المبعوث الأممي إلى سوريا: لحظة فارقة... وعلى دمشق التحرك

بيدرسون قال لـ«الشرق الأوسط» إن هناك إجماعاً على عدم استمرار الوضع الراهن

غير بيدرسون في دمشق (أ.ف.ب)
غير بيدرسون في دمشق (أ.ف.ب)
TT

المبعوث الأممي إلى سوريا: لحظة فارقة... وعلى دمشق التحرك

غير بيدرسون في دمشق (أ.ف.ب)
غير بيدرسون في دمشق (أ.ف.ب)

نوه المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، اليوم (الخميس)، بـ«المبادرة العربية» مع دمشق، مشدداً على أهمية التوفيق بين هذه المبادرة ومسار موسكو الذي يضم روسيا وإيران وتركيا وسوريا والحكومة السورية، والموقفين الأميركي والأوروبي، للمضي قدماً نحو إيجاد حل سياسي.

وقال بيدرسون إن سوريا تمر بـ«لحظة فارقة» وعلى دمشق استثمار «نافذة الفرصة» للتحرك نحو التسوية، مشيراً إلى أن جميع الدول «تدعم» مقاربة «خطوة مقابل خطوة» التي تتضمن اتخاذ جميع الأطراف لإجراءات «متوازية ومتبادلة ويمكن التحقق منها»، إزاء قضايا عدة، بينها المعتقلون والسجناء وعودة اللاجئين والعقوبات.

وفي ما يلي نص الحديث الذي أجري عبر الإنترنت صباح الخميس:

* ستعقد القمة العربية في جدة وسيشارك الرئيس السوري بشار الأسد للمرة الأولى منذ 2010. ماذا يعني هذا بالنسبة إلى المبعوث الأممي؟

- لابد من البدء بالقول إن البحث عن حل سياسي مستمر منذ 12 سنة. ونعرف أن المشاكل عميقة جداً وأنه ليس هناك حل سياسي سهل. لكن في الوقت نفسه، نعرف أن هناك إجماعاً دولياً متفقاً عليه بأن قرار مجلس الأمن 2254 هو قاعدة الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية.

أيضاً، نعرف أنه على رغم أن لدينا اتفاقاً حول القرار 2254، فإن العملية السياسية لم تحقق التقدم المنشود. لنكن صريحين حول ذلك.

ليست هناك طرق مختصرة للحل السياسي للأزمة السورية، لكن في الوقت نفسه، يجب أن نرحب بالاهتمام الدبلوماسي المتجدد بشأن سوريا. هناك مسارات ومبادرات مختلفة. شاهدنا الاجتماع بين أربعة وزراء خارجية عرب ونظيرهم السوري في عمّان واجتماعات عدة في موسكو ضمّت الروس والإيرانيين والأتراك والسوريين، بما فيها لقاء وزاري رباعي وقبله لقاء بين وزراء الدفاع.

بالطبع، يجب أن نتذكر أنه بعد 12 عاماً من الحرب والصراع الدموي، ساهمت الزلازل الكارثية في فبراير (شباط) الماضي في تدهور الأوضاع الإنسانية المتردية أصلاً. الواقع أن الوضع على الأرض نتج عنه اتخاذ خطوات رمزية من الأطراف كافة، إلا أنها لم تؤد إلى تغيير الوضع على الأرض وتحسين وضع السوريين.

* ألا يوجد تحسن؟

- دعني أؤكد، كما قلت سابقاً، أننا بحاجة لتعاون جميع الدول الأطراف في عملية آستانا والعرب والأطراف الرئيسية. إن الحل الشامل للأزمة لم يتحقق حتى الآن، لكن يجب الاستمرار في المحاولة. بالتوازي مع إدراك أن الوضع الراهن غير مقبول أو مستدام، لابد من إيجاد طريقة للمضي قدماً. وما نراه من جميع الأطراف والأطراف المجتمعة في موسكو، أن هناك اتفاقاً على أن استمرار الوضع الراهن غير مقبول. حتى الأطراف الغربية تقول ذلك. هناك إجماع على هذا. السؤال هو: كيف ندفع الأمور للتحرك قدماً؟

«خطوة مقابل خطوة»

* هل يجعل هذا كله تنفيذ مهمتك أسهل أم أصعب؟

- المطلوب أن نبني على الإجماع كي نقوم بخطوات ملموسة لتنفيذ القرار 2254. وكما تعرف أنا اقترحت مقاربة «خطوة مقابل خطوة» بناء على التفاهم الذي ذكرته. كما تعرف أنني انخرطت مع أصدقائي العرب والدول أطراف عملية أستانا، والطرفين الأميركي والأوروبي والأطراف السورية.

* ما هي مقاربة «خطوة مقابل خطوة»؟

- نحاول القيام بما نسميه، خطوات ملموسة ومتدرجة ومتبادلة، تساهم في تحقيق دفع العملية السياسية. هذه الخطوات من المهم جداً أن تكون متوازية وقابلة للتحقق منها. ومن المهم أن تساهم في تغيير الواقع على الأرض.

* ماذا تتضمن الخطوات؟

- حددت بعض الخطوات التي يمكن القيام بها. نعرف جميعاً أن ملف المعتقلين والمخطوفين والمفقودين مهم جداً. وكذلك ضرورة توفير بيئة آمنة وكريمة للعودة الطوعية للاجئين. هذه خطوة مهمة. أيضاً، لابد من مناقشة حقوق الملكية والمنازل والأراضي والتوثيق المدني والخدمة العسكرية الإلزامية. يضاف إلى ذلك، السلم الاجتماعي أو أمور باتت أكثر أهمية بعد الزلزال. ولابد أيضاً من مناقشة العقوبات.

بشكل عام، يجب انخراط الأطراف كافة في عملية سياسية ذات مصداقية ووضع قضايا على الطاولة. بصراحة أرى أنه من خلال النقاشات التي أجريتها مع الأطراف كافة، أن هناك تقاطعات بين المبادرات المختلفة على رغم بعض الاختلافات، وهو أمر طبيعي.

بالتأكيد لاحظت أنني قلت، إن ما نراه في موسكو والمبادرة العربية، قد يخلقان ديناميكية جديدة للتحرك. وأقول إنه من المهم جداً أن تستغل دمشق هذه الفرصة للانخراط بجدية.

لا طرف يمكنه الحل بمفرده

* ذكرت «خطوة مقابل خطوة» وهي جزء من الحل السياسي. وهذه المقاربة ذكرت في بيان عمّان الوزاري الخماسي. هل تعتقد أن هذه المبادرات ستتبلور بشكل جدي أم أن الأمر يقتصر على مجرد بيانات؟

- أجريت مشاورات جيدة مع وزراء خارجية الدول العربية الرئيسية ووزير خارجية سوريا فيصل المقداد. الكل يعرف التحديات الرئيسية لحل الصراع السوري. كما قلت إن الواقع على الأرض لم يتغير، فسوريا مازالت مقسمة. هناك أطراف مختلفة تسيطر على مناطق مختلفة في سوريا، إضافة إلى أزمة اقتصادية وإنسانية خانقة وتحدي الإرهاب والتطرف. وتتحدث الأطراف العربية عن مشكلة إنتاج المخدرات وتهريبها. وكلها أمور تحتاج إلى فهم عميق وتحرك مناسب.

تلقيت رسائل إيجابية من وزراء خارجية عرب عدة للتنسيق مع الأمم المتحدة لمعالجة هذه القضايا. وأتطلع بعد القمة العربية للبحث في كيفية المضي قدماً. كما أنني أتطلع إلى مواصلة التشاور مع مسار موسكو. كما قلت، هناك تقاطعات بين ما يناقشه العرب ومسار موسكو الرباعي. من الأهمية بمكان أن نستمر في التنسيق والتشاور.

لابد من القول، وأكرر، إنه لا يوجد أي طرف من الأطراف يمكنه بمفرده إيجاد حل. لذلك لابد من مشاركة جميع الأطراف. هذا يشمل العرب والأتراك والإيرانيين والروس والولايات المتحدة والأوروبيين والأطراف السورية. أرى أن دوري جمع الأطراف سورياً حول الطاولة لمناقشة كيفية تحريك دفع العملية السياسية وتغيّر الوضع على الأرض بشكل جذري.

* هل صحيح أن هناك برنامجاً زمنياً وضعته بعض الدول العربية، وهي تتوقع أن تقوم دمشق بالتحرك حول بعض القضايا؟

- لا أريد أن أتحدث نيابة عن الدول العربية. كان لدينا نقاش ممتاز وآمل في مواصلة الحوار والتنسيق والمتابعة لتحقيق بعض النجاح على بعض المسارات. هذا يتطلب العمل الجاد المكثف. فالاحتياجات في سوريا لا تزال هائلة وهي أكثر إلحاحاً بعد الزلزال، ولابد من التأكد مما إذا كانت هناك رغبة جدية للمضي قدماً بطريقة متقابلة ومتوازية ويمكن التحقق منها.

* لاحظت فجوة بين التطبيع العربي مع دمشق وبين قيام دول غربية، خصوصاً الكونغرس الأميركي، بفرض إجراءات إضافية ضد سوريا. بالنسبة إليك كمبعوث أممي، هل هذا يسهّل مهمتك أم يعقدها؟

- أنت محق، هناك انقسام في المجتمع الدولي إزاء كيفية التعاطي مع سوريا. هناك جدل في واشنطن وعواصم أوروبية حول كيفية التعامل مع التطورات الأخيرة. انطباعي، أنهم جميعاً يفهمون، بل يدعمون مفهوم «خطوة مقابل خطوة». أعتقد، إذا انخرطت دمشق في هذه العملية، ستكون هناك فرصة لتحقيق تقدم.

استئناف اجتماعات جنيف

* سمعت من مصادر أن المقاربة للحل هي أن نقدم حوافز لدمشق بينها التقارب العربي، ثم على دمشق أن تقدم شيئاً ملموساً في موضوع الكبتاغون وعودة اللاجئين خلال فترة بين 4 و6 أشهر، وأنه إذا لم يتحقق تقدم، فإن الدول الغربية ستعزز إجراءاتها العقابية ضد دمشق؟

- لاشك أن الإجابة على هذا السؤال لدى الدول الغربية. أما بالنسبة لي، فالوصغ كالآتي: بعد 12 سنة من الحرب والصراع، هناك مبادرات من العرب ومن الأتراك ومسار آستانا، تخلق فرصاً جدية للدفع قدماً. ما نريده هو أن تستجيب دمشق بشكل إيجابي لهذا الأمر. إذا لم يحدث ذلك، فإن الوضع الاقتصادي والإنساني، سيستمر في التدهور، وسينهار النسيج الاجتماعي. فنحن بالفعل إزاء لحظة فارقة. لقد صدرت تصريحات من المسؤولين العرب تدعو إلى عقد اجتماع جديد للجنة الدستورية. وقد وردت الإشارة إلى ذلك في بيان عمان. وأشدد من جانبي على ضرورة استئناف عقد اجتماعات اللجنة في جنيف كخطوة أولى.

كما قلت، من المهم أن تقوم اللجنة الوزارية العربية التي شكلت مؤخراً في إطار الجامعة العربية بدورها في المتابعة. ولابد من إجراء مناقشات جدية مع تركيا وإيران وروسيا، والولايات المتحدة والدول الأوروبية بالتنسيق مع الأمم المتحدة كجهة قادرة على التحدث إلى جميع الأطراف ودعوتها إلى الطاولة، وهو ما لا يتسنى لأي طرف آخر.

* البعض يقول إن مسار موسكو الرباعي والمسار العربي هما مساران بديلان عن مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة، وأن الضحية الأكبر لكل ذلك، هي عملية ترعاها الأمم المتحدة إزاء اللجنة الدستورية أو القرار 2254؟

- كما قلت، هناك مساحة للتوفيق بين هذا المسارات. إذا بدأت هذه المسارات في تحقيق تقدم ملموس سيكون هذ الأمر داعماً لما أريد إنجازه، وهو تحريك العملية السياسية للوصول إلى بيئة هادئة وآمنة و محايدة تمكننا من التقدم في العملية السياسية. كما قلت سابقاً، إن جميع المبادرات مهمة، لكن ما يجب أن نراه هو مزيداً من الانخراط الدولي ورؤية شاملة لما هو مطلوب تغييره في سوريا. الأمر ليس سهلاً، لكن هناك بداية وفرصة.

* ما الخطوات المقبلة التي ستعمل عليها؟

- نراقب ما يحصل في مسار موسكو والمبادرة العربية والوضع على الأرض، وبناء على ذلك، سنحدد كيفية التحرك مع الأطراف المختلفة لضمان التنسيق مع السوريين والعرب وموسكو والولايات المتحدة والدول الأوروبية.

نحن أمام تحدٍ كبير، فإذا لم تنخرط الدول الرئيسية بجدية، سنشهد جموداً في العملية، مهمتي هي الحيلولة دون حدوث ذلك. فالرسائل التي تصلني من المسؤولين العرب مشجعة.

محاولة جدية لتغيير الوضع الراهن

* ماذا ستقول للسوريين في دمشق وإدلب والقامشلي وفي سوريا وخارجها، كي يشعروا بأن وضعهم سيتحسن؟ كيف تقنعهم أن الحل قادم؟

- سأكرر ما قلته سابقا، أتفهم احباطهم بعد 12 سنة من الحرب والصراع إزاء عدم التقدم في العملية السياسية. وأتفهم أن هناك شكوكاً وخيبات كثيرة وأن هناك تحركات سياسية لم تغير الوضع على الأرض. دوري ودور فريقي، أن نجعل من هذا بداية للتغيير الحقيقي وتغيير الأمر على أرض الواقع. إذا لم يحصل هذا، فإننا نخاطر بامتداد الحرب والصراع على مدار سنوات ومزيداً من التدهور في الوضع الاقتصادي والإنساني. فالسوريون يستحقون بصيصاً من الأمل، والعيش بأمن وكرامة سواء داخل سوريا أو لمن يرغبون في العودة وتحقيق تطلعاتهم المشروعة. كما يتوجب إعادة اللحمة إلى المجتمع السوري. هناك حديث بين المسؤولين العرب، حول المصالحة الوطنية. دعنا نأمل أنها بداية لشيء لجديد. هل النجاح مضمون؟ المهم هناك محاولة جدية وقناعة أن الوضع الراهن غير مقبول.

* تشعر المعارضة السياسية السورية بأنه تم التخلي عليها... هل شعورهم صحيح؟

- إذا أدت التحركات الدبلوماسية المكثفة التي شاهدناها مؤخراً إلى تغيير الوضع على الأرض فسيكون هذا مصدر ترحيب من قبل الجميع. أتفهم التشكيك في ما إذا كان ذلك ممكناً.

* في بداية 2014 عقد مؤتمر في سويسرا لتطبيق «بيان جنيف»، وفي نهاية 2015 عقد مؤتمر في فيينا أسفر عن صدور القرار 2254 من مجلس الأمن. في 2023، هل سنرى مؤتمراً دولياً، بحضورك، للبحث عن حل سياسي سوري؟

- من المبكر التنبؤ بما سيكون عليه الحال. ما أريد قوله، إنه كي نتحرك إلى الأمام، لابد من أن تعمل جميع هذه المبادرات معاً. أريد العمل على أن تكون جميع الأطراف على الطاولة: الأطراف السورية، دول مسار استانا، الأطراف العربية، والولايات المتحدة والدول الأوروبية. وسأبذل قصارى جهدي لتحقيق ذلك.


مقالات ذات صلة

إيطاليا تعين سفيراً لدى سوريا

شؤون إقليمية وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني (أرشيفية - إ.ب.أ)

إيطاليا تعين سفيراً لدى سوريا

أعلن وزير الخارجية الإيطالي أنطونيو تاياني، الجمعة، أن بلاده قررت تعيين سفير لدى سوريا «لتسليط الضوء» عليها.

«الشرق الأوسط» (روما)
شؤون إقليمية جانب من هجوم مسيّرات الجيش السوري على النقطة العسكرية التركية في النيرب شرق إدلب (إكس)

تصعيد بين القوات السورية والتركية على وقع «التطبيع»

شهدت محاور حلب وإدلب الواقعة ضمن منطقة خفض التصعيد في شمال غربي سوريا توتراً شديداً واستهدافات متبادلة بين الجيش السوري والقوات التركية والفصائل الموالية لها.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
المشرق العربي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استقبل الرئيس بشار الأسد بالكرملين الأربعاء في زيارة غير معلنة سابقاً (أ.ف.ب)

بوتين يُحذر الأسد من اتجاه التوتر في الشرق الأوسط نحو التوسع

قالت وسائل إعلام رسمية في دمشق، صباح الخميس، إن الرئيس الأسد قام بـ«زيارة عمل» إلى روسيا، والتقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وبحث معه «مجمل جوانب العلاقات».

«الشرق الأوسط» (دمشق)
خاص الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف متحدثاً إلى الصحافيين (موقع الكرملين)

خاص دبلوماسي روسي لـ«الشرق الأوسط»: قمة الأسد - إردوغان قبل نهاية العام

مصدر روسي: الطرفان السوري والتركي غير مستعدين لتطبيع العلاقات، لكن الحديث يدور «عن حاجة ملحة وضرورية لبدء اتصالات تركية - سورية لتسوية قضايا مهمة جداً للطرفين.

رائد جبر (موسكو)
شؤون إقليمية استقبال الأسد لإردوغان في دمشق خلال 2009 (أرشيفية)

أنقرة تنفي تقارير عن لقاء إردوغان والأسد في موسكو

نفت أنقرة ما تردد بشأن عقد لقاء بين الرئيسين التركي رجب طيب إردوغان والسوري بشار الأسد في موسكو، الشهر المقبل.

سعيد عبد الرازق (أنقرة)

هجوم مسلح بـ«رسالة سياسية» على مقر بارزاني في كركوك

صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)
صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)
TT

هجوم مسلح بـ«رسالة سياسية» على مقر بارزاني في كركوك

صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)
صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)

تعرض مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، الذي يتزعمه مسعود بارزاني، فجر السبت، لهجوم بأسلحة خفيفة من قبل مجهولين في محافظة كركوك.

يأتي الهجوم في غمرة الحديث عن قيادة بارزاني لمفوضات مع المكونين العربي والتركماني لحسم معضلة الحكومة المحلية ومنصب المحافظ بعد نحو 7 أشهر على إجراء الانتخابات المحلية، فيما نفى مسؤول كردي رفيع ذلك، وذكر لـ«الشرق الأوسط» أن «مسعود بارزاني يوجد خارج البلاد هذه الأيام ولم يلتق أعضاء في مجلس كركوك».

وقالت مصادر أمنية في المحافظة إن مسلحين مجهولين أطلقوا فجر السبت النار على مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني» في منطقة ساحة العمال وسط كركوك ولم يسفر عن الهجوم أي إصابات بشرية أو أضرار مادية.

وحضرت قوة من الشرطة عقب الهجوم إلى موقع الحادث، وفتحت تحقيقاً وعممت أوصاف المهاجمين الذين فروا إلى جهة مجهولة.

وسبق أن أثار مقر «الحزب الديمقراطي» في كركوك أزمة كبيرة داخل المحافظة نهاية العام الماضي، بعد أن طالب قيادة العمليات العسكرية بتسليم المقر الذي تشغله منذ عام 2017، وحدثت مواجهات بين أنصار الحزب والقوات الأمنية أدت إلى مقتل أفراد إلى جانب ضابط في قوات «البيشمركة».

وانتهت الأزمة بعد قيام رئيس الحزب مسعود بارزاني بتسليم وإهداء المقر، في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى جامعة كركوك لـ«يكون في خدمة طلب العلم والمثقفين في المدينة».

متظاهرون من الكرد فوق بناية مقر حزب بارزاني في كركوك (أرشيفية - شبكة روادو)

معلومات أولية عن الهجوم

وأعلن المتحدث باسم الفرع الثالث لـ«الديمقراطي» في كركوك عن امتلاك الحزب «معلومات عن استهداف المقر»، في حين قال الباحث الكردي كفاح محمود إن «الشبهات تحوم حول المستفيد من تعطيل عمل مجلس المحافظة وعدم التوصل إلى شخصية متفق عليها لإدارة المحافظة».

وأضاف محمود في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه «باستنتاج بسيط يمكن الربط بين عمليات حرق الأسواق في أربيل وكركوك ودهوك وبين هذه العملية التي كانت تستهدف اختراق سور الحماية والدخول إلى المبنى وإحراقه، خصوصاً وأنها تشبه توقيتات حرق الأسواق التي جرت في ساعة متأخرة من الليل وتحديداً في الساعات الأولى للصباح».

وتابع محمود: «هذه الأذرع لديها مراكز ووجود وتتسبب في إشكاليات إقليمية بين العراق وإقليم كردستان من جهة وبين دول الجوار من جهة أخرى».

وذكر محمود أن «الأمر المتعلق بمعرفة الجناة يبقى معلقاً لحين كشف تسجيلات منظومة الكاميرات التي صورت حركة تلك العناصر التي استخدمت مبنى قيد الإنشاء».

وتتهم أوساط «الحزب الديمقراطي»، منذ فترة طويلة، عناصر «حزب العمال» الكردستاني التركي بالتورط في مختلف الأعمال العدائية التي تقع ضده وضد بعض الشركات النفطية وشركات الغاز العاملة في الإقليم، خصوصاً في محافظتي كركوك والسليمانية، كما تحمله مسؤولية توغل القوات التركية داخل الأراضي العراقية في إقليم كردستان.

وقال المتحدث باسم الفرع الثالث لـ«الحزب الديمقراطي الكردستاني» في كركوك، مريوان جلال، السبت، إن «الفرع كان يمتلك معلومات عن استهداف المقر، وإن الهجوم يحمل طابعاً سياسياً وتزامن مع دور الحزب في تقريب وجهات النظر لتشكيل إدارة كركوك ومجلسها».

وأضاف في تصريحات صحافية أن «الهجوم يحمل طابعاً سياسياً وهو ليس استهدافاً للحزب الديمقراطي الكردستاني، بل يستهدف جميع مكونات كركوك، وجاء في وقت يعمل فيه الحزب الديمقراطي بتقريب وجهات النظر بين مكونات المحافظة للشروع بتشكيل إدارة المحافظة، وتفعيل عمل المجلس لغرض تقديم الخدمات لجميع مكونات المحافظة».

السوداني خلال استقباله نواباً من المكون التركماني (إعلام حكومي)

السوداني يجتمع بالتركمان

من جانبه، استقبل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، السبت، عضوين من المكون التركماني في مجلس محافظة كركوك، وحثهم على الاتفاق بشأن اختيار منصب محافظ كركوك بما يلبّي تطلعات أبناء المحافظة.

ولم تفلح جهود رئيس الوزراء محمد السوداني حتى الآن في حل أزمة المحافظة برغم لقاءاته المتكررة مع القوى الفائزة في مقاعد مجلسها.

وأشار السوداني، خلال اللقاء، طبقاً لبيان صادر عن مكتبه، إلى «أهمية تقديم مصلحة أبناء كركوك في أي اتفاق بين القوى السياسية التي فازت بالانتخابات، إثر النجاح في إجرائها بعد تعطل استمر منذ عام 2005».

وشدد السوداني على ضرورة «اختيار الإدارات الحكومية المحلية الناجحة، والاتفاق بشأن اختيار منصب محافظ كركوك بما يلبّي تطلعات أبناء المحافظة».

وتتردد منذ أسابيع أنباء عن سعي القوى المتخاصمة في مجلس المحافظة للاتفاق على صيغة لحسم منصب المحافظ من خلال تدويره بين الكتل الفائزة، بحيث يشغل الأكراد المنصب في السنتين الأولى، ثم يذهب إلى العرب في السنتين الأخيرتين من عمر دورة مجلس المحافظة المحددة بأربع سنوات، وهناك حديث عن أن للتركمان حصة في عملية التدوير رغم امتلاكهم لمقعدين فقط من أصل 16 مقعداً في المجلس.