المشهد لما قبل عام 2011، هو القرار المُرتقب في حل نقابة المعلمين مطلع ربيع العام المقبل. هذا الملف قد يعيد «تسخين» المشهد المحلي على «صفيح» قضية المعلمين وعودتهم إلى الحراك. وللعلم، كان آخر نقيب للمعلمين قبل قرار قضائي جمّد أعمال النقابة وأغلق أبوابها، نائب جاء عن قائمة الحزب الإخواني التي ترشحت على مقاعد الدائرة الحزبية العامة.

رئيس الوزراء الأردني جعفر حسان (أ.ف.ب)

نقاط ضعف الحكومة وقوتها

مرتكز القوة لحكومة جعفر حسّان التي أقسمت اليمين مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، هو شخصية رئيسها. فحسّان يتمتع بصفات الاستقامة والنزاهة، ورفض الاستجابة للضغوط من مختلف القوى والجهات، وقدرته على العمل تحت الضغط بعيداً عن الأضواء. لكن إذا كانت هذه الصفات تصلح لمهمة من نوع إدارة مكتب الملك الخاص، فإنها قد لا تكون مطلوبة تماماً في شخصية رئيس الحكومة.

وحسّان أدار مكتب الملك في حقبتين مختلفتين، وفي عودته للمرة الثانية خلال السنوات الخمس الماضية استطاع الرجل الانفتاح على الآراء، مستفيداً من تنوع ناصحيه ومحبيه، إلا أن مزايا الرئيس نفسه لا تنسحب بالضرورة على بقية فريقه الحكومي؛ إذ بين اختياراته الوزارية مَن قد يدخل الحكومة كاملة في أزمات متعددة.

وأيضاً، بين وزراء حسّان أشخاص لم يسبق لهم تجربة العمل العام، ناهيك بأن ضمن فريقه طامحين في موقع حسّان نفسه، وبينهم من سبق له العمل البرلماني، بل عُرف عن هؤلاء قدرتهم على استفزاز مجالس النواب ومحاولة التذاكي على التشريعات، قبل كشف الأخطاء التي ارتكبت، ومنها أخطاء قانوني الانتخاب والأحزاب.

في هذا السياق، يحقّ عُرفاً لرئيس الوزراء إجراء أول تعديل وزاري على فريقه الحكومي مباشرةً بعد نيل الحكومة الثقة من مجلس النواب، مع توفير مظلة مشاورات «شكلية» لصالح فرص توزير شخصيات من أحزاب لها أذرع نيابية في المجلس الذي بدأت أعماله رسمياً منذ 18 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي.