صباح دامٍ في غزة... إسرائيل تغتال 3 من قادة «السرايا» وتستعد لأيام من القتال

40 طائرة شاركت في عملية «السهم الواقي»... إغلاق القطاع وشل الحركة في مستوطنات الغلاف بانتظار شكل الرد وحجمه

مبنى تم تدميره بعد غارة جوية إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
مبنى تم تدميره بعد غارة جوية إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
TT

صباح دامٍ في غزة... إسرائيل تغتال 3 من قادة «السرايا» وتستعد لأيام من القتال

مبنى تم تدميره بعد غارة جوية إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)
مبنى تم تدميره بعد غارة جوية إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

اغتالت إسرائيل في ضربة «مؤجلة» 3 من أبرز قادة «سرايا القدس» الذراع العسكرية لحركة «الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة، وقتلت إلى جانبهم 10 آخرين من عائلاتهم أو جيرانهم، في صباح دامٍ قد يفتح جولة قتال واسعة، لم تتضح ملامحها بعد.

وأغارت طائرات إسرائيلية بشكل مفاجئ على قطاع غزة بعد نحو أسبوع من إرساء هدوء تام هناك، واستهدفت في وقت واحد، أمين سر المجلس العسكري لـ«سرايا القدس»، جهاد غنام (62 عاماً) في منزله بمدينة رفح جنوب القطاع، وقائد المنطقة الشمالية في «السرايا» خليل البهتيني (44 عاماً)، وعضو المكتب السياسي أحد مسؤولي العمل العسكري في الضفة الغربية، المبعد إلى غزة، طارق عز الدين (48 عاماً)، وقتلتهم، وكل من معهم في الشقق وجيرانهم.

وقال مدير مجمع الشفاء الطبي محمد أبو سلمية، إن «حصيلة العدوان على غزة، 13 شهيداً، بينهم 4 أطفال و6 نساء». وهذه أرقام مرشحة للارتفاع في ظل وجود حالات حرجة وخطيرة في غرف العمليات.

تصاعد الدخان والنيران فوق المباني بعد غارة جوية إسرائيلية على غزة (أ.ف.ب)

وكان الجيش الإسرائيلي أعلن فجر اليوم (الثلاثاء)، أنه بدأ عملية «السهم الواقي» ضد حركة «الجهاد الإسلامي» في قطاع غزة، واستهدف في ضربة موسعة شاركت فيها 40 طائرة في وقت واحد، 3 من أبرز قادة «السرايا» وسلسلة مواقع لإنتاج وتخزين الأسلحة ومعدات عسكرية، ومواقع عسكرية.

وقال ناطق باسم الجيش الإسرائيلي إن العملية في غزة كانت «جراحية دقيقة» وناجحة جداً.

https://twitter.com/aawsat_News/status/1655885292673413122

وجاءت الضربة في ظل هدوء تام في قطاع غزة بعد مواجهة قصيرة بالصواريخ حدثت الثلاثاء الماضي، في أعقاب وفاة القيادي في «الجهاد الإسلامي»، خضر عدنان في السجون الإسرائيلية بعد 86 يوماً على إضرابه عن الطعام، قبل أن تتدخل مصر وقطر والأمم المتحدة لإرساء تهدئة هناك.

وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن الضربة لقادة «السرايا» استمر التخطيط لها منذ شهر رمضان، بعد إطلاق الصواريخ من غزة في أعقاب أحداث المسجد الأقصى، ولكن لأسباب عدة تقرر تأجيل العملية وتنفيذها في وقت مناسب، منها الحصول على ضوء أخضر من الولايات المتحدة، لكن ناطقاً عسكرياً إسرائيلياً قال لإذاعة «كان»، إن قرار الاغتيال اتخذ بعد الهجوم الصاروخي الثلاثاء الماضي، ولاعتبارات مختلفة تم تأجيل العملية لحين وصول معلومات استخباراتية دقيقة.

عمال الإنقاذ يمشون فوق الأنقاض في أعقاب الضربات العسكرية الإسرائيلية على أهداف لحركة «الجهاد الإسلامي» في غزة (رويترز)

وبحسب مصادر، تم رصد الأهداف الثلاثة في وقت واحد، ثم تقرر تنفيذ العملية. ويبدو أن قادة «السرايا» كانوا يتجهزون إلى جانب قادة آخرين من المستوى السياسي لمغادرة قطاع غزة إلى القاهرة ثم دول أخرى، في جولة تستهدف عقد لقاءات بين قيادة الداخل والخارج.

وقالت مصادر في «الجهاد» إن قادة السرايا كانوا متخفين عن الأنظار، لكنهم ظهروا بعد تلقي الإذن بالسفر من أجل ترتيب أمورهم وتوديع عائلاتهم.

ونعت «الجهاد» قادتها وتعهدت بالثأر، وقالت إن كل الخيارات مفتوحة.

ويفترض أن يشيع قادة «الجهاد» إلى مثواهم الأخير بعد ظهر اليوم، وبعد ذلك ستظهر طبيعة الرد من غزة.

لكن مصدراً سياسياً إسرائيلياً رفيعاً هدد بأن إسرائيل سترد على أي تصعيد بقوة متناهية. وجاء في بيان أصدره المصدر السياسي: «قادة الجهاد الذين تم استهدافهم خططوا مؤخراً لتنفيذ هجمات إرهابية ضد مواطني إسرائيل»، وأن «الحملة الحالية هي رد على (العدوان المستمر للجهاد الإسلامي)».

كما أكد ناطق عسكري إسرائيلي أن العملية مفتوحة، وقد تتطور بحسب الأحداث، في مؤشر على استعداد إسرائيل للدخول في مواجهة واسعة.

واستعداداً لذلك، يلتئم المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية اليوم، لتقييم الوضع واتخاذ قرارات تتعلق بالتطورات.

وحتى ذلك الوقت، أعلن وزير الدفاع يوآف غالانت، فرض حالة خاصة على الجبهة الداخلية، بما يشمل إجراء تغيرات في حركة السير على الطرقات الإسرائيلية القريبة من قطاع غزة وإغلاق الطرقات المكشوفة منها تجاه قطاع غزة.

وقال ديوان غالانت إن «الوزير وافق على تفعيل الخطة التي تسمح لسكان البلدات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة بالإخلاء نحو باقي المناطق داخل إسرائيل في كل المدن».

وأغلق الجيش الطرق المحاذية للسياج الحدودي مع قطاع غزة، كما منع الوصول إلى شاطئ «زكيم»، وأوقف حركة القطارات حتى 40 كم، كما تقرر إغلاق المدارس والجامعات في كل المناطق القريبة من غزة.

إضافة إلى ذلك، أعلن منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، الجنرال غسان عليان، إغلاق معبري «إيرز» و«كرم أبو سالم» من وإلى إسرائيل فوراً وحتى إشعار آخر.

وتنتظر إسرائيل رداً من «الجهاد»، فيما تترقب ما إذا كانت «حماس» ستدخل على خط المواجهة، أم لا، وهو ما قد يعني مستوى مختلفاً من المواجهة. ويعتقد مسؤولون في إسرائيل أن «حماس» ستحيد نفسها، مثلما حدث في جولات سابقة ضد «الجهاد»، لكن آخرين يروون أنها قد لا تستطيع الوقوف متفرجة هذه المرة.

وهدد رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، بتدفيع إسرائيل الثمن. وقال في بيان مقتضب: «العدو أخطأ في تقديراته وسيدفع ثمن جريمته». وأضاف: «المقاومة وحدها ستحدد الطريقة التي تؤلم العدو الغادر، والعدوان يستهدف كل شعبنا والمقاومة موحدة في مواجهته».



إسرائيل جمعت قاعدة معلومات استخباراتية من معتقلي غزة

أسرى فلسطينيون في سجن إسرائيلي (أرشيفية - مصلحة السجون)
أسرى فلسطينيون في سجن إسرائيلي (أرشيفية - مصلحة السجون)
TT

إسرائيل جمعت قاعدة معلومات استخباراتية من معتقلي غزة

أسرى فلسطينيون في سجن إسرائيلي (أرشيفية - مصلحة السجون)
أسرى فلسطينيون في سجن إسرائيلي (أرشيفية - مصلحة السجون)

حوّلت إسرائيل المعتقلين الفلسطينيين الذين اقتادتهم من قطاع غزة إلى المعتقل المؤقت في قاعدة «سديه تيمان» بالنقب إلى المصدر الاستخباراتي الأول والأهم في الكثير من مراحل الحرب الحالية، وهو ما ساعد إلى حد ما في الوصول لقيادات من «حماس» وحتى لجثث مختطفين كانوا داخل أنفاق.

وتعمدت القوات البرية الإسرائيلية اعتقال أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من غزة إلى داخل إسرائيل، خصوصاً إلى سجن قاعدة «سديه تيمان» الذي خصص لمعتقلي غزة مع بدء الحرب الحالية المستمرة منذ 11 شهراً، وذاع صيته في العالم في الآونة الأخيرة بسبب الانتهاكات غير العادية بحق المعتقلين فيه.

وقالت مصادر فلسطينية مطلعة لـ«الشرق الأوسط» إن أحد أسباب وصول إسرائيل للمكان الذي يعتقد أنه اغتيل فيه محمد الضيف قائد «كتائب القسام»، الجناح المسلح لحركة «حماس»، بمنطقة مواصي خان يونس، جنوب قطاع غزة، هو بعض المعتقلين من أقارب قيادات كانوا في المكان.

وحسب المصادر، فإن جهاز الأمن العام الإسرائيلي «الشاباك» حصل على صور حديثة جداً للضيف ورافع سلامة، قائد لواء خان يونس، من معتقلين أدلوا خلال التحقيق معهم تحت التعذيب الشديد بمواقع كان يتردد إليها سلامة ومنها المكان الذي اغتيل فيه، الذي يعود لأقاربه.

وعززت الصور التي قدمها معتقلون صورة كان حصل عليها جهاز «الشاباك» للضيف ورافع سلامة معاً في مقطع فيديو لهما سوياً في أرض زراعية داخل أحد مواقع «كتائب القسام». واعتقلت إسرائيل خلال العمليات البرية الكثير من عناصر «حماس» والنشطاء في جناحها العسكري وكذلك فصائل أخرى، دون أن يعرف العدد النهائي للمعتقلين بشكل كلي من قطاع غزة، رغم الإفراج عن العشرات منهم على فترات متباعدة.

أسرى فلسطينيون في جباليا يوم 14 ديسمبر (رويترز)

6 آلاف أسير

ووفقاً لتقديرات مؤسسات مختصة بالأسرى، فإن العدد يفوق 6 آلاف أسير، يتعرضون لأنواع شتى من التعذيب، ما أثر على بعضهم عقلياً وجسدياً، وظهر ذلك على من أفرج عنهم وهم يعانون من صدمات نفسية رهيبة سيحتاجون معها لسنوات من العلاج النفسي.

وأكدت مصادر ميدانية لـ«الشرق الأوسط» أن عدداً كبيراً من المعتقلين استخدمتهم القوات الإسرائيلية في نصب كمائن لمقاومين تم قتلهم أو اعتقالهم، كما استخدمت بعضهم دروعاً بشريةً بعد أن كانت تدخلهم للأنفاق للكشف عن أي عبوات ناسفة أو كمائن قد تكون منصوبة لهم حتى لا يقتلوا أو يصاب بها الجنود الإسرائيليون.

ووفقاً للمصادر ذاتها، فإن بعض المقاتلين أسروا بعد إصابتهم، وتم لاحقاً جلبهم لأماكن أنفاق عثر فيها على جثث لأسرى إسرائيليين في خان يونس. وكان الجيش الإسرائيلي قد أعلن في 20 أغسطس (آب) الماضي عثوره على جثث 6 أسرى دفنوا في نفق شمال غرب خان يونس، فيما أعلن في نهاية يوليو (تموز) العثور على 5 جثامين أخرى في شرق المدينة.

وتقول المصادر الميدانية إن الأسرى الستة كانوا قتلوا في سلسلة هجمات إسرائيلية عندما كانوا فوق الأرض، وبعضهم قتل في حادث إطلاق نار من آليات عسكرية توغلت في محيط مدينة حمد، وهو المكان الذي عثر فيه على جثامينهم بنفق في المنطقة لم تكتشفه القوات الإسرائيلية مسبقاً رغم أنها دخلت قبل ذلك في المنطقة نفسها.

وبينت أن أحد المقاومين الذي أُسر بعد إصابته اعترف بمكان دفنهم بعد تعرضه لتعذيب قاس. أما الأسرى الخمسة فكانوا قد دفنوا في نفق بمنطقة بني سهيلا شرق خان يونس، وقتلوا بغارتين سابقتين في مكانين منفصلين. وبعد اعتقال أحد المقاومين من مبنى بالمدينة وبعد التحقيق معه لأكثر من شهر وتحت التعذيب الشديد اعترف على مكانهم.

قالت «حماس» في عام 2021 إنها قامت ببناء أنفاق بطول 500 كيلومتر تحت غزة (أ.ف.ب)

معلومات استخباراتية دقيقة

وتشير المصادر إلى أنه لم تكن هناك أي فرصة لنقل الجثث من هناك في ظل الظروف الميدانية الصعبة. وأظهر مقطع فيديو نشره الجيش الإسرائيلي بعد ساعات على اكتشاف جثامين الأسرى الخمسة معتقلاً فلسطينياً مكبل اليدين ويرتدي زياً عسكرياً إسرائيلياً وسترة واقية، وحذاءً رياضياً، يقود القوات الإسرائيلية إلى هناك.

وادعى الجيش الإسرائيلي قبل ساعات من الفيديو من خلال بيانه أن معلومات استخباراتية دقيقة أوصلت قواته إلى جثامين الأسرى الخمسة، وهو الأمر الذي كرره لاحقاً في الوصول لجثث الأسرى الستة شمال غرب خان يونس. وذكرت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية أن المعتقل كان من نشطاء «حماس»، وقد أدلى بمعلومات أوصلت الجيش إلى جثث الأسرى.

وحسب مصادر من «حماس»، فإن الأسرى الذين يتعرضون لتعذيب وتنكيل شديدين يضطرون أحياناً لتقديم معلومات. وهذا مفهوم لدى قادة الحركة ومتوقع كجزء من الحرب. ولم تساعد معلومات المعتقلين في الوصول إلى جثث فقط، بل أيضاً بعض القيادات في أنفاق. لكن أيضاً المعلومات تحت التعذيب قادت إلى مجازر مدنيين.

وقالت المصادر إن الاحتلال أجبر مواطنين لا علاقة لهم بالمقاومة على تقديم اعترافات مزيفة أدت لتنفيذ عمليات استهدفت في مراكز إيواء بحجة استخدامها مراكز قيادة ما أدى إلى مجازر. وروت المصادر قصة أحد الشبان الذي اعتقل قبل نحو شهرين لدى تنقله من شمال قطاع غزة إلى جنوبه عبر محور نتساريم مع أفراد من عائلته، وتم اعتقاله وبعد التحقيق معه وتعذيبه الشديد اعترف على أن أحد أقاربه ناشط في «حماس» ما دفع جيش الاحتلال لقصف منزله وأدى لمقتل عائلته وأقاربه النازحين لديهم، فيما لم يكن المطلوب بالأساس داخل البيت الذي لم يصله منذ الحرب.

وتؤكد المصادر أن جيش الاحتلال يعتمد على اعترافات الأسرى تحت التعذيب من أجل تحديث بنك أهدافه الذي أثبت في الكثير من المرات أنه كان مجرد بنك خالٍ من أهداف حقيقية وثمينة. وحسب إحصاءات رسمية قتلت إسرائيل أكثر من 37 أسيراً من قطاع غزة «تحت التعذيب»، في سجن «سديه تيمان». وكشفت اعترافات أسرى وتحقيقات سابقة عن انتهاكات جسيمة تمارسها إسرائيل ضد المعتقلين الفلسطينيين، بما في ذلك موتهم تحت التحقيق القاسي.