مصر تنتقل إلى مفاوضات مباشرة مع «الجهاد» لإرساء تهدئة

مطالبة الحركة وقف سياسة الاغتيالات يعقد المفاوضات... وإسرائيل تطرح «الهدوء مقابل الهدوء»

أطلقت القوات الإسرائيلية صواريخ من القبة الحديدية في مدينة أشكلون الجنوبية لاعتراض الصواريخ التي تم إطلاقها من قطاع غزة (أ.ف.ب)
أطلقت القوات الإسرائيلية صواريخ من القبة الحديدية في مدينة أشكلون الجنوبية لاعتراض الصواريخ التي تم إطلاقها من قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

مصر تنتقل إلى مفاوضات مباشرة مع «الجهاد» لإرساء تهدئة

أطلقت القوات الإسرائيلية صواريخ من القبة الحديدية في مدينة أشكلون الجنوبية لاعتراض الصواريخ التي تم إطلاقها من قطاع غزة (أ.ف.ب)
أطلقت القوات الإسرائيلية صواريخ من القبة الحديدية في مدينة أشكلون الجنوبية لاعتراض الصواريخ التي تم إطلاقها من قطاع غزة (أ.ف.ب)

مع تعثر المفاوضات في مراحلها الأخيرة للوصول إلى اتفاق لوقف النار في قطاع غزة، يصل اليوم إلى القاهرة محمد الهندي عضو المكتب السياسي لحركة «الجهاد الإسلامي» ومسؤول الدائرة السياسية في الحركة من أجل مفاوضات مباشرة مع المسؤولين المصريين.

وقالت مصادر مطلعة على المفاوضات لـ«الشرق الأوسط» إن رفض إسرائيل طلبات «الجهاد» بوقف الاغتيالات في الضفة الغربية وقطاع غزة هو السبب الرئيسي في تعثر الاتفاق حتى الآن، لأن «الجهاد» تصر عليه بقوة وإسرائيل ترفضه بقوة.

وبحسب المصادر، اشترطت «الجهاد» وقف الاغتيالات وتسليم جثمان الأسير خضر عدنان القيادي في الحركة، الذي توفي في السجون الإسرائيلية هذا الشهر، إضافة إلى إلغاء مسيرة الإعلام المقررة في 18 من الشهر الحالي في القدس، من أجل وقف النار، لكن إسرائيل رفضت وقالت إنها ستوقف هجماتها إذا توقف «الجهاد» عن إطلاق الصواريخ فقط.

وثمة تقديرات أن إسرائيل قد تتجاوب مع طلب الإفراج عن جثمان عدنان، ولن تتجاوب مع مسألتي الاغتيالات والمسيرة، فيما ستتنازل «الجهاد» عن طلب إلغاء المسيرة، فيما ستصر على وقف الاغتيالات والإفراج عن جثمان عدنان.

وتضغط مصر وقطر والأمم المتحدة من أجل اتفاق سريع بعد ضربات صاروخية متبادلة عنيفة يوم الأربعاء، قبل أن تتحول إلى حرب مفتوحة إذا استمرت على هذا المنوال.

وبدأت إسرائيل يومها الثالث في العدوان على غزة باغتيال عضو المجلس العسكري في «الجهاد» ومسؤول الوحدة الصاروخية في سرايا القدس علي حسن غالي (50 عاماً).

وقصف الجيش الإسرائيلي شقة سكنية في خان يونس جنوب القطاع فجر الخميس، وقتل علي غالي، وشقيقه محمود، إضافة إلى محمود عبد الجواد الذين وجدوا معه.

وقال ناطق باسم الجيش إن الضربات الجوية التي قتلت علي غالي، قائد القوة الصاروخية في حركة «الجهاد» جاءت كجزء من مهمة مشتركة مع جهاز الأمن العام (الشاباك).

ووصف الجيش غالي بأنه كان شخصية مركزية في التنظيم، ومسؤولاً عن استهداف وإطلاق الصواريخ.

وباغتياله الخميس، ينضم غالي إلى القادة الثلاثة في السرايا الذين اغتالتهم إسرائيل يوم الثلاثاء وهم جهاد الغنام، أمين سر المجلس العسكري في سرايا القدس، وخليل البهتيني، عضو المجلس العسكري وقائد المنطقة الشمالية في سرايا القدس، وطارق عز الدين، أحد قادة العمل العسكري بسرايا القدس في الضفة الغربية، والذين فجر اغتيالهم جولة القتال الحالية.

والاغتيال الرابع، جاء في محاولة لمعاقبة «الجهاد» والضغط عليها بعدما رفضت الذهاب إلى تهدئة حتى نهاية يوم الأربعاء.

وقالت إذاعة الجيش الإسرائيلي إنه تم اتخاذ قرار القضاء على مسؤول الوحدة الصاروخية في «الجهاد الإسلامي» بعد نحو ساعتين من إطلاق النار المكثف على الجنوب والوسط. وقال مسؤولون أمنيون إن اغتياله ما كان ليحدث لو لم يطلق «الجهاد» وابلاً من الصواريخ في المساء.

وتقدر المؤسسة الأمنية الإسرائيلية أنه سيكون هناك رد من «الجهاد»، التي تعهدت بالانتقام وقالت إن كل الخيارات ستكون مفتوحة.

لكن حتى ظهر الخميس كانت وتيرة الهجمات منخفضة إلى حد كبير، مقارنة بيوم الأربعاء.

وأطلقت الفصائل الفلسطينية قذائف هاون على مستوطنات قريبة وأغارت طائرات إسرائيلية على مواقع زراعية في القطاع.

وكان الأربعاء شهد تبادلاً مكثفاً للضربات.

وقال متحدث باسم جيش الاحتلال إن قواته قصف 147 هدفاً في قطاع غزة مقابل إطلاق نحو 507 صواريخ من القطاع تم اعتراض 153 منها بحسب سياسة الاعتراض، التي تقوم على إسقاط الصواريخ التي يمكن أن تسقط في مناطق مأهولة فقط.

وقتلت إسرائيل حتى صباح الخميس 25 فلسطينياً وأصابت العشرات، لكنها أعادت التأكيد على أنها مستعدة لوقف الهجمات إذا توقفت من القطاع.

وقال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، إنه في «حال توقف إطلاق الصواريخ فليس لنا مصلحة في استمرار الجولة».

وقال مصدر أمني إسرائيلي: «الهدوء سيقابل بهدوء والهجوم بهجوم».



ما حدود الدعم العربي لسوريا بمواجهة الفصائل المسلحة؟

نازحون فروا من ريف حلب يركبون سيارة تحمل أمتعتهم بجوار إشارة طريق في حلب (رويترز)
نازحون فروا من ريف حلب يركبون سيارة تحمل أمتعتهم بجوار إشارة طريق في حلب (رويترز)
TT

ما حدود الدعم العربي لسوريا بمواجهة الفصائل المسلحة؟

نازحون فروا من ريف حلب يركبون سيارة تحمل أمتعتهم بجوار إشارة طريق في حلب (رويترز)
نازحون فروا من ريف حلب يركبون سيارة تحمل أمتعتهم بجوار إشارة طريق في حلب (رويترز)

اتصالات عربية مع دمشق تتواصل بشأن التطورات الميدانية في شمال سوريا، كان أحدثها مناقشات وزيري الخارجية المصري بدر عبد العاطي ونظيره السوري بسام صباغ، التي تناولت «سبل الدعم العربي للدولة السورية في ظل التطورات الأخيرة، خاصة في إطار جامعة الدول العربية» بعد سيطرة فصائل مسلحة على مناطق بمحافظتي حلب وإدلب.

مسؤول حكومي سوري، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، يؤكد «أهمية الاتصالات العربية السورية، وأن يشمل الدعم العربي، بخلاف إمكانية عقد اجتماعات بالجامعة العربية، عدم توفير ملاذات آمنة للإرهابيين وتقديم المعلومات ومساعدات عسكرية، سواء عبر خبراء أو بجهود منظمة كما حدث من قبل في الموصل»؛ في إشارة إلى تدخل دولي كالذي حدث سابقاً ضد تنظيم «داعش» الإرهابي في العراق.

تلك الاتصالات العربية - السورية تعد، وفق خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، الأكبر منذ 2011، وتتوافق بشكل مباشر على مساندة دمشق، متوقعين أن تحمل دعماً عبر مستويات سياسية وقانونية ودبلوماسية وإغاثية وإمكانية عقد اجتماع طارئ بالجامعة العربية. وأحد الخبراء استبعد التدخل العسكري العربي في ظل «عدم التوافق على هذه الآلية حالياً».

وعلى مدى الأيام الماضية، شنّت فصائل مسلّحة في شمال غربي سوريا، بقيادة «هيئة تحرير الشام»، هجوماً عسكرياً سيطرت خلاله على مناطق في محافظتي حلب وإدلب، خاضعة لسيطرة الحكومة، بعد أربع سنوات من الهدوء النسبي.

وتلقى عبد العاطي، الأربعاء، اتصالاً هاتفياً من صباغ «تناول آخر المستجدات والتطورات الميدانية في شمال سوريا، والتداعيات الوخيمة لهذه التطورات على أمن واستقرار سوريا والمنطقة بأسرها»، مجدداً «موقف القاهرة الثابت والداعم للدولة السورية وسيادتها ووحدة وسلامة أراضيها والأهمية البالغة لحماية المدنيين»، وفق بيان للخارجية المصرية.

وعن مستجدات المواقف العربية، قال مستشار مجلس الوزراء السوري عبد القادر عزوز، لـ«الشرق الأوسط» إن «المباحثات العربية - السورية مستمرة، وخاصة أن جميع الأشقاء العرب لهم دور كبير، لأن ما يحدث يهدد استقرار المنطقة وليس شأناً سورياً على الإطلاق»، موضحاً أنه «عندما تسيطر جبهة النصرة، فرع تنظيم (القاعدة)، على الشمال السوري، فهذا أمر يقوض الأمن والاستقرار، وسيجعل هناك تمكين أكبر للتنظيمات الإرهابية، وقد يحرك الخلايا النائمة في دول المنطقة».

ويعد هذا التحرك العربي الرسمي المباشر للدولة السورية، هو الأكبر منذ 2011، وفق تقدير الخبير في العلاقات الدولية، الدكتور بشير عبد الفتاح؛ في إشارة لمطالب الدول العربية بدعم استقرار الدولة ووحدة ترابها.

وبحث الاتصال الهاتفي بين وزيري خارجية مصر وسوريا أيضاً «سبل الدعم العربي للدولة السورية في ظل التطورات الأخيرة، خاصة في إطار جامعة الدول العربية»، وفق بيان صحافي للخارجية المصرية، الأربعاء، فيما أكد رئيس مجلس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الأربعاء، في مؤتمر صحافي بالقاهرة «دعم مصر لدولة سوريا الشقيقة ووحدة أراضيها، في ضوء التحدي الراهن الذي تواجهه».

وبرأي مستشار مجلس الوزراء السوري عبد القادر عزوز، فإن «أشكال الدعم العربي بخلاف إمكانية عقد اجتماع بالجامعة العربية لبحث تقديم الدعم، تتمثل في تقديم المعلومات للدولة السورية، وعدم توفير ملاذات آمنة لهؤلاء الإرهابيين، وعدم السماح باستغلال الثروات السورية».

ولا يستبعد المسؤول السوري إمكانية أن «يصل الدعم للشكل العسكري، خاصة أن أحد صنوف مكافحة سيطرة الإرهاب على مدينة هو مواجهته عسكرياً، كما حدث في الموصل من قبل».

ويري نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور مختار غباشي، أنه قد يكون هناك اجتماع عربي طارئ بالجامعة العربية لدعم سوريا، غير أنه يرى أن الدعم الدبلوماسي لن يكون مفيداً بالشكل الذي يماثل وجود دعم حقيقي على الأرض بالمعدات العسكرية مثلاً.

وباعتقاد غباشي، فإن سوريا تريد دعماً حقيقياً عربياً لتأكيد عودتها التي تمت للجامعة العربية مؤخراً، بعيداً عن الحاضنة الإيرانية، وبالتالي تطورات الموقف العربي والدعم على الأرض هما الأهم حالياً، خاصة وأن الموقف شديد الخطورة، وقد «يجعل سوريا مختطفة مرة أخرى».

وعن إمكانية تفعيل معاهدة الدفاع العربي المشترك، التي تم توقيعها عام 1950، استبعد عبد الفتاح وصول الأمر لدعم عسكري؛ لأنه «لا توجد أي آلية عربية واضحة لهذا الإطار، ولا يوجد توافق بهذا الخصوص»، مؤكداً أن «الدعم سيكون على جميع المستويات سواء السياسية والقانونية والدبلوماسية والإغاثية لوقف إطلاق النار ومنع التدخلات الخارجية».

ويرى «أهمية النظر للبعد الإنساني في سوريا، حيث هناك 7 ملايين نازح و16 مليوناً يحتاجون للمساعدات والتركيز على هذا الجانب مع التحرك في المسارات القانونية والدبلوماسية الأخرى ضد التدخلات الخارجية، والعمل على دعم وحدة التراب السوري وتمسك الدولة السورية ومؤسساتها، خاصة أن هناك تداعيات كبيرة للأزمة».

وخلال جلسة لمجلس الأمن بشأن التطورات السورية، الثلاثاء، أكد ممثل الجزائر لدى مجلس الأمن، عمار بن جامع، أنه لا يوجد حل عسكري للأزمة السورية، وطالب بضرورة التوصل إلى حل سياسي يحافظ على وحدة وسيادة سوريا.

وفي كلمته، وجه المندوب السوري لدى الأمم المتحدة قصي الضحاك، أصابع الاتهام إلى إسرائيل وتركيا قائلاً إن «الهجوم على شمال سوريا لم يكن من الممكن تنفيذه دون ضوء أخضر وأمر عمليات تركي إسرائيلي مشترك»، مطالباً بإلزام «الدول المشغلة لهذه التنظيمات» بالعدول عن سياساتها.

فيما أكدت نائبة السفير التركي لدى الأمم المتحدة سيرين أوزغور، خلال الجلسة، أن عودة النزاع للظهور مرة أخرى في سوريا تعكس التحديات العالقة. وقالت: «سوريا ستبقى في حلقة العنف دون إطلاق عملية حقيقية للمصالحة الوطنية»، مضيفة أن وجود التنظيمات «الإرهابية» في سوريا يقوض أمن تركيا، التي قالت إنها «ستواصل اتخاذ كل التدابير المطلوبة لحماية أراضيها ومصالحها».

وفي ظل تلك المتغيرات، حذر مستشار مجلس الوزراء السوري عبد القادر عزوز من «خطر إحياء تنظيمي (القاعدة) و(داعش)»، مطالباً «بتحرك عربي قبل فوات الأوان، وتهديد ذلك الخطر للمنطقة كلها».

ويتفق عبد الفتاح مع هذه المخاطر، قائلاً إن المشهد في شمال سوريا يحمل تداعيات خطيرة أبزرها عودة «داعش»، مثلما تحذر الولايات المتحدة، مع البيئة المتوفرة لظهور ذلك التنظيم الإرهابي مع هشاشة الحالة السورية، معتقداً أن تلك التداعيات قد تحمل ارتدادات سياسية واقتصادية وأمنية واسعة تهدد دول الجوار وتنقل اضطرابات لدول بالمنطقة.

وفي جلسة سرية للبرلمان العراقي، الأربعاء، أكد رئيس الحكومة محمد شياع السوداني قدرة الأجهزة الأمنية على ضبط الحدود، ومنع أي اختراق أمني، في ظل التوترات السورية، وقالت مصادر برلمانية لـ«الشرق الأوسط»، إن «السوداني قدم عرضاً مفصلاً حول الوضع في سوريا، والاحترازات الأمنية التي يقوم بها العراق، خصوصاً على الحدود»، وأشارت إلى أن «رئيس الحكومة أكد انخراط الدبلوماسية العراقية في حوارات إقليمية ودولية لإعادة الاستقرار في سوريا».

وبرأي عبد الفتاح، فإن الموقف العراقي تحرك سريعاً منذ بداية الأحداث ولم ينتظر الموقف العربي، غير أنه غير متفائل بإمكانية إبداء الرئيس السوري أي تنازل في أي حوار مستقبلي قد يحدث.