السياسة النقدية الفاشلة لـ«المركزي» تُفقر من تصلهم «حوالات» في سوريا

إجمالي قيمة التحويلات الخارجية يتجاوز سنوياً عتبة الـ5 مليارات دولار

صورة أرشيفية لسوريين أمام مكتب لصرف العملات الأجنبية يونيو 2013 في دمشق (غيتي)
صورة أرشيفية لسوريين أمام مكتب لصرف العملات الأجنبية يونيو 2013 في دمشق (غيتي)
TT

السياسة النقدية الفاشلة لـ«المركزي» تُفقر من تصلهم «حوالات» في سوريا

صورة أرشيفية لسوريين أمام مكتب لصرف العملات الأجنبية يونيو 2013 في دمشق (غيتي)
صورة أرشيفية لسوريين أمام مكتب لصرف العملات الأجنبية يونيو 2013 في دمشق (غيتي)

منذ السنوات الأولى للحرب، وفي ظل استمرار تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في عموم البلاد، شكّلت الحوالات المالية الخارجية من اللاجئين السوريين في دول الجوار والبلدان الغربية، والذين يقدِّر عددهم بنحو 5 ملايين ونصف المليون لاجئ، رافداً أساسياً لمعيشة مئات الآلاف من الأُسر في مناطق النظام.

ويذهب معظم التقديرات غير الرسمية، وفق ما ذكر موقع «أثر برس» المحلي أخيراً، إلى أن إجمالي قيمة التحويلات الخارجية يتجاوز سنوياً عتبة الـ5 مليارات دولار.

ووفق تصريحات تداولها، أخيراً، الإعلام المحلي لمدير «المصرف العقاري» الحكومي، علي كنعان، فإن سبب ارتفاع نسبة الحوالات هو تعديل «المركزي»، قبل عدة أشهر، سعر صرف الحوالات، ورفعه ليقارب سعر السوق الموازية، بعد أن كان الفارق بينهما نحو 50 في المائة، مشيراً إلى أن مبالغ الحوالات تصل إلى 10 ملايين دولار يومياً، و«هذا الرقم سيؤمِّن للاقتصاد الوطني إمكانية تمويل المستوردات الأساسية».

رغم إعادة التطبيع مع سوريا إقليمياً لم تتحسن الليرة السورية والوضع الاقتصادي (رويترز)

من جهته، قال خبير اقتصادي سوري (فضَّل عدم الإفصاح عن اسمه)، إن من أبرز أسباب استمرار تدهور قيمة الليرة، ووصول الوضع المعيشي إلى هذا العمق من التردي، هو عدم اتباع «مصرف سوريا المركزي» سياسة نقدية ناجعة مِن شأنها السيطرة على سعر صرف العملة الوطنية، وحماية قيمتها.

وأضاف، في تصريحات، لـ«الشرق الأوسط»، أن سعر الصرف تتحكم به السوق الموازية، و«المركزي» يحاول اللحاق بها، عبر رفع سعر تسليم الحوالات، ولكنه مع ذلك يفشل.

واعتبر أن «سياسة «المركزي» تسهم في تجويع الناس، فكلما انخفضت الليرة، انخفضت رواتب الموظفين، وارتفعت الأسعار لتواكب سعر الدولار، «ما أدى لوصول القوة الشرائية إلى العدم».

ولفت الخبير إلى أن هذا الوضع انعكس على الغالبية العظمى، حتى مَن تصلهم حوالات، فالعائلة التي كان يصلها 100 دولار، في ظل هذا الواقع باتت تحتاج إلى 300 دولار.

وعلى الرغم من ازدياد نسبة الحوالات الخارجية، الواردة إلى مناطق النظام، خلال موسمي شهر رمضان وعيد الفطر، وعودة دمشق إلى الجامعة العربية، وتواصل مساعي تطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، تدهورت الليرة السورية إلى مستويات غير مسبوقة أمام الدولار الأميركي، في ظل تردي الأوضاع الاقتصادية في عموم البلاد، ليصل سعر صرف الدولار الواحد، الخميس الماضي، في السوق الموازية إلى 9150 ليرة للشراء، و9250 ليرة للمبيع، بعدما كان، نهاية أبريل (نيسان) الماضي بـ7900 للشراء، و8000 للمبيع، علماً بأنه كان بين 45 - 50 ليرة، في عام 2010، قبل اندلاع الحرب في البلاد.

وتَواكب التدهور الجديد مع قرار «مصرف سوريا المركزي» رفع سعر الدولار الجمركي، من 4000 ليرة إلى 6500 ليرة للدولار الواحد.

ولم يؤدِّ التحسن النسبي في سعر صرف الليرة، خلال الأيام الثلاثة الماضية؛ حيث سجل، الاثنين، في السوق الموازية بدمشق، 8900 للشراء، و9000 للمبيع، إلى الحد من موجة الارتفاعات القياسية الجديدة في الأسعار التي ترافقت مع تدهوره الأخير، وتجاوزت 30 في المائة، ولا سيما المواد الغذائية الأساسية، في وقت يعيش فيه 90 في المائة من السوريين في مناطق النظام تحت خط الفقر، وفق تقارير أممية، إذ لا يتجاوز راتب موظف الدرجة الأولى في القطاع الحكومي 150 ألف ليرة، والدرجة الثانية 110 آلاف.

وجدَّد رئيس «اتحاد العمال»، التابع للنظام، جمال القادري، الأحد الماضي، خلال الدورة التاسعة للمجلس العام لـ«اتحاد نقابات العمال»، التي عُقدت بدمشق، تأكيد أن «الحد الأدنى للأجور لا يكفي عائلة متوسطة سوى يوم واحد، حيث تصل تكلفة الطبخة الواحدة 100 ألف ليرة سورية».

تراجع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار

تحويلات الأبناء

الرجل الستيني، الذي نزح مع بناته الأربع وزوجته، إلى العاصمة السورية دمشق، في حين تمكّن ولداه من اللجوء إلى ألمانيا بعدما دمَّرت الحرب منزلهم في غوطة دمشق الغربية، لم ينتبه لتحية جاره أثناء مروره أمامه بسبب غرقه في التفكير وهو جالس أمام منزله، مما دفع جاره للاستفسار منه عن السبب الذي قلَب حاله.

فردَّ «أبو سمير»، الذي كان يعمل مدرساً وبلغ سن التقاعد منذ عدة سنوات، بالقول: «ما يرسله الأولاد (الحوالات المالية) ما عاد يكفي لنستر حالنا».

وبعدما أشار «أبو سمير» للرجل إلى أن دخل العائلة الشهري هو راتبه التقاعدي، الذي لا يتجاوز 100 ألف ليرة وحوالتان بقيمة 300 دولار يرسلها ولداه، أشار إلى الغلاء الذي لا يرحم، صاحب المنزل يرفع الإيجار باستمرار وصِرنا ندفع 600 ألف بالشهر، والفطور يكلف 25 ألفاً، والغداء 50 - 75 ألفاً، وكل صباح أعطي البنات 20 - 30 ألفاً مصاريف للمدارس والجامعات، وكشفية الطبيب وثمن دواء لا يقل عن 100 ألف».

«أبو سمير» لفت إلى أن ولديه كانا يرسلان 200 دولار شهرياً، ومع تواصل ارتفاع الأسعار، طلب منهما رفع قيمة الحوالتين «لنعيش مستورين»، فصار كل واحد يرسل 150 دولاراً، ولكن حالياً يقولان إنهما لا يستطيعان إرسال أكثر؛ لأن الغلاء طال أيضاً الدول الأوروبية بعد الحرب الروسية في أوكرانيا.

ويسيطر القلق على أُسر في مناطق سيطرة الحكومة، من تفضيل دول أوروبية اللاجئين الأوكرانيين على السوريين، ولفتت سيدة، لها ابن في الدانمارك، لـ«الشرق الأوسط»، إلى أن هناك عمالاً سوريين جرى استبدال أوكرانيين بهم، والسلطات طلبت من كثير من السوريين العودة إلى بلادهم؛ بحجة أن مناطقهم آمنة. وقالت السيدة، التي ليس لها دخل شهري سوى حوالة شهرية بـ200 دولار يرسلها إليها ابنها: «إذا عاد ابني فتلك مصيبة كبيرة».



هجوم مسلح بـ«رسالة سياسية» على مقر بارزاني في كركوك

صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)
صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)
TT

هجوم مسلح بـ«رسالة سياسية» على مقر بارزاني في كركوك

صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)
صورة من الجو لمدينة كركوك (غيتي)

تعرض مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني»، الذي يتزعمه مسعود بارزاني، فجر السبت، لهجوم بأسلحة خفيفة من قبل مجهولين في محافظة كركوك.

يأتي الهجوم في غمرة الحديث عن قيادة بارزاني لمفوضات مع المكونين العربي والتركماني لحسم معضلة الحكومة المحلية ومنصب المحافظ بعد نحو 7 أشهر على إجراء الانتخابات المحلية، فيما نفى مسؤول كردي رفيع ذلك، وذكر لـ«الشرق الأوسط» أن «مسعود بارزاني يوجد خارج البلاد هذه الأيام ولم يلتق أعضاء في مجلس كركوك».

وقالت مصادر أمنية في المحافظة إن مسلحين مجهولين أطلقوا فجر السبت النار على مقر «الحزب الديمقراطي الكردستاني» في منطقة ساحة العمال وسط كركوك ولم يسفر عن الهجوم أي إصابات بشرية أو أضرار مادية.

وحضرت قوة من الشرطة عقب الهجوم إلى موقع الحادث، وفتحت تحقيقاً وعممت أوصاف المهاجمين الذين فروا إلى جهة مجهولة.

وسبق أن أثار مقر «الحزب الديمقراطي» في كركوك أزمة كبيرة داخل المحافظة نهاية العام الماضي، بعد أن طالب قيادة العمليات العسكرية بتسليم المقر الذي تشغله منذ عام 2017، وحدثت مواجهات بين أنصار الحزب والقوات الأمنية أدت إلى مقتل أفراد إلى جانب ضابط في قوات «البيشمركة».

وانتهت الأزمة بعد قيام رئيس الحزب مسعود بارزاني بتسليم وإهداء المقر، في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى جامعة كركوك لـ«يكون في خدمة طلب العلم والمثقفين في المدينة».

متظاهرون من الكرد فوق بناية مقر حزب بارزاني في كركوك (أرشيفية - شبكة روادو)

معلومات أولية عن الهجوم

وأعلن المتحدث باسم الفرع الثالث لـ«الديمقراطي» في كركوك عن امتلاك الحزب «معلومات عن استهداف المقر»، في حين قال الباحث الكردي كفاح محمود إن «الشبهات تحوم حول المستفيد من تعطيل عمل مجلس المحافظة وعدم التوصل إلى شخصية متفق عليها لإدارة المحافظة».

وأضاف محمود في حديث لـ«الشرق الأوسط» أنه «باستنتاج بسيط يمكن الربط بين عمليات حرق الأسواق في أربيل وكركوك ودهوك وبين هذه العملية التي كانت تستهدف اختراق سور الحماية والدخول إلى المبنى وإحراقه، خصوصاً وأنها تشبه توقيتات حرق الأسواق التي جرت في ساعة متأخرة من الليل وتحديداً في الساعات الأولى للصباح».

وتابع محمود: «هذه الأذرع لديها مراكز ووجود وتتسبب في إشكاليات إقليمية بين العراق وإقليم كردستان من جهة وبين دول الجوار من جهة أخرى».

وذكر محمود أن «الأمر المتعلق بمعرفة الجناة يبقى معلقاً لحين كشف تسجيلات منظومة الكاميرات التي صورت حركة تلك العناصر التي استخدمت مبنى قيد الإنشاء».

وتتهم أوساط «الحزب الديمقراطي»، منذ فترة طويلة، عناصر «حزب العمال» الكردستاني التركي بالتورط في مختلف الأعمال العدائية التي تقع ضده وضد بعض الشركات النفطية وشركات الغاز العاملة في الإقليم، خصوصاً في محافظتي كركوك والسليمانية، كما تحمله مسؤولية توغل القوات التركية داخل الأراضي العراقية في إقليم كردستان.

وقال المتحدث باسم الفرع الثالث لـ«الحزب الديمقراطي الكردستاني» في كركوك، مريوان جلال، السبت، إن «الفرع كان يمتلك معلومات عن استهداف المقر، وإن الهجوم يحمل طابعاً سياسياً وتزامن مع دور الحزب في تقريب وجهات النظر لتشكيل إدارة كركوك ومجلسها».

وأضاف في تصريحات صحافية أن «الهجوم يحمل طابعاً سياسياً وهو ليس استهدافاً للحزب الديمقراطي الكردستاني، بل يستهدف جميع مكونات كركوك، وجاء في وقت يعمل فيه الحزب الديمقراطي بتقريب وجهات النظر بين مكونات المحافظة للشروع بتشكيل إدارة المحافظة، وتفعيل عمل المجلس لغرض تقديم الخدمات لجميع مكونات المحافظة».

السوداني خلال استقباله نواباً من المكون التركماني (إعلام حكومي)

السوداني يجتمع بالتركمان

من جانبه، استقبل رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، السبت، عضوين من المكون التركماني في مجلس محافظة كركوك، وحثهم على الاتفاق بشأن اختيار منصب محافظ كركوك بما يلبّي تطلعات أبناء المحافظة.

ولم تفلح جهود رئيس الوزراء محمد السوداني حتى الآن في حل أزمة المحافظة برغم لقاءاته المتكررة مع القوى الفائزة في مقاعد مجلسها.

وأشار السوداني، خلال اللقاء، طبقاً لبيان صادر عن مكتبه، إلى «أهمية تقديم مصلحة أبناء كركوك في أي اتفاق بين القوى السياسية التي فازت بالانتخابات، إثر النجاح في إجرائها بعد تعطل استمر منذ عام 2005».

وشدد السوداني على ضرورة «اختيار الإدارات الحكومية المحلية الناجحة، والاتفاق بشأن اختيار منصب محافظ كركوك بما يلبّي تطلعات أبناء المحافظة».

وتتردد منذ أسابيع أنباء عن سعي القوى المتخاصمة في مجلس المحافظة للاتفاق على صيغة لحسم منصب المحافظ من خلال تدويره بين الكتل الفائزة، بحيث يشغل الأكراد المنصب في السنتين الأولى، ثم يذهب إلى العرب في السنتين الأخيرتين من عمر دورة مجلس المحافظة المحددة بأربع سنوات، وهناك حديث عن أن للتركمان حصة في عملية التدوير رغم امتلاكهم لمقعدين فقط من أصل 16 مقعداً في المجلس.