المبعوث الأممي إلى سوريا: لحظة فارقة... وعلى دمشق التحرك

بيدرسون قال لـ«الشرق الأوسط» إن هناك إجماعاً على عدم استمرار الوضع الراهن

غير بيدرسون في دمشق (أ.ف.ب)
غير بيدرسون في دمشق (أ.ف.ب)
TT

المبعوث الأممي إلى سوريا: لحظة فارقة... وعلى دمشق التحرك

غير بيدرسون في دمشق (أ.ف.ب)
غير بيدرسون في دمشق (أ.ف.ب)

نوه المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، في حديث إلى «الشرق الأوسط»، اليوم (الخميس)، بـ«المبادرة العربية» مع دمشق، مشدداً على أهمية التوفيق بين هذه المبادرة ومسار موسكو الذي يضم روسيا وإيران وتركيا وسوريا والحكومة السورية، والموقفين الأميركي والأوروبي، للمضي قدماً نحو إيجاد حل سياسي.

وقال بيدرسون إن سوريا تمر بـ«لحظة فارقة» وعلى دمشق استثمار «نافذة الفرصة» للتحرك نحو التسوية، مشيراً إلى أن جميع الدول «تدعم» مقاربة «خطوة مقابل خطوة» التي تتضمن اتخاذ جميع الأطراف لإجراءات «متوازية ومتبادلة ويمكن التحقق منها»، إزاء قضايا عدة، بينها المعتقلون والسجناء وعودة اللاجئين والعقوبات.

وفي ما يلي نص الحديث الذي أجري عبر الإنترنت صباح الخميس:

* ستعقد القمة العربية في جدة وسيشارك الرئيس السوري بشار الأسد للمرة الأولى منذ 2010. ماذا يعني هذا بالنسبة إلى المبعوث الأممي؟

- لابد من البدء بالقول إن البحث عن حل سياسي مستمر منذ 12 سنة. ونعرف أن المشاكل عميقة جداً وأنه ليس هناك حل سياسي سهل. لكن في الوقت نفسه، نعرف أن هناك إجماعاً دولياً متفقاً عليه بأن قرار مجلس الأمن 2254 هو قاعدة الوصول إلى حل سياسي للأزمة السورية.

أيضاً، نعرف أنه على رغم أن لدينا اتفاقاً حول القرار 2254، فإن العملية السياسية لم تحقق التقدم المنشود. لنكن صريحين حول ذلك.

ليست هناك طرق مختصرة للحل السياسي للأزمة السورية، لكن في الوقت نفسه، يجب أن نرحب بالاهتمام الدبلوماسي المتجدد بشأن سوريا. هناك مسارات ومبادرات مختلفة. شاهدنا الاجتماع بين أربعة وزراء خارجية عرب ونظيرهم السوري في عمّان واجتماعات عدة في موسكو ضمّت الروس والإيرانيين والأتراك والسوريين، بما فيها لقاء وزاري رباعي وقبله لقاء بين وزراء الدفاع.

بالطبع، يجب أن نتذكر أنه بعد 12 عاماً من الحرب والصراع الدموي، ساهمت الزلازل الكارثية في فبراير (شباط) الماضي في تدهور الأوضاع الإنسانية المتردية أصلاً. الواقع أن الوضع على الأرض نتج عنه اتخاذ خطوات رمزية من الأطراف كافة، إلا أنها لم تؤد إلى تغيير الوضع على الأرض وتحسين وضع السوريين.

* ألا يوجد تحسن؟

- دعني أؤكد، كما قلت سابقاً، أننا بحاجة لتعاون جميع الدول الأطراف في عملية آستانا والعرب والأطراف الرئيسية. إن الحل الشامل للأزمة لم يتحقق حتى الآن، لكن يجب الاستمرار في المحاولة. بالتوازي مع إدراك أن الوضع الراهن غير مقبول أو مستدام، لابد من إيجاد طريقة للمضي قدماً. وما نراه من جميع الأطراف والأطراف المجتمعة في موسكو، أن هناك اتفاقاً على أن استمرار الوضع الراهن غير مقبول. حتى الأطراف الغربية تقول ذلك. هناك إجماع على هذا. السؤال هو: كيف ندفع الأمور للتحرك قدماً؟

«خطوة مقابل خطوة»

* هل يجعل هذا كله تنفيذ مهمتك أسهل أم أصعب؟

- المطلوب أن نبني على الإجماع كي نقوم بخطوات ملموسة لتنفيذ القرار 2254. وكما تعرف أنا اقترحت مقاربة «خطوة مقابل خطوة» بناء على التفاهم الذي ذكرته. كما تعرف أنني انخرطت مع أصدقائي العرب والدول أطراف عملية أستانا، والطرفين الأميركي والأوروبي والأطراف السورية.

* ما هي مقاربة «خطوة مقابل خطوة»؟

- نحاول القيام بما نسميه، خطوات ملموسة ومتدرجة ومتبادلة، تساهم في تحقيق دفع العملية السياسية. هذه الخطوات من المهم جداً أن تكون متوازية وقابلة للتحقق منها. ومن المهم أن تساهم في تغيير الواقع على الأرض.

* ماذا تتضمن الخطوات؟

- حددت بعض الخطوات التي يمكن القيام بها. نعرف جميعاً أن ملف المعتقلين والمخطوفين والمفقودين مهم جداً. وكذلك ضرورة توفير بيئة آمنة وكريمة للعودة الطوعية للاجئين. هذه خطوة مهمة. أيضاً، لابد من مناقشة حقوق الملكية والمنازل والأراضي والتوثيق المدني والخدمة العسكرية الإلزامية. يضاف إلى ذلك، السلم الاجتماعي أو أمور باتت أكثر أهمية بعد الزلزال. ولابد أيضاً من مناقشة العقوبات.

بشكل عام، يجب انخراط الأطراف كافة في عملية سياسية ذات مصداقية ووضع قضايا على الطاولة. بصراحة أرى أنه من خلال النقاشات التي أجريتها مع الأطراف كافة، أن هناك تقاطعات بين المبادرات المختلفة على رغم بعض الاختلافات، وهو أمر طبيعي.

بالتأكيد لاحظت أنني قلت، إن ما نراه في موسكو والمبادرة العربية، قد يخلقان ديناميكية جديدة للتحرك. وأقول إنه من المهم جداً أن تستغل دمشق هذه الفرصة للانخراط بجدية.

لا طرف يمكنه الحل بمفرده

* ذكرت «خطوة مقابل خطوة» وهي جزء من الحل السياسي. وهذه المقاربة ذكرت في بيان عمّان الوزاري الخماسي. هل تعتقد أن هذه المبادرات ستتبلور بشكل جدي أم أن الأمر يقتصر على مجرد بيانات؟

- أجريت مشاورات جيدة مع وزراء خارجية الدول العربية الرئيسية ووزير خارجية سوريا فيصل المقداد. الكل يعرف التحديات الرئيسية لحل الصراع السوري. كما قلت إن الواقع على الأرض لم يتغير، فسوريا مازالت مقسمة. هناك أطراف مختلفة تسيطر على مناطق مختلفة في سوريا، إضافة إلى أزمة اقتصادية وإنسانية خانقة وتحدي الإرهاب والتطرف. وتتحدث الأطراف العربية عن مشكلة إنتاج المخدرات وتهريبها. وكلها أمور تحتاج إلى فهم عميق وتحرك مناسب.

تلقيت رسائل إيجابية من وزراء خارجية عرب عدة للتنسيق مع الأمم المتحدة لمعالجة هذه القضايا. وأتطلع بعد القمة العربية للبحث في كيفية المضي قدماً. كما أنني أتطلع إلى مواصلة التشاور مع مسار موسكو. كما قلت، هناك تقاطعات بين ما يناقشه العرب ومسار موسكو الرباعي. من الأهمية بمكان أن نستمر في التنسيق والتشاور.

لابد من القول، وأكرر، إنه لا يوجد أي طرف من الأطراف يمكنه بمفرده إيجاد حل. لذلك لابد من مشاركة جميع الأطراف. هذا يشمل العرب والأتراك والإيرانيين والروس والولايات المتحدة والأوروبيين والأطراف السورية. أرى أن دوري جمع الأطراف سورياً حول الطاولة لمناقشة كيفية تحريك دفع العملية السياسية وتغيّر الوضع على الأرض بشكل جذري.

* هل صحيح أن هناك برنامجاً زمنياً وضعته بعض الدول العربية، وهي تتوقع أن تقوم دمشق بالتحرك حول بعض القضايا؟

- لا أريد أن أتحدث نيابة عن الدول العربية. كان لدينا نقاش ممتاز وآمل في مواصلة الحوار والتنسيق والمتابعة لتحقيق بعض النجاح على بعض المسارات. هذا يتطلب العمل الجاد المكثف. فالاحتياجات في سوريا لا تزال هائلة وهي أكثر إلحاحاً بعد الزلزال، ولابد من التأكد مما إذا كانت هناك رغبة جدية للمضي قدماً بطريقة متقابلة ومتوازية ويمكن التحقق منها.

* لاحظت فجوة بين التطبيع العربي مع دمشق وبين قيام دول غربية، خصوصاً الكونغرس الأميركي، بفرض إجراءات إضافية ضد سوريا. بالنسبة إليك كمبعوث أممي، هل هذا يسهّل مهمتك أم يعقدها؟

- أنت محق، هناك انقسام في المجتمع الدولي إزاء كيفية التعاطي مع سوريا. هناك جدل في واشنطن وعواصم أوروبية حول كيفية التعامل مع التطورات الأخيرة. انطباعي، أنهم جميعاً يفهمون، بل يدعمون مفهوم «خطوة مقابل خطوة». أعتقد، إذا انخرطت دمشق في هذه العملية، ستكون هناك فرصة لتحقيق تقدم.

استئناف اجتماعات جنيف

* سمعت من مصادر أن المقاربة للحل هي أن نقدم حوافز لدمشق بينها التقارب العربي، ثم على دمشق أن تقدم شيئاً ملموساً في موضوع الكبتاغون وعودة اللاجئين خلال فترة بين 4 و6 أشهر، وأنه إذا لم يتحقق تقدم، فإن الدول الغربية ستعزز إجراءاتها العقابية ضد دمشق؟

- لاشك أن الإجابة على هذا السؤال لدى الدول الغربية. أما بالنسبة لي، فالوصغ كالآتي: بعد 12 سنة من الحرب والصراع، هناك مبادرات من العرب ومن الأتراك ومسار آستانا، تخلق فرصاً جدية للدفع قدماً. ما نريده هو أن تستجيب دمشق بشكل إيجابي لهذا الأمر. إذا لم يحدث ذلك، فإن الوضع الاقتصادي والإنساني، سيستمر في التدهور، وسينهار النسيج الاجتماعي. فنحن بالفعل إزاء لحظة فارقة. لقد صدرت تصريحات من المسؤولين العرب تدعو إلى عقد اجتماع جديد للجنة الدستورية. وقد وردت الإشارة إلى ذلك في بيان عمان. وأشدد من جانبي على ضرورة استئناف عقد اجتماعات اللجنة في جنيف كخطوة أولى.

كما قلت، من المهم أن تقوم اللجنة الوزارية العربية التي شكلت مؤخراً في إطار الجامعة العربية بدورها في المتابعة. ولابد من إجراء مناقشات جدية مع تركيا وإيران وروسيا، والولايات المتحدة والدول الأوروبية بالتنسيق مع الأمم المتحدة كجهة قادرة على التحدث إلى جميع الأطراف ودعوتها إلى الطاولة، وهو ما لا يتسنى لأي طرف آخر.

* البعض يقول إن مسار موسكو الرباعي والمسار العربي هما مساران بديلان عن مسار جنيف الذي ترعاه الأمم المتحدة، وأن الضحية الأكبر لكل ذلك، هي عملية ترعاها الأمم المتحدة إزاء اللجنة الدستورية أو القرار 2254؟

- كما قلت، هناك مساحة للتوفيق بين هذا المسارات. إذا بدأت هذه المسارات في تحقيق تقدم ملموس سيكون هذ الأمر داعماً لما أريد إنجازه، وهو تحريك العملية السياسية للوصول إلى بيئة هادئة وآمنة و محايدة تمكننا من التقدم في العملية السياسية. كما قلت سابقاً، إن جميع المبادرات مهمة، لكن ما يجب أن نراه هو مزيداً من الانخراط الدولي ورؤية شاملة لما هو مطلوب تغييره في سوريا. الأمر ليس سهلاً، لكن هناك بداية وفرصة.

* ما الخطوات المقبلة التي ستعمل عليها؟

- نراقب ما يحصل في مسار موسكو والمبادرة العربية والوضع على الأرض، وبناء على ذلك، سنحدد كيفية التحرك مع الأطراف المختلفة لضمان التنسيق مع السوريين والعرب وموسكو والولايات المتحدة والدول الأوروبية.

نحن أمام تحدٍ كبير، فإذا لم تنخرط الدول الرئيسية بجدية، سنشهد جموداً في العملية، مهمتي هي الحيلولة دون حدوث ذلك. فالرسائل التي تصلني من المسؤولين العرب مشجعة.

محاولة جدية لتغيير الوضع الراهن

* ماذا ستقول للسوريين في دمشق وإدلب والقامشلي وفي سوريا وخارجها، كي يشعروا بأن وضعهم سيتحسن؟ كيف تقنعهم أن الحل قادم؟

- سأكرر ما قلته سابقا، أتفهم احباطهم بعد 12 سنة من الحرب والصراع إزاء عدم التقدم في العملية السياسية. وأتفهم أن هناك شكوكاً وخيبات كثيرة وأن هناك تحركات سياسية لم تغير الوضع على الأرض. دوري ودور فريقي، أن نجعل من هذا بداية للتغيير الحقيقي وتغيير الأمر على أرض الواقع. إذا لم يحصل هذا، فإننا نخاطر بامتداد الحرب والصراع على مدار سنوات ومزيداً من التدهور في الوضع الاقتصادي والإنساني. فالسوريون يستحقون بصيصاً من الأمل، والعيش بأمن وكرامة سواء داخل سوريا أو لمن يرغبون في العودة وتحقيق تطلعاتهم المشروعة. كما يتوجب إعادة اللحمة إلى المجتمع السوري. هناك حديث بين المسؤولين العرب، حول المصالحة الوطنية. دعنا نأمل أنها بداية لشيء لجديد. هل النجاح مضمون؟ المهم هناك محاولة جدية وقناعة أن الوضع الراهن غير مقبول.

* تشعر المعارضة السياسية السورية بأنه تم التخلي عليها... هل شعورهم صحيح؟

- إذا أدت التحركات الدبلوماسية المكثفة التي شاهدناها مؤخراً إلى تغيير الوضع على الأرض فسيكون هذا مصدر ترحيب من قبل الجميع. أتفهم التشكيك في ما إذا كان ذلك ممكناً.

* في بداية 2014 عقد مؤتمر في سويسرا لتطبيق «بيان جنيف»، وفي نهاية 2015 عقد مؤتمر في فيينا أسفر عن صدور القرار 2254 من مجلس الأمن. في 2023، هل سنرى مؤتمراً دولياً، بحضورك، للبحث عن حل سياسي سوري؟

- من المبكر التنبؤ بما سيكون عليه الحال. ما أريد قوله، إنه كي نتحرك إلى الأمام، لابد من أن تعمل جميع هذه المبادرات معاً. أريد العمل على أن تكون جميع الأطراف على الطاولة: الأطراف السورية، دول مسار استانا، الأطراف العربية، والولايات المتحدة والدول الأوروبية. وسأبذل قصارى جهدي لتحقيق ذلك.


مقالات ذات صلة

اتفاقيات التعاون اللبنانية - السورية رهن الإلغاء أو التعديل

المشرق العربي رفع علم المعارضة على السفارة السورية في لبنان بعد سقوط النظام (إ.ب.أ)

اتفاقيات التعاون اللبنانية - السورية رهن الإلغاء أو التعديل

أكثر من 40 اتفاقية تعاون موقّعة بين لبنان وسوريا باتت رهن الإلغاء أو التعديل مع سقوط النظام السوري، إلا أن هذه الخطوة رهن إرادة الحكم الجديد.

يوسف دياب (بيروت)
المشرق العربي وزير الدفاع التركي يشار غولر متحدثاً خلال لقاء مع ممثلي وسائل الإعلام التركية الأحد (وزارة الدفاع التركية)

تركيا مستعدة لدعم السلطة السورية الجديدة... وأولويتها تصفية «الوحدات الكردية»

أكدت تركيا استعدادها لتقديم الدعم العسكري للإدارة الجديدة في سوريا إذا طلبت ذلك وشددت على أن سحب قواتها من هناك يمكن أن يتم تقييمه على ضوء التطورات الجديدة

سعيد عبد الرازق (أنقرة)
تحليل إخباري رفع علم المعارضة على مبنى السفارة السورية في بغداد بعد سقوط نظام بشار الأسد 11 ديسمبر الحالي (رويترز)

تحليل إخباري تأثير تطورات سوريا على العراق... تغييرات طفيفة أم تحولات جذرية؟

يتداول العراقيون، على المستويين السياسي والشعبي، إمكانية تأثير التطورات الإقليمية، خصوصاً في سوريا، على العراق، وما قد ينجم عن ذلك من ارتدادات، وتغيرات محتملة.

فاضل النشمي (بغداد)
شؤون إقليمية إسرائيل تقول إن التهديدات التي تواجهها من سوريا لا تزال قائمة (رويترز)

إسرائيل ترى تهديداً متزايداً من سوريا رغم النبرة المعتدلة لحكامها

قال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، اليوم (الأحد)، إن التهديدات التي تواجهها إسرائيل من سوريا لا تزال قائمةً رغم النبرة المعتدلة لقادة قوات المعارضة.

«الشرق الأوسط» (القدس)
المشرق العربي السوداني يلتقي رئيس تيار الحكمة الوطني عمار الحكيم (رئاسة الوزراء)

السوداني يظل «محايداً» وسط التطورات السورية

اختار أحمد الشرع، قائد «هيئة تحرير الشام»، رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، أول زعيم يوجه له رسالة هاتفية، فيما يلتزم السوداني الصمت حيال طلبات الجولاني

حمزة مصطفى (بغداد)

اتفاقيات التعاون اللبنانية - السورية رهن الإلغاء أو التعديل

رفع علم المعارضة على السفارة السورية في لبنان بعد سقوط النظام (إ.ب.أ)
رفع علم المعارضة على السفارة السورية في لبنان بعد سقوط النظام (إ.ب.أ)
TT

اتفاقيات التعاون اللبنانية - السورية رهن الإلغاء أو التعديل

رفع علم المعارضة على السفارة السورية في لبنان بعد سقوط النظام (إ.ب.أ)
رفع علم المعارضة على السفارة السورية في لبنان بعد سقوط النظام (إ.ب.أ)

أكثر من 40 اتفاقية تعاون موقّعة بين لبنان وسوريا، باتت رهن الإلغاء أو التعديل مع سقوط النظام السوري الذي صاغ كلّ تلك الاتفاقيات، إلا أن هذه الخطوة رهن إرادة الطرفين ومقاربة الحكم الجديد الذي خلف الرئيس بشار الأسد في سوريا.

ويرى خبراء لبنانيون أن تعديل هذه الاتفاقيات يشكّل حاجة ماسّة للبلدين، ولا بد من إدخال تعديلات عليها تحاكي المتغيرات والتحولات السياسية والاقتصادية، وحتى الأمنية التي يتأثر بها الطرفان، بينما يرى آخرون أنها غير متوازنة ومكّنت النظام السوري من استباحة السيادة اللبنانية سياسياً وأمنياً واقتصادياً، وحتى اجتماعياً وتربوياً.

ووقع لبنان مع سوريا 42 اتفاقية أغلبها بعد عام 1990، لكن لم تأخذ طريقها إلى التطبيق، وما طبّق منها صبّ في المصلحة السورية، أبرزها هذه الاتفاقيات: «معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق»، و«اتفاقية الدفاع والأمن»، و«اتفاق التعاون والتنسيق الاقتصادي والاجتماعي»، و«اتفاق نقل الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبات سالبة للحرية».

نصوص منمقة

ويرى وزير العدل السابق المحامي الدكتور إبراهيم نجّار، أن الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد «كان يرغب دائماً في تطمين الرؤساء اللبنانيين من أن سوريا تتعامل مع لبنان بوصفه دولة مستقلة ذات سيادة، إلّا أن هذه الاتفاقيات كانت مجرّد نصوص منمّقة لا تطبّق، وواجهة لوضع اليد على سياسة لبنان وإدارته». وأشار نجار في حديث لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن «أهم ما في هذه الاتفاقيات إنشاء المجلس الأعلى اللبناني - السوري برئاسة اللبناني نصري الخوري، على الرغم من إقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء بين بيروت ودمشق، لكن المجلس الأعلى تولّى إدارة الأعمال التي تقع في صلب صلاحيات السفارتين». وذكّر نجّار بأنه «شارك في صياغة وتوقيع عدد من الاتفاقيات بين البلدين، بينها اتفاقية نقل السجناء، إلّا أنها لم تأخذ طريقها إلى التنفيذ».

نازحون سوريون يعودون إلى سوريا عبر معبر المصنع بعد سقوط النظام السوري (إ.ب.أ)

وتنصّ المبادئ الدولية على وجوب احترام الاتفاقيات المعقودة بين الدول، انطلاقاً من قاعدة «الاتفاقيات ملزمة وتقيّد أطرافها»، لكن لا يمكن القفز فوق بعض الاستثناءات. ويقول نجّار: «صحيح أن اتفاقية فيينا ترعى الاتفاقيات الدولية، إلّا أنها تنظّم تعديلها أيضاً»، مشيراً إلى «وجود 5 حالات تجيز نقض تلك الاتفاقيات وتأتي في خانة الاستثناءات؛ أهمها: استحالة التنفيذ، واستقواء فريق على آخر، وتبدّل الحالات، ووجود أسباب قاهرة ونقض الاتفاقية من أحد الطرفين»، مذكراً بالقاعدة الشرعية التي تؤكد أنه «لا يُنكر تغيّر الفتوى بتغيّر الزمان والمكان»، مجدداً تأكيده أن «المجلس الأعلى اللبناني السوري بات من دون ضرورة، ويشكل عبئاً على البلدين، ويجب اعتماد القنوات الدبلوماسية ما دامت سوريا تعترف بسيادة لبنان».

تحكم بلبنان

و«يبدو أن التحوّل الاستراتيجي في سوريا أنهى حقبة غير صحّية وملتبسة وكارثية وظلامية من العلاقات اللبنانية - السورية»، على حدّ تعبير الباحث في السياسات العامة زياد الصائغ، الذي أشار إلى أن «نظام الأسد تحكّم في لبنان بتغطية من حلفائه وأتباعه في لبنان وبغطاء دولي، كما تحكّم بميزان هذه العلاقات حتى أصبح الحاكم الفعلي على كل المستويات السياسية والدستورية والقانونية والسيادية (العسكرية - الأمنية) والدبلوماسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى التربوية، حتى إنه نخر عظام كثير من المؤسسات الدينية ومرجعياتها».

وشدد الصائغ في حديث لـ«الشرق الأوسط»، على الحاجة إلى «تطهير وتنزيه من كل موبقات تلك المرحلة السوداء مع مصارحة ومصالحة مع الذات اللبنانية، وبعدها مع الذات السورية حين توضّح صورة المرحلة الانتقالية». أما عن الاتفاقيات اللبنانية - السورية والمجلس الأعلى اللبناني - السوري الذي يشكل أحد تجلياتها، فيجزم الصائغ بأنه «لم يكن يوماً هناك مجلس أعلى لبناني - سوري، بل منصّة استتباع واستزلام وفرض، وبالتالي هذه المنصّة ساقطة أصلاً بفعل الفلسفة والتركيبة التي حكمت قيامها، عدا عن أنها وكما نقول بالعامية تنفيعة».

حبر على ورق

وفي مؤشر واضح على أن معظم تلك الاتفاقيات بقي حبراً على ورق، يتحدث الوزير نجّار عن تجربة عايشها مع هذه الاتفاقيات، ويضيف: «كنت معنياً بمتابعة موضوع المفقودين قسراً في سوريا، وشكلنا في عام 2009 لجنة لبنانية تضم قاضيين وضابطين أمنيين، وهذه اللجنة عقدت 35 اجتماعاً في جديدة يابوس (الحدود اللبنانية - السورية على طريق دمشق)، ونفى النظام السوري وجود معتقلين لبنانيين لأسباب سياسية وأمنية، لكنه اعترف بوجود سجناء محكومين بقضايا جنائية». وكشف نجار عن إبرام اتفاق يقضي بنقل الأشخاص اللبنانيين المحكوم عليهم في سوريا لقضاء محكوميتهم بلبنان، «وكان همّنا بالدرجة الأولى إخراجهم من السجون السورية، لكن للأسف بقيت الاتفاقية من دون تنفيذ ورفض النظام السوري تسليمنا السجناء رغم المراجعات المتكررة»، لافتاً إلى «أهمية تمسك لبنان بهذه الاتفاقية كما غيرها من الاتفاقيات الواجب استمرارها، وآخرها واجب تعديلها أو إلغاؤها».

استباحة لبنان

وأخذت كل الاتفاقيات أو معظمها طابع استباحة لبنان، لا سيما ما يتعلق باتفاقية الأخوة والتعاون والتنسيق واتفاقية الدفاع المشترك وغيرها، وأكد الباحث في السياسات العامة زياد الصّائغ، أن «كلّ الاتفاقيات المعقودة غير متوازنة، ويغلب عليها طابع استباحة السيادة اللبنانية في كل القطاعات، بما فيها الاقتصادية والاجتماعية»، داعياً إلى «أولوية إسقاطها بآلية دستورية من خلال مجلس النواب ومجلس الوزراء في لبنان، لكن لا أعتقد أن ما سيقوم به رئيس مجلس النواب (نبيه برّي) ورئيس الحكومة (نجيب ميقاتي) سيصبّ بهذا الاتجاه، لاعتبارات ما زالت تحكم الذهنية المرضية التي ينتميان إليها».

أما فيما يعنى بالآلية الأفضل لإسقاط هذه الاتفاقيات، فيعدّ الصّائغ أن «القوى السيادية الإصلاحية مع القوى المجتمعية الحيّة معنية بإعداد مطالعة دستورية قانونية تطعن علمياً بهذه الاتفاقيات، كما بالصفة المعنوية والقانونية الملتبسة، على أن تتقدم بهذا الطعن أمام القضاء المختصّ، ثمّ ينقل إلى مجلس النواب والحكومة العتيدة بعد انتخاب رئيس للجمهورية». وشدد الصائغ على تحويل مسألة الطعن بالاتفاقيات إلى «معركة لتصويب الخلل في الذاكرة اللبنانية والانطلاق في مسار استعادة السيادة، بترسيخ حكم القانون بناء على مقتضيات أمن لبنان القومي والمصلحة الوطنية العليا».