لبنان يسعى لتطويق تداعيات اعتداء على مدافن بلدة مسيحية شرق البلاد

جعجع: حلّ أزمة النزوح بات أولى الأولويات

عناصر أمنية لبنانية تعاين موقع الاعتداء (الشرق الأوسط)
عناصر أمنية لبنانية تعاين موقع الاعتداء (الشرق الأوسط)
TT

لبنان يسعى لتطويق تداعيات اعتداء على مدافن بلدة مسيحية شرق البلاد

عناصر أمنية لبنانية تعاين موقع الاعتداء (الشرق الأوسط)
عناصر أمنية لبنانية تعاين موقع الاعتداء (الشرق الأوسط)

سعت السلطات اللبنانية لاحتواء تداعيات اعتداء على مدافن مسيحية في دير الأحمر بشرق لبنان، في ظل تصعيد سياسي تجاه النازحين السوريين بلبنان، حيث عززت مختلف الأجهزة الأمنية والجيش اللبناني حضورها في البلدة الحدودية مع سوريا، وأطلقت تحقيقات واسعة لكشف الجناة والكشف عن ملابساته.

واستفاق أهل منطقة دير الأحمر على تحطيم مقابر مسيحيّة، وقام المعتدون بتكسير الصلبان وحطّموا المقبرة. وتناقل لبنانيون في مواقع التواصل الاجتماعي صوراً للاعتداء الذي وقع ليل الجمعة، وقام به مجهولون.

https://twitter.com/fouadkhreiss/status/1657347091461550084

وتصاعدت الدعوات لضبط النفس، جاء أبرزها من محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر، الذي قال على «تويتر»: «بعد الاعتداء على المدافن، أدعو أهلنا في دير الأحمر لممارسة أقسى درجات ضبط النفس، وانتظار نتائج التحقيق، أقوم بمتابعة الموضوع مع الأجهزة الأمنية وكلي ثقة بأنها ستلقي القبض على الفاعلين».

https://twitter.com/BachirKhodr/status/1657309660746076161

وكشفت دورية من قوى الأمن الداخلي في فصيلة دير الأحمر على مواقع الاعتداء، وقد فتحت تحقيقاً بالحادث، فيما شوهدت في البلدة تعزيزات للجيش اللبنانية ودوريات للمديرية العامة لأمن الدولة.

وبينما لم توجه البلدية أصابع الاتهام لأحد، قالت مصادر أمنية إن الفرضيات تتحدث عن احتمالين؛ أولهما طرف من البلدة أحدث بالفعل بلبلة في ظل الأزمة مع السوريين النازحين فيها، أما ثاني الاحتمالات فيتحدث عن نازح سوري دخل بطريقة غير شرعية وتسلل إلى البلدة، ويعد نفسه متضرراً من إجراءات البلدية التي تطالب النازحين المقيمين في نطاقها بتسوية أمورهم وتثبيت أوراقهم، لكشف الوافدين الذين يدخلون إليها.

وقلل رئيس بلدية دير الأحمر لطيف القزح، من أهمية الاعتداء الذي حصل ليل أمس (الجمعة)، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن الاعتداء على المدافن في بلدة دير الأحمر، «ليس بالحجم الذي يصوره البعض، أو بالحجم الذي تصوره وسائل الإعلام»، مضيفاً: «الاعتداء حصل على قبر جدي لوالدي». وأوضح: «أقدم مجهولون على كسر عدد من الصلبان، وهي ليست بالحجم الكبير، عندها أوعزنا لشرطة البلدية القيام بدورها، وتقدمنا ببلاغ في مخفر فصيلة دير الأحمر، وادعينا على مجهول، وفي حال كشف المعتدي لن نتوانى عن ملاحقة المعتدين». وأضاف: «نحن بانتظار التحقيق لكشف ما يقصده الفاعل، ونأمل في أن تكون الأمور بالاتجاه السليم».

وحول اتهامات محتملة، قال القزح: «نحن لا نتهم أحداً من السوريين أو غير السوريين قبل اكتمال التحقيق، وسنؤيد ما تتوصل إليه نتائج التحقيق. حتى الآن السوريون ليسوا موضع اتهام، وقد يكون هناك آخرون ممن يعملون للاصطياد بالماء العكر، ونحن نرفض ما حصل».

ودانت القوى السياسية والفاعليات الدينية والبلدية والاختيارية والاجتماعية في منطقة بعلبك الهرمل، الاعتداء الآثم على مدافن بلدة دير الأحمر. وأثار الاعتداء المخاوف من تجدد الاحتقان بين السوريين واللبنانيين القاطنين في نطاق البلدية.

https://twitter.com/DrHassanMoraib/status/1657338018351439874

يأتي ذلك في ظل تصعيد لبناني تجاه النازحين. وشدد رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع بعد لقائه المنسق المقيم للأمم المتحدة في لبنان عمران ريزا، على أن لبنان «تحمّل الكثير في سبيل نجدة وإيواء الشعب السوري، لكن الوضع اليوم لم يعد يحتمل، وعلينا العمل معاً وبشكل سريع، للانتقال من تنظيم بقاء النازحين إلى تنظيم عودتهم».

وإذ أكد أن «لبنان بلد عبور وليس بلد لجوء، وفق اتفاقية موقعة مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين عام 2003»، دعا رئيس «القوات»، المجتمع الدولي، إلى «البناء على التطوّرات الإقليمية الأخيرة بغية انتشال لبنان من هذه الأزمة المستفحلة، باعتبار أن المسألة تعدّت وتجاوزت المفهوم الاقتصادي أو الإنساني أو تقديم المساعدات، وتحوّلت إلى مشكلة وجودّية سياديّة، وبات حلّها أولى الأولويات، منعاً لتفاقمها وحفاظاً على استقرار البلد من جهة، والإقليم من جهة أخرى».



المجتمع المدني يسابق التغيير بورشات تثبّت دوره في سوريا الجديدة

اجتماع لنشطاء المجتمع المدني في حي القصور بدمشق  السبت (الشرق الأوسط)
اجتماع لنشطاء المجتمع المدني في حي القصور بدمشق السبت (الشرق الأوسط)
TT

المجتمع المدني يسابق التغيير بورشات تثبّت دوره في سوريا الجديدة

اجتماع لنشطاء المجتمع المدني في حي القصور بدمشق  السبت (الشرق الأوسط)
اجتماع لنشطاء المجتمع المدني في حي القصور بدمشق السبت (الشرق الأوسط)

مع انتهاء الأسبوع الأول لسقوط نظام الأسد في سوريا، بدأت موجة الاحتفالات تتراجع في الشارع لتتحول إلى عقد اجتماعات للتفكير بصوت مرتفع في المنازل والمقاهي والأماكن العامة، بعد 50 عاماً من منع التجمع والتعبير عن الرأي، وحتى المشاركة بالشأن العام دون موافقة أمنية مسبقة تحت طائلة الاعتقال والتغييب.

وفي حالة غير مسبوقة، يعود المشهد السوري إلى عام 1918 الذي شهد الاستقلال عن الدولة العثمانية. في حينها انخرط المجتمع السوري بكامل أطيافه في ولادة الدولة الجديدة التي سرعان ما أحبطها الانتداب الفرنسي عام 1920، ليبدأ عهد نضال السوريين، ويمتد على مدى قرن.

المجتمع المدني يناقش موقعه الجديد في سوريا بدمشق (الشرق الأوسط)

ولا شك أن سقوط النظام المفاجئ والإعلان عن تشكيل حكومة إنقاذ فرضا على السوريين المبادرة للحفاظ على هذا «النصر»، والتعاون مع حكومة الإنقاذ التي لم تختبرهم ولم يختبروها، في إجماع شبه عام، على أن يمارس الجميع أدوارهم في مستقبل جديد ما داموا حلموا به، ودفعوا ثمنه باهظاً.

ومن دمشق إلى حمص وطرطوس واللاذقية والقرى والبلدات، تُعْقد الاجتماعات المصغرة والموسعة وسط اتصالات لا تهدأ، لتتحول البلاد بين ليلة وضحاها إلى خلية نحل، وسط توافد لوسائل الإعلام العالمية، وازدياد حركة العائدين السوريين من الشتات، التي بدأ أول انعكاساتها الإيجابية في تحسُّن قيمة العملة المحلية، حيث هبط سعر الدولار الأميركي من 30 ألف ليرة في دمشق ليلة سقوط النظام، إلى 11 ألف ليرة سورية، الأحد.

سلمى صياد الناشطة النسوية ومديرة «ملتقى نيسان الثقافي» في جرمانة، قالت لـ(الشرق الأوسط): «كل يوم هناك مبادرة أو اثنتان»، ما يذكِّر بالنشاط الذي جرى عام 2011 عندما خرجت الاحتجاجات الشعبية ضد النظام. «كانت هناك مبادرات تشمل كل شيء بدءاً من الدعم النفسي للضحايا، وإغلاق ملف المعتقلين والمفقودين، وطرح المخاوف النسوية ومكونات المجتمع». وعن المبادرات في مدينة جرمانة جنوب دمشق، قالت دَعَوْنَا إلى تغيير اسم الساحة من ساحة «الرئيس» إلى ساحة «الكرامة»، ورفعنا شعار «سوريا لكل السوريين... جرمانة ترحب بكم»، باحتفالية شعبية. وقبلها بساعتين تطوع الشباب لتنظيف الشارع العام، وكل يوم هناك مبادرات من هذا القبيل.

ولفتت صياد إلى أن حجم التجاوب الشعبي مع المبادرات منذ الأيام الأولى كان مفاجئاً باتساعه، «عندما دعونا إلى جنازة الشهيد تحت التعذيب (مازن حمادة)، كنا نحو 200 شخص في نقطة الانطلاق من أمام (مشفى المجتهد)، وعندما وصلنا ساحة الحجاز كان العدد بالآلاف، من كان في الشارع انضم للتشييع، فالجميع لديه تعطُّش للمشاركة والإدلاء برأيه».

وفي مواجهة حملات التخويف من «هيئة تحرير الشام» واحتمالات فرضها «نموذج الحكم الإسلامي»، مع ازدياد الالتفاف الشعبي حول القائد أحمد الشرع، بدأ السوريون، لا سيما نشطاء المجتمع المدني والنسويات، بالدعوة لعقد لقاءات لبحث دورهم في المرحلة المقبلة وطرق التعاون مع الحكومة التي لا تعرفهم ولا يعرفونها، لصياغة هُوية وطنية بوصفها معبّراً عن وجودها وثقلها في الواقع السوري، فالقادمون من الشمال حملوا معهم تطمينات للأقليات الدينية، إلا أنهم لم يلتقوا حتى اليوم بالمجتمع المدني بتوجهاته الفكرية المتنوعة

مصلية في كنيسة قربة معلولا شمال دمشق الأحد (إ.ف.ب)

في دمشق، التقت مجموعة نشطاء مدنيين في أحد مقاهي حي القصور، يوم السبت، لبحث كيفية حضورهم في الشأن العام، بالتعاون مع السلطة الجديدة، في الوقت الذي كانت فيه مجموعة من الناشطات في معتقل صيدنايا يبادرن إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه من وثائق في المعتقل كيلا تتعرض للضياع نتيجة الفوضى، وبالتوازي دعت سيدات من النخبة الاجتماعية والثقافية إلى لقاء نسوي، الأحد، بحي الروضة، وآخر مماثل في جرمانة جنوب دمشق يُعْقَد، الاثنين، بينما دعت مبادرة الحوار المدني في طرطوس، إلى «عقد مؤتمر تأسيسي» في مقهى «نخلة التنين»، الأحد، لصياغة «هوية للتجمع وتصوراته للعمل المدني في محافظة طرطوس». كما شهدت مدينة اللاذقية خلال الأيام القليلة الماضية، اجتماعات عدة بين نشطاء المدينة وذلك إلى جانب اجتماعات أهلية في الأحياء، وتشكيل مجموعات لتنظيم العمل التطوعي في المجال الخدمي.

المحامي جبر الهندي أحد الداعين للاجتماع في حي القصور في دمشق، قال: «الآن بدأنا نُفيق من صدمة سقوط النظام، وباتت الضرورة مُلحة للاجتماع والتفكير بصوت عالٍ، وتبادل الأفكار، وبدء العمل فوراً: «لأن كل الاحتمالات واردة... الآمال كبيرة، لكن التخوفات أكبر».

من جهته، قال المحامي عز الدين الذي شارك في اجتماع حي القصور: «اجتمعنا بوصفنا مجموعة نشطاء مهتمين بالشأن العام، كي نأخذ دورنا في التغييرات الحاصلة على الأرض، ولنكون في الشارع مع الناس لتلبية احتياجاتهم، سواء كانت معرفية أم إغاثية وغيرها، والمساهمة في نشر الوعي حول دور المواطن وتفعليه كي يكون «مؤثراً في القرار واختيار من يمثله في المرحلة المقبلة».

بولس حلاق ناشط في المجتمع المدني ومهتم بالشأن العام، أشار إلى أنه في اليوم التالي لـ«التحرير» بدأت اجتماعات النشطاء والمشاركة بالتفكير بطريقة عملية من منطلق «نحن أشخاص متعددو الاختصاصات جَمَعَنا هَمٌّ واحد وهو هَمّ البلد، ونحن موجودون في دمشق ونعمل منذ عام 2011 سواء بالسر أم بالعلن وغالباً بالسر. وبعد مجيء سلطة تمكنت من تحرير البلد ضمن ظروف دولية لن نناقشها، لأنها جيدة وإيجابية، حان الوقت لرفع صوتنا، وتحديد دورنا في سوريا الجديدة، والتعبير عما نراه مناسباً لخير البلد، بعيداً عن الافتراضات المسبقة بأنها ستفرض علينا أمراً واقعاً، وما قد يُبنى على تلك الافتراضات من تشكيل كيانات في مواجهة هذه السلطة.

وأكد حلاق: «نحن لنا دورنا، ونحن حاضرون ونعمل، ودفعنا أثماناً مثل أي سوري آخر، وحان الوقت كي نبادر إلى العمل، وألا ننتظر ما سيقدمه الآخرون».

الباحثة والخبيرة الاقتصادية رشا سيروب، قالت إن حالة التغييب السياسي والثقافي والفكري لعقود طويلة تفرض على المجتمع المحلي أن ينشط الآن بشكل كبير لتعويض غياب الدور التقليدي للأحزاب، علماً أنها كانت كثيرة في عهد النظام السابق لكنها كانت «من دون دور»؛ لذلك على المجتمع المدني العمل على «نشر الوعي والثقافة بالمفاهيم المدنية، كمفهوم الدولة والحفاظ على الدولة، والانتماء والولاء، والتركيز على أن الانتماء الولاء هو للدولة وليس لمن يحكم هذه الدولة». ولفتت سيروب إلى أن التغيير المفاجئ الذي حصل أثار مخاوف المجتمع المدني، «ليس اعتراضاً، وإنما خشية من تجارب سابقة في دول أخرى».

غازي محمد المحمد سجين سابق في أحد سجون دمشق مع والدته في منزلهما في سرمدا بمحافظة إدلب خلال خمسة أشهر ونصف الشهر في السجن فقد غازي 40 كيلوغرامًا (أ.ف.ب)

حبيب برّازي ناشط سياسي ومعتقل سابق، رأى أن تغييب المجتمع المدني في الفترة السابقة، جعل السلطة تنفرد بكل شيء، وأن تفعيل المجتمع المدني في سوريا، اليوم، بكل أشكاله سواء كان تجمعات اجتماعية أم ثقافية أم سياسية أم جمعيات أهلية أو نقابات، وغيرها هو «ما يشكل قوة رأي عام أساسية معادلة لأي قوة ثانية ستفرض نفسها. وشدد على أنه إذا لم يوجد النشطاء على الأرض ليأخذوا مواقعهم، لا يمكن لوم الآخر إذا استأثر بكل المواقع. كما لفت إلى ضرورة عدم الاستسلام للتوقعات والمخاوف المسبقة، مثل أنه «إذا جرت انتخابات فسوف يفوزون، علينا، رفع أصواتنا، وتعليم الناس رفع صوتها، وتشكيل رأي عام».